إسرائيل في حالة حرب - اليوم 534

بحث

تقرير: العاملون الطبيون المعتقلون في غزة “تعرضوا للتعذيب والضرب والإهمال الطبي”

"أطفأوا السجائر على رأسي وسكبوا علي القهوة وتعرضت للضرب المبرح" تقول ممرضة فلسطينية؛ الجيش الإسرائيلي ومصلحة السجون ينفيان الاتهامات

معتقلون من غزة في ساحة سجن في جنوب إسرائيل، 14 فبراير 2024. (Chaim Goldberg/Flash90)
معتقلون من غزة في ساحة سجن في جنوب إسرائيل، 14 فبراير 2024. (Chaim Goldberg/Flash90)

كشف تقرير جديد صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل والتي تدافع عن حقوق الفلسطينيين، أن العاملين في المجال الطبي في غزة الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية واحتجزوا في مرافق الاحتجاز الإسرائيلية أثناء الحرب مع حماس تعرضوا لانتهاكات واسعة النطاق وشديدة، بما في ذلك الضرب وأشكال مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي والتجويع.

ونفى الجيش الإسرائيلي ومصلحة السجون الإسرائيلية هذه الاتهامات.

ويستند التقرير إلى شهادات قدمها 24 معتقلاً لمحامي منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل الذين تمكنوا من زيارة هؤلاء الأفراد في مراكز الاعتقال العسكرية أو مرافق مصلحة السجون الإسرائيلية حيث كانوا محتجزين.

وتحدثت إحدى المعتقلات عن تعرضها للتعليق من معصميها لساعات، بينما قال آخرون إنهم تعرضوا للضرب المبرح أثناء الاستجواب، وخضعوا لموسيقى عالية الصوت لفترات طويلة، فضلا عن قيام الكلاب بالتغوط عليهم، وغير ذلك من الانتهاكات.

كما اشتكى المعتقلون من الظروف القاسية في مرافق الاحتجاز، حيث تنتشر الأمراض المعدية مثل الجرب، وسوء التغذية بسبب النظام الغذائي غير السليم الذي بدوره يضعف مناعتهم ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، والفشل في علاج الإصابات الناجمة عن الضرب والتعذيب.

كما اشتكى المعتقلون من تعرضهم للإذلال على يد حراس مراكز الاحتجاز بطرق مختلفة وتقييدهم بالأصفاد لفترات طويلة – في إحدى الحالات لمدة أربعة أشهر.

ووصف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم الإجراءات القانونية الإشكالية التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك المخاوف من أن تكون الاعتقالات تعسفية، فضلا عن حرمان المعتقلين من مقابلة محام واضطرارهم إلى التوقيع على وثائق باللغة العبرية لم يفهمها المعتقلون.

صورة غير مؤرخة تم التقاطها في شتاء عام 2023 وقدمتها مجموعة كسر الصمت، تظهر فلسطينيين معصوبي الأعين تم أسرهم في قطاع غزة، في منشأة احتجاز بقاعدة “سدي تيمان” العسكرية في جنوب إسرائيل. (Breaking The Silence via AP)

وأشارت منظمة أطباء لحقوق الإنسان في إسرائيل إلى أن الاحتجاز المطول للعاملين في المجال الطبي في غزة، بما في ذلك الممرضات والمسعفين وأطباء العناية المركزة والجراحين وأطباء النساء والأطفال وغيرهم، يعني أنهم غير متوفرين لتقديم الرعاية الطبية التي يحتاجها سكان غزة بشدة.

وقد أصيب آلاف المدنيين الفلسطينيين بإصابات بالغة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية، كما عانوا من تفشي الأمراض وغيرها من العلل الناجمة عن النزوح الجماعي للغالبية العظمى من سكان غزة.

وقالت منظمة مراقبة العاملين في مجال الرعاية الصحية، وهي منظمة غير حكومية فلسطينية تأسست بعد الفظائع التي وقعت في السابع من أكتوبر واندلاع الحرب، والتي استشهد بها تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، أن القوات الإسرائيلية اعتقلت نحو 339 عاملا في مجال الرعاية الصحية في قطاع غزة منذ بدء العمليات العسكرية، ولا يزال ما لا يقل عن 180 منهم قيد الاعتقال.

ونفذت القوات الإسرائيلية مداهمات واسعة النطاق على مستشفيات غزة بحجة استخدام الفصائل المسلحة للمرافق كقواعد ومناطق انطلاق لشن هجمات على إسرائيل. كما عرضت إسرائيل مقطع فيديو لرهائن محتجزين في مستشفيات غزة.

