تتويج تشارلز الثالث ملكا في أول مراسم من نوعها في بريطانيا منذ 1953
للمرة الأولى منذ 70 عاما، توّج الملك تشارلز الثالث في مراسم دينية مهيبة تعود الى ألف عام من التاريخ والتقاليد؛ يتساءل بعض البريطانيون لمَ يتعين على دافعي الضرائب تحمل كلفة المراسم الباهظة
أ ف ب – توّج الملك تشارلز الثالث وقرينته الملكة كاميلا على عرش المملكة المتحدة السبت في كاتدرائية ويسمنتستر في لندن، في مراسم دينية مهيبة تعود الى ألف عام من التاريخ والتقاليد لكن تم تكييفها لتعكس صورة بريطانيا في القرن الحادي والعشرين.
وعلى رغم هطول الأمطار، تجمع عشرات الآلاف قبل المراسم لمتابعة انتقال الملك والملكة من قصر باكنغهام الى الكاتدرائية محاطين بالخيالة، وبعدها لتحية العائلة الملكية التي أطلت عبر شرفة القصر اللندني.
وأقيمت مراسم التتويج للمرة الأولى منذ 70 عاما، اذ تعود نسختها الأخيرة الى 1953 حين اعتلت والدة تشارلز إليزابيت الثانية العرش وتولته حتى وفاتها في أيلول/سبتمبر 2022 عن 96 عاما بعد أطول فترة حكم لبريطانيا.
ووضع كبير أساقفة كانتربري جاستن ويلبي على رأس تشارلز الثالث (74 عاما) تاج القديس إدوارد المصنوع من الذهب الخالص والمرصّع بالأحجار الكريمة والمغطّى بقماش من المخمل الأرجواني، في ذروة مراسم سبقها اعتقال الشرطة التي كانت قد حذرت من أنها لن تتسامح مع محاولة لعرقلة التتويج، عشرات الأشخاص في لندن.
وقبل التتويج الرسمي، أدى تشارلز الذي ارتدى قميصا من الكتان الأبيض، اليمين على الانجيل جاثيا على ركبتيه، وجلس بعدها الى عرش القديس إدوارد الذي يعود تاريخه لسبعة قرون، حيث تمّ مسحه الزيت المقدس في مشهد يُحجب عن أعين الحاضرين من خلال إحاطته بألواح خشبية ومخملية من ثلاث جهات.
وبعد مسح الزيت، عاود تشارلز الظهور أمام أكثر من ألفي مدعو في الكاتدرائية ومئات الملايين غيرهم عبر الشاشات في العالم، وتسلّم الإشارات الملكية وخصوصا الصولجان ثم التاج الذي وضعه أسقف كانتربري على رأسه قبل أن يهتف “ليحفظ الله الملك!”.
وصدحت في الكاتدرائية أصوات الأبواق، بينما ترددت أصوات قذائف المدفعية على امتداد المملكة المتحدة ومن على متن سفنها العسكرية عبر البحار، ايذانا بتتويج الملك الجديد رسميا.
وبايع ولي العهد أمير ويلز وليام والده جاثيا على ركبته وطبع قبلة على خده، قبل أن تقام مراسم تتويج كاميلا.
تحيّتان من الشرفة
وكان تشارلز وكاميلا قد وصلا الى الكاتدرائية باللباس الملكي على متن عربة “دايموند جوبيلي ستيت كوتش” التي تجرها ست خيول، وتعود الى اليوبيل الماسي للملكة إليزابيت الثانية.
وتقدمت الموكب فرقتا الخيالة والفرسان وشارك فيه مئات الجنود. واصطف عشرات الآلاف على جانبي طريق الموكب وهم يهتفون للملك والملكة، على الرغم من هطول الأمطار.
وبعد العودة الى القصر الملكي، وهذه المرة على متن عربة “غولد ستايت كوتش” تجرّها ثمانية أحصنة، أطلّ تشارلز وكاميلا من على الشرفة وكلّ منهما يضع تاجه، والى جانبهما وليام وزوجته كايت وأولادهما الثلاثة، إضافة الى شقيقي الملك إدوارد وآن.
وتابع الحاضرون عرضا للقوات الجوية الملكية تم اختصاره بسبب الطقس الماطر. وبعدما ترك أفراد العائلة الشرفة الى داخل القصر، عادوا لفترة وجيزة لتحيّة الجمهور مجددا.
وغاب عن الشرفة أفراد العائلة الذين فقدوا امتيازاتهم الملكية، مثل الأمير هاري الذي حضر في كاتدرائية وستمنستر من دون زوجته ميغن ماركل، والأمير أندرو شقيق الملك تشارلز الثالث.
وصدحت الأبواق في أنحاء الكاتدرائية في المراسم وأطلقت المدافع الاحتفالية برا وبحرا لمناسبة خامس تتويج لملك على عرش بريطانيا منذ 1838.
