الناجون من المحرقة يسيرون في أوشفيتس وهم يحملون ندوب 7 أكتوبر في استعراض للقدرة على الصمود
على الرغم من المخاوف الوجودية التي أثارها الهجوم، تظل إسرائيل ملاذا آمنا، كما يقول الناجون وأقاربهم خلال "مسيرة الحياة"
أوشفيتشيم، بولندا – لم تخطر ببال بيلا حاييم، وهي ناجية إسرائيلية من المحرقة التي وُلدت في مكان قريب من معسكر الموت النازي السابق بالقرب من كراكوف، فكرة زيارة أوشفيتس قط.
وصلت حاييم (86 عاما)، مؤسسة كيبوتس غفولوت بالقرب من غزة، إلى إسرائيل في سن 17 عاما وكانت مصممة على جعل رقعة الصحراء تزدهر، كما يقول المثل الصهيوني، وتربية أسرة وسط الحروب والأزمات المتعددة التي شكلت رواية إسرائيل.
لديها ذكريات مؤلمة عن طفولة غير مستقرة اتسمت بالجوع والبرد، ولكن “لم أكن من الأشخاص الذين ينظرون إلى الوراء كثيرا، وبالتأكيد لم تكن لدي رغبة في المجيء إلى هنا”، كما قالت لـ”تايمز أوف إسرائيل” يوم الاثنين، يوم ذكرى المحرقة في إسرائيل، في مجمع أوشفيتس 1.
لقد غيرت رأيها بشأن القيام بالرحلة بعد أن أصيبت بالصدمة مرة أخرى في 7 أكتوبر، عندما اختطف مسلحون من حركة حماس حفيدها يوتام من كيبوتس كفار عزة، مما أدى إلى مقتله على يد القوات الإسرائيلية التي قتلته عن طريق الخطأ هو وإسرائيلييّن آخريّن اللذين فرا معه من الأسر. وقالت حاييم إن هذه الصدمة الجديدة جعلتها تقرر زيارة أوشفيتس للمرة الأولى.
يوم الاثنين، حضرت حاييم “مسيرة الحياة” السنوية في أوشفيتس مع العشرات من الناجين الآخرين من المحرقة النازية، بما في ذلك العديد من الأشخاص مثلها الذين تأثرت حياتهم بشكل مباشر بهجوم 7 أكتوبر.
وقالت قبل المسيرة، التي شارك فيها آلاف اليهود من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العديد من أعضاء الحركات الشبابية، الذين ساروا ببطء مسافة كيلومترين تفصل مجمع أوشفيتس عن غرف الغاز الموجودة في جزء بيركيناو من المعسكر: “أنا هنا لأظهر أننا على قيد الحياة، لقد خرجنا من المحرقة وسننهض مرة أخرى من 7 أكتوبر”.
ألقى يوم 7 أكتوبر، عندما قتل حوالي 3000 من مسلحي حماس حوالي 1200 شخص في إسرائيل واختطفوا 252 آخرين، بظلاله بشكل كبير على الحدث الذي أقيم في أوشفيتس وفي “مسيرة الحياة” التي سبقته في نهاية هذا الأسبوع في بودابست، لإحياء الذكرى الثمانين من المحرقة في المجر.
في خطاباتهم، أشار العديد من الشخصيات البارزة إلى يوم 7 أكتوبر، بما في ذلك رئيس الوكالة اليهودية دورون ألموغ، الذي اقترح النظر إلى السابع من أكتوبر باعتباره فشلا عسكريا من شأنه أن يقوي إسرائيل بدلا من اعتباره مؤشرا على ضعفها.
وقال ألموغ: “انظروا، كان 7 أكتوبر مفاجأة عسكرية. كان لدى الأمريكيين مفاجأة عسكرية في بيرل هاربور، وفوجئنا عسكريا في حرب يوم الغفران في عام 1973، ولكن حتى بعد 7 أكتوبر، فإن الشعب اليهودي أقوى بفضل إسرائيل، التي يجب أن تكون قوية هي أيضا، وسوف نكون أقوياء”.
أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساء الأحد أيضا إلى يوم 7 أكتوبر خلال خطاب ألقاه في متحف “ياد فاشيم” لتخليد قتلى المرحلة في القدس.
وقال نتنياهو إن 7 أكتوبر “لم يكن محرقة – ليس بسبب غياب نية إبادتنا، ولكن بسبب غياب القدرة”، مشددا على أن حركة حماس لديها “نفس النية” كالنازيين للقضاء على الشعب اليهودي.
