إسرائيل في حالة حرب - اليوم 365

بحث
تحليل

تحول نتنياهو الحاد في ملف لبنان ليس إلا ذريعة لإنقاذ الائتلاف

قبل 11 شهرا، عندما كانت الطائرات في الجو بالفعل، اتصل نتنياهو بدرعي وغانتس وآيزنكوت - وتم إلغاء العملية الذي قادها غالانت في الشمال؛ الدوافع السياسية وحدها يمكن أن تفسر تحول نتنياهو الحاد في قضية لبنان؛ يبدو أن رئيس الوزراء أخطأ في تقدير الغضب بين جنود الاحتياط من الصفقة الناشئة مع ساعر على حساب الخادمين في الجيش

بنيامين نتنياهو في طريقه إلى اجتماع حزب الليكود في الكنيست، يناير 2024. (Yonatan Sindel/Flash90)
بنيامين نتنياهو في طريقه إلى اجتماع حزب الليكود في الكنيست، يناير 2024. (Yonatan Sindel/Flash90)

على مدار أسبوع كامل تقريبًا، جرت مناقشات محمومة في المجلس الأمني ​​بشأن العملية البرية للجيش الإسرائيلي. وفقا لعدة مصادر شاركت فيها، طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمزيد من التفاصيل حول العملية: فكرة العملية، اتجاهات التسلل، وضع الجبهة الداخلية، نطاق إطلاق الصواريخ من حماس وأكثر من ذلك.

وعندما انتقل المشاركون للحديث عن عدد القتلى والمصابين في الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء – الذي كان لا يزال في حالة صدمة من 7 أكتوبر – “سيكون هناك آلاف القتلى”، فأجابه وزير الدفاع “لهذا السبب الجيش الموجود، لن يكون هناك آلاف القتلى”.

لم يجر هذا النقاش مؤخراً في ما يتعلق بلبنان، بل جرى قبل 11 شهرا، عشية الدخول البري إلى قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من قرار مجلس الوزراء بعدم الموافقة على المخطط الذي اقترحه وزير الدفاع للشمال، الذي وصفه الوزير يوآف غالانت بأنه “فرصة عملية نادرة لتغيير وجه الحملة”.

استدعى رئيس الوزراء أرييه درعي وبيني غانتس وغادي آيزنكوت – الذين انضموا إلى الحكومة على عجل – وتم تأجيل العملية المخطط لها في الشمال. اليوم يمكن القول أن الطيارين كانوا في الجو بالفعل، وتم تحديد الأهداف للصواريخ والقنابل – وما تبقى هو إصدار الأمر بإطلاق النار. وزير الدفاع أمرهم بالإقلاع والانتظار في مكان ما لأنه لا يريد أن تضيع هذه الفرصة العملياتية بسبب تجنب رئيس الوزراء لاتصالاته.

ولم يتراحع هذا التوتر بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع منذ ذلك الحين. في الحقيقةـ التوترات بين الاثنين قائمة منذ مارس 2023، عندما أقيل غالانت في خضم الانقلاب القضائي. واشتعلت الشوارع بعد ذلك، واضطر نتنياهو إلى التراجع عن الإقالة.

وفاة والدة غالانت بعد أسابيع قليلة من إعادته إلى منصبه، أتاح للاثنين – نتنياهو وغالانت – فرصة لتصوير العودة إلى الأوضاع المعتادة عندما تم تصويرهما في ساحة منزل وزير الدفاع، وهما يتحدثان مع الأصدقاء.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، 11 فبراير 2024 (Ariel Heremoni/ Defense Ministry)

لكن السابع من أكتوبر كشف مرة أخرى عن الحساسيات بينهما. إلغاء الهجوم في لبنان لم يكن سوى المقدمة. فمنذ بداية الحرب، يصطف غالانت مع رئيس الأركان ورئيس الشاباك، وهو صوتهم للتعبير عن الأمور التي لا يمكنهم قولها بحكم واجباتهم الرسمية.

