ترامب ونتنياهو يلتقيان مجددا؛ وإسرائيل تخاطر بالمبالغة في تقدير قوتها
حصل نتنياهو على النتيجة التي أرادها في الانتخابات الأمريكية. الآن أمام بايدين شهرين لترك منصبه، ويتعين على ترامب أن يقرر أي معسكر سيقود سياسته الخارجية
رأى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن السيناريو الأفضل لديه أصبح حقيقة ليلة الثلاثاء: حقق دونالد ترامب فوزا مدويا وسيعود إلى البيت الأبيض في شهر يناير.
قبل ساعات من بدء تدفق النتائج عبر المحيط الأطلسي، اتخذ نتنياهو خطوة جذرية لتعزيز سيطرته على ائتلافه. ومع تركيز العالم على الانتخابات الأمريكية، أقال وزير الدفاع يوآف غالانت، وعين مكانه الموالي له يسرائيل كاتس.
الآن يبدو أن رئيس الوزراء نتنياهو قد حصل أخيرا على مبتغاه.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
لديه حكومة مكونة من وزراء لن يواجهوه علنا. وفي غضون أسابيع قليلة سيعمل مع بيت أبيض سيلتزم الصمت بشأن الخلافات ولن يثير ضجة حول المسائل الانسانية في الحرب ضد المحور الإيراني.
بعد الحملة العسكرية الأخيرة ضد حزب الله والغارات الجوية ضد إيران في الشهر الماضي، يواجه نتنياهو جمهورية إسلامية أكثر عرضة للهجمات الإسرائيلية مما كانت عليه لعقود من الزمن.
ومع ذلك، فإن التحديات التي يواجهها نتنياهو منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر، 2023، لا تزال قائمة، والولاية الرئاسية الثانية لترامب من المتوقع أن تحتوي على مخاطر جديدة محتملة للزعيم الإسرائيلي.
آخر صيحات بايدن
قبل كل ذلك، لا يزال أمام جو بايدن شهرين في منصبه. لقد كان ضعيفا سياسيا بالفعل عندما انسحب من السباق لصالح نائبته كامالا هاريس، لكنه الآن دخل رسميا فترة “البطة العرجاء”.
وفي الوقت نفسه، أصبح بايدن الآن متحررا من القيود. فهو غير مضطر للقلق بشأن أي مستقبل سياسي، ولا يتعين عليه أن يفكر في التأثير الذي ستحدثه تصريحاته وسياساته على حملة هاريس الانتخابية.
علاوة على ذلك، فإن بايدن لا يدين لأي شخص بأي شيء. انقلبت عليه المؤسسة الديمقراطية وزعماء الكونغرس، ومن المؤكد أن تصريحات مسؤولين مجهولين في حملة هاريس الذين يلومونه على خسارتهم ستثير غضبه من جديد.
وفي نهاية مسيرة سياسية على الصعيد الوطني دامت 51 عاما، لا يوجد لبايدن، الذي اهتم دائما بالقضايا الدولية، إنجازا مميزا في السياسة الخارجية يحمل اسمه.
إذا نفذت إيران تهديدها وشنت هجوما صاروخيا بالستيا ثالثا على إسرائيل أثناء ولايته، فقد يكون رد فعل بايدن مختلف عما كان عليه في الماضي. وبحسب تقارير فلقد حذر إيران بالفعل من أن واشنطن لن تكون قادرة على كبح إسرائيل إذا هاجمت مرة أخرى. هل يمكن أن يأمر بايدن القوات الأمريكية بالانضمام إلى الرد هذه المرة، وأن يخلص إلى أن استخدام القوة العسكرية هو السبيل الوحيد لإجبار طهران على التنحي؟
الإمكانيات موجودة. وإلى جانب عشرات الآلاف من القوات الأمريكية المتمركزة بشكل دائم في الشرق الأوسط، أمر البنتاغون الأسبوع الماضي بإرسال عدة قاذفات من طراز “B-52 ستراتوفورتريس” القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات إلى المنطقة.
وحتى لو كانت مهاجمة إيران مباشرة في الأيام الأخيرة من رئاسته بمثابة احتمال مستبعد بالنسبة لزعيم كان هدفه منذ 7 أكتوبر هو احتواء الصراع الإقليمي، يمكن تصور أن يتمكن المرشد الأعلى الإيراني وفيلق الحرس الثوري من إجبار بايدن على ذلك.
