ترامب تخلى عن إسرائيل بتوصله إلى هدنة مفاجئة مع الحوثيين – وهذا مقلق بشأن إيران
الرئيس الأمريكي يفاجئ حلفاءه بعد أيام من تسبب الجماعة اليمنية بأضرار اقتصادية جسيمة بضربها مطار بن غوريون؛ ما لا شك فيه أن ذلك أثار قلق القدس وسط المحادثات النووية مع إيران

شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات على بنى تحتية تسيطر عليها جماعة الحوثي يوم الثلاثاء، حيث دمرت طائراتها مطار صنعاء، وذلك بعد يوم من قصف المقاتلات الإسرائيلية لمدينة الحديدة الساحلية.
ثم فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدوره مفاجأة صادمة.
فمن دون تنسيق مع إسرائيل أو أي من الحلفاء الآخرين، أعلن خلال اجتماع في البيت الأبيض أن الحوثيين وافقوا على التوقف عن مهاجمة خطوط الشحن في البحر الأحمر، وقال إن الولايات المتحدة ستوقف هجماتها على الجماعة المدعومة من إيران.
من جانبهم، أعلن الحوثيون أنهم سيواصلون استهداف إسرائيل. وللتأكيد على هذا الموقف، انطلقت طائرة مسيّرة يُعتقد أنها أُطلقت من اليمن باتجاه إسرائيل فجر الأربعاء، قبل أن تعترضها القوات الجوية الإسرائيلية.
وإذا ما صمد هذا الاتفاق – وهو أمر غير مؤكد – فإن إسرائيل، على ما يبدو، ستقف وحدها في معركتها ضد الحوثيين.
وقال داني سترينوفيتش، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي: “قرار الرئيس ترامب بوقف الهجمات ضد الحوثيين يترك إسرائيل فعليًا وحدها في حملتها ضد هذه الجماعة الإرهابية اليمنية”.
وأضاف: “إنه مؤشر إضافي وتذكير بأن الإدارة تعمل على تحقيق مصالحها، حتى لو لم تكن هذه المصالح متوافقة مع مصالح الحكومة الإسرائيلية”.

والمقلق أن ترامب لم يذكر حتى هجمات الحوثيين على إسرائيل، رغم مرور يومين فقط على سقوط أحد صواريخهم الباليستية في مطار بن غوريون، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين وإلحاق أضرار اقتصادية جسيمة نتيجة إلغاء معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى البلاد لأيام، وفي بعض الحالات لأسابيع.
ولا يزال من غير الواضح ما الذي حققته حملة القصف الأمريكية التي استمرت شهرين، والتي تجاوزت تكلفتها مليار دولار. وقال الرئيس الأمريكي إن الضربات كانت تهدف إلى وقف هجمات الحوثيين على السفن، لكن الجماعة لم تتبنَّ أي هجوم على سفينة تجارية منذ 27 ديسمبر، ووقع آخر هجوم مؤكد في نوفمبر.
كما خسر الجيش الأمريكي سبع طائرات مسيّرة من طراز “ريبر” منذ أن بدأت الهجمات الموسعة في مارس، وتبلغ تكلفة كل منها 28 مليون دولار. كذلك خسر طائرتين مقاتلتين من طراز F/A-18 “سوبر هورنت”، تبلغ قيمة كل منهما ما لا يقل عن 67 مليون دولار.

