ترامب يزور الرياض ويقول للسعودية: ستنضمون إلى اتفاقيات إبراهيم في الوقت الذي يناسبكم
الرئيس الأمريكي يقر بأن الدولة المضيفة لا تتسرع في تطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية الحالية في ظل استمرار الصراع في غزة، ويقول إنه يعمل على إنهاء الحرب ”بأسرع وقت ممكن“ وإعادة جميع الرهائن؛ ولم يذكر إسرائيل سوى مرة واحدة

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء إن ”حلمه“ هو أن تنضم المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم، قبل أن يقر بأن الرياض ستفعل ذلك في الوقت الذي تراه مناسبا.
وقال ترامب في خطاب حول السياسة الخارجية ألقاه في قمة استثمارية في الرياض في اليوم الأول من زيارته إلى الشرق الأوسط: ”إنني آمل بشدة وأتمنى بل وأحلم أن تنضم المملكة العربية السعودية قريبا إلى اتفاقيات إبراهيم“.
وأضاف ترامب بعد ذلك: ”لكنكم ستفعلون ذلك في الوقت الذي يناسبكم“، في ما بدا أنه إقرار بأن الرياض ليست مستعدة حاليا لتطبيع العلاقات، بالنظر إلى الحرب المستمرة في غزة ورفض الحكومة الإسرائيلية الحالية إرساء مسار نحو دولة فلسطينية في المستقبل.
سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، ووصفته بأنه ”جوهرة التاج“ لاتفاقات التطبيع المحتملة، في ضوء المكانة المهيمنة للسعودية في العالمين العربي والإسلامي.
وسعت إدارة الرئيس السابق جو بايدن إلى إدراج اتفاق تطبيع في ”صفقة ضخمة“ عملت على توقيعها مع الرياض. وتصورت سلسلة من الاتفاقات الثنائية، بما في ذلك أول معاهدة دفاع أمريكية منذ عقود كانت ستوفر للسعودية ضمانات بأن واشنطن ستدافع عنها إذا تعرضت لهجوم في ظل ظروف معينة.
مثل هذه المعاهدة كانت ستتطلب تصديق ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وكانت إدارة بايدن تأمل في أن يساعد ضم اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية في الحصول على دعم للحزمة من كلا الحزبين.
لكن الرياض أوضحت منذ فترة طويلة أن مثل هذا الاتفاق يتطلب أفقا سياسيا للفلسطينيين – وهو أمر كان العديد من الديمقراطيين التقدميين سيطالبون به أيضا مقابل دعمهم لـ”الصفقة الضخمة“.

كانت إدارة بايدن قد أحرزت تقدما كبيرا في سلسلة الاتفاقات الثنائية مع السعودية، وكان من المقرر أن تبدأ مباحثات جادة مع الرياض بشأن الشروط الدقيقة للجزء الفلسطيني في الحزمة، عندما شنت حماس هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف 251 آخرين.
أدى الهجوم والحرب التي تلت ذلك إلى إخفاق جهود التطبيع، وبدأت الرياض تدرك أنها ستحتاج إلى خطوات أكثر واقعية نحو إقامة دولة فلسطينية، حيث ارتفع التضامن مع الفلسطينيين في السعودية والمنطقة ككل بشكل كبير بسبب الحرب المدمرة في غزة.
مع استمرار الحرب ومع نهاية ولاية بايدن، بدأ المسؤولون السعوديون يتحدثون عن محاولة التفاوض على اتفاقات ثنائية أصغر مع الولايات المتحدة لا تتطلب اتفاق تطبيع مع إسرائيل. لم يتم الانتهاء من هذه الاتفاقات قبل مغادرة بايدن منصبه، لكن إدارة ترامب سعت إلى المضي قدما فيها، حيث أفادت التقارير أنها تدرس اتفاقا يسمح بإنشاء برنامج نووي مدني سعودي.
كما تعهد ترامب بالتوسط في اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، مؤكدا مرارا أن دولا أخرى ستنضم بسرعة إلى اتفاقيات إبراهيم. لكن تصريحاته يوم الثلاثاء أشارت إلى إدراكه أن الرياض لن تنضم بالسرعة التي كان يأملها.
إنهاء حرب غزة في أسرع وقت ممكن
في الوقت نفسه، أشاد ترامب بجهوده الرامية إلى ”إنهاء الحرب [في غزة] في أسرع وقت ممكن“، في خطوة من شأنها إزالة أحد العائقين الرئيسيين أمام انضمام الرياض إلى اتفاقيات إبراهيم.

كما سلط ترامب الضوء على إطلاق سراح الرهينة الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر يوم الاثنين، الذي أطلقته حماس بعد 584 يوما من الأسر في بادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة، على أمل أن تقنع واشنطن بدورها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإنهاء الحرب في غزة.
وقال ترامب: ”لقد عملنا بلا كلل لإعادة جميع الرهائن المحتجزين لدى حماس“. ووافقت إسرائيل على إرسال فريق تفاوضي إلى الدوحة يوم الثلاثاء بناء على طلب الولايات المتحدة، لكن نتنياهو كرر لشركائه في الائتلاف أنه لا ينوي الموافقة إلا على وقف إطلاق نار مؤقت. وعرضت حماس الإفراج عن جميع الرهائن الباقين البالغ عددهم 58 رهينة دفعة واحدة مقابل وقف إطلاق نار دائم، لكن نتنياهو رفض الصفقة، بحجة أنها ستبقي الحركة في السلطة.
كما استغل ترامب خطابه للتأكيد على أن ”جميع الشعوب المتحضرة يجب أن تدين الفظائع التي ارتكبت في 7 أكتوبر ضد إسرائيل“.
وقال: ”شعب غزة يستحق مستقبلا أفضل بكثير، لكن ذلك لن يتحقق طالما أن قادته يختارون اختطاف وتعذيب واستهداف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء لأغراض سياسية“.
وكان هناك عدة أجزاء أخرى من الخطاب أشارت إلى وجود خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك بشأن سوريا وإيران والسياسة الخارجية الأوسع نطاقا. ولم يذكر ترامب إسرائيل بالاسم سوى مرة واحدة – كما ورد أعلاه في إشارة إلى هجوم 7 أكتوبر 2023 – في خطابه الذي استمر أكثر من 30 دقيقة وركز بشكل كبير على الشرق الأوسط.
رفع العقوبات عن سوريا بناء على طلب محمد بن سلمان وأردوغان
فيما يمكن القول إنه أكبر إعلان له في الخطاب، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات التي فرضتها واشنطن على سوريا.

