تقرير: إسرائيل شنت “حربا” لمدة 9 سنوات ضد المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك التنصت على اتصالاتها
ذكرت صحيفة الغارديان أن المعلومات الاستخبارية والضغط الدبلوماسي تضمنا تهديدات؛ في الشهر الماضي، اكتشفت القدس عبر مكالمة تم التنصت عليها أن المدعي العام قد يطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
ورد أن إسرائيل قادت “حربا” دامت ما يقارب من عقد من الزمن ضد سعي المحكمة الجنائية الدولية لمذكرات اعتقال ضد قادتها، وكرست جهودا استخباراتية ودبلوماسية هائلة لاكتشاف خطط المحكمة ومحاولة إحباطها عبر قنوات وتكتيكات متعددة، بما في ذلك التجسس والتهديدات، حسبما ذكرت صحيفة “الغارديان” يوم الثلاثاء.
وتم الإبلاغ عن أحد عناصر الحملة الفاشلة في مقالة منفصلة لصحيفة الغارديان في وقت سابق من اليوم، أوضحت حملة “التهديد والترهيب” المزعومة التي قام بها رئيس الموساد آنذاك يوسي كوهين والتي كانت تهدف إلى إثناء المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك فاتو بنسودا عن فتح تحقيق في جرائم الحرب ضد إسرائيل.
وفي مقالة صدرت بعد ساعات، زعمت الصحيفة، في تحقيق تم إجراؤه بالشراكة مع مجلة +972 الإسرائيلية الفلسطينية ومجلة محادثة محلية الناطقة بالعبرية، أن ذلك كان مجرد جزء من حملة استمرت تسع سنوات لثني بنسودا وخلفها كريم خان من محاكمة القادة الإسرائيليين، والتي بدأت في عام 2015 وما زالت مستمرة حتى الشهر الماضي.
ونقلا عن “أكثر من عشرين من ضباط المخابرات الإسرائيلية الحاليين والسابقين والمسؤولين الحكوميين وشخصيات بارزة في المحكمة الجنائية الدولية ودبلوماسيين ومحامين” مطلعين على الأمر، قال التقرير أنه إلى جانب وكالة التجسس الموساد، شملت جهود جمع المعلومات الاستخباراتية أيضا جهاز الأمن العام الشاباك؛ ومديرية المخابرات العسكرية وفرع استخبارات الإشارة التابعة للجيش الإسرائيلي، والوحدة 8200.
وذكر التقرير أن إسرائيل، التي منعت موظفي المحكمة الجنائية الدولية من الوصول إلى الضفة الغربية وغزة، اعترضت بشكل منتظم مكالماتهم واتصالاتهم مع الفلسطينيين، على الرغم من أنها لم تتجسس بشكل مباشر على أجهزة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.
ونُقل عن مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق زعم أن “المؤسسة العسكرية والسياسية برمتها” نظرت إلى هذا “كحرب لا بد من شنها، وحرب تحتاج إسرائيل إلى الدفاع منها. تم الحديث عنها بمصطلحات عسكرية”.
وورد أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان “مهووسا” بالمعلومات حول هذه المسألة، والتي أرسلتها أجهزة المخابرات إلى مستشاريه للأمن القومي، وكذلك إلى وزارة العدل ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون الاستراتيجية.
وأن إحدى المهمات كانت اكتشاف القضايا المحددة التي يمكن أن تشكل جزءًا من تحقيق مستقبلي للمحكمة الجنائية الدولية، من أجل فتح تحقيقات إسرائيلية فيها بشكل استباقي وبالتالي الادعاء بأن المحكمة التي مقرها في لاهاي لا يمكنها النظر فيها. وبموجب مبدأ يعرف بالتكامل، لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية النظر في قضية إذا كانت الدولة المعنية راغبة وقادرة على إجراء تحقيقات موثوقة في المخالفات المزعومة.
وقبل عامين من بدء كوهين التواصل شخصيًا مع بنسودا، وبعد أسابيع من فتح تحقيقها الأولي في جرائم إسرائيلية وفلسطينية محتملة في الضفة الغربية وغزة، ورد أن رجلين مجهولي الهوية قاما بتسليم ظرف يحتوي على مئات الدولارات نقدا ومذكرة بها رقم هاتف إسرائيلي لمنزل بنسودا الخاص في لاهاي، في رسالة واضحة من القدس بأنها تعرف مكان إقامتها. ونتيجة لذلك، تم تركيب كاميرات مراقبة في المنزل وإبلاغ السلطات الهولندية بالحادثة.
ويُزعم أيضا أن إسرائيل أرسلت وفداً لإجراء محادثات عبر القنوات الخلفية مع المحكمة بين عامي 2017 و2019، برئاسة المحامي والدبلوماسي البارز تال بيكر. وورد إنه في تلك الاجتماعات، تحدى الفريق الإسرائيلي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لأن إسرائيل لا تعترف بها، وقال إن التحقيقات الإسرائيلية في المخالفات المزعومة قوية وكافية لجعل التحقيق الدولي غير ضروري.
