بالنسبة لحركة حماس فإن جميع المواطنين الإسرائيليين يُعتبرون أهدافا، كما يقول مواطنو إسرائيل العرب
بينما تواجه البلاد التداعيات المتصاعدة لهجوم حماس، يشارك المواطنون العرب صدمتهم وألمهم وخسارتهم - وبعض المخاوف من تكرار أعمال الشغب التي اندلعت عام 2021
وصل عوض دراوشة (23 عاما)، وهو مسعف عربي من إسرائيل، إلى موقع الهجوم الذي ارتكبته حركة حماس ضد رواد مهرجان موسيقي بالقرب من غزة في 7 أكتوبر لتقديم العلاج للجرحى. توسل إليه أصدقاؤه أن يغادر منطقة القتال، لكنه أصر على البقاء لأداء واجبه. قُتل دراوشة على أيدي مسلحي حماس الذين سرقوا سيارة الإسعاف الخاصة به واقتادوها إلى غزة.
تقف قصة دراوشة كرمز لمساهمة وتضحية أفراد الأقلية العربية في إسرائيل في مواجهة هجوم حماس الذي أودى بحياة أكثر من 1300 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين.
تقول شهيرة شلبي، وهي نائبة المدير المشاركة في منظمة “مبادرات إبراهيم” غير الربحية، في مقابلة أجراها معها “تايمز أوف إسرائيل”: “لقد تضرر العرب من هذا الهجوم تماما مثل اليهود. ليس بنفس الأعداد، لكننا كنا أهدافا أيضا. حماس أطلقت الصواريخ على البلدات العربية أيضا”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وتضيف شلبي، التي شغلت لفترة قصيرة منصب نائبة رئيسة بلدية حيفا في عام 2020: “نحن في هذا معا. لقد صُدم العرب بقدر ما صُدم اليهود إزاء العدد الهائل للقتلى، بما في ذلك الأطفال الصغار، والرهائن المحتجزين. لقد سألنا أنفسنا أيضا من يمكنه إنسانيا القيام بمثل هذا الفعل. نحن عاجزون عن الكلام”.
وتابعت قائلة: “نحن لا نبرر هذه المجزرة بأي شكل من الأشكال، وندينها بأشد العبارات. نحن نتألم بنفس القدر الذي يتألم به اليهود. لقد تم تجاوز كل الحدود. لأيام كان العرب في الجنوب خائفين من احتمال وجود إرهابيين مسلحين في المنطقة”.
وأشارت أيضا إلى أن العديد من البلدات العربية، التي عانت لفترة طويلة من ضعف البنية التحتية، ليس لديها ما يكفي من الملاجئ لتقيهم من الهجمات الصاروخية. اعتمدت إسرائيل في السنوات الأخيرة بشكل متزايد على الغرف المحصنة – وهو شرط في جميع المنازل الجديدة – لحماية السكان بدلا من الملاجئ العامة. لكن البلدات العربية تنتشر فيها عمليات البناء غير القانوني بسبب عدم وجود تصاريح ممنوحة من الحكومة، وغالبا لا يتم بناء هذه المنازل وفقا للقواعد.
Regrettably, Arab and Muslim media overlooked this: When #Gaza Hamas terrorists targeted Jewish civilians in Israel, they also harmed Arab and Muslim communities within Israel. Awad Darawshe, a Muslim paramedic. While tending to the wounded, Hamas killed him and stole the… pic.twitter.com/MXhIyhnqwZ
— Amjad Taha أمجد طه (@amjadt25) October 13, 2023
كلمات شلبي رددها جمال القريناوي، الناشط الاجتماعي من رهط، أكبر مدينة بدوية في جنوب إسرائيل.
وقال القريناوي: “قلوبنا كسيرة. أولئك الذين ذُبحوا كانوا أصدقاءنا وجيراننا. لدينا علاقات طيبة مع البلدات اليهودية في منطقة غلاف غزة. يعمل العديد من سكان رهط في الزراعة في الكيبوتسات. بعضهم قُتل في الحقول في صباح السابع من أكتوبر”.
