إسرائيل في حالة حرب - اليوم 625

بحث

تقرير: إستدعاء جنود احتياط رغم إصابتهم باعتلالات نفسية مثبتة، بينهم حالات اضطراب ما بعد الصدمة

صحيفة "هآرتس" تحدد حالتين قام بها جنود احتياط تم تشخيصهم بالصدمة النفسية بالانتحار بعد استدعائهم للخدمة؛ التقرير ينتقد غياب التنسيق "الكافكاوي" بين وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي

جنود من الجيش الإسرائيلي ينفذون عمليات في شمال غزة، في صورة نُشرت في 17 مايو 2025. (IDF)
جنود من الجيش الإسرائيلي ينفذون عمليات في شمال غزة، في صورة نُشرت في 17 مايو 2025. (IDF)

من بين ما لا يقل عن 35 جنديا في الخدمة النظامية لقوا حتفهم انتحاراً منذ بداية الحرب الجارية، كان عدد منهم قد تم تشخيص إصابتهم بمشاكل نفسية خطيرة قبل استدعائهم الأخير للخدمة، بما في ذلك تشخيصات باضطراب ما بعد الصدمة، وفقاً لتحقيق موسع نشرته صحيفة “هآرتس” يوم الأحد.

ووفقا للتحقيق، تم استدعاء مئات وربما آلاف الجنود المصابين باعتلالات نفسية والذين تواصلوا مع وزارة الدفاع، إلى الخدمة في الاحتياط خلال عملية التعبئة الأخيرة، التي سبقت الهجوم العسكري الجديد في قطاع غزة.

لكن لا أحد يعرف الأرقام الدقيقة، بسبب ما وصفه التقرير بـ”الافتقار الفظيع، وأحيانا الكافكاوي، للتنسيق بين وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي”.

وكشف التحقيق أن وزارة الدفاع اعترفت بنحو 9 آلاف جندي كمصابين نفسيا نتيجة للحرب الحالية. ومع ذلك، لا توجد قائمة بجميع الجنود المصابين نفسياً، بمن فيهم من خدموا في حروب سابقة، وفقا لما أقرّ به الجيش في التقرير.

علاوة على ذلك، فقد أدى النقص في القوى البشرية في الجيش إلى تجاهل بعض الضباط للمشاكل النفسية لدى الجنود، حيث قال قائد كتيبة مدرعة للصحيفة: “الناس ببساطة لا يأتون. إنهم مرهقون ولديهم مشاكل في المنزل والعمل. لذا نحن نستدعي آخرين، بمن فيهم من ليسوا بكامل لياقتهم”.

وأضاف القائد: “لا يوجد ما يمكن فعله. الأمن القومي يأتي أولاً، ونحن نعمل بما هو متوفر. إذا لاحظت حالة متطرفة، بالطبع سأتواصل مع أخصائي اجتماعي أو أفرج عنه. لكن بصراحة، لا يمكنك دائماً أن تلاحظ. لقد حدث أن فاتتني حالات معاناة لجنود، وكانت العواقب مأساوية”.

كما أن أرقام الجيش لا تشمل الجنود الذين أنهوا خدمتهم النظامية وانتحروا لاحقا.

ووجد تحقيق “هآرتس” أنه منذ بداية الحرب، انتحر 10 جنود سابقين بسبب معاناة نفسية قال أفراد عائلاتهم إنها ناجمة عن خدمتهم العسكرية السابقة. وقد تم الاعتراف ببعضهم، ولكن ليس جميعهم، كمصابين نفسيا أو كمعاقين قبل وفاتهم. وقاتل أربعة منهم في غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي ينفذون عمليات في شمال غزة، في صورة نُشرت في 17 مايو 2025. (IDF)

حددت صحيفة “هآرتس” حالتين لجنود تم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة وانتحروا بعد خدمتهم في غزة خلال الحرب الجارية، رغم أنه تم استدعاؤهم للاحتياط بعد التشخيص.

تم استدعاء أحد الجنود في 8 أكتوبر 2023 — أي بعد يوم من هجوم حماس الذي أشعل الحرب — وخدم كمسعف قتالي لعدة أشهر في خان يونس جنوب غزة. وكان قد حاول الانتحار عدة مرات خلال خدمته الإلزامية — لكن لم يكن أحد يعلم بذلك عند استدعائه للاحتياط، على ما يبدو.

وبعد أول جولة له في الاحتياط خلال الحرب الجارية، تلقى الجندي علاجا نفسيا مكثفا، وتم الاعتراف به من قبل وزارة الدفاع كمصاب بالحرب نتيجة لإصابته النفسية — لكنه عاد مجدداً إلى الخدمة في الاحتياط دون أن يطرح عليه أحد أي أسئلة، بحسب التقرير.

