إسرائيل في حالة حرب - اليوم 500

بحث

بلينكن يعرض رؤيته لما بعد الحرب في غزة، وينتقد استراتيجية الحرب الإسرائيلية المتمثلة ورفضها للسلطة الفلسطينية

في خطاب مطول، أكد وزير الخارجية الأميركي المنتهية ولايته أن حماس جندت عددا من الأعضاء يساوي ما خسرته، وانتقد رفض إسرائيل إدراج رام الله في خطة "اليوم التالي"

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين يتحدث في المجلس الأطلسي في واشنطن، في 14 يناير، 2025.(ANDREW CABALLERO-REYNOLDS / AFP)
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين يتحدث في المجلس الأطلسي في واشنطن، في 14 يناير، 2025.(ANDREW CABALLERO-REYNOLDS / AFP)

قبل أسبوع من نهاية ولايته كوزير للخارجية الأمريكية، عرض أنتوني بلينكن رؤية الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن المنتهية ولايته فيما يتعلق بغزة بعد الحرب، مدعيا أنها يجب أن تشمل دورا كبيرا للسلطة الفلسطينية، وهي فكرة عارضتها بشدة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

في خطاب مطول في “المجلس الأطلسي” تناول العديد من جوانب الحرب والحالة الأوسع للشرق الأوسط، وجه بلينكن انتقادات واسعة لاستراتيجية الحرب الإسرائيلية، لا سيما رفضها وضع خطة لاستبدال حركة حماس، والتي، كما زعم، جندت عددا من المقاتلين يساوي عدد من فقدتهم في الحرب المستمرة منذ 15 شهرا.

وقال بلينكن إن الإدارة المنتهية ولايتها ستسلم خارطة الطريق المقترحة لفريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب لاستئنافها، إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث يبدو أن إسرائيل وحماس على وشك التوصل إلى اتفاق كهذا.

وقال بلينكن إنه يضع تصورا بأن تقوم السلطة الفلسطينية بدعوة الشركاء الدوليين لمساعدتها في إنشاء والإشراف على إدارة مؤقتة مسؤولة عن القطاعات المدنية الرئيسية في غزة، كالخدمات المصرفية، والمياه، والطاقة، والصحة، والتنسيق المدني مع إسرائيل.

وصرح أن المجتمع الدولي سيوفر التمويل والدعم الفني والإشراف على هذه الإدارة المؤقتة في غزة، دون توضيح من بالتحديد سيمول المشروع.

وقال إنه سيتم تشكيل اللجنة المؤقتة من خلال التشاور مع المجتمعات في غزة ويجب أن تشمل ممثلين من القطاع إلى جانب ممثلين من السلطة الفلسطينية.

وستعمل اللجنة بشكل وثيق مع مسؤول أممي كبير يتم تعيينه للإشراف على الجهود الدولية لإعادة إعمار غزة. وسيتم استبدال اللجنة المؤقتة بسلطة فلسطينية مُصلحة “بمجرد أن يصبح ذلك ممكنا”.

وأضاف بلينكن أن بعثة أمنية مؤقتة ستتكون من قوات من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، إلى جانب موظفين فلسطينيين تتم مراجعتهم والموافقة عليهم، وستكون مسؤولة عن تأمين المساعدات الإنسانية إلى جانب أمن الحدود ومنع التهريب.

وكشف أن بعض حلفاء أمريكا قد أعربوا بالفعل عن استعدادهم للمساهمة بقوات أمنية في المهمة المؤقتة، لكنهم اشترطوا هذا الدعم بموافقة إسرائيل على السماح بتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت سلطة فلسطينية مصلحة، في إطار الطريق إلى حل الدولتين – وهو ما رفضه نتنياهو مرارا وتكرارا.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مقر إقامة نتنياهو في القدس، 15 سبتمبر / أيلول 2010 (Kobi Gideon/Flash90)

وقال بلينكن إن خطته تتضمن أيضا قيام الولايات المتحدة بوضع مبادرة جديدة لتدريب وتجهيز وفحص قوة أمنية بقيادة السلطة الفلسطينية في غزة، والتي ستتولى تدريجيا مهمة الأمن المؤقتة.

ستكون هذه الأطر المختلفة لحكم غزة وإعادة إعمارها وأمنها مكرسة في قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كان خطاب بلينكن موضوعا للجدل داخل إدارة بايدن، حيث زعم البعض أنه سيتم استغلاله من قبل نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية. وزعم آخرون أنه قد يضر حتى بمفاوضات الرهائن. وقال مسؤول أمريكي آخر ل”تايمز أوف إسرائيل” إن قرار الكشف عن الخطة بهذه الطريقة يقلل من احتمالية تبنيها من قبل إدارة ترامب القادمة، والتي تريد إلى حد كبير تجنب استمرار المبادرات من الفريق المنتهية ولايته.

وفيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، قال بلينكن إن الوسطاء الأمريكيين والقطريين والمصريين قدموا اقتراحا نهائيا لصفقة الإفراج عن الرهائن إلى إسرائيل وحماس يوم الأحد، مشيرا إلى أن الحركة لم تعط إجابة.

وقال “الكرة الآن في ملعب حماس. إذا قبلت حماس، فإن الصفقة جاهزة للإبرام والتنفيذ”، مشيرا إلى أن إسرائيل وافقت على الاقتراح بالفعل – وهو الأمر الذي لم يؤكده حتى مكتب نتنياهو.

وأضاف في خطابه “أعتقد أننا سنتوصل إلى وقف لإطلاق النار. سواء وصلنا إلى هناك في الأيام المتبقية من إدارتنا، أو بعد 20 يناير، فإن الاتفاق سيتابع بدقة شروط الاتفاق الذي طرحه الرئيس بايدن في مايو الماضي والذي حشدت إدارتنا العالم خلفه”.

مقاطعة الخطاب من قبل نشطاء مناهضين لإسرائيل

وقاطع محتجون مناهضون لإسرائيل خطاب بلينكن ثلاث مرات في الدقائق ال 15 الأولى منه متهمين وزير الخارجية الأمريكي بتسهيل “الإبادة الجماعية”.

وصرخ أحد المحتجين قبل أن يتم إخراجه من القاعة “ستُعرف إلى الأبد باسم بلينكن الدموي، وزير الإبادة الجماعية”.

إخراج أحد الناشطين المناهضين لإسرائيل من القاعة أثناء خطاب لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في المجلس الأطلسي في واشنطن العاصمة، في 14 يناير، 2025. (ANDREW CABALLERO-REYNOLDS / AFP)

وصرخ محتج ثان بعد خمس دقائق “أنت مجرم حرب متوحش”.

وظل بلينكن هادئا، وقال لإحد المقاطعين “أنا أحترم آراءك. أرجوك اسمح لي بمشاركة آرائي”، قبل أن يستأنف حديثه.

وقال بلينكن إن المسؤولين الأمريكيين ناقشوا “بشكل مكثف” رد إدارة بايدن على الحرب، في إشارة إلى سلسلة من الاستقالات التي قدمها عدد من المسؤولين في وزارته الذين انتقدوا السياسية المتمثلة في مواصلة توفير الأسلحة والغطاء الدبلوماسي لإسرائيل.

وقال إن آخرين شعروا بأن واشنطن منعت إسرائيل من إلحاق ضرر أكبر بإيران ووكلائها.

وقال “من الأهمية بمكان طرح أسئلة مثل هذه، والتي سيتم دراستها لسنوات قادمة. أتمنى لو أستطيع الوقوف هنا اليوم وأن أقول لكم بيقين أننا اتخذنا كل قرار بشكل صحيح. لا يمكنني فعل ذلك”.

وصفة لـ”حرب دائمة”

وانتقد بلينكن استراتيجية الحرب الإسرائيلية، وقال إن رفض نتنياهو تقديم بديل قابل للتطبيق لحركة حماس للحكم في غزة، مثل السلطة الفلسطينية، دفع الجيش الإسرائيلي إلى العودة مرارا وتكرارا إلى أماكن في القطاع كان قد طهرها في السابق من مقاتلي حماس الذين نجحوا بعد ذلك في العودة.

وقال بلينكن “لقد أوضحنا منذ فترة طويلة للحكومة الإسرائيلية إن حماس لا يمكن هزيمتها من خلال حملة عسكرية فقط، وأنه بدون بديل واضح، وخطة لما بعد الصراع، وأفق سياسي موثوق للفلسطينيين، فإن حماس، أو شيء بغيض وخطير بنفس القدر، ستنمو مرة أخرى”.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين يتحدث في المجلس الأطلسي في واشنطن العاصمة، في 14 يناير، 2025. (ANDREW CABALLERO-REYNOLDS / AFP)

وقال “هذا بالضبط ما حدث في شمال غزة من 7 أكتوبر. في كل مرة تكمل فيها إسرائيل عملياتها العسكرية وتنسحب، يعيد مسلحو حماس تجميع صفوفهم ويعودون إلى الظهور لأنه لا يوجد شيء آخر لملء الفراغ”.

وكشف بلينكن “في الواقع، نقدّر أن حماس جندت عددا من المسلحين الجدد يكاد يكون مساويا لعدد من فقدتهم. هذه وصفة لعمليات مسلحة دائمة وحرب دائمة”.

وقال “واصلت إسرائيل حملتها العسكرية إلى ما بعد تدمير القدرة العسكرية لحماس وقتل القادة المسؤولين عن 7 أكتوبر، مقتنعة بأن الضغط العسكري المستمر مطلوب لحمل حماس على قبول صفقة لوقف إطلاق النار و[إطلاق سراح] الرهائن بشروط إسرائيل”.