بعد وقت قصير من بدء هجوم حماس الضخم، أطلقت فرق من السكان البدو في شمال النقب مهام بحث للعثور على الأشخاص المفقودين بينما كان مسلحو حماس لا يزالون يتجولون في المنطقة، حسبما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
أثار هجوم حماس المدمر إدانة واسعة النطاق من المواطنين العرب في إسرائيل “بسبب وحشيته غير المسبوقة، على الرغم من ظهور حالات قليلة من التعبير العلني عن التضامن مع حماس”، مثل ستة طلاب في جامعة حيفا وواحد في جامعة بن غوريون في بئر السبع الذين تم تعليق دراستهم بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي داعمة للحركة المتطرفة.
ولكن في الغالب، عمل العرب واليهود جنبا إلى جنب في أعقاب الهجوم لإنقاذ المصابين، وتقديم العلاج للجرحى في المستشفيات، وتسيير الأمور في البلاد. عشرات العرب قُتلوا على أيدي مسلحي حماس، أو بسبب الصواريخ التي أطلقتها الحركة على البلدات الإسرائيلية.
في عام 2009، أنشأ القريناوي “فجر جديد للنقب”، وهي منظمة تعايش بدوية-يهودية. قدّر القريناوي عدد البدو الذي قُتلوا خلال الحرب بـ 18، خمسة منهم على الأقل من رهط. قامت منظمته غير الربحية بإنشاء “غرفة عمليات متنقلة” لمساعدة العائلات البدوية، لا سيما في القرى غير المعترف بها، للتعامل مع الأزمة المستمرة من خلال توفير المساعدة في مجال الصحة النفسية من أخصاء نفسيين وعاملين اجتماعيين.
وقال القريناوي إن “البدو يحتلون الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الأدنى في المجتمع الإسرائيلي. وبالتالي، فهم معرضون للخطر بشكل خاص في حالة الطوارئ الحالية. نحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الأشخاص، والعديد منهم ليس لديهم ملاجئ. في إحدى القرى غير المعترف بها، أصيبت عائلة مكونة من أربعة أفراد بشكل مباشر بصاروخ حماس وقُتلت على الفور”، مضيفا أن ثمانية بدو قُتلوا حتى الآن بصواريخ من غزة.
افتتح الناشط الاجتماعي، مع متطوعين آخرين من المنطقة، مركزا لوجستيا في شقيب السلام، بالقرب من بئر السبع، لتوزيع الإمدادات على العائلات التي اضطرت إلى مغادرة منازلها، أو التي تعاني من ضائقة مالية شديدة بسبب عدم تمكن العمال بالأجر اليومي من العمل.
“بالنسبة لمسلحي حماس فإن كل المواطنين الإسرائيليين هم أهداف”
يشكل العرب حوالي 22% من سكان إسرائيل. ورغم أنهم مواطنون إسرائيليون بموجب القانون، فإن الكثير منهم يجدون صعوبة في التماهي مع دولة تعرف نفسها صراحة على أنها “يهودية” وتستبعدهم من روايتها الوطنية، التي تتمحور حول الصهيونية. ويشعر الكثيرون منهم أنهم يتقاسمون تاريخا ولغة وسردا وطنيا مشتركا مع الشرائح الأخرى من الشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
ولذلك فإن مسألة الهوية هي قضية مشحونة بالنسبة للعديد من أفراد الأقلية العربية، بدءا من اسمها ذاته. البعض يعرّفون أنفسهم على أنهم عرب إسرائيليون، والبعض الآخر على أنهم إسرائيليون عرب، وآخرون على أنهم فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية.
كتب نصير ياسين، الذي أصبح حديث الانترنت في السنوات الأخيرة بفضل مدونة السفر الخاصة به “ناس ديلي” (Nas Daily)، والتي تضم 21 مليون متابع على فيسبوك، يوم الإثنين على منصة X (تويتر سابقا): “لفترة طويلة، خضت صراعا مع هويتي. يرفض الكثيرون من أصدقائي حتى هذا اليوم قول كلمة ’إسرائيل’ ويعتبرون أنفسهم ’فلسطينيون’ فقط. ولكن منذ أن كنت في سن 12 عاما، لم يكن هذا منطقيا بالنسبة لي. لذا قررت أن أمزج بين الهويتين وأن أصبح ’فلسطيني-إسرائيلي’. ظننت أن هذا المصطلح يعكس هويتي. فلسطيني أولا، ومن ثم إسرائيلي”.
