تقرير: وثيقة لوزارة الدفاع في يونيو 2023 تقترح منح حماس شبه سيادة في قطاع غزة
أوصت الوثيقة السرية للغاية التي كتبها منسق أعمال الحكومة في المناطق، باقتراح مصري بهدنة طويلة الأمد؛ رئيس الأركان الإسرائيلي نصح بالمضي قدمًا في هذا الاقتراح؛ الفريق الإسرائيلي تواجد في القاهرة قبل أيام من هجوم 7 أكتوبر

أفاد تقرير تلفزيوني مساء السبت أن وحدة وزارة الدفاع التي تشرف على قطاع غزة أعدت وثيقة قبل أربعة أشهر من هجمات 7 أكتوبر 2023 التي نفذتها حركة حماس الحاكمة لغزة، توصي بهدنة طويلة الأمد محتملة مع الحركة في غزة، والتي بموجبها تعترف إسرائيل بحكم حماس في القطاع وتمنحها ما يشبه السيادة، بحسب ما جاء في تقرير تلفزيوني مساء السبت.
وقالت القناة 12 إن الوثيقة السرية للغاية، التي تحمل عنوان: ”برنامج ’هدنة طويلة الأمد‘ في القطاع”، كتبها اللواء غسان عليان، منسق أعمال الحكومة في المناطق، وتم توزيعها على كبار المسؤولين الأمنيين في 11 يونيو 2023.
وقال التقرير إن الخطة نوقشت في اليوم التالي في مشاورات قادها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك هرتسي هليفي، وكانت توصية هليفي هي أنه يجب المضي قدمًا في الفكرة بهدف ”أخذ قطاع غزة في اتجاه أفضل“.
وأشار التقرير التلفزيوني إلى أن إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع حماس كانت لا تزال تعتبر قابلة للتطبيق قبل أيام من هجوم حماس، وقال إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت أرسلا وفدا من وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق وجهاز الأمن العام (الشاباك) إلى القاهرة قبل 10 أيام من المجزرة لمعرفة ما إذا كان من الممكن الدفع بمثل هذه الهدنة والاستقرار طويل الأمد مع حماس.
وقالت القناة 12 إن اقتراح الهدنة المنصوص عليه في وثيقة عليان في 11 يونيو 2023، كان بمبادرة مصرية. وأفاد التقرير التلفزيوني أن الجهود التي بذلتها إسرائيل للمضي قدمًا في هذا الاقتراح، تؤكد إلى أي مدى انخدعت في تصديق أن حماس تسعى إلى هدوء طويل الأمد وسيادة في غزة، حتى عندما كانت تقوم باستعدادات دقيقة للاجتياح ومذبحة 7 أكتوبر.
وعلاوة على ذلك، قال التقرير إن السياسة الإسرائيلية العملية، بما في ذلك دعم سنوات من التمويل النقدي لغزة من قطر ومدفوعات ضخمة للأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) التي شملت أيضا مبالغ كبيرة نقدا، كانت أساسية لآلة الحرب التي تستخدمها حماس. وفي الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر، قال التقرير التلفزيوني إن إسرائيل سمحت حتى باستيراد إطارات للدراجات النارية إلى غزة، وكذلك المعادن التي استخدمتها حماس بعد ذلك في تصنيع الصواريخ والمواد الكيميائية التي استخدمت في إطلاقها.
كما أضاف التقرير إن اقتراح الهدنة المفصل في وثيقة 11 يونيو 2023 ”دعا في جوهره إلى الاعتراف بحكم حماس في غزة، ومنحها السيادة – أي ما يقارب من دولة“.

أُرسلت وثيقة عليان في 11 يونيو إلى رئيسي الشاباك والموساد ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وضباط كبار آخرين في الجيش الإسرائيلي، وكذلك إلى رئيس منسق أعمال الحكومة في المناطق في ذلك الوقت، غالانت.
