تصريح آيزنكوت الاستثنائي يذكر بمدى قرب إيران من تطوير قنبلة نووية
ليس من الواضح ما إذا كان آيزنكوت قد بالغ أم أنه أفصح عن شيء ما كان ينبغي أن يقوله؛ هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول إسرائيلي رفيع عن تسارع إيراني في الطريق إلى القنبلة النووية
ليس من الواضح ما الذي قصده بالضبط رئيس الأركان السابق وعضو الكنيست الحالي غادي آيزنكوت يوم الاثنين في كلمته خلال مؤتمر هرتسليا. وتحدث آيزنكوت، الذي هاجم تعامل رئيس الوزراء مع قضية إيران، عن واحدة من أكثر القضايا حساسية التي تتابعها إسرائيل والعالم الغربي، “التسليح” – المرحلة التي تقوم فيها إيران بجمع مكونات القنبلة النووية.
وأضاف: “هذا جرس منبه لنتنياهو الذي جعل من التهديد الإيراني دينه الثاني للعودة إلى التعامل مع التهديد الإيراني. على صعيد التخصيب، فقد وصل الإيرانيون إلى مكان متقدم للغاية، بما في ذلك تطوير التسليح. هناك تقديرات من مسؤولين في الغرب تتوقع الوصول إلى قدرات نووية بغضون أشهر”.
هذا التصريح أثار قلق كل من يتعامل مع المسألة الإيرانية. هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول إسرائيلي رفيع، شارك قبل بضعة أسابيع فقط في المناقشات السرية في مجلس الوزراء، عن تسارع إيراني في تطوير القنبلة النووية. ليس من الواضح ما إذا كان آيزنكوت، الذي يُنظر إليه على أنه حذر ومعتدل في كلامه، قد بالغ، أو أنه أفصح عن شيء ما كان ينبغي أن يقوله.
يبدو أن الحقيقة تكمن بين الاحتمالين، وأن رئيس الأركان السابق والسياسي الحالي قام بخطوة محسوبة هنا. استغلال إيران لصرف انتباه العالم عنها لتحقيق تقدم كبير في مشروعها النووي ليس سراً.
يمكن وصف الوضع النووي في إيران بأنه كعكة. أعدت إيران جميع المكونات – باستثناء واحد. الآن عليها فقط أن تضيفه وتخبز كعكة. والمكون المفقود هو مرحلة “التسليح”، التي من المفترض أن تحول اليورانيوم المخصب إلى قنبلة.
ولتبسيط المسألة وتجنب الدخول في التفاصيل الفنية، سنقسم القنبلة النووية إلى ثلاثة أجزاء: مادة مخصبة، و”زناد نووي”، ورأس حربي. ووفقا لأحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي صدر في بداية شهر يونيو، لدى إيران حاليا مواد مخصبة إلى مستوى 60% بكمية تكفي لصنع ثلاث قنابل نووية.
ويتوقع أن يستغرق التخصيب من مستوى 60% إلى مستوى 90% الضروري لصناعة قنبلة من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، اعتمادا على المنشأة التي يتم فيها التخصيب. أما بالنسبة لـ”الزناد النووي”، فهذه هي المرحلة التي لم تطورها إيران بشكل كامل بعد. ومن أجل تفجير المادة النووية نفسها، يلزم حدوث انفجار نووي صغير يؤدي إلى انفجار نووي كبير – وهذا هو “الزناد النووي”.
وبعد أن يصبح هذان المكونان جاهزين، يتم تجميعهما فيما يعرف بالرأس الحربي الذي يتم تركيبه على الصاروخ الذي يحمله إلى الهدف. وقد طورت إيران بالفعل الصاروخ الذي من المفترض أن يحمل الرأس الحربي إلى مدى يصل إلى إسرائيل، حوالي 1500 كيلومتر، وقد تلقينا دليلا على ذلك في 14 أبريل. وعلى الرغم من أن إيران لم تنفذ فعليا بعد عملية التركيب النهائية للقنبلة (الرأس الحربي) على الصاروخ، إلا أن عمليات التطوير والأبحاث الإيرانية تركز على هذه الخطوة وعلى تطوير “الزناد النووي”.