وقال نجم مواقع التواصل الاجتماعي، وهو من سكان عرابة في الجليل الأسفل ويقيم اليوم في دبي، إنه أصيب بـ”صدمة” بعد سماعه أخبار هجوم حماس. “أدركت أنه إذا تم ’اجتياح’ إسرائيل بهذه الطريقة مرة أخرى، فلن نكون في مأمن. بالنسبة للإرهابي الذي يجتاح إسرائيل، جميع المواطنين هم أهداف”.
“لا أريد أن أعيش في ظل حكومة فلسطينية. وهو ما يعني أنه ليس لدي سوى بيت واحد، حتى لو لم أكن يهوديا: إسرائيل. هذا هو المكان الذي تعيش فيه كل عائلتي. هذا هو المكان الذي نشأت فيه. هذا هو البلد الذي أريد أن أرى استمراره في الوجود حتى أتمكن من الوجود. لذلك، من اليوم فصاعدا، أعتبر نفسي ’إسرائيليا-فلسطينيا’. إسرائيلي أولا ومن ثمن فلسطيني”.
Personal Thoughts:
(not for everyone, feel free to skip)For the longest time, I struggled with my identity.
A Palestinian kid born inside Israel. Like…wtf.
Many of my friends refuse to this day to say the word “Israel” and call themselves “Palestinian” only.
But since I…
— Nuseir Yassin (@nasdaily) October 8, 2023
منع تكرار اشتباكات 2021 بين اليهود والعرب
إلى جانب مشاعر الصدمة والرعب من الوحشية العبثية، يشعر العرب في إسرائيل أيضا بالقلق من تكرار أحداث مايو 2021، عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين المجتمعين العربي واليهودي خلال عملية “حارس الأسوار” التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد غزة في عدة أجزاء من البلاد، حيث وقعت عمليات عنف غوغائي في عدد من المدن المختلطة ضد أفراد من كلا المجتمعين.
“في عام 2021، تم نقل عصابات من المتطرفين اليهود اليمينيين المسلحين بالحافلات إلى البلدات العربية للانتقام من العرب. ولم يتخيل أحد حينها أن أمرا كهذا يمكن أن يحدث. نخشى حدوث ذلك مرة أخرى”، كما تقول شلبي، نائبة رئيسة بلدية حيفا السابقة.
زار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مدينة سديروت القريبة من حدود غزة يوم الأربعاء. وخلال الزيارة، كشف أنه أصدر تعليماته لمفوض الشرطة كوبي شبتاي بالاستعداد لسيناريو “حارس الأسوار 2”، وزعم أن أعمال الشغب بين المجتمعين المحليين “وشيكة”. كما أعلن أنه سيكون من الأسهل على المدنيين في سديروت الحصول على أسلحة للدفاع عن النفس، وهو حق يقتصر اليوم على سكان مستوطنات الضفة الغربية.
على الرغم من مزاعم بن غفير، لم ترد تقارير عن وقوع اشتباكات بين اليهود والعرب في إسرائيل منذ الهجوم وإعلان إسرائيل الحرب ضد حماس. يبدو أن القادة المحليين في المدن المختلطة قد تعلموا الدرس من مايو 2021. “في ثلاث مدن مختلطة على الأقل – حيفا ونوف هغليل (المعروفة سابقا بالناصرة العليا) والرملة – تم إنشاء حواجز للتأكد من عدم وجود أي مجموعات من الغرباء قد تدخل تلك البلدات وتقوم بتنفيذ أعمال عنف ضد العرب”، كما تقول شلبي.
أكد أكرم ساق الله، عضو بلدية اللد، وهي مدينة مختلطة في وسط إسرائيل والتي شهدت مواجهات عنيفة بين العرب واليهود خلال عملية “حارس الأسوار”، أنه تم استخلاص بعض العبر من تلك الأحداث التراجيدية. وقال عضو البلدية في مقابلة أجريت معه “الوضع هادئ الآن. هناك وجود كبير للشرطة، ودوريات بين الأحياء بهدف الحفاظ على الهدوء، وكما يبدو هناك وجود للشاباك أيضا، بحسب تقارير من الشرطة نفسها وإدارة المدينة”.
