الولايات المتحدة تحث إسرائيل على إعادة النظر في القوانين المناهضة للأونروا وتحذر من أن الملايين معرضين لخطر “الكارثة”
مسؤول أميركي ينتقد رئيس الوزراء "المخادع" لقوله إن إسرائيل مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي بشأن المساعدات لغزة بعد الموافقة على قوانين من شأنها تقييد عمل وكالة الأمم المتحدة دون وجود بديل لها
انتقدت الولايات المتحدة التشريع الذي أقره الكنيست يوم الاثنين والذي يستهدف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قائلة إنه يخاطر بـ”كارثة” لملايين الفلسطينيين وحثت القدس على التريث في تنفيذه.
وقد أقر البرلمان الإسرائيلي بأغلبية ساحقة مشروعي قانونين يحظران على الأونروا العمل في الأراضي الإسرائيلية ويمنعان السلطات الإسرائيلية من أي اتصال بالوكالة. ومن شأن هذا التشريع أن يوقف عمليات الأونروا في القدس الشرقية حيث تقدم خدمات التعليم والصحة والخدمات المدنية لمئات الآلاف من الفلسطينيين. كما لأنهما يحدان بشدة من أنشطة الأونروا في قطاع غزة والضفة الغربية حيث تعتمد الوكالة على التنسيق مع إسرائيل لتقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من الخدمات.
لطالما كانت علاقة إسرائيل بالأونروا عدائية، حيث تزعم أن الوكالة أدت إلى استدامة أزمة اللاجئين الفلسطينيين من خلال منح وضع اللاجئين لأجيال. وقد تزايد الإحباط تجاه الأونروا في القدس على مدى العقد الماضي حيث وجدت إسرائيل أن حركة حماس التي تحكم غزة منغرسة في البنية التحتية للوكالة. وقد بلغ هذا الغضب ذروته منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر، والذي تبين أن عددًا من موظفي الأونروا شاركوا فيه. وواصلت إسرائيل الزعم بأن 10٪ من موظفي الوكالة التابعة للأمم المتحدة لديهم علاقات مع حماس – وهي التهمة التي نفتها الوكالة.
وعلى هذه الخلفية، نجح مشروعا القانون في شق طريقهما بسرعة عبر الكنيست، برعاية نواب الائتلاف والمعارضة.
وأثار إقرار التشريع قلق فوري في المجتمع الدولي، الذي دعا إلى إصلاحات كبرى داخل الأونروا ولكن أعرب في الوقت نفسه عن مخاوف من أن إغلاقها في خضم حرب غزة دون وجود بديل واقعي من شأنه أن يؤدي إلى تحطيم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في القطاع، حيث تلعب الوكالة دورا حاسما في تقديم المساعدات.
وفي رسالة إلى إسرائيل بتاريخ 13 أكتوبر تحذر من أن استمرار المساعدات الأمنية الأمريكية معرض للخطر إذا لم تتخذ القدس خطوات كبرى لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، أشار كبار المسؤولين في إدارة بايدن إلى التشريع المناهض للأونروا الذي كان لا يزال معلقًا في ذلك الوقت، وحثوا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على استخدام سلطاته لضمان عدم تنفيذه.
ولم تشمل الرسالة دعوة لإلغاء التشريع ضمن الخطوات المحددة التي كانت الإدارة تطلب من إسرائيل اتخاذها لضمان استمرار المساعدات الأمنية الأمريكية. ومع ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في وقت سابق من يوم الاثنين إن إقرار الكنيست لمشروع القانون “قد يكون له عواقب بموجب القانون الأمريكي”.
ويحظر القانون على الولايات المتحدة نقل أسلحة هجومية إلى دول تمنع تسليم المساعدات الإنسانية، وقال ميلر خلال مؤتمر صحفي أن منع الوكالة الرئيسية المسؤولة عن تقديم المساعدات من القيام بعملها قد يؤدي إلى فرض قيود على الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.
وقال ميلر إن الأونروا تلعب “دورا لا غنى عنه الآن في غزة حيث تتواجد على الخطوط الأمامية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها. ولا يوجد أحد يستطيع أن يحل محلهم الآن في خضم الأزمة”.
وأضاف: “إذا اختفت الأونروا، فسوف نرى المدنيين – بمن فيهم الأطفال والرضع – غير قادرين على الحصول على الغذاء والمياه والأدوية التي يحتاجون إليها للعيش. ونحن نعتبر ذلك غير مقبول”.
وقال ميلر قبل ساعات من موافقة الكنيست على مشروع القانون: “نواصل حث حكومة إسرائيل على وقف تنفيذ هذا التشريع. ونحثهم على عدم تمريره على الإطلاق، وسننظر في الخطوات التالية بناءً على ما سيحدث في الأيام المقبلة”.