ولهذا السبب، ومن أجل دفع المفاوضات العالقة قدما، قرر وزير الدفاع في شهر مايو وضع إحدى أهم أوراق إسرائيل على الطاولة في غزة – إخلاء محور “نتساريم” الذي يقسم القطاع إلى قسمين ويسمح لإسرائيل منع عودة السكان الفلسطينيين إلى الشمال. غالانت أدرى تداعيات الانسحاب من المحور، لكنه كان مستعداً للانسحاب منه من أجل الدفع بصفقة مع حماس خوفاً على حياة الرهائن.

اعترض رئيس الوزراء على ذلك خوفا من انهيار الائتلاف، ولكن الاقتراح أصبح حقيقة في المفاوضات بعد نشره، ولذلك تم إنشاء بند لا يمكن لإسرائيل التراجع عنه. محاولات نتنياهو المتكررة لاستخدام بند محور نتساريم لإحباط الصفقة لم تنجح، وحتى الأميركيون أدركوا أن الصفقة مغلقة، ولم يتطرقوا إلى بند نتساريم في إدارة الأزمة الأخيرة مع حماس.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشير إلى خريطة غزة خلال مؤتمر صحفي في القدس، 2 سبتمبر، 2024. (Sam Sokol/The Times of Israel)

الأزمة التالية كانت محور فيلادلفيا. اصطف غالانت مرة أخرى مع الجيش الإسرائيلي والشاباك، وأعلن أنه من الممكن الانسحاب منه وإبقائه مغلقا من بعيد. وهنا أيضا أعلن نتنياهو معارضته، بخطاب وعرض باللغتين. وتم فصل مراسل “جويش كرونيكل” في أعقال مزاعم غامضة بأن يحيى السنوار كان يعتزم الفرار إلى سيناء مع الرهائن عبر نفق تحت المحور.

وتبين أن الاقتباس غير صحيح وأثار العديد من الأسئلة حول التوقيت – قربه بالصدفة من مؤتمر رئيس الوزراء الصحفي بشأن محور فيلادلفيا. لكن هذا لم يكن الضرر الوحيد من ذلك المؤتمر الصحفي. فتسببت العروض بشأن فيلادلفيا في أزمة سياسية مع القاهرة.

الإشارة إلى مصر في الخرائط والتلميحات بأنها لا تسيطر على الحدود غيم على العلاقات مع حكومة السيسي، التي سارعت إلى إرسال رئيس الأركان المصري إلى الحدود المشتركة مع إسرائيل وقطاع غزة لإثبات السيادة المصرية في المنطقة – وعلاوة على ذلك للتلميح بأن أي تفكير بوجود إسرائيلي على معبر رفح سيواجه مقاومة مصرية شديدة.

وبالذات فيما بتعلق بمسألة التعامل مع حزب الله في الشمال، كان نتنياهو وغالانت متفقين لزمن طويل. وحتى يوليو الماضي، اعتبر كلاهما الجبهة الشمالية ثانوية. وذلك إلى جانب محاولة من وراء الكواليس للتوصل إلى اتفاق مع لبنان عبر المبعوث آموس هوكستين.

طائرة مسيرة تابعة لحزب الله انطلقت من لبنان وتم اعتراضها في الشمال، 25 أغسطس 2024 (Jalaa MAREY / AFP)

وكان رئيس الوزراء حذرا جدا في ذكر المسار الدبلوماسي، ربما لأنه كان يخشى إثارة غضب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. فهو لم يذكر صراحة “اتفاق مع حزب الله”، لكنه كان يلمح له دائما في التصريحات ويتابع الأفعال.

وزار في يونيو الماضي مقر اللواء 769 بعد تعرضه لصاروخ ثقيل من حزب الله، وهناك قال “بطريقة أو بأخرى سنعيد الأمن إلى الشمال”. كل شخص فسر هذه الجملة كما يشاء.

في الشهر الماضي، أدرك غالانت أن إسرائيل أمام الفرضة الأخيرة للتوصل إلى صفقة رهائن، ولذلك صاغ عبارة “المفترق الاستراتيجي”، مما أثار استياء رئيس الوزراء، الذي اعتبرها بمثابة تقويض له.

لقد فعل غالانت في الواقع ما فعله نتنياهو: فقد خلق خيارين، كما يحب نتنياهو أن يفعل. لكن لم تكن خيارات غالانت “نحن أو هم” ــ الخيار الثنائي الذي ميز سيرة نتنياهو المهنية ــ بل خيارين سيئين ولكنهما ضروريان في مجال السياسة الأمنية.

