بدء جلسات الاستماع في لاهاي في قضية اتهام إسرائيل بـ”الإبادة الجماعية” في غزة
جماعات مؤيدة لإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين تنظم مسيرات تضامنية مضادة خارج محكمة العدل الدولية؛ الولايات المتحدة وألمانيا تقولان إنه لا أساس لهذه الاتهامات التي تنفيها إسرائيل
لاهاي – افتتح 17 قاضيا في قصر السلام في محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، يوم الخميس، جلسات الاستماع في المحكمة في الشكوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة “الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين خلال الحرب الجارية في غزة.
وتضم هيئة المحكمة 15 قاضيا دائما وقاضيين مؤقتين من إسرائيل وجنوب أفريقيا – رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الأسبق أهارون باراك ونائب رئيس المحكمة العليا الأسبق في جنوب أفريقيا ديكغانغ موسينيكي، اللذان أديا اليمين أمام رئيسة محكمة العدل الدولية القاضية جوان دونوهيو.
بعد ذلك قرأت دونوهيو الادعاءات التي قدمتها جنوب أفريقيا في طلبها ضد إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، حيث أشار مسؤول في المحكمة إلى أن جنوب أفريقيا طلبت في البداية من محكمة العدل الدولية أن تأمر بتعليق فوري للهجوم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة كخطوة أولى في قضية من المحتمل أن يستغرق صدور قرار فيها سنوات.
ومن المتوقع أن تستغرق جلسات الاستماع يومين.
قبل بدء الجلسة، تجمع المئات من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل والمؤيدين للفلسطينيين في لاهاي صباحا وسط جو شديد البرودة في مسيرات تضامنية مع تواجد كثيف للشرطة.
وكان من المقرر أن يتقدم المتظاهرون المؤيدون لإسرائيل، والذين ضموا نشطاء من منظمات صهيونية مسيحية بالإضافة إلى أعضاء من المجتمعات اليهودية المحلية، في مسيرة من نقطة مركزية في لاهاي نحو محكمة العدل الدولية، حيث خططوا للتظاهر أمام معرض يسلط الضوء على محنة الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة.
وقال راؤول بيرغهاوس، وهو ناشط من أمستردام، إن إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية، وقال إنه إذا ارتكب أي طرف مثل هذه الجريمة في الصراع الحالي، فهو حركة حماس الفلسطينية.
وقال بيرغهاوس: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وأعتقد، للأسف، أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي أن تفعل ما تفعله. إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تحذر المدنيين من المغادرة لأنه يتعين علينا القيام بعملنا”.
كما تجمع عشرات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين خارج المحكمة، ولوح العديد منهم بالأعلام الفلسطينية مطالبين بوقف إطلاق النار، ورفع آخرون لافتات كُتب عليها “أوقفوا الإبادة الجماعية” ومن النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر”.
اندلعت الحرب في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر الذي قُتل فيه حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين الذين قُتلوا في منازلهم وفي مهرجان موسيقي، وتم اختطاف أكثر من 240 آخرين إلى غزة واحتجازهم كرهائن وسط مشاهد من الانتهاكات الوحشية، في ما تُعتبر على نطاق واسع أسوأ مذبحة يتعرض لها اليهود منذ المحرقة النازية.
ردت إسرائيل على الهجوم بعدد كبير من الغارات الجوية وهجوم بري يهدف إلى تدمير حماس، الحركة التي تحكم غزة منذ عام 2007، وتحرير الرهائن، الذين يُعتقد أن 132 منهم ما زالوا في القطاع.
وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إن أكثر من 23 ألف شخص قُتلوا في المعارك، ولكن لا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، ويُعتقد أنها تشمل مدنيين ومقاتلي حماس الذين قُتلوا في غزة، بما في ذلك نتيجة لصواريخ طائشة أطلقتها الفصائل المسلحة. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل أكثر من 8500 ناشط في غزة، بالإضافة إلى حوالي 1000 مسلح داخل إسرائيل في 7 أكتوبر.
