إسرائيل في حالة حرب - اليوم 502

بحث
من وراء الكواليس"يحاول ترامب استخدام عدم القدرة على التبنؤ بتصرفاته كأداة"

ترامب يرفض توضيح تهديده “جحيم سيُدفع ثمنه” إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن، نتنياهو قد يستغل هذا الغموض

إسرائيل قد تفرض قيودا إضافية على المساعدات الإنسانية، وتوسع عملياتها البرية من شمال غزة إلى وسطها إذا لم يتم التوقيع على اتفاق بحلول 20 يناير المقبل في خطوة من شأنها أن تلحق المزيد من الأذى بالمدنيين، وأن تعرض الرهائن للخطر

قوات من لواء كفير تعمل في شمال قطاع غزة، في صورة وزعها الجيش الإسرائيلي في 7 يناير، 2025. (Israel Defense Forces)
قوات من لواء كفير تعمل في شمال قطاع غزة، في صورة وزعها الجيش الإسرائيلي في 7 يناير، 2025. (Israel Defense Forces)

لا يحب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن يُسأل عما يعنيه عندما يهدد بـ”جحيم سيُدفع ثمنه” إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير.

لقد تم الضغط عليه مرتين في الأسبوع الماضي لتوضيح التصريح، مما أثار منه ردود فعل غاضبة مثل “لا أعتقد أنني بحاجة إلى الخوض في الأمر بعد الآن”، و”هل ينبغي علي أن أحدد لك ذلك؟”

وعندما طلبت “تايمز أوف إسرائيل” في وقت لاحق من اثنين من مساعدي ترامب شرح ما يعنيه هذا التهديد، رفضا أيضا التوضيح.

هذا هو ترامب ذاته الذي وعد خلال فترة ولايته الأولى بـ”نار وغضب لم يشهدهما العالم من قبل” إذا استمرت كوريا الشمالية في تهديد الولايات المتحدة، فقط ليبني فيما بعد علاقة دافئة مع كيم جونغ أون، حتى مع استمرار الأخير في تهديد واشنطن.

لكن ترامب أمر أيضا بشن الضربة التي قضت على قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في عام 2020، مما يدل على أنه لا يخشى القيام بعمل عسكري غير مسبوق ضد محور المقاومة الذي تقوده طهران ضد إسرائيل.

قد يكون ما يُقصد من عدم الوضوح فيما يتعلق بتهديد ترامب هو الحفاظ على أقصى قدر من المناورة وعنصر المفاجأة، لكن ذلك أيضا أدى الى إضعاف فعالية رسالته إلى حد ما.

وقال دبلوماسي عربي من إحدى الدول التي تتوسط في محادثات الرهائن بين إسرائيل وحماس: “يحاول ترامب استخدام عدم القدرة على التبنؤ بتصرفاته كأداة”، مضيفا: “أحيانا هناك ما يقف وراء تهديداته، وفي بعض الأحيان لا يكون هناك شيء. المشكلة هي أننا لا نعلم ما هو الحال هذه المرة”.

الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب محاطا بالسيناتور الجمهوري من وايومنغ، جون باراسو (على اليسا)ر، والسيناتورة الجمهورية من غرب فرجينيا، شيلي مور كابيتو، يتحدث إلى الصحفيين بعد اجتماع مع قيادة الحزب الجمهوري في الكابيتول يوم الأربعاء، 8 يناير، 2025، في واشنطن. (AP/Jose Luis Magana)

إن الغموض الذي يكتنف تصريحات ترامب يترك الباب مفتوحا أيضا أمام احتمال أنه لا ينوي أن تكون الولايات المتحدة هي الطرف الذي ينفذ تهديده بـ”جحيم سيُدفع ثمنه”، وهنا تدخل إسرائيل.

بمجرد حلول 20 يناير، تخطط إسرائيل لتكثيف الضغط على حماس في غزة من أجل التوصل إلى اتفاق، دون أن تعيقها مطالب إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن أو تهديده بخفض المساعدات الأمنية على مدار السنوات بسبب الأزمة الانسانية الحادة في القطاع، حسبما قال مسؤول إسرائيلي لـ”تايمز أوف إسرائيل”.

وقال المسؤول إن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدرس فرض قيود كبيرة على كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن بحلول موعد تنصيب ترامب.