وخلال عطلة، اتصل الجندي، الذي كان قد تم تشخيصه باضطراب ما بعد الصدمة في هذه المرحلة، بقائده وأخبره أن حالته النفسية تتدهور وطلب الإفراج عنه. وافق القائد وأبلغه بأنه سيتم الإفراج عنه عند عودته إلى القاعدة. بعد ساعات، استخدم الجندي البالغ من العمر 25 عاما سلاحه العسكري للانتحار.

أما الحالة الأخرى، فهي لإيليران مزراحي، الذي استُدعي إلى الاحتياط بعد 7 أكتوبر، وتم تكليفه بداية بالمساعدة في نقل جثث ضحايا مهرجان نوفا الذين قُتلوا على يد مسلحين فلسطينيين. ثم أُرسل إلى غزة حيث خدم كمهندس قتالي حتى أُصيب في أبريل 2024.

وتم الاعتراف بمزراحي كجندي معاق من قبل الجيش الإسرائيلي، وشُخص بإصابته باضطراب ما بعد الصدمة، لكنه تلقى لاحقاً أمراً بالعودة إلى الخدمة في رفح. ولكنه انتحر قبل يومين من موعد عودته.

إيليران مزراحي، الذي انتحر في 7 يونيو 2024، بعد استدعائه مجدداً للحرب رغم إصابته مرتين وتشخيصه باضطراب ما بعد الصدمة (Screenshot/X; used in accordance with Clause 27a of the Copyright Law)

كما تمت مقابلة جندي آخر في المقال، وهو عميئيل بنايم، والذي شارك أيضا في التعامل مع جثث ضحايا هجوم حماس في 7 أكتوبر، ويعاني منذ ذلك الحين من اضطراب حاد بعد الصدمة، وقد تم الاعتراف به من قبل وزارة الدفاع كمصاب نفسي.

ومع ذلك، قال بنايم إن الجيش تواصل معه في يناير الماضي طالبا منه المحضور لخدمة الاحتياط في أبريل — وعندما أخبرهم أنه معترف به كمصاب نفسي، أصروا على حضوره.

وقال: “قالت لي ‘لا أريد الجدال معك’، وأكدت أنني مطلوب للحضور ‘مثل أي جندي احتياط آخر’”.

وأشار التقرير إلى أنه تم إلغاء أمر الاستدعاء فقط بعد تدخل صحيفة “هآرتس”، لكن بنايم لا يزال غير معفى بشكل كامل من الخدمة في الاحتياط.

الجيش يتردد في فحص الحالة النفسية للجنود

وفقا لتعليمات الجيش القائمة، يتعين على الجنود إبلاغ الجيش بأي تغيير في حالتهم الطبية، بما في ذلك التطورات النفسية. لكن معظم الجنود غير مدركين لهذا الأمر، وحتى إن أدركوا، فقد لا يرغبون بالامتثال له، حسبما أفاد التقرير.

وقال أحد الخبراء للصحيفة إن على الجيش أن يطلب من جميع الجنود ملء استبيان حول أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، كإجراء وقائي قبل استدعائهم للاحتياط. وأوضح أن أولئك الذين طلبوا المساعدة فعلا هم “قطرة في محيط”.

جنود من الجيش الإسرائيلي ينفذون عمليات في حي الشجاعية بمدينة غزة، في صور نُشرت في 3 مايو 2025. (IDF)

ومع ذلك، أفاد التقرير بأن هناك معارضة داخل الجيش لاتخاذ مثل هذه الإجراءات. وقال مصدر في مديرية القوى البشرية بالجيش للصحيفة: “تم طرح توصيات من هذا النوع بالفعل في الاجتماعات، وواجهنا معارضة من ضباط كبار”.

وأضاف المصدر العسكري لـ”هآرتس”: “في نهاية المطاف، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى عدد كبير من الجنود القتاليين لتنفيذ المهام التي تطلبها القيادة السياسية، ويخشى الضباط من أن يؤدي فحص الحالة النفسية للجنود إلى فتح صندوق باندورا ويتركهم بدون قوى بشرية”.

وفي ردها على تقرير “هآرتس”، قالت دائرة التأهيل في وزارة الدفاع إنها “تعمل منذ بداية الحرب بتعاون كامل، حيوي ومهم مع الجيش، ووزارة الصحة، ومنظمة الجنود المعاقين التابعة للجيش الإسرائيلي، وجميع الجهات التي تعمل ليل نهار في تأهيل الجرحى”.

وفي رد مطول، قال الجيش إن سياسته هي “توفير رعاية مهنية، متاحة، وحساسة، بشكل استباقي، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجنود الذين يعانون من الضيق، لتشخيصهم وتقديم العلاج المناسب”.

وأضاف الجيش: “من واجب كل جندي، سواء في الخدمة النظامية أو الاحتياط، إبلاغ الجيش بأي تغيير في حالته الطبية”.

اقرأ المزيد عن