وزير الدفاع يوآف غالانت في قطاع غزة، 8 سبتمبر 2024 (Ariel Heremoni/ Defense Ministry)

الأول: صفقة تعيد الرهائن ولكن تطلق سراح مئات الأسرى الأمنيين وتخلق وضعا غامضا بشأن مستقبل حماس والقطاع نفسه. والثاني، البديل: استمرار القتال في غزة كساحة ثانوية ونقل مركز الثقل للحرب مع حزب الله، على الرغم من كل التداعيات الاستراتيجية لهذه الخطوة.

نتنياهو، الذي يحب التقاعس في اتخاذ القرارات المصيرية، اتهم حماس بعرقلة الصفقة (ادعاء صحيح جزئيا لأن السنوار شدد بالفعل بعض الشروط، ولكن هذا حدث بعد أن شدد نتنياهو الشروط بنفسه).

لقد فهم غالانت أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق، ولذلك تحدث خلال الأسبوعين الماضيين عن التركيز على الشمال. وأمضى الأيام الأخيرة في قيادة المنطقة الشمالية للمصادقة على الخطط ولقاء القوات التي تدربت على القتال ضد حزب الله في مرتفعات الجولان.

الدوافع السياسية وحدها يمكن أن تفسر التحول الحاد في موقف نتنياهو بشأن قضية لبنان. وقد بدأ يتحدث بشكل مختلف هذا الأسبوع. ففي شهر مايو قال في اجتماع لمجلس الوزراء بخصوص السكان الذين تم إجلاؤهم في الشمال “ماذا سيحدث إذا عادوا بعد أشهر قليلة من الأول من سبتمبر؟”

وزير الدفاع يوآف غالانت ومبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن آموس هوكستين، 24 يونيو 2024 (Ariel Heremoni/ Defense Ministry)

في المقابل، قال أمس – في خضم الأزمة السياسية – للمبعوث الخاص هوكستين أنه “لا يمكن إعادة السكان إلى الشمال دون حدوث تغيير جوهري في الوضع الأمني”.

يمكن تفسير “التغيير الجذري” في عدة طرق، ويمكن لكل طرف أن يفسرها كما يريد. يمكن لبن غفير وسموترتش تفسيرها كعزم، سكان الشمال كبشرى – وغالانت كتهديد لمستقبله. يبدو أن تأكيد عضو الكنيست موشيه سعدة على هذه العبارة عدة مرات أمس في القناة 12 لم يكن صدفة – ولم يكن الوحيد.

ولم نذكر بعد كلمة واحدة عن المهر الذي من المفترض أن يحضره جدعون ساعر معه إلى وزارة الدفاع، ربما في شكل الموافقة على قانون التجنيد الجديد، الذي يرضي اليهود الحريديم. وألمح مراسل موقع “كيكار هشبات” يشاي كوهين إلى ذلك أمس وسط موجة الشائعات عن إقالة غالانت واستبداله بساعر.

ولكن في هذه الحالة يبدو أن نتنياهو، بكل حكمته السياسية، لا يقيّم بشكل صحيح الغضب بين جنود الاحتياط الذين سيتعين عليهم أن يتحملوا عبء جبهتي قتال عند اندلاع الحرب في لبنان. ومعظم الغضب، بالمناسبة، هو بين القوميين الدينيين الذين يخدمون في الجيش، فقد تصاعد الخلاف بينهم وبين اليهود الحريديم منذ بداية الحرب.

متظاهرون يحتجون بالقرب من منزل جدعون ساعر في تل أبيب، 16 سبتمبر 2024 (Avshalom Sassoni/Flash90)

في الوقت الحالي، الإحباط محصور في مجموعات الواتساب وفي المحادثات الشخصية، ولكن إذا تم إقرار قانون تجنيد يعطي الأولوية للبقاء السياسي، فسوف ينفجر هذا الغضب. تنتظر منظمات جنود الاحتياط ما سيأتي به اليوم السياسي، لكنها بدأت تنظم صفوفها لساحة معركة أخرى، ليس في غزة، وليس في لبنان، بل في إسرائيل.

اقرأ المزيد عن