وتخطط إسرائيل أيضا لتكثيف الهجوم البري الذي يشنه الجيش الإسرائيلي حاليا في غزة، وتوسيع العملية التي استهدفت إلى حد كبير الربع الشمالي من القطاع باتجاه وسط غزة، وفقا للمسؤول الإسرائيلي، الذي أضاف أن الهدف هو حرمان حماس من منطقة أخرى لا يزال لديها فيها بعض السيطرة.

وقال المسؤول الإسرائيلي إن نتيجة هذين الإجراءين قد تؤدي إلى خلق “الجحيم” الذي أشار إليه ترامب بالنسبة لحماس.

ولكن كما أشار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز يوم الجمعة، فإن الناس في غزة – بما في ذلك المدنيون الفلسطينيون والرهائن الإسرائيليون – يعيشون بالفعل في ظروف “جهنمية”.

وقد أصبحت مستويات المساعدات في غزة منخفضة بانتظام بشكل مثير للقلق، حيث شهد شهر أكتوبر أقل كمية تدخل إلى القطاع في عام 2024 بأكمله، على الرغم من الحث الأمريكي المتكرر.

لمدة عدة أسابيع في الخريف، لم يُسمح بدخول أي مساعدات على الإطلاق إلى مناطق واسعة من شمال غزة حيث كان الجيش الإسرائيلي يعمل، مما أثار مخاوف في المجتمع الدولي من أن إسرائيل تنفذ ما يسمى بـ”خطة الجنرال”، التي تتصور فرض حصار على شمال غزة بهدف القضاء على ما تبقى من مقاتلي حماس.

فلسطينيون يستلمون مساعدات غذائية في مخيم البريج وسط قطاع غزة، 6 نوفمبر، 2024. (Eyad Baba/AFP)

منذ ذلك الحين، اتخذت إسرائيل خطوات لزيادة كمية المساعدات التي تسمح بدخولها إلى غزة، بينما زعمت في الوقت نفسه أن هذه المساعدات نفسها هي التي تحافظ على حماس في السلطة لأن الحركة الحاكمة تعمل على تحويل القوافل لاستخدامها الخاص أو تطالب برشاوى من أولئك الذين يسلمون أو يوزعون المساعدات. وبناء على ذلك، يدرس مكتب نتنياهو حجب هذا المصدر الرئيسي للدخل عن حماس، بمجرد تولي ترامب منصبه.

لكن مسؤولا إسرائيليا ثانيا حذر من أن قطع المساعدات الإنسانية الأساسية سيؤثر على الجميع في غزة، بما في ذلك الرهائن. وأشار إلى أن إسرائيل تخاطر بحياة الرهائن على أمل أن تستسلم حماس قبل أن تتدهور صحتهم تماما.

ولقد حذرت الأمم المتحدة من أنه حتى لو امتنعت إسرائيل عن تبني هذه الاستراتيجية بشكل فعلي، فإن المساعدات التي تدخل غزة قد تتوقف بسبب تشريع في الكنيست الذي سيدخل حيز التنفيذ في نهاية يناير والذي يحظر على السلطات الإسرائيلية الاتصال بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

في حين قالت إسرائيل بعد تمرير التشريع إنها مستعدة للعمل مع المنظمات الدولية الأخرى لملء الفراغ الذي ستخلفه الأونروا، قال مسؤول أمريكي لتايمز أوف إسرائيل إن الوكالة هي العمود الفقري البيروقراطي للعملية الإنسانية في غزة، وأنه لم يتم وضع خطة شاملة لملئ الفراغ الذي سيتركه غيابها بالكامل.

ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت التهديدات بفرض مزيد من الإجراءات العقابية سوف تؤثر على حماس عندما تدرك أن الرهائن هم وسيلة الضغط الوحيدة التي تمتلكها لإقناع إسرائيل بإنهاء الحرب بشكل دائم.

وبدا أن المسؤول الكبير في حماس أسامة حمدان، الذي يجلس مرتاحا خارج غزة، يتفق مع هذا الرأي، حيث قال للصحفيين في مؤتمر صحفي في الجزائر إن الحركة وأنصارها في غزة لا يخافون من تهديدات ترامب “لأنهم يعيشون بالفعل في جحيم” في القطاع.

المسؤول في حماس أسامة حمدان يعقد مؤتمرا صحفيا في الجزائر العاصمة في 7 يناير، 2024. . (Screen capture/YouTube)

وبما أن حماس غير متأثرة على ما يبدو بتهديدات الرئيس الأمريكي القادم، فإن إسرائيل تعمل على تصعيد خطابها ضد الحركة أيضا.