وجاء في الوثيقة، حسبما ذكر التقرير، أن الظروف والمعطيات ”هيأت الفرصة للدفع بفكرة الهدنة، عن طريق الشركاء: المصريين والقطريين”.
“هذه الظروف تضمن الاستقرار على المدى البعيد، وتحد من تعزيز قوة حماس في القطاع. من الواضح أن حماس معنية بالتقدم… اتفاق على التفاهمات، في خطوة من شأنها أن تقوي العناصر الأكثر اعتدالا في قيادة حماس في غزة“.
وأشار التقرير التلفزيوني إلى أن يحيى السنوار، العقل المدبر وراء عملية 7 أكتوبر، كان قد قال في مقابلة مع القناة 12 في العام 2006، عندما كان في السجن الإسرائيلي، إنه معني بهدنة طويلة الأمد، والتي ”ستمكن من تحقيق الهدوء لجيلنا وربما للجيل القادم“، في تأكيد على ما يبدو على استراتيجية الازدواجية التي اتبعتها حماس منذ فترة طويلة والتي سبقت هجوم 7 أكتوبر 2023.
كما بثت مقطعًا صوتيا لهليفي وهو يقول لسكان كيبوتس نير عوز في وقت سابق من هذا الشهر إن حماس ”نجحت في خداعنا“ قبل الهجوم وتصديق أنها تسعى إلى تهدئة طويلة الأمد. وقال هليفي إن حماس تواصلت مع منسق أعمال الحكومة في المناطق وشعبة غزة في الجيش الإسرائيلي لتطلب علاج أطفال غزة المصابين بالسرطان في إسرائيل، كإشارة ظاهرية للرغبة في التعاون ”من أجل تهدئتنا وتهيئة الأرضية“.
وأشار التقرير إلى أنه بحلول مايو 2023، كان السنوار قد قرر حتى موعد تنفيذ الهجوم في 7 أكتوبر. في نفس الوقت الذي اتخذ فيه السنوار هذا القرار تقريبا، عرضت مصر على وفد إسرائيلي في القاهرة – ضم ممثلين عن جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي برئاسة عليان – اقتراح الهدنة طويلة الأمد. وعند عودتهم، شكل منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق فريقًا يضم أعضاء من الشاباك والفرقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي للعمل على الفكرة، وهو ما أدى بدوره إلى وثيقة عليان في الشهر التالي.
وجاء في التقرير أن حماس كانت تحافظ على الحوار مع إسرائيل في ذلك الوقت، زاعمةً أنها معنية فقط بتحسين الوضع الاقتصادي لغزة.
ونقلت القناة 12 عن وثيقة عليان: ”حماس قلقة للغاية من التصعيد إلى صراع آخر في الوقت الحالي. إنها تخشى للغاية من ذلك، بما في ذلك القادة المتشددين والجناح العسكري“.
كما ميّزت وثيقة المنسق بين حماس، التي أكدت أنها تُظهر قيادة مسؤولة وتسعى إلى تحقيق السيادة في غزة، وبين حركة الجهاد الإسلامي الأصغر حجمًا. وجاء في الوثيقة أن ”حركة الجهاد الإسلامي تتحدى سياسة حماس الجديدة فيما يتعلق بإسرائيل“.
وفي معرض تحديدها لبعض ما ستتضمنه الهدنة، أشارت الوثيقة إلى ”القبول عمليًا بحكم حماس، والسماح لها بترسيخ نفوذها على الجبهة الفلسطينية، إلى جانب توسيع علاقاتها مع الأطراف الفاعلة الإقليمية“.
وورد أن الوثيقة أوصت بـ”التحقق مع المصريين من جدوى هدنة طويلة الأمد“، وشددت على أن ”منطق الهدنة يقوم على خلق مبادرة مصرية وليس إسرائيلية“.
ودعا هليفي كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك نائب رئيس الأركان وقائد سلاح الجو، إلى مناقشة ”النظام الأمني في غزة“ في 12 يونيو، حيث تمت مناقشة وثيقة عليان.