وزعم التقرير أيضا أنه تم استهداف جماعة الحق الفلسطينية الحقوقية – التي حظرتها إسرائيل منذ ذلك الحين بسبب علاقات مزعومة مع منظمات إرهابية – إلى جانب مجموعات أخرى مماثلة بسبب مساهماتها في تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.
وزعم أن عملاء إسرائيليين اخترقوا رسائل البريد الإلكتروني بين المنظمات والمحكمة الجنائية الدولية وأن الشاباك قام حتى بزرع برنامج “بيغاسوس” المثير للجدل التابع لمجموعة NSO في هواتف اثنين من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وعدد غير محدد من الموظفين الفلسطينيين في الجمعيات غير الربحية.
ولم يغلق خان التحقيق عندما أصبح المدعي العام في عام 2021، لكنه فقد أهميته إلى حد كبير حتى اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر، مع هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل، حيث قتل حوالي 1200 شخص واحتجز 252 رهينة.
وقال التقرير إن إسرائيل كانت متفائلة في البداية عندما تم تعيين خان، حيث بدا أنه يخفف التركيز على التحقيق الإسرائيلي الفلسطيني، لكن هذا تغير عندما تغيرت لهجة خان بشأن الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس بشكل حاد في فبراير من هذا العام.
بحسب ما ورد، أحيت أجهزة المخابرات جهودها لاعتراض المعلومات المتعلقة بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية، وتنصتت الشهر الماضي على مكالمة بين اثنين من السياسيين الفلسطينيين قال فيها أحدهما إن خان أشار إلى أن طلب إصدار أوامر اعتقال قد يكون وشيكا، على الرغم من ضغط الولايات المتحدة عليه لعدم القيام بذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، حصلت إسرائيل على معلومات من رسائل بريد إلكتروني ومرفقات ورسائل تم اعتراضها، والتي أفادت بأن خان كان يفكر في دخول غزة عبر مصر دون موافقة إسرائيل، وفقا للتقرير.
ودفعت هذه المعلومات نتنياهو وآخرين إلى دق ناقوس الخطر والتحذير علنا من اتخاذ قرار بطلب أوامر اعتقال في هذه القضية.
وقال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إنها تنفذ باستمرار إجراءات مضادة للحماية من التجسس نتيجة للحملة الإسرائيلية، مضيفا أن مخزوناتها من الأدلة الأساسية ظلت آمنة.
وقال التقرير إن ذلك يشمل “عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب النيابة العامة، وفحص أمني للأجهزة، ومناطق خالية من الهواتف، وتقييمات أسبوعية للتهديدات، واستخدام معدات متخصصة”.
ونقل التقرير عن مكتب نتنياهو تعليقه على أن التفاصيل المزعومة “مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل”.
وقال متحدث باسم الجيش للموقع “جيش الدفاع الإسرائيلي لم ولا يقم بإجراء عمليات مراقبة أو عمليات استخباراتية أخرى ضد المحكمة الجنائية الدولية”.
وأضافت الصحيفة أن كوهين لم يستجب لطلب التعليق وأن بنسودا رفضت التعليق.
وأعلنت بنسودا في ديسمبر 2019 أن لدى مكتبها أساس لفتح تحقيق في الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، لكنها تسعى للحصول على حكم بشأن ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تتمتع بالاختصاص القضائي في القضية.
واتهمت في التقرير الذي نشرته في ذلك الوقت إسرائيل بارتكاب ما لا يقل عن ثلاث هجمات غير متناسبة، وقتل وجرح مدنيين عمدًا، ومهاجمة أفراد ومؤسسات الصليب الأحمر عمدًا خلال عملية الجرف الصامد في غزة في عام 2014.
وفي نفس التقرير، اتهمت حماس والفصائل المسلحة الأخرى بعدة تهم بما في ذلك مهاجمة المدنيين الإسرائيليين عمدا، واستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
واتُهمت بنسودا بالتحيز ضد إسرائيل في وقت إعلانها. وأشار المراقبون الإسرائيليون إلى أهمية نطاق التحقيق الزمني، ففي 12 يونيو 2014، اختطف مسلحون من حماس وقتلوا ثلاثة مراهقين إسرائيليين في الضفة الغربية، في تصعيدًا أدى إلى حرب استمرت خمسين يومًا. وكان من المقرر أن يركز تحقيق بنسودا على الأحداث التي تبدأ من اليوم التالي فقط.
وبعد أكثر من عام، في فبراير 2021، قضت الدائرة التمهيدية بأن “فلسطين” كانت دولة بما يكفي لتقع تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وبدأت بنسودا تحقيقاتها قبل أن تتنحى في الشهر نفسه ويتم استبدالها بالمدعي العام الحالي كريم خان.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن خان أنه يسعى للحصول على مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من قادة حماس بالإضافة إلى نتنياهو ووزير الدفاع غالانت. وقال إن أوامر الاعتقال بحق الأخيرين مطلوبة بتهم استخدام التجويع كوسيلة حرب، والتسبب عمداً في معاناة شديدة أو معاملة قاسية، والقتل العمد، والهجمات المتعمدة ضد المدنيين، والإبادة، والاضطهاد.
ساهم طاقم تايمز أوف إسرائيل في إعداد هذا التقرير