وبالمناسبة، المعرفة اللازمة لتطوير “الزناد النووي” موجودة في إيران منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكان اسم هذا المشروع السري حينها “أماد”. وأجرت إيران في ذلك الوقت اختبارات لرأس حربي نووي يستخدم زناد نووي يعتمد على تيار نيوتروني، والذي كان من المفترض أن يفجر الشحنة الرئيسية.
وقد كشفت إسرائيل سجلات ومحاكاة لهذا الجهاز في الأرشيف النووي الإيراني، بما في ذلك تحليلات موجات انفجار الرأس الحربي في ظل ظروف المختبر. وكان الشخص الذي ترأس المشروع آنذاك هو الدكتور فخري زاده، الذي تم اغتياله لاحقا في إيران، على يد الموساد بحسب تقارير أجنبية.
إذا ما كان قصد آيزنكوت بالضبط؟ على ما يبدو تجديد البحث العلمي، الذي يبقى بدون تجارب فعلية، على الأقل بقدر ما هو معروف لدى الغرب. وتشير التقديرات إلى أن إيران بدأت إجراء أبحاث ثنائية، التي يمكن تفسيرها واستخدامها في عدة مجالات، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم نحو تطوير قنبلة تحت ستار الأبحاث العلمية. هذا ليس بمثابة إحياء مرحلة “التسليح”، ولكنها عملية موازية تسرع الوصول إلى القنبلة عند اتخاذ القرار.
ويدعي داني سيترينوفيتش، الرئيس السابق لفرع إيران في قسم الأبحاث والباحث البارز حاليا في معهد دراسات الأمن القومي INSS، أنه لا يمكن الاستنتاج أن إيران أحيت مجهود التسليح بناء على التقارير الأخيرة. وهو يحاول مثل غيره أن يفهم ما يعنيه آيزنكوت بالضبط.
وكتب في تحليل طويل على حسابه في موقع إكس (تويتر السابق) “من المستحيل معرفة ما إذا كان قد تم إحياء (التسليح) أم أنه مجرد حدث فردي لا يشير إلى تغيير في استراتيجية إيران النووية… من الواضح أنه طالما لا يوجد تسليح واضح ومنظم، فإن إيران لا تزال بعيدة أشهر عديدة عن القنبلة”.
يمكن تفسير عبارة عدة أشهر بعدة طرق. التقدير المتفائل يتحدث عن سنة ونصف وربما أكثر، والمتشائم يتحدث عن ستة أشهر. الأميركيون متمسكون حالياً بالتقييم المتفائل، وهذا في الواقع هو أساس خطوات واشنطن، بما في ذلك المحادثات التي ما زالت جارية برعاية عمان في محاولة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.
وينصب التركيز على اتفاق جديد لأنه من الواضح للجميع أن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 قد انتهى ولا يمكن إحياؤه في المرحلة المتقدمة جداً التي وصلها المشروع النووي الإيراني حالياً.
آفاق التوصل إلى اتفاق جديد غير واضحة، وهنا أيضاً هناك متشائمون ومتفائلون. بالتأكيد لن يكون مثل اتفاق عام 2015، الذي يبدو اليوم بديلاً ممتازاً نظراً لكميات اليورانيوم المخصب وغياب الرقابة على المشروع النووي في الوقت الحالي، لكنه على الأقل سيكون اتفاقا سيمنح الغرب وإسرائيل وقتا إضافيا للتأقلم للوضع الجديد الذي فيه إيران تكون دولة على عتبة تطوير السلاح النووي ـ وربما حتى بناء تحالف دولي ضدها.
تحالف يشكل تهديدا كبيرا لمحاولة ردع طهران، حتى عندما تشعر بأنها “على الفرس”. التهديدات طالما ردعت الإيرانيين، وغياب التهديدات طالما شجعهم.