واشنطن: تأكيدات إسرائيل بشأن الأسلحة تُعتبر “موثوقة” ولكن من المعقول تقييم أنها استُخدمت في حالات “تتعارض” مع القانون الدولي
التقرير الذي يبدو متناقضا وصدر بأوامر من بايدن يمهد الطريق لمزيد من عمليات نقل الأسلحة، في حين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي انتهك القانون الإنساني الدولي على الأرجح في حالات معينة
في تقرير مرتقب تم تقديمه إلى الكونغرس، قالت إدارة بايدن يوم الجمعة إنها وجدت تأكيدات إسرائيلية “موثوقة وذات مصداقية” بأنها تستخدم الأسلحة الأمريكية وفقا للقانون الإنساني الدولي، مما يسمح بنقل المزيد من الأسلحة الأمريكية وسط حرب إسرائيل مع حركة حماس في غزة.
ومع ذلك، في أقوى تصريح من هذا القبيل من مسؤولي بايدن، ذكر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية أيضا أنه من “المعقول” تقييم أن إسرائيل استخدمت الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر في حالات “تتعارض” مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، لكن الوزارة لا تملك معلومات كاملة للتحقق من قيام القوات الإسرائيلية بذلك.
وجاء هذا التقييم الذي يبدو متناقضا بعد أن طُلب من وزارة الخارجية تقديم تقرير إلى الكونغرس، بموجب مذكرة الأمن القومي الجديدة التي أصدرها الرئيس الأمريكي جو بايدن في أوائل فبراير، حول ما إذا كانت الوزارة تجد أن الضمانات التي قدمتها إسرائيل بأن استخدامها للأسلحة الأمريكية لا يشكل انتهاكا للقانون الأمريكي أو الدولي ذات مصداقية.
وفي الوقت الذي وافق فيه البيت الأبيض على المراجعة، كان يعمل أيضا على درء تحركات من المشرعين الديمقراطيين التقدميين والسيناتور المستقل بيرني ساندرز من فيرمونت لبدء تقييد شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.
كما ألزم الأمر الرئاسي التقرير بفحص ما إذا كانت إسرائيل قد تصرفت “بشكل تعسفي لمنع أو تقييد أو إعاقة، بشكل مباشر أو غير مباشر”، تسليم أي مساعدات إنسانية تدعمها الولايات المتحدة إلى غزة للمدنيين هناك.
صدر التقرير يوم الجمعة في الوقت الذي يحاول فيه بايدن السير على خط رفيع في دعمه لإسرائيل منذ الفظائع التي قادتها حماس والتي أشعلت الحرب، بينما يواجه ضغينة متزايدة في الداخل والخارج. في الأسبوع الماضي، اتخذ بايدن إحدى الخطوات الأولى نحو اشتراط المساعدات العسكرية لإسرائيل، حيث أوقف شحنات آلاف القنابل بسبب مخاوف بشأن خطط إسرائيلية لاجتياح رفح، وهدد يوم الأربعاء بوقف ارسال المزيد من شحنات الأسلحة إذا دخل الجيش الإسرائيلي إلى أجزاء مأهولة بالسكان من المدينة الواقعة في جنوب القطاع.
إلى جانب إسرائيل، غطى التقرير عدة دول أخرى.
“حصلت سفارات بوغوتا وبغداد والقدس ونيروبي وأبوجا ومقديشو وكييف على الضمانات المطلوبة التي وقعها الممثلون المعينون لبلدانهم، والتي قامت وزارة الخارجية بدورها بمراجعتها من أجل تحديد المصداقية والموثوقية بحلول 24 مارس 2024”، كما كتبت وزارة الخارجية.
وجاء في التقرير “بينما كانت هناك ظروف في بعض البلدان خلال الفترة المشمولة بالتقرير التي تثير مخاوف جدية، فإن حكومة الولايات المتحدة تقوم حاليا بتقييم ما إذا كانت الضمانات المقدمة من كل دولة متلقية موثوقة وذات مصداقية بحيث تسمح باستمرار توفير المواد الدفاعية المشمولة بموجب NSM-20 (مذكرة الأمن القومي 20)”.
يبدأ الجزء المخصص لإسرائيل من التقرير بالإشارة إلى هجوم 7 أكتوبر الذي أدى إلى بدء الحرب، والذي قتلت خلاله حماس وفصائل مسلحة أخرى حوالي 1200 شخص واختطفت 252 آخرين واحتجزتهم كرهائن في غزة .
وقال التقرير أن “هناك أيضا تقارير موثوقة تفيد بأن أفرادا مرتبطين بهذه التنظيمات اغتصبوا أو ارتكبوا أعمال عنف جنسي أخرى ضد النساء والفتيات اللاتي قُتلن واختطفن في 7 أكتوبر”، وأن “حماس لا تتبع أي جزء من القانون الدولي وتنتهكه باستمرار”.
