بعد الفشل الذريع في التصدي لهجوم حماس في 7 اكتوبر، حان الوقت لاستقالة رئيس الأركان
استقالة رئيس المخابرات العسكرية تعني أن حاليفا أعلن في الواقع انتهاء الحرب، وأن الوقت حان لتحمل عواقب الفشل، فكل إسرائيلي يعرف أن ما يحدث الآن في غزة ليس حربًا، ولذا على هاليفي الاستقالة أيضا
هجوم حماس في السابع من أكتوبر دفع رئيس الأركان ورئيس المخابرات العسكرية ورئيس الشاباك إلى تحمل مسؤولية الفشل الذريع فورا، والإعلان – صراحة أو ضمنا – عن عزمهم الاستقالة من مناصبهم نتيجة لتحملهم المسؤولية.
أول من تولى المسؤولية كان رئيس الشاباك رونين بار. “لقد فشلنا في تقديم تحذير كاف”، كتب للجنود في اليوم العاشر من الحرب، “بصفتي رئيس المنظمة – المسؤولية تقع على عاتقي”.
في صباح اليوم التالي، نشر رئيس الأركان هرتسي هاليفي رسالة إلى جميع جنود الجيش الإسرائيلي “لقد تعرضنا لضربة ونحن مسؤولون”. وفي اليوم نفسه، ألقى رئيس المخابرات العسكرية أهارون حاليفا كلمة وأعلن فيها: “لقد فشلنا في أهم مهامنا، وبصفتي رئيس المخابرات العسكرية، أتحمل المسؤولية الكاملة عن الفشل”.
هذا الاسبوع، عشية عيد الفصح، قدم حاليفا استقالته الى رئيس الاركان. “مع السلطة تأتي مسؤولية كبيرة”، كتب، في رسالة واضحة الى قادته، “للمهمة، للشعب، للنجاح والفشل. والآن، بعد أكثر من ستة أشهر [من بداية الحرب]، وفي موازاة بداية التحقيقات، أرغب في إنهاء واجباتي والتقاعد من جيش الدفاع الإسرائيلي”.
استقالة حاليفا ليست مفاجأة في حد ذاتها، كما ذكرنا، لكن التوقيت الذي اختار فيه الإعلان عن تقاعده يحمل في طياته معاني جدية: رئيس المخابرات العسكرية المتقاعد يعلن في الواقع أن المجهود الحربي الرئيسي قد انتهى، وحان الوقت لتحمل عواقب الفشل.
رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تجنب الإعلان عن أي تاريخ محدد بأنه “اليوم التالي للحرب” واضحة كالنهار؛ حاليفا يشير إلى أن هذا اليوم قد وصل.
استبدال رئيس المخابرات العسكرية خلال الحرب أو القتال ليس أمرا مفروغ منه. تعيين شخص جديد في مثل هذا المنصب الحساس، خلال فترة طوارئ أمنية، فيه مخاطر وعيوب. لم يفكر حليفا بالاستقالة بعد أسبوع من اندلاع الحرب، رغم أنه كان واضحا حينها أنه لن يبقى في منصبه.
هذا هو الفرق بين ذلك الحين والآن: رغم أن أحدا لم يعلن نهاية الحرب، وربما لن يعلنها أبدا، إلا أن كل إسرائيلي يعرف أن ما يحدث الآن في قطاع غزة ليس حربا. ما لم يكن من الممكن القيام به في خضم الحرب، يجب القيام به الآن.
نفس السبب الذي يسمح لحاليفا بالاستقالة الآن، يعني أنه يجب على رئيس الأركان هاليفي أن يعلن استقالته. ليس هناك سبب يدعوه إلى الانتظار، وليس هناك سبب للخوف من أن خليفته كرئيس للأركان لن يكون جاهزا لمنصبه. هناك ضباط موهوبون وناضجون في الجيش الإسرائيلي.
وفي مقابلة مع برنامج “عوفدا” قبل نحو أسبوعين، قال رئيس الشاباك السابق نداف أرغمان إن كبار المسؤولين في الجهاز الأمني يجب أن يبقوا في مناصبهم إلى ما بعد سقوط الحكومة، حتى لا يتم استبدالهم من قبل نتنياهو. لكن لا يوجد مثل هذا القلق بالنسبة لرئيس المخابرات العسكرية أو ررئيس أركان الجيش.
ومن لا يثق باعتبارات نتنياهو في هذا السياق، قد يطمأنه أنه بموجب المادة 3 (ج) من القانون الأساس في الجيش، يتم اختيار المرشح لمنصب رئيس الأركان من قبل وزير الدفاع والحكومة توافق على توصيته. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الوزير يوآف غالانت طرف في مؤامرة نتنياهو المحتملة لإطالة الحرب، من أجل بقائه السياسي.
