الدول العربية التي كانت ذات يوما حليفا محتملا، فقدت علاقاتها مع إسرائيل بعضا من بريقها
لقد قوضت صورة الدولة اليهودية باعتبارها مفتاحا لواشنطن بسبب رفض بايدن دعوة نتنياهو، والرد على التصعيد في غزة لم يساهم كثيرا في تطلعاتها لقيادة كتلة مناهضة لإيران
في الشهر الماضي، في عيد استقلال إسرائيل الخامس والسبعين، أصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقطع فيديو أظهر، من بين أمور أخرى، رئيس الوزراء يشيد باتفاقيات السلام التي توصلت إليها إسرائيل مع الدول العربية على مر السنين ، لا سيما “اتفاقيات إبراهيم” في عام 2020.
وتعهد نتنياهو في الرسالة المسجلة للأمة قائلا: “أنوي قيادة توسيع هذا السلام إلى آفاق لا يمكن تصورها”.
إنه وعد قطعه نتنياهو منذ ما قبل عودته إلى منصبه في أواخر العام الماضي، وبالكاد يمر اجتماع دبلوماسي أو خطاب لا يتحدث فيه هو أو وزير خارجيته عن مثل هذا التوسع.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
لكن الظروف تجعل من الصعب على نتنياهو جلب المزيد من الدول العربية – وخاصة الجائزة الكبرى المتمثلة بالمملكة السعودية – إلى “دائرة السلام”، كما يسميها.
بدون تغيير ملحوظ في علاقة نتنياهو بالبيت الأبيض تحت إدارة جو بايدن ، وفي سيطرة رئيس الوزراء على ائتلافه، لن تتوسع هذه الدائرة.
المفتاح لواشنطن
هناك سببان رئيسيان لقيام الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة ، وأن دولا أخرى تنتظر الفرصة.
أولا، لنأخذ في الاعتبار تقلبات المنطقة، التي تجبر الدول على اختيار أحد الجانبين بين إيران والغرب. بالنسبة للمجموعة الأخيرة، إلى جانب الدول الممزقة لدرجة لا تسمح لها بصياغة سياسة خارجية متماسكة مثل السودان أو اليمن، كانت العلاقات مع الولايات المتحدة تقليديا ذات أهمية قصوى.
لكن في السنوات الأخيرة، شعر شركاء أمريكا العرب بتحول في واشنطن يعطيهم سببا كافيا للقلق.
بعد عقود من التضحية بالدم والثروة في السعي وراء التجارب الديمقراطية في العراق وأفغانستان، لم يعد هناك أي شهية لدى أي من الحزبين السياسيين الأمريكيين للمشاركة العسكرية الكبيرة في الشرق الأوسط. الصين، وليس “القاعدة”، هي البعبع في الوقت الحالي، ومحور الارتكاز في آسيا والمحيط الهادئ الذي بدأ في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم يكتسب زخما إلا في ظل خلفائه.
جاءت الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020 بقوائم أمنيات أرادوها من أمريكا الآخذة بالانفصال بشكل متزايد كمكافأة على التوقيع على الاتفاقيات، وكان من المتوقع أن تحصل هذه الدول على دعم نتنياهو مع صديقه دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق الآن. أراد المغرب دعم مطالبه بالصحراء الغربية، والسودان أراد إزالته من قائمة الدول الداعمة للإرهاب ، والإمارات العربية المتحدة أرادت طائرات مقاتلة من طراز F-35، والبحرين عززت مكانتها مع واشنطن.
مع خروج ترامب من منصبه، احتاج حلفاء الولايات المتحدة التقليديون إلى مؤيد في واشنطن بشكل أكبر. تعرضت دول مثل مصر والسعودية لهجوم علني للغاية من بايدن بسبب سجلاتها في مجال حقوق الإنسان ولم تتمكن من بناء علاقة شخصية معه كانت تربطها مع دونالد ترامب.
ومع ذلك، يمكن لإسرائيل أن تقدم طريقا للعودة.
حتى أن السعودية قد أوردت بالتفصيل سلسلة من الطلبات من واشنطن قبل أن توقع على اتفاق مع إسرائيل.
ثانيا، إيران. لا تنظر دول الخليج إلى الجمهورية الإسلامية على أنها خصمها الرئيسي فحسب، بل إن المغرب البعيد قطع العلاقات مع طهران قبل خمس سنوات.
لا يتوهم أحد في المنطقة بأن بايدن سيأمر بضربة عسكرية على القوات الإيرانية أو برنامجها النووي، تاركا إسرائيل باعتبارها اللاعب الوحيد الذي يحارب بنشاط محاولات إيران لتوسيع سيطرتها على الشرق الأوسط والاقتراب من قدرة في مجال الأسلحة النووية.
إن العلاقات العلنية مع إسرائيل لا تبعث فقط برسالة ردع إلى طهران، بل تسهل أيضا على الدول العربية إجراء تدريبات عسكرية مشتركة وإنشاء بنية تحتية عسكرية إقليمية مناهضة لإيران.
كلتا هاتين المنفعتين – الوصول إلى صناع القرار في واشنطن وتحسين الموقف ضد إيران – يجب أن تأتي بسعر مقبول للقادة العرب، الذين يتعين عليهم أخذ تعاطف رأي العام مع الفلسطينيين في الحسبان.
لا دعوة وردع “ضعيف”
في كل هذه الأمور، ترى الدول العربية تضاؤلا في الحوافز المشجعة للتطبيع مع إسرائيل، إلى جانب التكاليف المتزايدة.