بعد ذلك تحول التقرير إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية التي جاءت ردا على الهجوم، والتي تم شنها بهدف الإطاحة بحماس وإعادة الرهائن. واعتمدت وزارة الخارجية على أرقام وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس والتي لم يتم التحقق منها وتشير إلى مقتل ما يقرب من 35 ألف فلسطيني، وقالت إن “المنظمات الدولية تعتبر [الأرقام] بشكل عام ذات مصداقية” بينما أقرت بأن هذا الأرقام لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين.
وأشار التقرير أيضا إلى أرقام إسرائيلية مفادها أن “ما يقرب من نصف القتلى البالغ عددهم 34,700 في غزة كانوا من مقاتلي حماس”، لكنه قال “ليس لدينا القدرة على التحقق من هذا التقدير”.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن “إسرائيل لم تشارك معلومات كاملة للتحقق مما إذا كانت المواد الدفاعية الأمريكية المشمولة بموجب NSM-20 قد استخدمت على وجه التحديد في أعمال يُزعم أنها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان في غزة أو في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال فترة التقرير”.
“ومع ذلك، نظرا لاعتماد إسرائيل على مواد دفاعية أمريكية الصنع، فمن المعقول تقييم أن المواد الدفاعية المشمولة بـ NSM-20 قد استُخدمت من قبل قوات الأمن الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر في حالات لا تتفق مع التزاماتها بالقانون الإنساني الدولي أو مع أفضل الممارسات المتبعة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
وذكر التقرير أن الحكومة الأمريكية راجعت العديد من التقارير التي تثير تساؤلات حول امتثال إسرائيل لالتزاماتها القانونية وبأفضل الممارسات لتخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
وشملت تلك التقارير غارات إسرائيلية على بنى تحتية مدنية، وضربات في مناطق مأهولة بالسكان، وغيرها من الهجمات التي تثير التساؤلات حول ما إذا كان “الضرر المتوقع على المدنيين قد يكون مفرطا مقارنة بالهدف العسكري المعلن عنه”.
وفي الفترة التي تلت 7 أكتوبر، وجد التقرير أن إسرائيل “لم تتعاون بشكل كامل” مع الجهود الأمريكية وغيرها من الجهود الدولية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنها قالت إن هذا لا يرقى إلى مستوى انتهاك القانون الأمريكي الذي يمنع توفير الأسلحة للدول التي تقيد المساعدات الإنسانية الأمريكية.
وقال التقرير إن إسرائيل اتخذت إجراءات لتحسين توصيل المساعدات منذ أن حذر بايدن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي أوائل الشهر الماضي من أن واشنطن ستقوم بتعيلق تسليم بعض إمدادات الأسلحة إذا لم يتحسن الوضع الإنساني.
كما قال التقرير إن الانتهاكات الفردية لا تنفي بالضرورة التزام إسرائيل بالقانون الانساني الدولي، طالما أنها تتخذ خطوات للتحقيق ومحاسبة المخالفين.
وأضاف التقرير “إن قلق إسرائيل بشأن مثل هذه الحوادث ينعكس في حقيقة أن لديها عددا من التحقيقات الداخلية الجارية”.
وأثار التقرير بعد نشره غضب الديمقراطيين التقدميين، الذين يدعون إلى تقييد نقل الأسلحة إلى إسرائيل، لأنه لم يتم استخدامه بالطريقة التي كانوا يأملونها في نهاية المطاف.
وقال السيناتور كريس فان هولين من ولاية ماريلاند في مؤتمر صحفي “هذا التقرير يناقض نفسه”. كان فان هولين أحد أبرز المنتقدين في الكابيتول هيل للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس، ويُنظر إلى الضغوط التي مارسها هو وغيره من الديمقراطيين على أنها لعبت دورا رئيسيا في قرار بايدن بإصدار التقرير.
وتابع فان هولين: “إن [التقرير] يوفر هيكلا مفيدا للمساءلة، ولكنه سيكون مفيدا للغاية إذا كان من الممكن إصدار الأحكام بناء على الحقائق والقانون وليس بناء على ما نتمنى أن تكون عليه الحقائق والقانون” مضيفا “إنهم يتهربون من اتخاذ قرار بشأن القضايا الصعبة… وغير المريحة سياسيا”.
وحذر فان هولين من أن “التقرير قد يخلق جوا حيث سيضغط الناس من أجل فرض المزيد من القيود على الأسلحة الهجومية لإسرائيل”.
ولكن بالنظر إلى انقسام الكونغرس وعدم وجود عدد كبير من الديمقراطيين الذي ينتقدون الحملة العسكرية الإسرائيلية مثل فان هولين، فمن غير المرجح أن تصل مثل هذه القيود بعيدا في الكونغرس.
وقال النائب مايكل مكول، الرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إن المراجعة “تساهم فقط في تعزيز المشاعر المناهضة لإسرائيل ذات الدوافع السياسية” وما كان ينبغي القيام بها على الإطلاق.
وقال في بيان: “الآن هو الوقت للوقوف مع حليفتنا إسرئيل وضمان حصولهم على الأدوات التي يحتاجونها”.