ومع ذلك، لم يسبق في تاريخ إسرائيل أن يختار وزير الدفاع مرشحا لمنصب رئيس الأركان لم يكن مقبولا لدى رئيس الوزراء. لكن الوضع السياسي الحالي، الذي لا يخشى فيه غالانت مواجهة نتنياهو، قد يخلق مثل هذه السابقة – بالتأكيد إذا اضطر وزير الدفاع إلى اختيار مرشح في حال إعلان هاليفي استقالته وتحديده موعدا محددا.
لكن الوضع بالنسبة لرئيس الشاباك أكثر تعقيدا، بسبب خضوع الجهاز بشكل مباشر لسلطة رئيس الوزراء. لهذا السبب وحده، ووفقا لموقف أرغمان الذي يدعو بار إلى عدم الاستقالة حتى يتنحى نتنياهو – وبافتراض أن رئيس الأركان لن ينتظر طويلا حتى استقالته – فمن المعقول أن يؤخر بار استقالته حتى الوقت الذي لا يختار فيه نتنياهو بديلا له.
إن تقاعد كل أو معظم كبار أعضاء المؤسسة الأمنية يجب أن يبعث برسالة لا لبس فيها إلى النظام السياسي والجمهور برمته: لقد حان الوقت لتحمل عواقب الفشل الذريع، قبل وخلال وبعد 7 أكتوبر.
وكما أنه لا يمكن تبرير موقف نتنياهو المحتمل بأنه لا ينوي الاستقالة حتى نشر لجنة التحقيق الحكومية – في وقت ما في المستقبل البعيد – استنتاجاتها، بعد سنوات عديدة، كذلك لا يمكن أيضا تبرير تأخير آخر في العواقب العامة والسياسية للفشل.
على أية حال، سلوك نتنياهو السياسي معروف جيدا لدى الجمهور الإسرائيلي. وحتى لو توصلت لجنة التحقيق الحكومية المستقبلية إلى نتائج خطيرة للغاية بالنسبة له، وحتى لو حمّلته المسؤولية الشخصية الكاملة عن الكارثة الأمنية، فإن استنتاجات لجنة التحقيق الحكومية بشأن كارثة ميرون علمتنا حقيقتين لا لبس فيهما:
- حتى لو كانت الاستنتاجات خطيرة بالنسبة لرئيس الوزراء، فإن اللجنة تمتنع عن تقديم توصيات بشأنه، وتترك الأمر لـ”حكم الجماهير”.
- بدون توصيات واضحة لإقالته، ليس لدى نتنياهو أي نية للاستقالة. وكما هو الحال مع نتائج تقرير ميرون، فإن نتنياهو سيرفض أيضاً نتائج لجنة التحقيق بشأن الحرب بادعاءات كاذبة.
- وهناك اعتبار آخر في هذا الشأن وهو السؤال عما إذا كان ينبغي على أصحاب هذه المناصب الانتظار حتى سقوط الحكومة أو الانتخابات المبكرة. القواعد التي تنطبق على الحكومة الانتقالية تجمد إمكانية إجراء تعيينات دائمة في المناصب العليا، لكن هذه القاعدة لها استثناء أيضًا.
- وفي بعض الحالات، ولأسباب خاصة، يجوز للحكومة الانتقالية أيضا تعيين مسؤولين كبار، خاصة في المؤسسة الأمنية. فقد تم تعيين رئيس الأركان هاليفي نفسه من قبل حكومة انتقالية برئاسة يائير لبيد، بموافقة المستشار القانوني للحكومة. وعلى أية حال، فإن انتظار حكومة جديدة لتولي السلطة هو انتظار لفترة طويلة للغاية.
تحمل المسؤولية لا يعني فقط قبول عواقب الفشل، بل أن يتم تنفيذ هذه العواقب خلال فترة زمنية معقولة، وليس في المستقبل البعيد.
وكما أن سنوات التحقيق الطويلة وسنوات المحاكمة في المحاكم تشكل تعذيبا قانونيا تجاه المتهم، فإن تنفيذ العواقب لموظف عام – بسبب إخفاقه في منصبه وتحملا للمسؤولية – بعد سنوات عديدة من وقوعها، يشكل تعذيبا قانونيا تجاه الجمهور بأكمله.
لعدة أسباب، مبدئية وعملية، على نتنياهو أن يتحمل مسؤولية وعواقب فشله، خلال فترة زمنية مناسبة. من أشرف على التايتانيك لا يمكنه أن يطلب فرصة أخرى، أو ينتظر شهورا أو سنوات قبل الرحيل.