ومراسم التتويج هي الثانية التي تُبث على التلفزيون والأولى بالألوان وبخدمة البث التدفقي على الانترنت. وتُعد تأكيدا دينيا لاعتلاء تشارلز العرش، اذ أنه الملك منذ وفاة والدته بعدما أمضى سبعة عقود في ولاية العهد.
وامتدت المراسم على مدى ساعتين، وعلى رغم أن بعض محطاتها تمّ تحديثها، الا أن جزءا كبيرا منها متوارث من ألف عام عن أسلاف الملك وعددهم 39 تُوّجوا في كاتدرائية ويستمنستر منذ 1066.
وسعى الملك الجديد لتحديث جوانب من المراسم، اذ شارك نساء أساقفة للمرة الأولى وكذلك قادة أقليات دينية أخرى.
وبصفته ملكا، يترأس تشارلز كنيسة إنكلترا لكنه يقود بلدا أكثر تنوعا دينيا وعرقيا عن الذي ورثته والدته في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وسعى تشارلز أيضا لأن تكون قائمة المدعوين أكثر تمثيلا للمجتمع البريطاني، فدعا أفرادا من عامة الناس ليجلسوا إلى جنب رؤساء دول وملوك وأمراء من أنحاء العالم.
وحضر في الكاتدرائية قادة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والسيدة الأميركية الأولى جيل بايدن التي مثّلت زوجها الرئيس جو بايدن، وكل من ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والأردن عبدالله الثاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وفي تغيير آخر للتقاليد، عكس شعار المراسم اهتمام تشارلز الدائم بالتنوع البيولوجي والاستدامة.
وملئت ويستمنستر بأزهار موسمية وأغصان خضراء من جزيرة آيل أوف سكاي في شمال غرب اسكتلندا حتى كورنوال عند الطرف الساحلي الغربي لإنكلترا. وحُظرت قطع الاسفنج الرغوية الخاصة بالزهور ذات الاستخدام الواحد، وسيتم التبرع بكل الأزهار لجمعيات خيرية تساعد المسنّين والضعفاء.
“ليس ملِكي”
وكان رئيس الوزراء ريشي سوناك اعتبر أن التتويج “تعبير نفتخر به عن تاريخنا وثقافتنا وتقاليدنا”، وأن المراسم “دليل حي على الطابع الحديث لبلدنا وتقاليد نعتز بها يولد من خلالها عهد جديد”.
الا أن هذا الرأي لا يلقى إجماعا.
فالاستطلاعات تشير إلى تراجع الدعم للتاج البريطاني خصوصا بين الشبان الأصغر سنا مع دعوات إلى التحديث أو إلغاء النظام الملكي برمته.
وقبل بدء مراسم السبت، قال متحدث باسم مجموعة “جمهورية” التي تجمع مئات من أنصارها في ساعة مبكرة من صباح السبت في ساحة ترافالغار أن الشرطة اعتقلت “ستة من منظمينا وصادرت مئات اللافتات” التي كتب عليها “ليس ملكي” (“نات ماي كينغ”).
ورفع مئات الناشطين لافتات كتب عليها “مواطنون لا رعايا” و”ألغوا الملكية”.
وفي الخارج، يضعف موقع تشارلز كوريث للعرش في 14 من دول الكومنولوث.
فقد ألمحت بليز وجامايكا هذا الاسبوع إلى خطوات نحو التحول إلى نظام جمهوري، ويُحتمل أن تقوم استراليا وكندا ودول أخرى بخطوات مماثلة.
ويتساءل البريطانيون الذين يعانون ارتفاع كلفة المعيشة لمَ يتعين على دافعي الضرائب تحمل كلفة المراسم التي تقدر بأكثر من 100 مليون جنيه استرليني (126 مليون دولار).
على رغم ذلك، تظهر الحشود الداعمة للأسرة الملكية والتي تقوم طوال الأسبوع بالتخييم على شارع ذي مول المؤدي إلى قصر باكنغهام، دليلا على أن العائلة الملكية لا يزال لها دور في التاريخ والتقاليد البريطانية.
والعديد من هؤلاء جاؤوا جوا من الخارج في تأكيد للموقع الفريد للملكية كأكبر الرموز البريطانية في العالم.
وقالت سام داي التي أمضت الليل في خيمة لتتمكن من متابعة المراسم عن قرب السبت، إنها “فخورة” بما رأت.
وأضافت لفرانس برس أن الاحتفالات كانت “رائعة حتى وإن لم يكن الطقس جيدا”.
والتتويج ذروة مراسم تستمر ثلاثة أيام وتشمل احتفالا موسيقيا في قصر قلعة ويندسور غرب لندن مساء الأحد.