وجاء في التقرير التلفزيوني أن توصية هليفي في نهاية تلك المناقشة كانت أن يتم العمل مع الوسطاء لأخذ غزة في اتجاه أفضل تحت عنوان ”الهدنة“.
في يوليو 2023، عقد المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) أول اجتماع له بشأن غزة منذ توليه السلطة في ديسمبر السابق. ووافق الكابينت برئاسة نتنياهو على ”الدفع بالترتيبات المدنية مع حماس، مع الإصرار على الحفاظ على مطالب إسرائيل في هذا الصدد، بالتنسيق مع المراحل التي حددها منسق أعمال الحكومة في المناطق“، حسبما ذكرت القناة 12، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وقالت الشبكة إن مجلس الأمن القومي قدم أيضًا خططًا في الاجتماع، بما في ذلك ”بذل جهد للحفاظ على الهدوء طويل الأمد، وفحص حلول طويلة الأمد من أجل استقرار مطول“.
وقال التقرير التلفزيوني إن المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل سجلوا ادعاءات حماس برغبتها في التهدئة، لكنهم تجاهلوا كل الرسائل المناقضة التي كانت تصدرها الحركة في وسائل الإعلام العربية، حيث كانت تدعو باستمرار إلى الجهاد. واستشهد التقرير بخطاب للسنوار في مايو 2022 دعا فيه الفلسطينيين إلى مهاجمة الإسرائيليين بكل ما لديهم من بنادق أو فؤوس أو سواطير، ومسلسل درامي تلفزيوني بثته قناة حماس التلفزيونية في ذلك العام يظهر غزوًا.
وقال أيضًا إن نتنياهو لم يكتفِ بتشجيع التمويل القطري لغزة، بل تدخل أيضًا للحفاظ على تدفق الأموال إلى الأونروا، بما في ذلك الأموال النقدية، بعد أن أوقف الرئيس دونالد ترامب تمويل الهيئة الأممية في عام 2018. وقال الجيش الإسرائيلي في مارس 2024 إن أكثر من 450 ناشطا من حماس والجهاد الإسلامي يعملون في الأونروا.

وأشار التقرير إلى أن اقتراح الهدنة الذي قدمه عليان يعكس سياسة إسرائيل عشية السابع من أكتوبر، لكنه لم يرد ذكره في أي من تحقيقات الجيش الإسرائيلي في هجوم 7 أكتوبر حتى الآن.
ولم يحدد التقرير ما إذا كان التحقيق الذي أجراه منسق أعمال الحكومة في المناطق في الهجوم يشير إلى الوثيقة، لكنه قال إن لا هليفي ولا خليفته إيال زمير طلبا الاطلاع على تحقيق المنسق بعد. وأشارت أيضًا إلى أنه في حال تم التحقيق مع المنسق بشأن الوثيقة، فسيتعين أيضًا توجيه أسئلة إلى غالانت ونتنياهو. ”مثل هذا التحقيق سيُظهر أن الحكومة هي التي بادرت وأوجدت مفهوم“ التهدئة المحتملة طويلة الأمد مع حماس، “مع منسق أعمال الحكومة في المناطق”.
وفي رده على التقرير، قال منسق أعمال الحكومة في المناطق للقناة التلفزيونية إن وثيقة عليان ”قدمت مقترحًا مصريًا من يونيو 2023، وليس مبادرة إسرائيلية“. وقال إن المناقشات بشأنها ”جرت وفقًا لسياسة القيادة السياسية“.
وردا على التقرير، كرر غالانت مطالبته بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر، تغطي على الأقل العقد الماضي، بحيث يتم استجوابه هو أيضًا.
وقالت القناة 12 إن الشاباك والجيش الإسرائيلي ومكتب نتنياهو لم يردوا على الاستفسارات بشأن التقرير.