وقال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي الأسبق لدى الولايات المتحدة: “من المرجح أن يستنتج الإيرانيون أن الشهرين المقبلين هما فرصتهم الأخيرة لتصنيع سلاح نووي”.
لكن نفور بايدن الشخصي من نتنياهو يمكن أن يحدد أيضا ما سيفعله، حيث أنه لن يكون حريصا على تقديم أي خدمة للزعيم الإسرائيلي، خاصة بعد أن أقال رئيس الوزراء غالانت الذي كانت تربطه علاقة قوية بالإدارة الأميركية الحالية.
إذا كان يريد أن يفعل ما في وسعه من أجل الزعيم الديمقراطي المقبل – والذي لن يكون بالتأكيد هاريس – يمكن لبايدن أن يحاول كسب بعض الشعور بالامتنان لدى الأمريكيين العرب من خلال وضع كل جهود إدارته في إيجاد طريقة لإنهاء الحرب في غزة ولبنان. مع وجود أسابيع فقط لإخراج الرهائن – وهو أمر قد يعني الكثير للرئيس العاطفي – يمكن لبايدن أن يبدأ في دعم مطالبه بالتوصل إلى اتفاق من خلال التهديدات – سواء كانت موجهة إلى حماس أو قطر أو حتى إلى إسرائيل، اعتمادا على أي من هذه الأطراف يعتبر هو أنه يقوم بالمماطلة.
عودة ترامب إلى القيادة
بينما يتشكل فريق ترامب للسياسة الخارجية، فإن لدى إسرائيل فرصة لتشكيل العلاقة على مدى السنوات الأربع المقبلة.
“من المهم أن تتوصل إسرائيل إلى تفاهمات مبكرة مع الإدارة الجديدة عند توليها السلطة”، كما كتب ثلاثة باحثين في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، “حيث أن تركيزها خلال الأيام الأولى بعد التنصيب سيكون على بناء وإعداد أولويات سياستها”.
ويبدو أن هناك صراعا بين جناحين متنافسين في الحزب الجمهوري حول اتجاه السياسة الخارجية للإدارة. سيواجه الجمهوريون التقليديون الذين يدعمون مساعدة الحلفاء والعمل العسكري ضد الإرهابيين وداعميهم فصيلا انعزاليا ناشئا يرى في الصراعات الخارجية إهدارا للموارد الأميركية التي من الأفضل إنفاقها في الوطن.
وتأمل إسرائيل والأنظمة العربية ذات التوجه الغربي أن تتولى شخصيات مثل عضوي مجلس الشيوخ ماركو روبيو وتوم كوتون الأدوار العليا في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية، مما سيشير إلى استمرار رئاسة ترامب الأولى.
وقال إليوت أبرامز، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية: “إن أفضل طريقة لفهم ما سيفعله هو النظر إلى ما فعله”، مضيفا “لا أتوقع تغييرات كبيرة في سياسة الشرق الأوسط، وهو ما سيعني المزيد من الدعم لإسرائيل واتباع نهج أكثر صرامة تجاه إيران”.
ويتفق بوركو أوزجيليك، وهو زميل أبحاث أول في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) لأمن الشرق الأوسط. مع هذا الرأي ويقول “سوف يستعد الكثيرون في المنطقة للعودة إلى دبلوماسية الصفقات التي ينتهجها ترامب – وهو نهج متبادل لعقد الصفقات التجارية – والتي ستكون النخبة السياسية الإقليمية على دراية به من إدارة ترامب السابقة”.
ومن المرجح أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات العربية المتحدة، تعتقد أنه يمكن تحقيق المزيد من المكاسب في ظل رئاسة ترامب الثانية، مثل الضمانات الأمنية الأمريكية، وصفقات الأسلحة، واتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران.
في الوقت نفسه، مع وجود جي دي فانس نائبا للرئيس والناقد تاكر كارلسون كصوتين يتمتعان بثقة الرئيس المنتخب، هناك أسباب تدعو للخشية من أن يتبنى ترامب سياسة خارجية ترى أن تجنب الحرب، وليس انتصار حلفاء الولايات المتحدة، هو الأولوية. فقط في الأسبوع الماضي أشار فانس إلى أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية لن تتداخل دائما وأن “مصلحتنا تكمن في عدم خوض حرب مع إيران”.