وذكر العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين أجرى محامو منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان مقابلات معهم أن زملاءهم المعتقلين تعرضوا لضرب مبرح بمستوى أدى إلى وفاتهم لاحقا متأثرين بجراحهم.

كشفت السلطات الإسرائيلية لمنظمة أطباء لحقوق الإنسان في إسرائيل، في أعقاب طلب الحصول على المعلومات الذي تقدمت به المنظمة، أن 44 معتقلا فلسطينيا لقوا حتفهم في الحجز العسكري الإسرائيلي، وحتى سبتمبر 2024، توفي 21 معتقلا في حجز مصلحة السجون الإسرائيلية.

ويأتي تقرير منظمة أطباء لحقوق الإنسان بعد أسبوع من توجيه مكتب المدعي العام العسكري اتهامات إلى خمسة جنود احتياط في الجيش الإسرائيلي بالاعتداء والتسبب في إصابة في ظروف مشددة بسبب حادثة زُعم أنهم اعتدوا فيها بالضرب المبرح وطعنوا وأصابوا أسيرا أمنيا فلسطينيا في مركز الاحتجاز العسكري سيء السمعة “سدي تيمان”.

وتعكس شهادة المعتقلين الذين قابلهم محامو المنظمة شهادات قدمها معتقلون آخرون من غير العاملين في المجال الطبي من غزة والضفة الغربية، والتي سجلتها منظمة أخرى لحقوق الإنسان واطلع عليها موقع تايمز أوف إسرائيل، حيث وردت ادعاءات مماثلة.

وقال مؤلفو التقرير الذي أعدته منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إن “التجاهل المتعمد لضمان المعاملة الإنسانية والحماية القانونية” الذي وصفه لهم المعتقلون ينتهك القانون الدولي، ويثبت أيضاً أن السلطات الإسرائيلية غير راغبة في وقف مثل هذه الانتهاكات، وبالتالي فهي متواطئة فيها.

وقال الجيش الإسرائيلي في رده إن “العديد من الادعاءات غير دقيقة أو تفتقر إلى الأساس، وتعكس معلومات مضللة ينشرها نشطاء حماس”.

وأضاف الجيش أنه اعتقل أفرادا من الطاقم الطبي يشتبه في كونهم عناصر في فصائل مسلحة، وأنه تم اعتقالهم احتجازهم “وفقا للقانون”. وأن الحصص الغذائية يتم توفيرها وفقا لتعليمات أخصائي التغذية وأن جميع المعتقلين يحصلون على العلاج الطبي المناسب عند الحاجة.

وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية ردا على التقرير إنها “تعمل وفقا للقانون، وتحت رقابة صارمة من قبل العديد من المفتشين الرسميين”، وأضافت أن “جميع السجناء محتجزون وفقا للقانون مع احترام حقوقهم الأساسية وتحت إشراف حراس سجن مهنيين ومدربين”.

فلسطينيون اعتقلتهم القوات الإسرائيلية يصلون لإجراء فحص في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة ويظهرون إصابات في أرجلهم بعد إطلاق سراحهم من الاعتقال، 1 يوليو 2024. (Bashar Taleb/AFP)

وقالت مصلحة السجون إنها لم تكن على علم بالادعاءات الواردة في تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وإن هذه الادعاءات، على حد علمها، غير صحيحة.

وقد قدمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تفاصيل عن ادعاءات مماثلة قدمها معتقلون أُطلق سراحهم في أغسطس 2024 لتلك الواردة في تقرير أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، كما فعلت منظمة “بتسيلم” لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في أغسطس 2024، في حين رسمت الشهادات التي جمعتها منظمة مراقبة العاملين في مجال الرعاية الصحية ونشرت في أكتوبر 2024 صورة مماثلة.

وقد تناولت العديد من التقارير الإعلامية الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في غزة على نطاق أوسع.

تم توجيه تهم إلى ستة جنود احتياطيين خدموا في “سدي تيمان” في حادثين منفصلين حتى الآن، بتهمة الاعتداء والتسبب في إصابة وجرائم مزعومة أخرى.

وخلال فترة الحرب، عملت إسرائيل على إساءة الظروف التي يحتجز فيها المعتقلون الفلسطينيون والأسرى الأمنيون في عدة مناسبات.