وقال رئيس بلدية اللد يائير ريفيفو في تصريح لتايمز أوف إسرائيل إن إدارة المدينة تفعل كل ما في وسعها للحفاظ على السلم في المدينة المختلطة، مضيفا: “نريد أن ننقل بقوة رسالة مفادها أن العرب ليسوا أعداءنا وإنما حماس”، وأشاد بجهود الأهالي في التضامن والحفاظ على النسيج الاجتماعي للمدينة.
وقال عضو البلدية ساق الله إن “اللد لم تعد كما كانت منذ 2021. لا تزال الشكوك قائمة بين اليهود والعرب، على الرغم من إطلاق عدد من المبادرات لإصلاح العلاقات بين المجتمعين”.
“من الصعب في هذه المرحلة التنبؤ بما إذا كان العنف سيندلع في أعقاب هجوم حماس. سيعتمد الأمر على المدة التي ستستمر فيها الحرب في غزة، إذا امتدت إلى الشمال، أو إذا حدث، لا سمح الله، شيء ما في الأقصى”، الذي يُعتبر مصدرا للاحتكاك المستمر بين المسلمين واليهود نظرا لقدسية المكان (جبل الهيكل بحسب التسمية اليهودية) لكلا الديانتين.
وقال ساق الله: “في هذه المرحلة، لا اليهود ولا العرب معنيون بتكرار أعمال الشغب التي وقعت في عام 2021. قال بن غفير إن هجمات غوغائية على غرار ’حارس الأسوار’ على وشك أن تحدث مجددا. ليس من الحكمة قول ذلك، ويمكن اعتبار تصريحه شكلا من أشكال التحريض”.
“اليوم، سيفكر الناس في اللد مرتين إذا كانوا يريدون تعميق الانقسام. نحن لسنا مدينة مختلطة هادئة مثل يافا أو عكا”، كما قال، في إشارة إلى مدينتين على الساحل الإسرائيلي، بالقرب من تل أبيب وحيفا تباعا، مضيفا “لكن الناس يدركون أن التوترات بين المجتمعين سوف تنفجر في وجوههم. نحن بحاجة إلى طريقة جديدة للتفكير لاستعادة العلاقات”.
وتابع: “كنت أؤمن بالعيش المشترك مرة. بعد أعمال الشغب في مايو 2021، توقفت. اليوم، أعتقد أننا بحاجة للسعي من أجل ’المساواة في العيش المشترك’. نحن نعيش بجانب بعضنا البعض، ولكن ليس مع بعضنا البعض، ولسنا متساوين”.
العرب واليهود في يافا يهتمون ببعضهم البعض
تم إطلاق مبادرات مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل للحفاظ على العلاقات بين اليهود والعرب خلال الحرب المستمرة، ومنع الصراع من التأثير سلبا على العيش المشترك.
بعد ساعات قليلة فقط من بدء هجوم حماس، ومع انطلاق صفارات الإنذار في جنوب ووسط إسرائيل، أطلق العضو العربي في بلدية تل أبيب-يافا أمير بدران، وبعض الأصدقاء حملة “حرس الشراكة العربية اليهودية”.
وفي غضون أيام قليلة، استقطبت المبادرة آلاف الأعضاء من جميع شرائح سكان يافا، حيث اجتمع السكان معا لمنع تكرار أعمال العنف العربية-اليهودية التي شهدها عام 2021.
وقال بدران لتايمز أوف إسرائيل إن الهدف الرئيسي للحرس هو التدخل جسديا في حالات العنف من خلال تهدئة الوضع، وتوثيق الحقائق، وتقديم التضامن.
وتضمنت المبادرة زعماء الطوائف الدينية في المدينة – المسلمين والمسيحيين واليهود – الذين ناشدوا جميع رعاياهم التصرف بضبط النفس. وسيكون الحرس في حالة تأهب قصوى خلال لحظات التوتر المحتمل، مثل بعد أوقات الصلاة للطوائف الدينية الثلاث.
وقال بدران: “اليهود خائفون مما حدث على حدود غزة، والعرب خائفون بعد سماعهم بن غفير يدعو الناس إلى تسليح أنفسهم. لا نريد أن يأتي دخلاء إلى مجتمعنا وأن يحرضوا على العنف”.
“ينبغي علينا أن نتحدث معا وأن نهتم أحدنا بالآخر. نريد أن يقف اليهود والعرب في خط المواجهة معا”.