تعذيب وإساءة معاملة وظروف غير ملائمة: الادعاءات بشأن قاعدة سديه تيمان وحراسها
النيابة العامة العسكرية تحقق في مزاعم متعددة قدمها كاشفو تجاوزات ومعتقلون سابقون بشأن سوء معاملة النزلاء في المنشأة الواقعة في جنوب البلاد وسط حرب غزة

هزت مشاهد الفوضى في قاعدة سديه تيمان العسكرية والمحكمة العسكرية في بيت ليد ليلة الاثنين إسرائيل وفتحت مرة أخرى جراحا وانقسامات مجتمعية عميقة حول سيادة القانون والسلطة القضائية ونظام العدالة.
بدأت الفوضى نتيجة اعتقال تسعة جنود احتياط في سديه تيمان للاشتباه في قيامهم بتعذيب معتقل فلسطيني. واقتحم العشرات من المتظاهرين من اليمين المتطرف، من بينهم أعضاء كنيست وحتى وزراء في الحكومة، سديه تيمان أولا بعد الاعتقالات ثم اقتحموا بيت ليد، حيث كان المشتبه بهم محتجزين، في محاولة لوقف الإجراءات القانونية ضدهم.
ولكن ما هي الادعاءات المحيطة بمنشأة سديه تيمان، وما هي التهم الموجهة إلى حراس الجيش الإسرائيلي الذين يُزعم أنهم انتهكوا القانون؟
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
منشأة اعتقال للمشتبه بهم من غزة
سديه تيمان هي قاعدة عسكرية تقع غرب مدينة بئر السبع. وتم إنشاء منشأة اعتقال في القاعدة ليلة 7 أكتوبر 2023 بعد هجوم حركة حماس في جنوب إسرائيل، كمركز احتجاز أولي للمسلحين الذين ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليهم داخل البلاد.
كان من المفترض في الأصل استخدام المنشأة كمركز معالجة أولي للمشتبه بهم قبل أن يتم نقلهم إلى سجون دائمة، ولكن بسبب العدد الكبير من الفلسطينيين الذين تم أسرهم خلال الحرب واكتظاظ السجون الإسرائيلية، ظل المعتقلين محتجزين في سديه تيمان لفترات طويلة من الزمن.
كما تم إرسال المسلحين الفلسطينيين الذين تم أسرهم في غزة، بالإضافة إلى آخرين يشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية، إلى سديه تيمان أثناء الصراع الذي اندلع في أعقاب هجمات حماس في 7 أكتوبر.

ومن غير الواضح عدد المعتقلين المحتجزين في المنشأة منذ افتتاحها. وفي بيان قدمته إلى محكمة العدل العليا في يونيو، قالت الدولة آنذاك أن هناك 700 معتقل.
ولكن منذ ذلك الحين، كان من المقرر نقل الغالبية العظمى منهم إلى سجون أخرى.
ما هي الادعاءات المحيطة بسديه تيمان؟
في 11 مايو، نشرت شبكة CNN تقريرا استقصائيا يستند إلى شهادة ثلاثة كاشفي تجاوزات إسرائيليين في سديه تيمان، وكذلك شهادات معتقلين سابقين، زعموا فيه حدوث انتهاكات واسعة النطاق في حق المعتقلين، بما في ذلك الاستخدام المفرط لتقييد الحركة الجسدية، وبتر الأطراف بسبب تكبيل أيدي المحتجزين لفترة مطولة، والضرب، وإهمال المشاكل الطبية، والعقوبات التعسفية، والمعاملة المهينة مثل الحرمان من استخدام المرحاض.
وكشفت وثائق المدعين العامين عن تفاصيل حوادث ضرب محددة على يد حراس سديه تيمان، بما في ذلك استخدام الهراوات، وفوهات البنادق، واللكمات والأكواع، بالإضافة إلى إذلال المعتقلين مع التهديد بالعنف إذا لم يمتثلوا لمطالب لإهانة أنفسهم.
كما قدم تقرير للأمم المتحدة صدر يوم الثلاثاء تفاصيل عن مزاعم تتعلق بالصدمات الكهربائيةـ والإيهام بالغرق، والحرق بالسجائر، واستخدام أوضاع مجهدة ضد المعتقلين، وتعصيب العينين لفترات طويلة، والحرمان لفترات طويلة من الطعام والماء والنوم.
وتفيد التقارير أن مكتب المدعية العامة العسكرية يحقق أيضا في 35 حادثة توفي فيها معتقلون فلسطينيون في السجون الإسرائيلية، رغم أنه من غير الواضح أين وقعت هذه الحوادث بالضبط.
من هم المعتقلون؟
اعتقلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر، بما في ذلك المسلحين الذين تم القبض عليهم في إسرائيل في أعقاب الهجوم، والمقاتلين الذين تم القبض عليهم في غزة أثناء عمليات الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى آخرين يشتبه في أن لهم صلات بجماعات مسلحة أو أنشطة إرهابية.
وزعمت الأمم المتحدة أن بعض السجناء محتجزون “لأغراض المسح” أو جمع المعلومات الاستخبارية.