وقد تم تقليص الحقوق القانونية للغزيين المعتقلين بموجب القانون باعتبارهم مقاتلين غير شرعيين، مما أدى إلى زيادة المدة التي يمكن احتجازهم فيها قبل مثولهم امام القاضي وقبل منحهم حق مقابلة محام.

كما منعت الحكومة جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من مقابلة ممثلي الصليب الأحمر، وأخرت مرارا وتكرارا تقديم الردود إلى المحكمة العليا على الالتماسات التي تطالب برفع الحظر.

وطلبت الحكومة تأجيلا آخر يوم الأربعاء.

جمع محامو منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل شهادات من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية في غزة، وأجروا مقابلات مع 24 فردا من هؤلاء الأفراد بين يوليو وديسمبر 2024 في مرافق الاحتجاز التابعة للجيش الإسرائيلي ومصلحة السجون الإسرائيلية.

ووصف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم العديد من الانتهاكات التي قالوا إنهم تعرضوا لها، والتي يبدو أنها تنتهك القانون الإسرائيلي والدولي وربما تشكل جرائم حرب.

قوات ومركبات الجيش الإسرائيلي تتجمع داخل سجن عوفر العسكري، الواقع بين رام الله وبيتونيا في الضفة الغربية، قبل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين كجزء من صفقة تبادل أسرى في 15 فبراير 2025. (Zain Jaafar/AFP)

وباستثناء شخص واحد أجريت معه مقابلة وأُطلق سراحه في أكتوبر 2024، لم تنشر منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل أسماء أي من المعتقلين لأنهم ما زالوا في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، حيث أعربت المنظمة عن قلقها بشأن الانتقام من أي شخص يتم نشر اسمه.

الضرب بعد الاعتقال وأثناء الاستجواب

وصف العديد من الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات تعرضهم للضرب المبرح فور اعتقالهم وأثناء استجوابهم.

وقال الطبيب خالد السر، وهو جراح يبلغ من العمر 32 عاما وعمل في مستشفى ناصر في خان يونس وأفرج عنه دون توجيه تهمة إليه في أكتوبر من العام الماضي، “لقد قيد الجنود أيدينا خلف ظهورنا وقيدوا أرجلنا بشدة مفرطة”.

تم اعتقال السر في المستشفى واحتجازه في أماكن مختلفة في غزة قبل نقله إلى مركز احتجاز داخل إسرائيل. وأدلى السر بشهادته في يوليو 2024 في معسكر الاعتقال العسكري “عوفر”.

“ألقوا بنا نحن الثلاثة في سيارة جيب عسكرية وقادونا في جولة لأكثر من ساعتين. وخلال الجولة أذلونا وضربونا، فجلسوا فوقنا وركلونا بأحذيتهم وضربونا بأعقاب بنادقهم. توسلنا إليهم أن يتوقفوا، لكنهم واصلوا”.

كما أفاد المعتقلون أيضاً بتعرضهم للضرب وأشكال مختلفة من التعذيب أثناء التحقيق.

“لقد تم تعليقي من معصمي من السقف، وتم سحب ساقي للخلف، وتركي في هذا الوضع لساعات”، قالت الممرضة أ.مق. البالغة من العمر 38 عامًا، في وصفها لوقتها في منشأة استجواب تابعة لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك). وقد أدلت بشهادتها في سجن نفحة في جنوب إسرائيل في أكتوبر 2024.

“لقد أهانوني وبصقوا عليّ… أثناء التحقيق معي في سجن عوفر، أطفأوا السجائر على رأسي وسكبوا القهوة عليّ، وتعرضت للضرب المبرح”.

الطبيب ك.ج، وهو طبيب أسنان اعتقل داخل مستشفى الشفا في مارس 2024، وأدلى بشهادته أمام محامي منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل في نوفمبر 2024 في منشأة عوفر العسكرية.

توضيحية: سجن “كتسيعوت” الإسرائيلي، 13 سبتمبر، 2022. (Nati Shohat/FLASH90)

“استجوبني القائد حول الأنفاق والعناصر الإرهابية والأسلحة. وفي كل مرة قلت فيها إنني لا أعرف، كان يضربني ويلكمني ويركلني في الخصيتين، إلى جانب الشتائم المتكررة”، قال.

وأفاد العديد من المعتقلين الآخرين الذين أجرت المنظمة مقابلات معهم بتعرضهم لضرب مماثل بعد اعتقالهم وأثناء نقلهم إلى أي مركز احتجاز تم نقلهم إليه.