وقال وولف-كريستيان بايس، الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “نحن فعليا عدنا إلى ما كنا عليه قبل أربعة أشهر، لكن بعد أن فقد كثيرون حياتهم في اليمن، وبتكلفة كبيرة على دافع الضرائب الأمريكي”. وأضاف: “الحوثيون سيستغلون هذه الفرصة لإعادة التنظيم والتسلح، بينما تتراجع قوة الولايات المتحدة”.
وقال بريان كارتر، من معهد “أمريكان إنتربرايز”: “الهدنة تفصل بشكل مصطنع بين حرب 7 أكتوبر والوضع في البحر الأحمر، ما يعني أن الحوثيين سيتمكنون من الراحة، وإعادة التسلح، ومهاجمة إسرائيل. كل ذلك أثناء تطبيق الدروس التي تعلموها خلال قتالهم مع البحرية الأمريكية، واستعدادهم لتصعيد جديد ضد الولايات المتحدة وحلفائها قد يبدأ في أي لحظة ولأي سبب”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “الولايات المتحدة ستضطر إلى محاربة الحوثيين مجددًا في المستقبل”.
لكن بعض الخبراء كانوا أكثر تفاؤلًا بشأن الهدنة.
وقال جون هانا، الزميل البارز في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي والمستشار السابق للأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني: “إعلان ترامب المفاجئ بأن الحوثيين في الواقع استسلموا سيكون نصرا كبيرا وتأكيدا قويا على حدسه في استخدام القوة الأمريكية”.
وأضاف: “إذا كان الأمر صحيحًا، فعلى إيران أن تأخذ العبرة”.
لم يبقى لإسرائيل أهداف كثيرة يمكنها ضربها
إذا واصل الحوثيون إطلاق النار على السفن المدنية المرتبطة بإسرائيل، وعلى إسرائيل نفسها، فمن غير المرجح أن تتمكن الأخيرة من إجبارهم على التوقف عبر الضربات الجوية فقط.
وليس من الواضح حتى إن كانت مئات الغارات الأمريكية هي ما دفع الحوثيين للموافقة على وقف إطلاق النار مع واشنطن.

وقال مسؤولان إيرانيان لصحيفة “نيويورك تايمز” إن إيران هي من أقنعت الحوثيين بوقف هجماتهم على المصالح الأمريكية، بينما تخوض طهران محادثات نووية مع الولايات المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت قصف أهداف حوثية منذ أن أطلقت إدارة بايدن عملية “بوسايدون آرتشر” في يناير 2024.
ووصف كارتر تلك الحملة بأنها “سلسلة من أنصاف الإجراءات التفاعلية التي لم تحقق تأثيرات حاسمة أو تضعف قدرات الحوثيين العسكرية بشكل ملموس”.
وقد صعّد ترامب بشكل كبير من وتيرة الهجمات في مارس عبر إطلاق عملية “روف رايدر”.
وحتى قبل الإعلان عن الهدنة، كانت الهجمات الأمريكية تؤتي بعض النتائج، حيث لوحظ تراجع في هجمات الحوثيين على الشحن المدني والهجمات بشكل عام بدءًا من صيف 2024. أما الحملة المكثفة الأخيرة فقد استهدفت قيادات ومستودعات وبنى تحتية. وأصبح من الصعب على الحوثيين إعادة التسلح، وقد أطلقوا الجزء الأكبر من ترسانتهم عالية التقنية.
لكن رغم مئات الغارات الأمريكية، واصل الحوثيون إطلاق النار على السفن العسكرية الأمريكية وعلى إسرائيل.
ورغم أن إسرائيل أظهرت قدرتها على تنفيذ غارات بعيدة المدى في اليمن، إلا أنها لن تتمكن من مجاراة وتيرة العمليات الأمريكية.

كما يبدو أن هناك فجوة استخباراتية. فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية ميناء الحديدة أربع مرات منفصلة، وتباهت في كل مرة بالتأثير على الاقتصاد والبنية العسكرية للحوثيين. لكن أظهر الحوثيون قدرتهم على الصمود في مواجهة الخصوم الأقوياء. وكما هو الحال في أفغانستان، فإن التضاريس الجبلية في اليمن تُعد ميزة ثمينة للجماعات المسلحة التي تواجه هجمات جوية.
وعلى مرّ السنين، تعلم الحوثيون كيف يتكيفون مع الحملات الجوية، من خلال إخفاء الأصول الحيوية أو نقلها تحت الأرض.
ويبدو أنه قد لا يبقى لإسرائيل أهداف ذات قيمة لضربها قبل نفاد صواريخ الحوثيين.
“ذهب جهادي”
حتى لو تمكنت إسرائيل من تنفيذ ضربات بشكل منتظم، فلدى الحوثيين أسباب عديدة لمواصلة إطلاق النار على الدولة اليهودية.
فالعنف ضد إسرائيل والولايات المتحدة يُشكل جزءًا جوهريًا من أيديولوجية الحوثيين. فكما تقول شعارات الجماعة: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
ما كان جماعة قبلية فقيرة في الصحراء لم يكن أحد قد سمع بها قبل 15 عاما، بات الحوثيون اليوم يتمتعون بشعبية غير مسبوقة في أنحاء العالم الإسلامي باعتبارهم طليعة القتال ضد إسرائيل.

