تقرير معهد الأبحاث “ميتفيم”: ترميم البنية التحتية في غزة أمر ضروري للصحة العامة في إسرائيل
حتى لو لم يكن الموت الجماعي بسبب الجوع تهديدا فوريا على سكان غزة، لكن دون مياه جارية وكهرباء وصرف صحي مناسب، فإن قطاع غزة سيتحول إلى بؤرة للأمراض الخارجة عن السيطرة؛ معهد الأبحاث "ميتفيم" نشر وثيقة حول وضع البنى التحتية في غزة، والتي تتضمن أيضا مجموعة من التوصيات
وبخ الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية قبل نحو أسبوعين بسبب الوضع الإنساني في قطاع غزة، وفور المحادثة ارتفعت وتيرة دخول شاحنات المواد الغذائية والأدوية والمعدات إلى غزة – وأعلنت إسرائيل فتح معبر إيرز في الشمال أمام دخول الشاحنات والسماح بنقل البضائع من ميناء أشدود إلى غزة.
جاء هذا التطور بعد أن قتل الجيش الإسرائيلي سبعة من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي”. في المجتمع الدولي غضبوا من القيود العديدة المفروضة على المساعدات الإنسانية الموجهة إلى مليوني نسمة من سكان غزة، وكثر الحديث في وسائل الإعلام العالمية عن المجاعة والكارثة الإنسانية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
وبينما لا تزال إسرائيل تجد صعوبة في إدراك الحالة المزرية للبنية التحتية في غزة، فمن الواضح للكثيرين في المجتمع الدولي أن جلب الغذاء ليس سوى خطوة أولى، وأن حالة البنية التحتية في غزة تتطلب معالجة مكثفة على المدى الفوري وعلى المدى الطويل من أجل منع الوفيات الجماعية نتيجة لنقص المياه والصرف الصحي والكهرباء.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
حتى لو لم يكن الموت الجماعي بسبب الجوع تهديدا فوريا على سكان غزة، لكن دون مياه جارية وكهرباء وصرف صحي سليم، فإن قطاع غزة سيتحول إلى بؤرة للأمراض الخارجة عن السيطرة. في معهد “ميتفيم” – وهو معهد أبحاث للسياسة الخارجية الإقليمية تأسس عام 2011 – عملوا في الأسابيع الأخيرة على ورقة بحثية ومعلومات تتعلق بحالة البنية التحتية في غزة قبل وأثناء الحرب، وتتضمن الوثيقة مجموعة من التوصيات المكتوبة بشأن تحسين البنية التحتية.
أحد المبادئ التوجيهية للوثيقة هو الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية وخدمات منفصلة عن حماس، بحيث لا تتمكن الحركة من الاستمرار في السيطرة على الحد الأدنى من القدرة على البقاء بالنسبة سكان غزة. إن منع سيطرة حماس على الخدمات الأساسية هو أمر بالغ الأهمية لسكان غزة ولدولة إسرائيل على حد سواء.
بالإضافة إلى ذلك، يشيرون في “ميتفيم” إلى خوف حقيقي من تفشي الأمراض في غزة، بشكل قد يؤثر على إسرائيل أيضا. إن إصلاح وتجديد البنية التحتية والأنظمة الصحية أمر ضروري لمنع “تأثير امتداد” (Spillover Effect) العدوى والأمراض إلى إسرائيل.
وجاء في الوثيقة أن “التلوثات طويلة المدى نتيجة لعدم نشاط البنية التحتية الأساسية قد تلحق الضرر بمصادر المياه الطبيعية ومرافق تحلية المياه ومواقع ضخ المياه في إسرائيل”.
قامت بار رابابورت، وهي طالبة دكتوراه في مجال أنظمة الطاقة في الجامعة العبرية في قسم الجغرافيا، بصياغة الوثيقة بالتعاون مع منظمة “إيكو بيس الشرق الأوسط”. رابابورت – وهي زميلة في معهد “ميتفيم” ومعهد “ترومان” لحل النزاعات، وتخرجت بدرجة الماجستير في إدارة الموارد الطبيعية – تدرس قضية المساعدات الإنسانية، المتعلقة بعوالم الطاقة والبنية التحتية والمياه والدواء، منذ بداية الحرب.
وتقول رابابورت إن أحد أهداف الوثيقة هو رسم خريطة احترافية لاحتياجات غزة على المستوى المباشر وعلى مستوى فترات زمنية أطول. “إن مسألة البنية التحتية هي مسألة سياسية للغاية، لأنه إذا لم يكن هناك رد على وجود حماس في المنطقة، فلن يتم حل التحدي السياسي المتمثل في تغيير السيطرة في غزة أيضا”.
وأضافت “علينا أن نفهم أن هناك مصلحة أمنية إسرائيلية في التعامل مع هذه القضايا، ومن جانبنا نحتاج أيضا إلى فهم معنى امتداد الأمراض، أو تلوث المياه والبنية التحتية”.