وذكر العديد من المعتقلين أيضاً أنهم وُضعوا في “غرفة ديسكو” قبل أو أثناء الاستجواب لفترات طويلة، حيث تعرضوا لموسيقى صاخبة للغاية وومضات أضواء ساطعة.

وأفاد العديد من المعتقلين أيضًا أنه لم يتم توجيه أسئلة إليهم حول ما إذا كانوا متورطين في أنشطة مسلحة، بل تم استجوابهم حول معرفتهم بشبكة أنفاق حماس، ومكان تواجد الرهائن ونشطاء حماس.

“بناء على هذه الشهادات، يبدو أن التحقيقات كانت تهدف بشكل رئيسي إلى جمع المعلومات الاستخباراتية وليس التحقيق في جرائم أمنية مزعومة”، قالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل في تقريرها.

وأفاد العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أيضاً بأنهم مُنعوا من مقابلة محامٍ، ولم يمثلوا أمام قاضي لفترات طويلة من الزمن، وأُجبروا على التوقيع على أقوال أدلوا بها أثناء الاستجواب ولكنها تُرجمت إلى العبرية، وغير ذلك من الاجراءات القانونية المقلقة.

الانتهاكات في مراكز الاحتجاز

سلط التقرير الضوء أيضًا على الانتهاكات الجسيمة في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية.

وقال الطبيب م.ت.، رئيس قسم الجراحة في المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، عن فترة احتجازه في سجن “سدي تيمان” العسكري: “لمدة ثلاثة أيام، داهم جنود القوة 100 الزنازن مع الكلاب، وضربوا السجناء، وسمحوا للكلاب بالتبول والتغوط علينا”. وقد أدلى بشهادته في يوليو 2024 في معسكر عوفر العسكري.

“القوة 100” هي وحدة احتياطية تابعة للشرطة العسكرية مكلفة بمكافحة الشغب ومهام أخرى.

مشادة كلامية حادة اندلعت بين جنود في منشاة الاحتجاز سديه تيمان في جنوب إسرائيل بعد وصول محققي الشرطة العسكرية لاحتجاز المشتبه بهم للاستجواب، 29 يوليو 2024. (Screenshot: X, used in accordance with Clause 27a of the Copyright Law)

“في كل مرحلة، تعرضنا للضرب والعنف الشديد – الهراوات، وهجمات الكلاب، وسكب الماء المغلي علينا، مما تسبب في حروق شديدة”، قال الطبيب ن.ت.، رئيس قسم الجراحة في مستشفى ناصر في خان يونس، والذي اعتقل في فبراير 2024.

وأضاف في شهادته التي أدلى بها في نوفمبر 2024 في سجن كتسيعوت: “تحسنت الأمور قليلا الآن، لكن بعض الحراس ما زالوا يضربوننا ويشتموننا”.

وأدلت ممرضة تعمل في مستشفى ناصر واحتجزت في معسكر عوفر وفي سجن كتسيعوت بشهادة مماثلة.

“في معسكر عوفر، كان الضرب لا هوادة فيه ـ وخاصة أثناء التفتيش اليومي. وكان ’استقبالي’ في كتسيعوت وحشيا: فقد ضربوني بلا رحمة، وسكبوا علي الماء الساخن، وأحرقوا عنقي”.

وأفاد العديد من المعتقلين أيضاً أنهم سمعوا عن تعرض معتقلين آخرين لاعتداءات جنسية عنيفة، رغم أن أحداً من الذين تمت مقابلتهم لم يذكر أنه تعرض بنفسه لاعتداء جنسي.

ظروف الاحتجاز: سوء التغذية والإهمال الطبي

بالإضافة إلى ذلك، أفاد جميع المعتقلين بأن الحصص الغذائية التي تقدمها مراكز الاحتجاز غير كافية وتؤدي إلى سوء التغذية. وذكر المعتقلون الذين أجريت معهم المقابلات أن كل وجبة تقريبا، التي تقدم في الإفطار والغداء والعشاء، تتكون من أربع إلى ست شرائح من الخبز، مع كمية صغيرة من الجبن أو مسحوق مليء بالسكر.

وفي بعض الأحيان، كان يتم تقديم وجبة من اللحوم المصنعة أو البطاطس المسلوقة أو المعكرونة المسلوقة للمحتجزين مرة واحدة في الأسبوع، ولكن نادرا ما كان يتم تقديم الفاكهة والخضروات لهم.