وأضاف أن حماس “استغلت معاناة الفلسطينيين بسخرية”، وأشار إلى تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” يزعم الكشف عن رسالة أرسلها زعيم حماس الذي قُتل يحيى السنوار إلى الوسطاء، حيث وصف مقتل المدنيين الفلسطينيين بأنه “تضحيات ضرورية” وزعم أنه كلما زاد عدد القتلى من الفلسطينيين الأبرياء، كلما استفادت حماس أكثر.

وانتقد بلينكن الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بسبب بعض سياساتهما على مدى السنوات العديدة الماضية.

وزعم بلينكن أن “الإسرائيليين يجب أن يتخلوا عن الأسطورة القائلة بأنهم قادرون على تنفيذ الضم الفعلي [للضفة الغربية] دون تكلفة أو عواقب على ديمقراطية إسرائيل ومكانتها وأمنها”.

وأضاف “تعمل إسرائيل على توسيع المستوطنات الرسمية وتأميم الأراضي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في العقد الأخير، في حين تغض الطرف عن النمو غير المسبوق في البؤر الاستيطانية غير القانونية. وقد وصلت الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون المتطرفون ضد المدنيين الفلسطينيين إلى مستويات قياسية”.

وقال بلينكن إن رفض إسرائيل السماح للسلطة الفلسطينية بوضع موطئ قدم لها في غزة وقبول نهج محدد زمنيا ومبني على الشروط لإقامة دولة فلسطينية منع الجهات الفاعلة الدولية الأخرى من قبول دعوة إسرائيل للمساعدة في إعادة بناء غزة.

وأقر بأن البعض في إسرائيل يجادلون بأن الاستجابة لهذه المطالب من شأنه أن يكون بمثابة مكافأة لحماس. لكن بلينكن قال إن حماس تعارض حل الدولتين الذي يدعمه المجتمع الدولي وسعت إلى سحقه بهجوم السابع من أكتوبر.

تظهر هذه الصورة، الملتقطة من الجانب الإسرائيلي للحدود مع قطاع غزة، أعمدة الدخان تتصاعد جراء الانفجارات فوق المباني المدمرة في شمال قطاع غزة في 13 يناير، 2025. (Menahem Kahana/AFP)

وقال بلينكن إن “حكومة إسرائيل قوضت بشكل منهجي قدرة وشرعية البديل الوحيد القابل للتطبيق لحماس – السلطة الفلسطينية”، مشيرا إلى حجب إسرائيل لمئات الملايين من الدولارات من عائدات الضرائب الفلسطينية.

وأضاف “يتعين على الإسرائيليين أن يقرروا العلاقة التي يريدونها مع الفلسطينيين. من غير المعقول التوهم بأن الفلسطينيين سيقبلون أن يكونوا لا-شعب دون حقوق وطنية. سبعة ملايين يهودي إسرائيلي ونحو 5 ملايين فلسطيني متجذرون في نفس الأرض. لن يذهب أي منهما إلى أي مكان”.

أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فقال بلينكن إنها “فشلت مرارا وتكرارا في القيام بالإصلاحات التي طال انتظارها”، بما في ذلك الإصلاحات الرامية إلى كبح جماح الفساد، والحد من البيروقراطية المتضخمة، وتعديل برنامج الرعاية الاجتماعية لوقف دفع المخصصات للأسرى الأمنيين بناء على شدة هجومهم على الإسرائيليين.

كما انتقد السلطة الفلسطينية لرفضها إدانة هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 بوضوح بشكل مستمر، قائلا إن ذلك “يعزز الشكوك بين الإسرائيليين في أن المجتمعين يمكن أن يعيشا جنبا إلى جنب في سلام”.

بالحديث عن الآثار الخطيرة المترتبة على الحرب في غزة، أشار بلينكن إلى أن “كلما زادت معاناة الناس، كلما قل شعورهم بالتعاطف مع معاناة أولئك على الجانب الآخر”.

وقال عن الهجوم الذي شنته حركة حماس في عام 2023 الذي بدأ الحرب، وقُتل فيه نحو 1200 شخص واختُطف 251 آخرين، وسط فظائع واسعة النطاق وموثقة على نطاق واسع تم ارتكابها ضد المدنيين، بما في ذلك الهجمات على مئات العائلات في منازلهم وعلى مهرجان موسيقي: “في مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، تعتقد أغلبية كبيرة أن السابع من أكتوبر لم يحدث – أو إذا حدث، فإنه كان هجوما مشروعا على الجيش الإسرائيلي”.

وأضاف بلينكن “في إسرائيل، لا توجد تقارير تقريبا عن الظروف في غزة وما يعاني منه الناس هناك كل يوم. إن هذا التجريد من الإنسانية هو أحد أعظم مآسي الصراع”.

ساهمت وكالة رويترز في هذا التقرير.

اقرأ المزيد عن