ترحيل عربي مع إقامة إلى غزة تاركا وراءه عائلته بعد أكثر من عقد من الزمن في إسرائيل
باسل القرعان المولود في غزة يخشى على حياته بعد ترحيله إلى القطاع لعدم تجديد "تصريح إقامته" أثناء وجوده في السجن؛ عائلته تتوسل إلى الجيش الإسرائيلي والصليب الأحمر من أجل عودته

تم ترحيل رجل عربي متزوج لامرأة إسرائيلية، وأب لثلاثة أطفال، إلى قطاع غزة ومنعته السلطات الإسرائيلية من العودة للعيش مع عائلته.
كان باسل القرعان (28 عاما) يعيش في إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمن بتصاريح مؤقتة قابلة للتجديد، لكنه أدين مؤخرا بتهمة القيادة بدون رخصة، وبعد أن لم يتمكن من تجديد تأشيرته بسبب وجوده في السجن، تم ترحيله إلى غزة الشهر الماضي.
ويقبع القرعان الآن في رفح التي دمرتها الحرب بعد أن تم إرساله عبر الحدود بين إسرائيل وغزة في فبراير على متن شاحنة مساعدات إنسانية، ولم يتمكن من العودة إلى منزل عائلته في كريات جات.
ينحدر القرعان من أصول بدوية، وقد ولد في غزة لأم عربية إسرائيلية وأب مصري. انتقل إلى إسرائيل مع والدته عندما كان مراهقا بتصريح مؤقت يتم تجديده مرتين سنويا.
في عدة مكالمات هاتفية مع صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قال القرعان أنه عند إطلاق سراحه من سجن شيكما في 1 فبراير – في نفس اليوم الذي تم فيه إطلاق سراح 150 معتقلا أمنيا من غزة كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس – قام عملاء الشاباك بنقله إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي، حيث قام جنديان من الجيش الإسرائيلي بتحميله في شاحنة مساعدات متجهة إلى رفح.
وقال القرعان أنه نُقل إلى سجن شيكما، بالقرب من مدينة عسقلان الساحلية، قبل أربعة أيام فقط من ترحيله. وحتى ذلك الحين، كان محتجزا لمدة 20 شهرا في سجن الدامون في حيفا. (تصل عقوبة القيادة بدون رخصة إلى سنتين).
ورفض جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي الرد على طلبات التعليق على مزاعم القرعان. كما رفضت مصلحة السجون الإسرائيلية تأكيد مكان احتجازه، مشيرة إلى أنها لا تقدم تفاصيل عن السجناء.
وناشد محامي القرعان، عوزي أفراهام، منسق أنشطة الحكومة في المناطق، وهي هيئة تابعة لوزارة الدفاع وتشرف على التنسيق في الضفة الغربية وغزة، وطلب السماح له بالعودة إلى إسرائيل.
ووفقا لما ذكره أفراهام، ردت الهيئة بأنها تقوم بمراجعة الوضع وستقرر كيفية معالجته بحلول نهاية مارس.
وفي هذه الأثناء، يطوق القرعان للهروب من القطاع بعد أكثر من شهر من الاختباء في ما أسماه “مكان آمن”، وهو مأوى مؤقت لشخص بدوي لا يعرفه، التقى به في أول يوم له في رفح، مع أطفال الرجل السبعة.
صباح يوم الاثنين، قال القرعان إن العائلة التي كان يقيم معها فرّت من ملجأها في رفح مع استئناف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية على قطاع غزة، تاركاً إياه وحيدا بالقرب من الحدود الجنوبية.
ويخشى القرعان أن تعثر عليه حماس وتقتله بسبب جنسية والدته الإسرائيلية.
“إنهم يقتلون الناس كل يوم، ويطلقون النار على أرجلهم ورؤوسهم. أرى ذلك كل يوم من بعيد وأسمعه أيضا. إنها حقا مسألة حياة أو موت”.