وقال جون هانا: “ما الطريقة الأفضل لطائفة شيعية محتقرة ومهمشة لتتقمص ما تبقى من عباءة القومية العربية والمقاومة الإسلامية سوى إطلاق النار بانتظام على اليهود والشيطان الأكبر؟ وكل ذلك باسم الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والاستعداد لاستعادة القدس. إنه ذهب جهادي”.
كما أنها وسيلة سهلة لتحويل أنظار الجمهور عن الفقر والجوع والفساد المستشري في اليمن. فهجمات الحوثيين تحظى بشعبية أكبر بكثير من الجماعة نفسها. وأظهر استطلاع أجري في أكتوبر أن 8% فقط من المشاركين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ينظرون إليهم بشكل إيجابي، في حين أن 35% أيّدوا الهجمات.

وهناك بضعة نقاط ضغط محدودة يمكن أن تستهدفها إسرائيل لردع الحوثيين عن استهدافها.
وقال وولف-كريستيان بايس: “لو كانت هذه جهة أخرى، ربما كانت الخسائر المدنية عاملًا مؤثرًا، لكن يبدو أن الحوثيون محصنون نسبيًا ضد ذلك”.
من اليمن إلى إيران
هجوم الحوثيين يوم الأحد فرض ثمنًا باهظًا على إسرائيل، حيث أدى إلى إلغاء العديد من الرحلات الجوية.
ولكن العنصر الأهم في الصراع مع الحوثيين هو ما يحمله من تداعيات على المواجهة الإسرائيلية مع إيران.
فلا شك إن قدرة إسرائيل على ضرب أهداف عالية القيمة على بُعد نحو 2000 كيلومتر تثير قلق قادة إيران، لا سيما وأن طهران تبعد 1500 كيلومتر فقط.

وقال جون هانا: “استسلام الحوثيين سيؤكد الفوائد الاستراتيجية الكبرى التي يمكن جنيها من التعاون العسكري الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد أعدائهما المشتركين. كما أنه يبرز الفرص المتاحة أمام هذا التحالف لتقويض التهديد الإيراني بكل أبعاده مستقبلًا”.
لكن الهدنة تشير أيضًا إلى خطر واضح يهدد إسرائيل. فقد فاجأ ترامب القدس بإعلانه، ولم يُبدِ اهتمامًا يُذكر بما يعنيه ذلك لأمن إسرائيل.
وهذا يُجسد كابوسًا حقيقيًا لإسرائيل بينما يواصل ترامب محادثاته النووية مع إيران.
فمع بقاء إسرائيل على الهامش، يمكن للرئيس أن يُعلن فجأة عن اتفاق مع إيران يترك برنامجها النووي قائمًا. وحينها ستجد إسرائيل نفسها معزولة، وعلى عكس حالة الحوثيين، سيكون من المستبعد تماما أن تُهاجم إيران بعد اتفاق مع ترامب.
رغم حدة لهجة الرئيس الأمريكي في حديثه عن إيران، لكن يبدو أن ميله إلى إبرام اتفاقات مع الأعداء من خلال محادثات مباشرة يُوجه سياساته، في وقت فشل فيه المبعوثون الإسرائيليون — السفير يحيئيل لايتر ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر — في التأثير على السياسة أو حتى متابعة مجريات المفاوضات السرية.
ومع قدوم ترامب إلى المنطقة الأسبوع المقبل دون أن يخطط للزيارة إسرائيل، قد تكون هناك مفاجآت أخرى في الطريق.