لا توجد حاجة لمتابعة العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية عن كثب لملاحظة التوترات، والقادة في العواصم العربية يراقبون باهتمام الإشارات القادمة من الجانبين.
نقطة الخلاف الرئيسية هي الإصلاح القضائي في إسرائيل. بداية، لم يرغب المسؤولون الأمريكيون في التدخل في ما اعتبروه شأنا إسرائيليا داخليا. لكنهم ابتعدوا تدريجيا عن هذا الموقف، فأصدروا أولا تصريحات مبهمة، عند سؤالهم، بشأن أهمية استقلال المؤسسات، قبل أن يتحولوا إلى نقد صريح.
كما أظهروا استياءهم من التعليقات التي أدلت بها العناصر اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو.
في مارس، هاتف بايدن نتنياهو لإثارة قضية الإصلاح القضائي شخصيا. ثم أصدر البيت الأبيض بيانا آخر أعرب فيه عن قلقه بشأن قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت.
وقال بايدن بعد أيام إنه لن تتم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض في “الفترة القريبة”، مشيرا إلى قلقه من جهود الإصلاح القضائي التي تدفع بها الحكومة وحث رئيس الوزراء على “التراجع” عن التشريع.
يواصل البيت الأبيض التأكيد علنا على أن نتنياهو غير مدعو إلى واشنطن، وآخر مرة فعل ذلك كانت يوم الإثنين.
في كل مرة يذكر فيها مسؤول كبير في إدارة بايدن العالم بأنه لا توجد خطط لاستضافة نتنياهو، تتناقص القيمة المتصورة لإسرائيل كمفتاح في واشنطن. لا يمكن للسعودية أن تضع الكثير من الأمل في زعيم إسرائيلي غير قادر على التواصل مباشرة مع بايدن، الذي دعا الرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلى البيت الأبيض وسافر إلى جدة للقاء القائد الفعلي للسعودية محمد بن سلمان.
في غضون ذلك، من المرجح أن التكلفة المحلية المحتملة للاعتراف بإسرائيل قد ارتفعت في الدول العربية. الزيارة التي قام بها بن غفير إلى الحرم القدسي بعد أقل من أسبوع من تولي الحكومة السلطة، وقيام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالدعوة إلى “محو” بلدة حوارة الفلسطينية بعد هجوم نفذه مسلحون فلسطينيون، ليست شيئا يريد القادة العرب أن يُنظر إليهم على أنهم يدعمونه بتوقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.
أعربت الدول التي وقّعت بالفعل على اتفاقيات إبراهيم عن استيائها بعدة طرق في أعقاب هذه التطورات، بما في ذلك تجنب الزيارات رفيعة المستوى والتنديد بإسرائيل علانية.
أوقات سعيدة للمحور
بينما تواجه إسرائيل صعوبة في تحقيق تقدم دبلوماسي في المنطقة، تتمتع إيران وحلفاؤها بفترة من النجاحات المتكررة.
مع استمرار القادة الإسرائيليين في الحلم باتفاق مع السعودية، أعادت الرياض تأسيس العلاقات مع طهران في أبريل.
في وقت سابق من الأسبوع، التقى العديد من شركاء إسرائيل العرب مع وزير الخارجية السوري في عمّان، على بعد مسافة قصير من الحدود مع إسرائيل، حيث يعملون على إنهاء عزلة دمشق عن العالم العربي.
لم يحاول نظام الأسد إخفاء نواياه بالبقاء في فلك طهران حتى مع قبوله تجديد العلاقات مع دول الشرق الأوسط الموالية للغرب. وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق يوم الخميس للقاء نظيره السوري بشار الأسد وتوقيع سلسلة من الاتفاقات طويلة الأمد، وهو أول زعيم إيراني يفعل ذلك منذ أكثر من عقد.
انتهز رئيسي الفرصة للتفاخر بالنجاحات المتزايدة لبلاده والسخرية من صراعات إسرائيل، بعد شتاء قاس شهد احتجاجات محلية وغضب غربي من دعم بلاده العسكري لروسيا.
وقال إن “أنصار تطبيع العلاقات يواجهون احتجاجات وتساؤلات من قبل شعوبهم، وأدركوا أنه لا يوجد طريق آخر سوى المقاومة والوقوف ضد النظام الصهيوني”.
من المرجح أن يتلقى نتنياهو دعوة في وقت ما، ويمكن وصف حذره بشأن غزة الذي أصبح بمثابة علامة تجارية لرئيس الوزراء بأنه تعقل. لكن الفوضى في إئتلافة وعدم قدرته على السيطرة على جناحه الأيمن تقوض أحد وعود نتنياهو الأساسية خلال حملته الانتخابية بأنه رجل الدولة الوحيد القادر حشد تحالف لوقف البرنامج النووي الإيراني وإقامة السلام مع السعوديين.
لسوء حظ رئيس الوزراء، نفس الوزراء الذين يجعلون الحياة صعبة عليه في أبو ظبي وواشنطن يعرفون أنه لا يمكن استبدالهم. بعد الإخلال بوعود كثيرة في الماضي، لا يوجد قادة أحزاب آخرون في إسرائيل يثقون بنتنياهو بما يكفي للجلوس معه في ائتلاف.
لذلك يجد نتنياهو نفسه في مأزق لا يوجد طريق واضح للخروج منه – بعيدا بشكل متزايد عن أهدافه، ورهينة للشركاء أنفسهم الذين يدفعونه بعيدا عن هذه الأهداف.