ويقول إنه نادرا ما يغادر الملجأ المؤقت الذي يقيم فيه، باستثناء عندما يغامر بالخروج للاقتراب من الحدود الجنوبية مع مصر حيث يتمركز جنود الجيش الإسرائيلي، متوسلا إليهم أن يعيدوه إلى إسرائيل.
وقالت مروة، والدة باسل، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل أنها لم تتلقَ أي رد من كل الجهات الحكومية التي ناشدتها، بما في ذلك الجيش والشاباك ومصلحة السجون.
كما اتصلت بالصليب الأحمر الدولي على أمل أن يتمكن من المساعدة. وأكدت الوكالة لتايمز أوف إسرائيل أن القرعان موجود حاليًا في غزة.
وقالت مروة: “من المسؤول عن عودته إلى غزة؟ إذا كانت جميع الوكالات تقول: ليس لدينا أي علم. فمن لديه علم؟ أين المحاسبة؟”.
وقال عوديد فيلر، الذي يعمل في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إن ترحيل القرعان، رغم هزليته، قانوني على الورق.
وقال فيلر لتايمز أوف إسرائيل: “في اللحظة التي يتورط فيها شخص يحمل إقامة مؤقتة في جرائم ومخالفات، فمن القانوني إلغاء إقامته وترحيله. بالطبع، يجب أن يؤخذ في الاعتبار ما سيحدث له ولأولاده ولعائلته – ولكن هذا [الترحيل] يحدث”.
مقيم مؤقت بين عائلة من المواطنين الإسرائيليين
على الرغم من أن والدته وزوجته وأولاده مواطنون إسرائيليون، لم يتمكن القرعان من الحصول على إقامة دائمة – ناهيك عن الجنسية – في إسرائيل، بسبب قانون صدر عام 2003 يمنع الفلسطينيين المتزوجين من مواطنين إسرائيليين إلى حد كبير من عملية التجنس. وانتقل القرعان إلى إسرائيل في عام 2013.
تم وضع ما يسمى بقانون المواطنة في الأصل كأمر مؤقت في ذروة الانتفاضة الثانية بهدف منع الهجمات.
وقد تم تجديد هذا الإجراء كل عام، باستثناء فترة وجيزة في عام 2021، عندما صوتت المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو على رفض القانون على أمل إثارة أزمة ائتلافية. وأعيد العمل به في عام 2022.
القرعان هو واحد من آلاف الأشخاص المؤهلين للاستثناء من هذا الحظر، حيث يعتمد على “تصاريح إقامة” غير ثابتة يمنحها منسق أعمال الحكومة في المناطق، والتي يجب تجديدها كل ستة أشهر.
ووفقا لمنظمة حقوق الإنسان “هموكيد”، يعيش حوالي 9700 شخص في إسرائيل بموجب هذه التصاريح التي يصدرها الجيش.
لا يمكن لحاملي التصاريح التقدم بطلب للحصول على رخصة قيادة إسرائيلية، ونادرا ما يتمكنون الحصول على “تصاريح” قيادة صالحة لمدة عام. ويمنح منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق هذه التصاريح للمقيمين المؤقتين فقط “لأسباب إنسانية” – مثل الحالات التي يكون فيها أزواج المقيمين غير قادرين على القيادة، وفقًا للمدير القانوني لـ”هموكيد” دانييل شنهار.
وعلى الرغم من مكانته الهشة، استمر القرعان في بناء حياته في إسرائيل، حيث عمل في مغسلة سيارات وتزوج لاحقا من نوال، وهي عربية من الناصرة تحمل المواطنةالاسرائيلية، والتي يربي معها ثلاثة أطفال صغار، آدم ومروة وجنى.
ثم في يونيو 2023، ألقي القبض على قرعان وأدين بتهمة القيادة بدون رخصة – والتي لم يتمكن من الحصول عليها بسبب مكانته المؤقتة في إسرائيل. وانتهت صلاحية تصريح إقامته خلال الأشهر العشرين التي قضاها في السجن، مما تركه دون وضع قانوني في إسرائيل.