وأشار أحد المراسلين إلى أن إدارة بايدن نفسها علقت تمويلها للأونروا في أعقاب الكشف عن الاتهامات ضدها، وأن الكونغرس أقر تشريعات تمنع استئناف هذا التمويل حتى مارس من العام المقبل على الأقل.
وقال ميلر إن الإدارة تعتقد أنه ينبغي رفع هذا الحظر، مشيرا إلى أن الأونروا منخرطة في إصلاحات مهمة.
وأضاف أن الأونروا بدأت تحقيقات من تلقاء نفسها في الاتهامات الإسرائيلية، لكن إسرائيل لم تقدم للوكالة بعد الأدلة اللازمة للتحقيق في الأمر بشكل صحيح، وحث المتحدث باسم وزارة الخارجية إسرائيل على القيام بذلك.
وقال إن “العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة ليست مثمرة في عدد من النواحي المهمة”، مضيفا أن الولايات المتحدة حثت إسرائيل على التعاون بشكل أكبر مع الأمم المتحدة.
من جانبها، تتهم اسرائيل الأمم المتحدة منذ فترة طويلة بالتحيز المؤسسي ضد إسرائيل، وتشير إلى الاهتمام والانتقادات غير المتناسبة إلى حد كبير التي تتعرض لها اسرائيل في الهيئة الدولية.
وبعد إقرار التشريع في وقت لاحق من يوم الاثنين، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا قالت فيه إن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء هذه الخطوة، لأنها قد تجبر وكالة الأمم المتحدة على وقف جميع عملياتها في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن “تنفيذ هذا التشريع يهدد بكارثة لأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعتمدون على الأونروا في الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم الابتدائي والثانوي. ونحن نحث حكومة إسرائيل على التوقف والتفكير أكثر في تنفيذ هذا التشريع لضمان قدرة الأونروا على تنفيذ مهمتها بشكل فعال وتسهيل المساعدات الإنسانية”.
وأضافت وزارة الخارجية الأميركية، “الأونروا منظمة في حاجة إلى الإصلاح منذ فترة طويلة. ونحن ندعم الخطوات الرامية إلى تعزيز نزاهة وحياد الأونروا، بما في ذلك الرد على مزاعم الارتباط بالإرهاب”.
وأثار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذه القضية مع نتنياهو خلال اجتماع ثنائي عقد بينهما في القدس الأسبوع الماضي، بحسب تقرير أكسيوس.
وقال مسؤول أمريكي لوكالة أكسيوس إن نتنياهو أبلغ بلينكن كذبا أن نواب المعارضة هم المسؤولون عن دفع التشريع، وأن الوزير يجب أن يثير القضية مع زعيم المعارضة يائير لابيد.
وفي حين صوت حزب لابيد لصالح التشريع، فقد تم تقديم مشاريع القوانين إلى التصويت النهائي في وقت سابق اليوم من قبل ائتلاف نتنياهو، وليس المعارضة.
وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة تايمز أوف إسرائيل يوم الاثنين إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والموظفين المهنيين حذروا القيادة السياسية من تمرير التشريع الذي يعوق بشكل كبير قدرة الأونروا على العمل في غزة في خضم الحرب دون وجود بديل واقعي.
وبينما أدرك بعض القادة السياسيين الإسرائيليين المخاطر الإنسانية وردود الفعل الدولية التي قد تنتج عن القانون الذي أقره الكنيست، قال المسؤول إن “التكلفة السياسية لمعارضة التشريع أصبحت كبيرة للغاية بحيث لا يمكن تحملها”، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي نفسه أمضى أشهرًا في بناء حملة تربط الأونروا بحماس.
وفي محاولة للرد على القلق الدولي المتزايد، أصدر مكتب نتنياهو بيانا باللغة الإنجليزية أكد فيه أن إسرائيل مستعدة للعمل مع الشركاء الدوليين لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة خلال التسعين يوما التي تسبق تنفيذ القانون.
وجاء في البيان “يجب محاسبة العاملين في الأونروا المتورطين في أنشطة إرهابية ضد إسرائيل. وبما أن تجنب الأزمة الإنسانية أمر ضروري أيضًا، فيجب أن تظل المساعدات الإنسانية المستدامة متاحة في غزة الآن وفي المستقبل”.
“خلال الأيام التسعين التي تسبق دخول هذا التشريع حيز التنفيذ – وبعده – نحن على استعداد للعمل مع شركائنا الدوليين لضمان استمرار إسرائيل في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة بطريقة لا تهدد أمن إسرائيل”.
لكن مسؤولا أمريكيا سخر من هذا التصريح، وقال لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن تمرير تشريع ضد الأونروا دون وجود بديل للوكالة “ثم القول إنك تريد ضمان استمرار وصول المساعدات إلى المدنيين… إنه أمر مخادع ومتهور”.