وفي خضم القتال، قدمت جنوب أفريقيا دعوى عاجلة إلى محكمة العدل الدولية لإجبار إسرائيل على “التعليق الفوري” لعملياتها العسكرية في غزة. ونفت إسرائيل بشدة الاتهامات ضدها، ورفض الرئيس يتسحاق هرتسوغ يوم الأربعاء مزاعم الإبادة الجماعية ووصفها بأنها “فظيعة” و”منافية للعقل”.
وقبل الجلسة، حظيت إسرائيل بدعم حليفين رئيسيين هما الولايات المتحدة وألمانيا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في تصريح يوم الأربعاء إن “المزاعم بأن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية لا أساس لها من الصحة. في الواقع، أولئك الذين يهاجمون إسرائيل بعنف هم الذين يواصلون الدعوة علانية إلى إبادة إسرائيل والقتل الجماعي لليهود”.
وأضاف “إن الإبادة الجماعية هي واحدة من أبشع الأعمال التي يمكن أن يرتكبها أي كيان أو فرد، ولا ينبغي تقديم مثل هذه الادعاءات إلا بأكبر قدر من الحرص”.
وتابع قائلا “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد أعمال حماس الإرهابية – وهي الأعمال التي تعهدت حماس بتكرارها حتى يتم تدمير إسرائيل بالكامل. تعمل إسرائيل في بيئة مليئة بالتحديات بشكل استثنائي في غزة، وهي ساحة حرب مدن حيث تقوم حماس بوضع نفسها عمدا بين المدنيين والاختباء خلفهم”.
وبينما كرر إدانته للهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، قال ميلر إن الولايات المتحدة لا تزال تتوقع من إسرائيل “الامتثال للقانون الإنساني الدولي في عملياتها ضد حماس”.
كما سلط الضوء على الشعور في واشنطن بأن الجيش الإسرائيلي لا يبذل جهودا كافية لحماية المدنيين، ودعا إسرائيل إلى “البحث عن المزيد من الطرق لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين والتحقيق في الادعاءات الموثوقة بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي عند ظهورها”.
وبدا أن ميلر يشير أيضا إلى استياء الولايات المتحدة من دعوات المشرعين الإسرائيليين إلى العقاب الجماعي والتهجير الجماعي للفلسطينيين، مما ساعد في بناء قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “نحن نواصل إدانة الخطاب المجرد من الانسانية من جميع الأطراف”.
متحدثة من بيروت، رفضت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أيضا التأكيدات على أن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية.
وقالت “من المهم جدا بالنسبة لي أن أؤكد أنه ينبغي دائما أن نضع في عين الاعتبار ما يدور حوله هذا الأمر على بالتحديد. أولا: الحقيقة هي أنه في 7 أكتوبر، هاجمت منظمة حماس الإرهابية إسرائيل بأكثر الطرق وحشية، وقتلت الناس واغتصبت النساء واحتجزتهم كرهائن بطريقة همجية”.
وأضافت أن “إسرائيل تتصرف بموجب حقها في الدفاع عن النفس ضد منظمة حماس الإرهابية، ولكن ليس ضد السكان المدنيين كهدف للدفاع عن نفسها، وهو ما أوضحته”، مضيفة أن ألمانيا ستقدم موقفها إلى المحكمة.
ورغم أن إسرائيل عادة ما ترفض محاكم الأمم المتحدة والمحاكم الدولية باعتبارها غير عادلة ومتحيزة، إلا أنها أرسلت فريقا قانونيا قويا للدفاع عن عمليتها العسكرية.
وقالت جولييت ماكنتاير، خبيرة القانون الدولي بجامعة جنوب أستراليا: “أعتقد أنهم جاؤوا (إسرائيل) [إلى المحكمة] لأنهم يريدون أن تتم تبرئتهم ويعتقدون أن بإمكانهم مقاومة اتهامات الإبادة الجماعية بنجاح”.
وأصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانا مصورا ليلة الأربعاء دافع فيه عن تصرفات بلاده.
وقال إن “لا نية لإسرائيل لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير السكان المدنيين”، مضيفا أن “إسرائيل تقاتل إرهابيي حماس، وليس السكان الفلسطينيين، ونحن نفعل ذلك مع الالتزام الكامل بالقانون الدولي”.
وقال إن الجيش الإسرائيلي “يبذل قصارى جهده لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، في حين تبذل حماس قصارى جهدها لتعظيمها من خلال استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية”.
وفي بيان بعد رفع القضية في أواخر العام الماضي، حثت وزارة خارجية السلطة الفلسطينية المحكمة على “اتخاذ إجراءات فورية لحماية الشعب الفلسطيني ودعوة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إلى وقف هجومها ضد الشعب الفلسطيني، لضمان التوصل إلى حل قانوني موضوعي”.
وبدأت الجلسات التي تستمر على مدار يومين من خلال قيام جنوب أفريقيا بتفسير سبب قيامها باتهام إسرائيل بارتكاب “أفعال وتجاوزات” تعتبر “ذات طابع إبادة جماعية” في حرب غزة ودعوتها للمحكمة إلى إصدار أمر مؤقت للوقف الفوري للأعمال العسكرية الإسرائيلية.
ومن المرجح أن يستغرق اتخاذ قرار بشأن إصدار مثل هذا الأمر المؤقت أسابيع.
ولم تحكم المحكمة الدولية، التي تنظر في النزاعات بين الدول، قط على دولة ما بأنها مسؤولة عن ارتكاب جريمة إبادة جماعية. في عام 2007 قضت بأن صربيا “انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية” في المذبحة التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة في يوليو من ذلك العام والتي راح ضحيتها أكثر من 8000 رجل وصبي مسلم في منطقة سربرينيتسا البوسنية، لكنها لم تصل إلى حد إدانة صربيا بارتكاب جريمة إبادة جماعية.
أما المحكمة الجنائية الدولية، التي يقع مقرها على بعد بضعة أميال في نفس المدينة الهولندية، فهي محكمة مختلفة تحاكم الأفراد بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
وقالت ماكنتاير إن جنوب أفريقيا “ستواجه صعوبة في تجاوز عتبة” إثبات ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
وقالت في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وكالة “أسوشيتد برس”: “الأمر لا يتعلق ببساطة بقتل أعداد هائلة من الناس. يجب أن تكون هناك نية لتدمير مجموعة من الأشخاص (مصنفين حسب العرق أو الدين على سبيل المثال) كليا أو جزئيا في مكان معين”.
وفي الدعوى المؤلفة من 84 صفحة قالت جنوب أفريقيا إن إسرائيل أظهرت هذه النية.
وتدور القضية حول معاهد منع جريمة الإبادة الجماعية التي تم وضعها في عام 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومقتل 6 ملايين يهودي في المحرقة النازية. إسرائيل وجنوب أفريقيا موقعتان على الاتفاقية.
في الدعوى التي قدمتها، قالت جنوب أفريقيا إنها تريد من المحكمة “إثبات مسؤولية إسرائيل عن انتهاكات اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية؛ وتحميلها المسؤولية الكاملة بموجب القانون الدولي عن تلك الانتهاكات” و”ضمان الحماية العاجلة والكاملة الممكنة للفلسطينيين في غزة الذين ما زالوا معرضين لخطر جسيم وفوري من استمرار أعمال الإبادة الجماعية والمزيد منها”.
وتم منح فريق المحامين الذين يمثلون جنوب أفريقيا ثلاث ساعات لتقديم المرافعات في قاعة العدل الكبرى بالمحكمة. ومن المقرر أن يكون أمام الفريق القانوني الإسرائيلي ثلاث ساعات صباح الجمعة للرد.
ساهم في هذا التقرير طاقم تايمز أوف إسرائيل.