تم نقل العديد من المقاتلين غير الشرعيين من غزة إلى سديه تيمان، ولكن تم احتجازهم أيضا في مرافق احتجاز أخرى في إسرائيل، خاصة بعد قرار الحكومة بالحد بشدة من عدد المحتجزين في المنشأة.
كما تم اعتقال آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان تم نقل أي من هؤلاء المعتقلين إلى سديه تيمان.
يتم احتجاز المقاتلين غير الشرعيين من غزة بموجب أحكام قانون المقاتلين غير الشرعيين الإسرائيلي الذي تم تمريره في عام 2002 أو من خلال أوامر اعتقال جنائية، حسبما قالت الحكومة لمحكمة العدل العليا في الإجراءات القانونية المتعلقة بهؤلاء المحتجزين.
بحسب منظمة “هموكيد” التي تقدم المساعدة القانونية للفلسطينيين، حتى يوليو، كانت إسرائيل تحتجز ما مجموعه 9623 أسيرا أمنيا فلسطينيا من فئات مختلفة في مرافقها المختلفة، بما في ذلك 1402 مقاتلا؛ 2783 محتجزا قيد التحقيق أو في انتظار المحاكمة؛ 3379 معتقلا إداريا، محتجزين دون محاكمة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد بموافقة المحكمة؛ و2059 أسيرا مُدانا.
من هم الحراس في سديه تيمان؟
يبدو أن الحراس في سديه تيمان هم إلى حد كبير من جنود الاحتياط الذين يخدمون مع وحدات الشرطة العسكرية المخصصة لاحتجاز أسرى العدو، وهي وظيفة تتولاها الشرطة العسكرية في أوقات الطوارئ.
ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن بعض الجنود النظاميين خدموا أيضا في المنشأة.
وحدة القوة 100، التي تضم ثمانية أفراد يشتبه في قيامهم بالاعتداء الجنسي على أحد المعتقلين (تم إطلاق سراح أحدهم)، هي وحدة مكافحة الشغب في السجون التابعة للشرطة العسكرية والتي تتعامل أيضا مع عمليات نقل السجناء الأمنيين بين مرافق الاعتقال المختلفة.

ومن بين المسؤولين الآخرين الذين قد يتعرضون للملاحقة القضائية قادة ومديرو القواعد العسكرية التي توجد بها مرافق الاحتجاز، ومن المحتمل أن يكون محققون من جهاز الأمن العام (الشاباك) متورطون في استجوابات تعسفية.
الإجراءات القانونية ضد المشتبه بهم بالانتهاكات
في أعقاب ما كشفت عنه شبكة CNN والتماس مقدم إلى محكمة العدل العليا للمطالبة بإغلاق سديه تيمان، أعلنت المدعية العامة العسكرية الميجر جنرال يفعات تومر يروشالمي في 27 مايو أن مكتبها فتح 70 تحقيقا في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات الجنائية أثناء الحرب الحالية، بما في ذلك المزاعم المحيطة بالانتهاكات والتعذيب في سديه تيمان.
في الحادث الذي وقع يوم الاثنين والذي أدى إلى أعمال الشغب، وصل محققو الشرطة العسكرية إلى سديه تيمان لاعتقال تسعة جنود ينتمون إلى وحدة القوة 100 بتهمة الاعتداء الجنسي العنيف المزعوم على أحد المعتقلين أثناء نقله إلى سديه تيمان قبل شهر تقريبا.
بحسب الجيش الإسرائيلي فإن الجنود مشتبهون بارتكاب جرائم خطيرة تتعلق بالجنس الشرجي (وهي تهمة تعادل الاغتصاب)، والتسبب في إيذاء جسدي في ظل ظروف مشددة، والإساءة في ظل ظروف مشددة والسلوك غير اللائق بجندي.
وفي يوم الثلاثاء، قدمت النيابة العامة العسكرية لائحة اتهام ضد جندي احتياط خدم كحارس في سديه تيمان بتهمة الاعتداء الشديد والسلوك غير اللائق لجندي أثناء نقل المعتقلين من وإلى مركز الاحتجاز.
واتهمت لائحة الاتهام المشتبه به بخمس حوادث ضرب معتقلين في عدة مناسبات بين فبراير ويونيو 2024 بهراوة أو بسلاحة الشخصي بينما كانت أيديهم وأقدامهم مقيدة وأعينهم معصوبة. كما اتُهم بارتكاب أعمال مهينة مختلفة.
وتم ارتكاب الاعتداء أمام حراس آخرين، وفي مناسبة واحدة على الأقل شارك حراس آخرون في الضرب بأنفسهم، رغم أن هوياتهم غير معروفة لمكتب المدعية العامة العسكرية.
قام المشتبه به، مع حراس آخرين، بتصوير الضرب والاعتداءات بالفيديو على هاتفه في عدة مناسبات.
المسؤولية الجنائية
يحظر قانون القضاء العسكري الإسرائيلي لعام 1955 على الجنود الاعتداء على الأفراد الخاضعين لسيطرتهم. ويتعرض من تثبت إدانتهم بانتهاك القانون لعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات في الظروف العادية، وسبع سنوات إذا ارتكبت الانتهاكات في “ظروف مشددة”.

