انخفاض اقتصاد إسرائيل خلال الحرب بنسبة 20% تقريبا، في أكبر انكماش منذ وباء كورونا
ومع اندلاع الحرب، انخفض الاستهلاك الخاص والاستثمارات بشكل حاد، في حين ارتفع الإنفاق الحكومي وسط استدعاء هائل لقوات الاحتياط ونزوح أعداد كبيرة من السكان.
أظهرت بيانات صدرت يوم الاثنين أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بنحو الخُمس في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، حيث ألحقت الحرب مع حركة حماس في غزة خسائر فادحة بالإنفاق الاستهلاكي والتجارة والاستثمار.
وسجل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفاضا بنسبة 19.4% عن معدله السنوي في الربع الأخير من عام 2023، وفقا للأرقام الأولية التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء.
ويمثل هذا الانخفاض أكبر تراجع على مدة ثلاثة أشهر منذ الربع الثاني من عام 2020، عندما انخفض الاقتصاد بنسبة 30% تقريبا نتيجة الأضرار الناتجة عن عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة فيروس كورونا بالإنفاق الاستهلاكي وإغلاق العديد من الشركات.
والحرب دمرت الاقتصاد هذه المرة، في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر، والذي قتل فيه مسلحون فلسطينيون نحو 1200 شخص واختطفوا مئات آخرين.
وردا على ذلك، استدعت إسرائيل مئات الآلاف من جنود الاحتياط للانضمام إلى القتال وأخلت مساحات واسعة من المناطق المتاخمة لحدود غزة ولبنان، مع إغلاق الشركات وبقاء الناس في منازلهم تحت وابل من الصواريخ مع تحول البلاد إلى وضع الحرب. وتضررت القطاعات التي تعتمد على القوى العاملة الأجنبية، مثل البناء والزراعة، بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن الحرب مستمرة، فقد عاد العديد من جنود الاحتياط إلى بيوتهم وبدأ النشاط الاقتصادي في التعافي مع تراجع إطلاق الصواريخ من غزة على المدن الإسرائيلية، لكن الأعداد الجديدة لا تعكس إلا جزءا من هذا الانتعاش التدريجي.
وقال كبير الاستراتيجيين في بنك “مزراحي طفحوت” يوني فانينغ: “إلى حد كبير، يعتمد رقم الناتج المحلي الإجمالي الحالي، وهو تقدير أولي، على بيانات من بداية الربع، أي بيانات أكتوبر إلى نوفمبر. استمر مستوى النشاط المحلي في التعافي في ديسمبر، مع تراجع الهجمات الصاروخية على البلاد”.
وأضاف: “سنرى هذا ينعكس بشكل كبير في أرقام الناتج المحلي الإجمالي الشهر المقبل، مع ظهور المزيد من البيانات”.
وجاء الانكماش الكبير بعد نمو الاقتصاد بنسبة 2.7% في الربع الثالث من عام 2023. ويعود جزء كبير من الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي إلى انخفاض الاستهلاك الخاص بنسبة 26.9% في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، وانخفاض حاد بنسبة 42.4% في استيراد السلع والخدمات، وانخفاض الصادرات بنسبة 18.3%، وانخفاض الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 67.8%، وخاصة في المباني السكنية. وفي الوقت نفسه، ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 88.1% بسبب تكاليف الحرب.
وعلى أساس سنوي، أظهرت البيانات الأولية الصادرة عن مكتب الإحصاء أن الاقتصاد الإسرائيلي توسع بنسبة 2% في عام 2023 بعد نموه بوتيرة سريعة بلغت 6.5% في عام 2022. ويتماشى رقم الناتج المحلي الإجمالي السنوي مع توقعات بنك إسرائيل، وهو أعلى من متوسط معدل النمو البالغ 1.7% بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وانخفض الاستهلاك الخاص بنسبة 0.7% في عام 2023 بعد زيادة بنسبة 7.4% في عام 2022. وانخفضت واردات السلع والخدمات في عام 2023 بنسبة 6.9%، بعد نموها بنسبة 12% في عام 2022. وانخفضت صادرات السلع والخدمات بنسبة 1.1% في عام 2023 مقابل زيادة قدرها 8.6% في العام السابق.