تنقسم وثيقة “ميتفيم” إلى أربعة مجالات: الطاقة والكهرباء، المياه، الصرف الصحي، والخدمات الطبية. يوجد في كل فئة استعراض موجز عن حالة الإمدادات قبل الحرب وحالة البنية التحتية في هذا الوقت.
“إن المبادئ التي توجهنا في التقسيم إلى هذه المجالات هي أيضا من حيث الطرف الذي يمكنه القيام بإصلاح البنى التحتية، والذي يمكنه تشغيل على سبيل المثال محطة معالجة مياه الصرف الصحي، وأيضا شرح لماذا يجدر بإسرائيل أن تقود خطوة من شأنها أن تمنع حماس من السيطرة على إصلاح و/أو تشغيل هذه البنى التحتية”.
إذن من يستطيع حقا التعامل مع توزيع المياه وتحصيل رسوم المياه؟
“على العموم، من الأفضل أن تفعل ذلك السلطة الفلسطينية وليس الجيش الإسرائيلي، وبالتأكيد ليس حماس. في السلطة الفلسطينية هناك أشخاص وهناك هيئات مهنية تتعامل مع موضوع المياه والصرف الصحي والطاقة. لديهم أشخاص متخصصون. وبالطبع هناك تعقيد هنا لأن أفراد السلطة لن يدخلوا غزة دون التحدث والاتفاق معهم على وضعهم لفترة طويلة من الزمن.
“بالطبع هم يحتاجون إلى دعم دولي وفهم لكيفية السيطرة على المنطقة. ورغم ذلك فهم البديل الأفضل للتعامل مع البنية التحتية. أحد أهم الأشياء في التعامل مع البنية التحتية هو أن العوامل يجب أن تكون مكملة للعملية العسكرية”.
إذا سيطرت العناصر التابعة للسلطة الفلسطينية على الصنابير، ألا يعني هذا أنه تم تحييد حماس.
“لا توجد حلول سهلة هنا. في الأماكن التي قام فيها الجيش بتطهير المناطق من الإرهابيين وفي المنطقة الخاضعة للسيطرة الأمنية، يمكنك أن ترى أن هناك فوضى مدنية وهذه الفوضى تسمح للمسلحين بمواصلة السيطرة على توزيع المواد الغذائية .
“طالما لا يوجد كيان آخر يحاول إدخال الإدارة والتنظيم، فإن لدى حماس مجالا لبسط سيطرتها. بالإمكان أن ترى أن منظمات الإغاثة التطوعية يمكنها المشاركة في توزيع الغذاء، لكنها لا تمتلك أسلحة ولا يمكنها إدارة الصرف الصحي والمياه والطاقة”.
Following coordination, the repair of Bani Suheila water line has been completed.
The water line will now supply over 400,000 people in central Gaza with an additional 42 liters of high-quality water per person each day. pic.twitter.com/h8ua8R2Yuc— COGAT (@cogatonline) April 11, 2024
من أين أتيتم بالمعلومات عن الوضع الحالي للبنية التحتية؟
“نحن نتابع المعلومات اليومية الصادرة عن وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). المواد باللغة الإنجليزية – بما في ذلك تفاصيل مفصلة عن حالة البنية التحتية – ونجعلها متاحة باللغة العبرية.
“كما أننا نعمل خلف الكواليس مع شركاء إقليميين آخرين وجمعيات وتقارير من الداخل. على سبيل المثال، صدر هذا الأسبوع إعلان من قبل منسق أعمال الحكومة في المناطق حول إصلاح خط الأنابيب، لكننا أدركنا أن عمليات التصليح تمت على جانب واحد فقط من خط الأنابيب ولا تزال هناك مشكلة على الجانب الآخر. من يقرأ تقريرنا الكامل، سيرى روابط ومراجع لكل جزء من المعلومات”.
هل يوجد مكان في غزة اليوم تتدفق منه المياه من الصنبور؟
“لا يوجد أي مكان في غزة تتدفق فيه المياه من الصنبور. ربما لم يتبق سوى القليل من خدمة المياه في رفح، والتي تأتي من منشأة مياه مصرية، لكن هذا أيضا غير مؤكد. قبل الحرب، كانت هناك مياه جارية، وحتى عندها لم يكن الوضع مثاليا، ولكن لنقل المياه من نقطة إلى أخرى، فأنت بحاجة إلى شبكة كهرباء تعمل – وهذا لم يعد موجودا أيضا”.
ويعرض التقرير صورة للترابط بين البنية التحتية. فإصلاح شبكة إمدادات المياه، على سبيل المثال، والتي تشمل تشغيل المضخات ونقل المياه، يتطلب أيضا إصلاح شبكة الكهرباء. يرتبط استخدام المياه الملوثة ارتباطا مباشرا بحالة النظام الصحي. وكلما طال أمد نقص المياه، زاد العبء على الرعاية الصحية.