وقد أعلن الرئيس المنتخب بوضوح في خطاب النصر الذي ألقاه يوم الأربعاء “لن أبدأ حربا. سأوقف الحروب”.
وسبق أن حذر ترامب نتنياهو من أن “القتل يجب أن يتوقف” في غزة. ويدرك المسؤولون الإسرائيليون أن هذا قد يضعهم في مسار تصادمي مع الرئيس الأمريكي المنتخب.
قد يكون من المفيد إنهاء القتال بشروط إسرائيل قبل أن يتولى ترامب منصبه حيث قد يضع معاييره الخاصة به للتوصل إلى اتفاق.
المشكلة تكمن في أنه ليس من الواضح على الإطلاق كيفية القيام بذلك.
فقط في الأسبوع الماضي، رفضت حماس أي اقتراح لوقف مؤقت للقتال في غزة وكررت إصرارها على وقف دائم لإطلاق النار. وقال المسؤول الكبير في حركة حماس طاهر النونو لوكالة “فرانس برس” إن “فكرة الوقف الموقت للحرب ثم العودة إلى العدوان من جديد سبق أن أبدينا رأينا فيها، حماس مع الوقف الدائم للحرب وليس الموقت”.
وبقدر ما قد يرغب نتنياهو في إنهاء الحرب والتحرك نحو صفقة مع السعودية – وهو أمر قال مسؤولون إسرائيليون لـ”تايمز أوف إسرائيل” إنه حريص على القيام به – فإن الحرب لن تنتهي بينما تحتجز حماس رهائن وتصر على محاولة الحفاظ على السلطة في غزة.
الأمر نفسه ينطبق على لبنان. لن يقوم حزب ببساطة برفع يديه ووقف القتال، خاصة وأن المنظمة المدعومة من إيران تتجه كما يبدو نحو استراتيجية استنزاف ضد إسرائيل، وهو ما يصب في صالحها.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يتبنى رعاتها في طهران موقفا حذرا مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وقال الخبير في الشؤون الإيرانية أوري غولدبرغ: “تماما مثل بقية العالم، يريدون أن يكونوا حذرين للغاية عندما يتعلق الأمر بترامب”، مضيفا “قد اكتووا بنيرانه، وهم لا يريدون الدخول في مواجهة معه”.
وقد يعني ذلك تجنب أي تحركات دراماتيكية على الجبهة النووية وانتظار فرصة للمفاوضات مع ترامب، الذي أبدى استعداده للتحدث حتى مع أكثر الطغاة وحشية.
“لا يحب المستوطنات”
يجب على إسرائيل أيضا أن تكون حذرة في تعاملاتها مع الإدارة القادمة.
يضم ائتلاف نتنياهو حزبين يمينيين متطرفين يريدان ضم الضفة الغربية وإعادة الاستيطان غزة، وقد جارى نتنياهو مرارا وتكرارا مطالب وأنشطة شركائه من أجل الحفاظ على استقرار الائتلاف، بما في ذلك قضايا حساسة مثل الصلاة في الحرم القدسي والمساعدات الإنسانية إلى غزة.
لقد سعى هو نفسه إلى بسط السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات وضم غور الأردن في عام 2020، معتبرا بشكل غير صحيح أن ترامب سيدعم هذه الخطوة. الرئيس، الذي كان يسعى للدفع بـ “صفقة القرن” الإسرائيلية الفلسطينية، لم يفعل ذلك.
ويبدو أن وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير يعتقد أنه بدون الضغط من الديمقراطيين، بإمكان إسرائيل الآن ضم الضفة الغربية.
يوم الأربعاء، قال بن غفير في الكنيست “هذا هو وقت السيادة، وهذا هو وقت الانتصار المطلق”.
سيكون ذلك خطأ.
وقال أورين عن ترامب: “في ولايته الأولى، عارض الضم. لقد منع بيبي [بينامين نتنياهو] من التحرك نحو ضم المنطقة C [في الضفة الغربية]. إنه لا يحب المستوطنات [في الضفة الغربية]”.
وأشار إلى أنه “مع ترامب، ومع القوة الهائلة التي تقف خلفه، ومع مجلس الشيوخ ومع الكونغرس، عندما يطلب منا أن نفعل كذا، فمن الأفضل أن نفكر جديا في فعل كذا”.