في بيان يوم الجمعة، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنه “إذا لم يتم التوصل إلى صفقة رهائن بحلول الوقت الذي يتولى فيه الرئيس ترامب المنصب، يجب أن تكون هناك هزيمة دائمة لحماس في غزة”، مضيفا أنه أصدر تعليماته للجيش بعرض خطة تضمن مثل هذه الهزيمة.

ولم يوضح كاتس كيف تختلف الخطة التي يطالب بها عن أهداف الحرب الإسرائيلية القائمة بالفعل والمتمثلة في تفكيك قدرات حماس الحكومية والعسكرية.

وقال المسؤول الإسرائيلي الثاني أنه إذا كانت الخطة تعني توسيع الهجوم العسكري في شمال غزة جنوبا، فإن ذلك أيضا قد يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر، والذين يُعتقد أن العديد منهم محتجزون في وسط غزة.

دعا البعض في الحكومة الإسرائيلية إلى ضم جزء من غزة من أجل الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن، لكن المسؤول الإسرائيلي الثاني جادل بأن هذا من شأنه فقط ضمان تمرد مفتوح ضد إسرائيل، في حين ينزع الشرعية عن حربها ضد الحركة الفلسطينية.

ما هي الخيارات المتبقية أمام إسرائيل؟ تضغط المؤسسة الأمنية على الحكومة لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح الرهائن بينما لا يزال ما يصل إلى نصف عددهم، البالغ 98، على قيد الحياة، حسبما قال المسؤول الإسرائيلي الثاني.

يمكن أن يتم ذلك من خلال وقف إطلاق نار مؤقت، وهو ما يفضله نتنياهو لأنه يسمح لإسرائيل باستئناف القتال ضد حماس، ومن المرجح أن يحافظ على ائتلافه سليما. ويسعى شركاء نتنياهو في الحكم من اليمين المتطرف إلى إعادة بناء المستوطنات في غزة، وهددوا بإسقاط الحكومة إذا انتهت الحرب.

ناشطون من اليمين الإسرائيلي يصلون خلال تجمع للدعوة إلى إنشاء مستوطنات إسرائيلية في غزة وإحياء يوم تيشعا بآف (التاسع من آب)، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة في 12 أغسطس، 2024. (Oren ZIV / AFP)

وأوضح المسؤول الإسرائيلي الثاني أن جزءا كبيرا في المؤسسة الأمنية يبدو أقل قلقا بشأن احتمال وقف الحرب، ويجادل هؤلاء بأن بإمكان الجيش الإسرائيلي العودة إلى غزة إذا انتهكت حماس شروط وقف إطلاق النار، كما يفعل في لبنان ضد حزب الله.

وتزعم المؤسسة الأمنية أيضا أن سلوك نتنياهو في الحرب لا يتضمن استراتيجية للخروج لأنه رفض طرح بديل قابل للتطبيق لحكم حماس، وبالتالي يسمح ذلك للحركة بالعودة مرارا وتكرارا إلى المناطق التي طهرها الجيش الإسرائيلي لوقت قصير. وتضغط المؤسسة الأمنية والمجتمع الدولي من أجل السماح للسلطة الفلسطينية، التي تتمتع بصلاحيات حكم محدودة على أجزاء من الضفة الغربية، بالعودة إلى غزة لتحل محل حماس.

لكن نتنياهو يرفض الفكرة رفضا قاطعا، وشبه السلطة الفلسطينية – التي تدعم حل الدولتين – بحركة حماس. ويسعى شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف إلى انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل، ومن المرجح أن يهددوا باسقاط الحكومة إذا فكر في تمكين السلطة الفلسطينية.

بدا أن المفاوضات بشأن الرهائن تقترب من ذروتها في نهاية الأسبوع، حيث أرسل نتنياهو كبار المفاوضين الإسرائيليين – الذين يترأسون أيضا أجهزة الأمن في البلاد – إلى الدوحة لمحاولة التوصل إلى اتفاق.

وإذا لم ينجحوا في هذه المهمة، فقد يختار تحويل تهديد ترامب إلى فعل. وسوف يدفع الفلسطينيون، والإسرائيليون، في غزة الثمن.

اقرأ المزيد عن