ومن بين القضايا الرئيسية التي أثارها المعتقلون كانت الإهمال الطبي، والذي شمل حرمان المعتقلين من الأدوية التي يحتاجون إليها لعلاج المشاكل الطبية التي كانوا يعانون منها قبل الاعتقال.

وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الإصابات التي لحقت بهم نتيجة للضرب من قبل حراس السجن كانت تُترك في كثير من الأحيان دون علاج، وكذلك الأمراض التي أصيبوا بها أثناء الاحتجاز، بما في ذلك تلك الناجمة عن الظروف غير الصحية التي احتُجزوا فيها.

صورة غير مؤرخة تم التقاطها في شتاء عام 2023 والتي قدمتها منظمة “كسر الصمت”، وهي مجموعة من الجنود الإسرائيليين السابقين، تظهر فلسطينيين معصوبي الأعين تم أسرهم في قطاع غزة في مركز احتجاز بقاعدة سديه تيمان العسكرية في جنوب إسرائيل. (Breaking The Silence via AP)

وأفاد المعتقلون أنهم إما لم يحصلوا على الصابون على الإطلاق أو حصلوا على كميات قليلة جدا منه، فضلا عن كميات غير كافية من ورق التواليت، وأحياناً لفة واحدة لكل زنزانة يوميا، في حين أن كل زنزانة يمكن أن تحوي ما يصل إلى 30 اسيرا.

“في زنزانة المرضى، أصيب أحد السجناء، م.، بجلطة دماغية”، قال الطبيب م.ت.، لكن المعتقل لم يتلقى العلاج رغم مطالبة الأسرى الأخرين بمساعدته.

“بعد يوم أو يومين، أخبرنا أحد الحراس أن م. لم يكن يأكل أو يشرب”، تابع م.ت.، وأضاف أن المعتقلين حذروا أحد الضباط من أن الأسير سيموت. “وصل طبيب، لكن م. كان قد توفي بالفعل. تم وضع جثمانه على كرسي متحرك ونقلها بعيدًا”.

وأشار الطبيب أيضا إلى أن جندية في المنشأة التي كان محتجزا فيها اتهمت أحد السجناء بالتحرش بها.

وأضاف أن “الجنود وصلوا وضربوه على رأسه، ومات بعد ساعات قليلة”.

وقال م.ت. أنه بعد اعتقاله في البداية، قام آسروه “بضربنا بالهراوات حتى حافة الموت، وشتمونا، وصعقونا بالكهرباء”، كما كسروا اثنين من ضلوعه.

“ما زلت أشعر بالألم عندما أتنفس بسبب الضلعين المكسورين. لقد شُفي أحدهما، لكن الضلع الآخر ما زال مرتخيًا. يرفضون أخذي إلى المستشفى”، قال.

وأضاف م.ت. أنه ظل مكبل اليدين ومعصوب العينين لمدة أربعة أشهر تقريبا، حتى أيام قليلة قبل لقائه بمحامي منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل.

ووصف الطبيب م.ك.، وهو جراح عظام في مستشفى الشفاء، والذي أجريت معه مقابلة أثناء احتجازه في منشأة عوفر العسكرية في يوليو ومرة ​​أخرى في أكتوبر 2024، عواقب الظروف غير الصحية في معسكر الاعتقال.

“تنتشر بين السجناء أمراض جلدية والتهابات بكتيرية وأعراض الربو والتهاب الجلد. يوجد طبيب ولكننا لا نراه أبدًا. يوجد معتقلون مصابون بأمراض ولكن لا يفحصهم طبيب. توجد عيادة ولكن لا يظهر المعتقلون فيها”.

وقال م.ت. إن رداءة الطعام خلال الأشهر الخمسة الأولى من الاحتجاز أدت إلى إضعاف جهاز المناعة لدى المعتقلين.

“انتشر الجرب، إلى جانب أمراض جلدية معدية. أدت الحكة المستمرة إلى التهابات وخراجات وفطريات جلدية خطيرة في مناطق حساسة. نحتاج إلى المضادات الحيوية والأدوية للالتهابات”، قال الطبيب.

وأضاف إنه كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم قبل اعتقاله، والذي كان يتناول ثلاثة أنواع من الأدوية لمعالجته وخضع لعملية قسطرة وتصوير الأوعية الدموية.