أثار يوم 7 أكتوبر، عندما اجتاح المسلحون بلدات بأكملها وأحرقوها ثم سيطروا عليها لساعات، مخاوف وجودية لدى بعض الإسرائيليين الذين تأثرت حياتهم بالمحرقة، كما قال العديد منهم يوم الاثنين في أوشفيتس. بدا المعسكر سيء السمعة هادئا وملونا بشكل مخيف تحت شمس الربيع، وتمايلت فيه أوراق أشجار الحور مع نسيم لطيف.
وقالت حاييم إن ذكريات المحرقة عادت إليها عندما استمعت إلى رسالة صوتية تركها حفيدها الراحل قبل أن يتم اختطافه. وروت بيلا حاييم، التي نجت من المحرقة بعد أن اختبأت في بولندا مع والدتها وشقيقتيها قبل أن يهربن إلى الاتحاد السوفيتي سابقا: “قال إنه يستطيع أن يشم رائحة المنازل وهي تحترق، وهذا أعادني إلى الوراء مباشرة. الدخان، دخان المنازل اليهودية، وبلدات يهودية بأكملها تحترق”.
وقالت بيلا حاييم حول العلاقة بين المحرقة واحداث 7 أكتوبر: “أعتقد أن المقارنة ليست مشروعة فحسب، بل حتمية”، مضيفة “تُذبح عائلات يهودية بريئة في مذبحة. كيف يمكنني ألا أفكر في المحرقة؟”
تزور حاييم أوشفيتس مع العديد من الناجين الإسرائيليين من المحرقة الذين تأثرت حياتهم بشكل مباشر في 7 أكتوبر، بما في ذلك جوديث تسامير من كيبوتس ميفالسيم بالقرب من غزة، حيث تصدت مجموعة صغيرة من المدافعين بالتصدي للعشرات من مسلحي حماس. تعرض الكيبوتس لأضرار جسيمة في الحكومة ويعيش أعضاؤه الآن في مساكن مؤقتة تمولها الحكومة.
أمتنعت تسامير، المولودة في ألمانيا، عن المقارنة بين المحرقة ويوم 7 أكتوبر وقالت: “لقد كانت مذبحة، وليست محرقة ثانية”، مضيفة “أنا لا أقلل من خطورة ما حدث، لكن المحرقة تتعلق بالحل النهائي للنازيين”.
ومن بين الناجين الآخرين من إسرائيل دانيت غاباي، التي وُلدت في مراكش بالمغرب، والتي نجا ابنها وابنتها من الهجوم في رعيم وزيكيم، تباعا.
بالنسبة لعناتي كينان، الابنة المولودة في إسرائيل لاثنين من الناجين من المحرقة من المجر، كانت بودابست مرتبطة دائما بالخطر والاضطهاد – حتى السابع من أكتوبر.
بعد الهجوم، برزت المدينة في ذهنها كملاذ محتمل لها ولابنيها المراهقين. واقترح بعض أقاربهم في بودابست عليهم الانتقال إلى المدينة بعد هجوم حماس، الذي هز ثقة الكثيرين في قدرة إسرائيل على الحفاظ على سلامة سكانها – وحتى في قدرة البلاد على البقاء على المدى الطويل.
وقالت كينان: “لبضعة أسابيع، كنت أفكر في الأمر. ربما سيصلون إلى تل أبيب أو هرتسليا. ربما ينبغي عليّ إخراج عائلتي في الوقت المناسب”.
هذا الأسبوع، سافرت كينان إلى المجر، ولكن ليس كمهاجرة، وإنما جاءت مع والدتها أفيفا وشقيقها يوفال كجزء من الوفد الإسرائيلي إلى فعاليات إحياء “مسيرة الحياة” في المجر وبولندا.
وقالت لتايمز أوف إسرائيل عناتي كينان أنه لا تزال لديها مخاوف وجودية بشأن تربية أسرة في إسرائيل، لكنها قررت البقاء بغض النظر عن ذلك: “من المستحيل أن أعود إلى حيث بالكاد تمكن والداي من البقاء على قيد الحياة. سنبقى مهما حدث. أشعر بالخجل نوعا ما لأنني فكرت في المغادرة”.
وترى كينان إن تصاعد معاداة السامية في أوروبا وأمريكا الشمالية، وخاصة في الجامعات في صفوف الجيل الشاب، “مجرد تذكير صادم بأنه ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.
وتوافقها والدتها، أفيفا (80 عاما)، التي نجت من المحرقة عندما كانت فتاة صغيرة ولكن والدها البيولوجي لقي حتفه فيها، الرأي.
وقالت أفيفا: “دولة إسرائيل لا تزال موطن الشعب اليهودي. من المؤكد أن بعد 7 أكتوبر، ضعفت الثقة في قوة إسرائيل وقدرتها على حماية جميع مواطنيها، لكنها لا تزال وطننا، وأنا أؤمن حقا بقدرة جيشنا على الدفاع عنا – بالتأكيد أفضل من أي كيان آخر”.