ومن المرجح أن تتم محاكمة جميع الجنود، بما في ذلك جنود الاحتياط، المشتبه في ارتكابهم انتهاكات، أمام محاكم عسكرية، على الرغم من وجود إمكانية لنقل السلطة القضائية إلى نظام العدالة الجنائية المدنية.
وقال دكتور تال ميمران، وهو محاضر في القانون الدولي في الكلية الأكاديمية صفد ومدير برنامج حقوق الانسان الرقمي في مركز “تخليت” للأبحاث، إن مكتب المدعية العامة العسكرية سيوَد على الأرجح أن يظهر أنه على استعداد لمحاكمة جنود الجيش الإسرائيلي الذين ينتهكون القانون، بسبب تداعيات هذه الانتهاكات المزعومة على مكانة إسرائيل بموجب القانون الدولي.
وتنص لوائح قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002 بوضوح على تزويد السجناء بالطعام، واحتجازهم في ظروف صحية، وتلقي العلاج الطبي المناسب، وحصولهم على ترتيبات نوم كافية. وينص القانون أيضا على السماح بزيارات الصليب الأحمر للمحتجزين في غضون ثلاثة أشهر وإمكانية الاتصال بمحام بعد 21 يوما كحد أقصى.
وأشار ميمران إلى أن إسرائيل من الدول الموقعة أيضا على المعاهدات الدولية التي تحظر استخدام التعذيب وتحظر المعاملة الميسئة.
إحدى هذه المعاهدات هي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، وصدقت عليه إسرائيل عام 1991، والذي ينص على أنه “لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او الحاطة بالكرامة”.
وصدقت إسرائيل على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 1991، والتي تحظر بالمثل مثل هذه الممارسات.
ويعتبر التعذيب أيضا جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، كما حددته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبموجب نظام روما الأساسي، الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تحاكم كبار المسؤولين المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب.
التماسات في المحكمة العليا
في أعقاب ما كشفت عنه شبكة CNN، قدمت منظمات حقوق إنسان إسرائيلية، بما في ذلك جمعية حقوق المواطن في إسرائيل وغيرها، التماسا إلى محكمة العدل العليا تطالبها بإصدار أمر للحكومة بإغلاق سديه تيمان، ووصفته بأنه “ثقب أسود خارج عن القانون”.

وردا على الالتماس، التزمت الدولة أمام المحكمة في جلسة عُقدت في 5 يونيو بنقل جميع المعتقلين خارج منشأة الاعتقال.
في 11 يوليو، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توجيهات في اجتماع للمجلس الوزاري الأمني المصغر لمصلحة السجون الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لإيجاد “حل فوري” لنقل جميع سجناء سديه تيمان الذين كانوا في المنشأة لأكثر من 14 يوما إلى منشآت احتجاز دائمة.
وأصدرت المحكمة العليا أمرا مؤقتا في 15 يوليو يطالب الحكومة بتوضيح سبب عدم ربط تشغيل المنشأة “بالامتثال للشروط المنصوص عليها في قانون سجن المقاتلين غير الشرعيين”.
ومن المقرر عقد جلسة ثانية للمحكمة في 7 أغسطس.
في التماس منفصل قدمته “هموكيد”، بالاشتراك مع جمعية حقوق المواطن في إسرائيل وآخرين، طُلب من المحكمة العليا أن تأمر الحكومة بمنح المعتقلين الفلسطينيين حق الحصول على زيارات للصليب الأحمر لجميع فئات الأسرى الفلسطينيين، بعد أن أوقفت الحكومة هذه الزيارات في أعقاب هجوم 7 أكتوبر في ضوء رفض حماس السماح للصليب الأحمر بزيارة الرهائن المحتجزين في غزة.
ومن المقرر أن تعقد المحكمة جلسة للبت في هذا الالتماس في 4 أغسطس.