“في باراكسات [سديه تيمان]، لم أتلق أي علاج طبي. في الأيام العشرة الأولى بعد وصولي إلى عوفر، أعطوني أدوية، ولكن بعد ذلك توقفوا عن إعطائي إياها… وعندما وصلت إلى كتسيعوت، رأيت طبيبًا ووصف لي دواءً معينًا، ولكنه تسبب في حدوث مضاعفات وصداع. أبلغت عن ذلك عدة مرات، لكنهم تجاهلوا الأمر وقالوا ببساطة: هذا هو الحال”.

وأكد مؤلفا تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، مها لولو وأونيغ بن درور، أن الاعتقال الجماعي لسكان غزة، بما في ذلك العاملين في المجال الطبي، ينتهك القانون الدولي وكان غير قانوني لأنهم محتجزون دون تهمة.

وقال لولو وبن درور إن “استمرار احتجازهم في ظروف مزرية يشكل انتهاكًا مستمرًا لحقوقهم الأساسية. يتعرض هؤلاء الأفراد لمعاملة مهينة وضارة، بما في ذلك الإساءة والتجويع والحرمان من الرعاية الطبية، وكلها ترقى إلى التعذيب المنهجي”.

وقالا أيضا إن “طبيعة سوء المعاملة الواسعة النطاق والمنهجية” أثبتت أن الإساءة كانت متعمدة.

وأكد المؤلفان أن “هذا التجاهل المتعمد لضمان المعاملة الإنسانية والحماية القانونية -التي يفرضها القانون الوطني والدولي – إلى جانب الافتقار الشديد إلى الرقابة، يدل على عدم رغبة السلطات الإسرائيلية في إنهاء الانتهاكات ويؤكد تواطؤها في هذه الأعمال غير القانونية”.

ورفض الجيش الإسرائيلي بشكل قاطع الاتهامات الواردة في تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.

“المنشور الذي نشرته منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان يقدم نفسه على أنه ’ورقة موقف’، ولكنه عمليا يتضمن العديد من الادعاءات غير الدقيقة أو التي لا أساس لها من الصحة، ويعكس المعلومات المضللة التي ينشرها نشطاء حماس. الجيش الإسرائيلي يرفض الادعاءات الواردة في المنشور بشكل قاطع ويتناول النقاط الرئيسية”.

وأضاف الجيش أنه “في إطار مكافحة المنظمات الإرهابية في غزة، يعتقل الجيش الإسرائيلي المشتبه في تورطهم في الإرهاب، بما في ذلك أفراد الطاقم الطبي أو أولئك الذين تظاهروا بأنهم كذلك وتبين تورطهم في أنشطة إرهابية”، مشيرا إلى أن اعتقالهم يخضع للمراجعة القضائية.

وقال الجيش إن مزاعم الاختفاء القسري “غير صحيحة”، وأضاف أن المعتقلين “يحق لهم مقابلة المحامين وفقًا للقانون، والحصول على ثلاث وجبات يوميًا بالكمية والتركيبة التي يوافق عليها أخصائي التغذية”، وأن الماء متاح للمعتقلين في جميع الأوقات.

“يخضع كل معتقل لفحص طبي عند دخوله ويتلقى العلاج الطبي حسب الحاجة، بما في ذلك الإحالة إلى المستشفيات إذا لزم الأمر”.

“مراكز الاحتجاز تخضع لمراقبة مستمرة من قبل القادة والمفتشين الخارجيين، بما في ذلك القضاة المدنيين، وأي ضرر يلحق بالمعتقلين محظور ويشكل انتهاكًا للقانون وأنظمة الجيش الإسرائيلي. ويتم فحص الحالات الاستثنائية بعمق وإحالتها إلى الشرطة العسكرية”.

“أما بالنسبة لاتهامات الإساءة، فإن الحالات المذكورة غير معروفة، ومع ورود المزيد من التفاصيل، سيتم إجراء تحقيقات إضافية”.

وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية في ردها إنها “تعمل وفقا للقانون، وتحت الإشراف الصارم لعدد كبير من المفتشين الرسميين”.

“يتم احتجاز جميع السجناء وفقًا للقانون، مع ضمان حقوقهم الأساسية وتحت إشراف حراس سجن مهنيين ومدربين”.

“ليس لدينا علم بالاتهامات المذكورة، وعلى حد علمنا فهي غير صحيحة. ولكن لكل سجين ومعتقل الحق في الشكوى عبر القنوات [القانونية] المقبولة وسيتم التحقيق في الادعاءات”.

اقرأ المزيد عن