وقبل اعتقاله في 2023، كان القرعان قد سُجن لمدة شهر بسبب نفس المخالفة – القيادة بدون رخصة.
وبعد مرور بضعة أشهر من الحكم عليه بالسجن، أدين بالاعتداء الجسدي على زوجته أثناء مشادة كلامية قبل اعتقاله، والتي تم حلها لاحقًا من خلال عملية وساطة بين الاثنين.
وتجنبت زوجة القرعان، نوال، الحديث عن الحادثة، لكنها أكدت على صعوبة تربية ثلاثة أطفال بمفردها.
“أنا لا أتدبر أموري على الإطلاق مع الأطفال. الأمر صعب للغاية”، قالت لتايمز أوف إسرائيل. وأضافت أنها منذ ترحيل القرعان تخبر أطفالها بأن والدهم في العمل، وسيعود إلى المنزل بمجرد انتهائه من عمله.
ترحيل مفاجئ
يدعي القرعان أنه لم يتم إخباره أبدا بأنه سيتم ترحيله إلى غزة بعد إطلاق سراحه من السجن.
وروى أنه في يوم إطلاق سراحه في 1 فبراير، أحضره عملاء الشاباك إلى معبر كرم أبو سالم ونقلوه إلى جنديين من الجيش الإسرائيلي. ثم وضعه الجنديان في شاحنة تحمل مساعدات إنسانية. ولدى خروجه من الشاحنة، وجد نفسه في مدينة رفح التي تتناثر فيها الأنقاض.
في اليوم نفسه، أفرجت إسرائيل عن 150 معتقلا أمنيا من قطاع غزة وأعادتهم إلى القطاع كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. ولكن قال القرعان، الذي كان مسجونا بتهمة جنائية وليست أمنية، أنه تم نقله بشكل منفصل. ولم يظهر اسمه على قائمة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم في ذلك اليوم.
وتذكر قائلا: “كنت في حالة صدمة… لم يكن لدي أي فكرة عن مكاني وما الذي كان يحدث وما الذي حدث لي بالضبط”. وقد مر أكثر من شهر منذ أن وجد نفسه عالقا هناك.
وتواجه عائلته معركة شاقة في إعادته من القطاع. وعلى الرغم من خدمة الهاتف المتقطعة، إلا أن القرعان يتصل بانتظام بزوجته وأطفاله الذين يعانون في ظل غيابه الطويل.
وقال: “أطفالي يتصلون بي كل يوم في المدرسة، يبكون كل يوم، وييشاغبون في الفصل، إنهم يفتقدونني. أهتم بكل شيء [من أجلهم]. حياتي كلها هناك، هل تفهمون؟”
واتصل القرعان مؤخرًا بطفليه الأكبر سنًا صباح يوم الأربعاء قبل أن يتوجها إلى المدرسة وهما يرتديان أزياء تنكرية لاحتفالات عيد المساخر في صفهما.
وارتدى آدم البالغ من العمر خمس سنوات زي جندي في وحدة النخبة في القوات الخاصة “سايريت متكال”، وقام بتحية والده بشكل عبر الفيديو قبل التوجه إلى مدرستهم ذات الأغلبية اليهودية. وذهبت ابنته مروة البالغة من العمر أربع سنوات في زي أميرة.
ونادراً ما تكون والدة القرعان، التي تزوجت مرة أخرى ولديها أربعة أطفال في المنزل، قادرة على مساعدة زوجته التي تعاني من صعوبات.
وقالت لتايمز أوف إسرائيل: “من سيقوم بتربية أطفاله؟ لديّ أربعة أطفال لا يزالون في منزلي، وأنا أعمل، وبالكاد أستطيع تدبير أموري، فكيف سأتمكن من تربية ثلاثة آخرين؟ إنه ابني، قلبي يتألم من أجله”.