قبل الحرب، كان المصدر الرئيسي للمياه في غزة هو الضخ من طبقة المياه الجوفية الساحلية، التي عانت من الضخ الزائد في الآبار المنتشرة في القطاع. ونتيجة لذلك، وصلت طبقة المياه الجوفية الساحلية إلى حالة من الملوحة العالية وانخفضت جودة المياه. في الماضي، كانت طبقة المياه الجوفية الساحلية توفر 90٪ من استهلاك المياه في القطاع، ولكن جزءا صغيرا منها فقط كان صالحا للشرب.
واستُخدمت هذه المياه في الطبخ والري والغسيل والصناعة والزراعة. تنقل إسرائيل حوالي 46٪ من المياه الصالحة للشرب عبر ثلاثة خطوط أنابيب رئيسية: خط أنابيب بالقرب من كيبوتس ناحل عوز وخطي أنابيب جنوبيين بالقرب من بلدتي بني سعيد وبني سهيلا. وكانت ثلاث محطات تحلية صغيرة في مدينة غزة ودير البلح مصدرا آخر للمياه – حيث تم إنتاج 39٪ من المياه الصالحة للشرب في محطات تحلية المياه.
وأعلنت إسرائيل خلال الحرب قطع إمدادات الكهرباء القادمة من إسرائيل. ومع ذلك، بعد مرور بعض الوقت، تم استئناف تدفق المياه في الأنابيب الجنوبية. ولم يتم تجديد إمدادات الكهرباء والمياه في خط الأنابيب الشمالي. وفي وقت لاحق، تم أيضا إغلاق أحد الأنابيب الجنوبية.
يوجد اليوم مصدر مياه واحد فقط عبر أنبوب واحد يقع في بني سعيد. وتوقفت مرافق التحلية عن العمل خلال الحرب، ومؤخرا عادت اثنتين منها إلى العمل الجزئي من خلال المنظمات الدولية. كما توقفت مضخات نقل المياه في أجزاء من القطاع، بسبب اعتمادها على الكهرباء والوقود في تشغيل المولدات.
تقدم رابابورت في التقرير حلولا لمشكلة المياه على المدى القصير والمتوسط. على المدى القصير، على سبيل المثال، تقترح تركيز جهود المساعدات الدولية على تحلية مياه البحر أو تنقية الآبار المحلية وفقا لنموذج الهيكل الذي أقامته دولة الإمارات العربية المتحدة على الحدود المصرية.
وتقول رابابورت في التقرير: “بالنظر إلى التحديات على المدى القريب، وعدم الاستقرار فيما يتعلق بالمواقع السكانية بسبب استمرار القتال، ينبغي التركيز على شبكات المياه المنفصلة عن شبكة الكهرباء قدر الإمكان، وكذلك الأنظمة التي يمكن نقلها مع انتقال التجمعات السكانية”.
بعد ذلك تقدم حلولا لمشكلة المياه على المديين المتوسط والطويل، مع مراعاة ضرورة فصل هذا النشاط عن نفوذ حماس. وكما ذكرنا أعلاه، تتكرر هذه المجموعة من التحليلات والتوصيات فيما يتعلق بالطاقة والصرف الصحي والخدمات الطبية.
هناك كل أنواع الأفكار والمقترحات لبناء البنية التحتية بسرعة وعلى المدى الطويل، ولكن في الوقت نفسه هناك عالم تحت الأرض في غزة لا يزال الجيش الإسرائيلي يدعي أنه يدمره ويفجره. أليس هناك تناقض هنا؟ البناء في الأماكن المخصصة للهدم؟
“هذا صحيح، يجب علينا على الفور ضخ مياه الصرف الصحي وإصلاح البنية التحتية الكهربائية لأن حوالي 60٪ من البنية التحتية من الأسلاك الكهربائية والأعمدة الكهربائية ومرافق نقل الكهرباء دُمرت في الحرب.
“لكن بشكل عام، لا توجد طريقة لإعادة الإعمار والبناء المستقبلي مع استمرار الحرب. فمن ناحية، لماذا يرغب أي شخص في استثمار الأموال في إعادة الإعمار بينما لا تزال هناك أنفاق بحاجة إلى التفجير؟ ومن ناحية أخرى ، فمن الممكن القيام بأمور عاجلة وملحة وهي عمليات طارئة ولن يقوموا بتدميرها.
“ولكن صحيح أنه في النهاية من الصعب تنفيذ إعادة الإعمار دون وقف إطلاق النار، ويجب الإشارة أيضا إلى أنه من غير الممكن حاليا إدخال معدات ومواد متعددة الاستخدام مثل الأنابيب إلى القطاع، لأن حماس قد سبق أن أخذت هذه الأنابيب في الماضي وحولتها إلى أسلحة، لذا فمن الواضح أنه ليس من الممكن توريد المعادن والمعدات التي يمكن تحويلها إلى أسلحة. إن مسألة إصلاح البنية التحتية واستعادة عملها ترتبط بشكل كامل بالعملية عسكرية”.