وقال: ”سأصدر أمرا برفع العقوبات المفروضة على سوريا لمنحها فرصة لتحقيق العظمة“، مضيفا أنه اتخذ هذا القرار بعد ضغوط من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووقف بن سلمان على قدميه في الصف الأمامي للتصفيق للإعلان، وتبعه بقية الحضور في القاعة في الرياض.
وقال ترامب: ”كانت العقوبات قاسية ومدمرة وأدت وظيفة مهمة للغاية في ذلك الوقت، ولكن حان الآن وقت [الحكومة السورية الجديدة] للتألق. لذا أقول: حظا سعيدا يا سوريا“.
ويبدو أن السياسة الأمريكية الجديدة ستضعه في خلاف مع إسرائيل، التي حثت على اتباع نهج أكثر حذرا تجاه الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع. وقد مارست القدس بهدوء ضغوطا على الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس لمعارضة الحكومة الإسلامية الوليدة للرئيس السوري أحمد الشرع، وتأييد إنشاء سلسلة من المناطق العرقية المستقلة اللامركزية، على أن تكون المنطقة الجنوبية المتاخمة لإسرائيل منطقة منزوعة السلاح.
تهديد إيران بالعقوبات وليس بضربة عسكرية
فيما يتعلق بإيران، كرر ترامب رغبته في التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية من خلال المحادثات النووية الجارية. وما زال يهدد بتعطيل الاقتصاد الإيراني، لكنه لم يصل إلى حد التهديد بشن ضربة عسكرية محتملة، كما فعل في الماضي.

وقال ترامب: ”أريد إبرام اتفاق مع إيران… لجعل منطقتكم والعالم مكانا أكثر أمانا. ولكن إذا رفضت القيادة الإيرانية غصن الزيتون هذا واستمرت في مهاجمة جيرانها، فلن يكون أمامنا خيار سوى ممارسة ضغوط قصوى هائلة وخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر كما فعلت من قبل“.
وأضاف: ”لن تحصل إيران أبدا على سلاح نووي. لكن مع ذلك، يمكن أن يكون لإيران مستقبل أكثر إشراقا. هذا عرض لن يستمر إلى الأبد. الآن هو الوقت مناسب لكي يختاروا… الأمور تسير بوتيرة سريعة جدا“.
انتقادات لـ”المحافظين الجدد” و”التدخليين”
ثم انتقل ترامب إلى مهاجمة “المحافظين الجدد” و”التدخليين” الذين يعارضون سياسته الخارجية.
وقال “من الأهمية بمكان أن يدرك العالم الأوسع أن هذا التحول الكبير [في الشرق الأوسط] لم يأت من التدخليين الغربيين، أو من أشخاص يطيرون في طائرات جميلة لإلقاء محاضرات عليكم حول كيفية العيش وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة”.
وأضاف ”في النهاية، دمر من يُسمون ب’بناة الأمم’ دولا أكثر بكثير مما بنوا، وتدخل التدخليون في مجتمعات معقدة لم يفهموها هم أنفسهم“.

”إن روائع الرياض وأبو ظبي المتلألئة لم تكن من صنع ما يسمى بـ’بناة الأمم’ أو المحافظين الجدد أو المنظمات غير الربحية الليبرالية”.
وتابع قائلا: ”بدلا من ذلك، فإن ولادة الشرق الأوسط الحديث جاءت على يد شعوب المنطقة نفسها – الشعوب التي تعيش هنا، والشعوب التي عاشت هنا طوال حياتها، وطورت دولها ذات السيادة، وسعت لتحقيق رؤاها الفريدة، ورسمت مصيرها بطريقتها الخاصة”.
وأضاف ترامب: ”لقد حققتم معجزة حديثة على الطريقة العربية”.
عكست التصريحات الصراع المتصاعد بين الجناح الانعزالي الأكثر تأييدا لترامب في الحزب الجمهوري والمحافظين المتشددين الذين هم من أشد مؤيدي إسرائيل، حيث أوضح الرئيس في تصريحاته أنه يقف إلى جانب المعسكر الأول.
وقد انتقدت المجموعة الأخيرة جهود المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وجهود المبعوث الأمريكي الخاص آدم بوهلر للتفاوض مباشرة مع حماس في وقت سابق من هذا العام. ودافع المقربون من ترامب بشدة عن ويتكوف، في حين أبقى ترامب نفسه على بوهلر كمبعوث لشؤون الرهائن، على الرغم من جهود الجمهوريين المتشددين وكبار المسؤولين الإسرائيليين لتهميشه.