النرويج تلمح إلى أن الخطة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية ستفرض كأمر واقع
"الصبر الأميركي تجاه نتنياهو انخفض إلى أقل من 1%"، إدعى وزير الخارجية في مقابلة مع أكبر صحيفة في البلاد ، قبل وقت قصير من موافقة إسرائيل على تولي النرويج إدارة عائدات الضرائب الفلسطينية
التقى وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي قبل أيام برئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية في مؤتمر ميونيخ الأمني، وبحث معه آفاق حل الدولتين.
وفي الوقت نفسه، أجرى إيدي مقابلة مع أكبر صحيفة في النرويج (“Verdens Gang”) وهاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلا: “أسمع من كل القنوات أن الصبر الأميركي تجاه نتنياهو انخفض إلى أقل من 1%. هناك أجواء صعبة للغاية”، كاشفا عن تفاصيل لا يكشفها الدبلوماسيون والسياسيون عادة، وبالتأكيد ليس بإسمهم.
وأثارت المقابلة مع إيدي بعض التساؤلات بين السياسيين في إسرائيل، حيث صدرت في نفس اليوم الذي تم فيه الاتفاق على تفاصيل تحويل عائدات ضرائب السلطة الفلسطينية من إسرائيل عبر النرويج ودخول ترتيبات تحويل الأموال حيز التنفيذ.
وبحسب المقال، قال إيدي أن الولايات المتحدة تتوقع من إسرائيل قبول خطة العالم العربي والولايات المتحدة للتطبيع وتنفيذ حل الدولتين، بل وألمح إلى أن الأميركيين يعتزمون فرض الخطة كأمر واقع على إسرائيل.
وقال إيدي أن “النرويج تدعم هذا الحل وهناك مسودة لـ[وثائق] الحل”، وأضاف أنه يجب التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة جميع المختطفين إلى إسرائيل وفي نفس الوقت ينبغي وضع خطة شاملة لحل الدولتين. “بالنسبة لإسرائيل، معنى هذه الخطوة هو Take it or leave it. إذا رفضت إسرائيل الخطة بالكامل – فسوف تفقد كل حسن النية”.
وتصريحات إيدي تنافي تماما بيان الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث أكدت على معارضة البلاد الإملاءات الأحادية الجانب فيما يتعلق بالحل السياسي. ولكن على الرغم من البيان الإسرائيل، والذي وقع عليه أيضاً بيني غانتس، فإن المجتمع الدولي قد يمضي قدما من دون إسرائيل.
الأصوات التي تهدد بالاعتراف الأميركي بدولة فلسطين تعلو من عدة اتجاهات. النرويجيون والأوروبيون لا يحتاجون إلى الإقناع، فهم مقتنعون بالفعل. وزير الخارجية إيدي قال مؤخراً إن أوروبا تفقد مصداقيتها لأنها لا تدين إسرائيل.
لماذا؟ لأن أوروبا أدانت روسيا بسبب الحرب ضد أوكرانيا. أي في مخيلة وزير الخارجية النرويجي، فإن دولة إسرائيل – التي تعرضت لهجوم مباغت في 7 أكتوبر – هي من أشعل الحرب وليس منظمة حماس الإرهابية التي ذبحت النساء والأطفال والرجال وخطفت مئات الأبرياء من منازلهم.
وكما ذكرنا، في اليوم الذي صدرت فيه المقابلة، وافقت إسرائيل أخيرا على هيكل إدارة عائدات الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية. ولأن إسرائيل ترفض تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية خشية من تحويل جزء منها إلى غزة، فتم الاتفاق على أن النرويج ستكون بمثابة الوصي الذي يحرس الأموال.
كما تم الترتيب بدعم وضمانة من الولايات المتحدة. وطالب وزير المالية بتسلئيل سموتريش في البداية بتحويل الأموال إلى صندوق ائتماني في الولايات المتحدة، والتي تضمن عدم تدفق الأموال إلى غزة. لكن قال الأميركيون أنهم لن يتمكنوا من ذلك بسبب قانون “تايلور فورس” الذي يحظر الأميركيين من تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية طالما أنها تدفع مخصصات لمنفذي الهجمات وعائلاتهم.
ولذلك بحث الطرفين عن دولة ثالثة، وكانت النرويج على أتم الاستعداد. وزير الخارجية إيدي ورئيس الوزراء يوناس غار ستوره – عضو حزب العمل – يعتقدان أن مكانة النرويج كوسيط وصانع سلام هي مكانة مهمة بل ورصيد سياسي.
وكانت النرويج هي التي استضافت المحادثات السرية بين يوسي بيلين وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية عامي 1992-1993، وهي التي أدخلت مصطلح “اتفاقيات أوسلو” إلى قاموس إسرائيل، وعلى مدى عقود تترأس النرويج مجموعة من الدول المانحة للفلسطينيين – وتحافظة على صورتها كلاعب مهم على الساحة الدولية.
لكن يعتقد البعض في القيادة الإسرائيلية أنه لم يكن على إسرائيل العمل مع النرويج في هذه الحالة، وبالتأكيد ليس في ظل تصريحاتها ضد إسرائيل، وأنه كان يجب الاستفادة من العلاقات الجديدة مع دول “اتفاقيات أبراهام” – وربما حتى مع دولة عربية أخرى – لضمان تحويل الأموال، مثل السعودية.
وحتى في 29 أكتوبر، عندما كانت إسرائيل بالكاد قد أطلقت العملية البرية، أعلن رئيس الوزراء ستوره أن الرد الإسرائيلي كان “غير متناسب” وأدان الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
وقال رئيس الوزراء: “القانون الدولي ينص على أن الرد يجب أن يكون متناسبا. وينبغي أخذ وضع المدنيين في الاعتبار. لقد تجاوزت إسرائيل هذه القيود. ونحو النصف من آلاف القتلى هم من الأطفال. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وأنا أدرك أن الدفاع ضد أي هجوم في منطقة مكتظة بالسكان هو في فائق الصعوبة. نحن ندين إطلاق الصواريخ على إسرائيل”.
وبعد أيام قليلة من الهجوم على إسرائيل، اقترح ستوره أن تجري حكومته محادثات مع حماس للتوصل إلى حل سريع. وعندما سئل عما إذا كانت حكومته ستتحدث مع منظمة تعتبر إرهابية، قال إنه “إذا لزم الأمر، سنتحدث معهم”، مضيفًا أن حماس نفذت هجومًا وحشيًا ضد المدنيين الإسرائيليين، ولذلك كان من الواضح أن هذا سوف يثير ردا إسرائيليًا قاسيًا.
ومع ذلك، كانت رسالته إلى كلا الجانبين هي ضرورة احترامهما قواعد الحرب، وحماية المدنيين – وعدم إلحاق الأذى بهم.