ودفعت التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب، والانكماش المتوقع في الاستهلاك الخاص والطلب والاستثمار في قطاعات مثل البناء، وزارة المالية وبنك إسرائيل ووكالات التصنيف الائتماني العالمية إلى خفض توقعات النمو لعام 2023 في الأسابيع الأخيرة، حيث ويقدر أن القتال يكلف الاقتصاد ما يصل إلى 255 مليار شيكل.
وخفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعات الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل إلى 2.3% في عام 2023 من 2.9% المتوقعة قبل اندلاع الحرب. وعدل بنك إسرائيل توقعاته للنمو في نوفمبر ويتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2% في عامي 2023 و2024 على التوالي. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد بمعدل 1.5% هذا العام، مقابل 3.3% سابقًا، وأن يتوسع بنسبة 4.5% في عام 2025.
في وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية الأمريكية التصنيف الائتماني لإسرائيل بدرجة واحدة، من A1 إلى A2، وغيرت نظرتها المستقبلية إلى “سلبية”، مشيرة إلى تأثير الحرب المستمرة مع حركة حماس في غزة على عبء ديون الحكومة، كما فضلا عن المخاطر المالية والسياسية.
ومع ذلك، قالت وكالة التصنيف أيضًا أنه “حتى الآن تمكن الاقتصاد من إدارة تداعيات الصراع بشكل جيد إلى حد معقول، حيث تشير المؤشرات عالية التكرار إلى انتعاش سريع خلال الأشهر الثلاثة الماضية”.
وقال كبير الاستراتيجيين في بنك “هبوعليم” مودي شفرير إن النشاط الاقتصادي تحسن مقارنة بالشلل الذي حدث في الأشهر من أكتوبر إلى نوفمبر، وهو ما يمكن رؤيته في بيانات مشتريات بطاقات الائتمان، والتجارة الخارجية، وزيادة الطلب على الموظفين في يناير.
ويتوقع بنك هبوعليم أن يعود الاقتصاد الإسرائيلي إلى النمو الإيجابي في الربع الأول من العام الجاري، لكنه سيظل أقل من مستوى الربع الثالث من عام 2023 قبل اندلاع الحرب.
“ما يؤخر الآن سد فجوة النشاط الاقتصادي هو بشكل أساسي قطاع البناء الذي تباطأ بسبب غياب العمال الفلسطينيين، بالإضافة إلى كتم النشاط الاقتصادي في مجالات السياحة والزراعة في شمال البلاد والبلدات الجنوبية المحيطة بغزة”، كتب بنك هبوعليم في مذكرة بحثية.
واختفى العمال الفلسطينيون، الذين يعتمد عليهم قطاع البناء، بين عشية وضحاها مع اندلاع الحرب، في أعقاب فرض إسرائيل حظراً فورياً على العمال من غزة وتقييد دخول أغلب العمال من الضفة الغربية. كما عاد آلاف العمال الأجانب من الصين وتايلاند والفلبين ودول أخرى إلى بلادهم بعد الهجوم الصادم، مع توقف الاقتصاد. وفي الأسابيع الأخيرة، عادت بعض مواقع البناء إلى العمل بعد أسابيع من إغلاقها.
وفي خضم الحرب المستمرة، تم إجلاء حوالي 200 ألف إسرائيلي من منازلهم في الجنوب المدمر والشمال المهدد، ليواجهوا شهورا طويلة من عدم اليقين مع تبلور خطط إعادة الإعمار ببطء.
ساهم طاقم تايمز أوف إسرائيل في إعداد هذا التقرير