إسرائيل في حالة حرب - اليوم 369

بحث

المقابلة التي أجراها نتنياهو في فرنسا عززت الخلاف بين البلدين

أثارت المقابلة التي أجراها نتنياهو على قناة فرنسية غضب الفرنسيين وقصر الإليزيه؛ الانطباع هو أنه يستخدم خطاب اليمين المتطرف في محاولة للتأثير على انتخابات البرلمان الأوروبي؛ استبعدت فرنسا إسرائيل من معرض الأسلحة "يوروستوري" في أعقاب المقابلة

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرحب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكتبه بالقدس، 24 أكتوبر 2023 (Kobi Gideon/GPO)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرحب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكتبه بالقدس، 24 أكتوبر 2023 (Kobi Gideon/GPO)

المقابلة التي أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الخميس الماضي على قناة TF1 الفرنسية هي أثارت غضب الفرنسيين. وفي نظر الكثيرين في الحكومة الفرنسية، بدت كلمات نتنياهو مشابهة لكلمات سياسيون من اليمين المتطرف مثل إريك زامور ومارين لوبان.

إحدى العبارات التي قالها نتنياهو، والتي ربما بدت عادية للأذن الإسرائيلية، كانت تقريبا مطابقة لما يقوله قادة اليمين في فرنسا هذه الأيام “انتصارنا سيكون انتصار الحضارة اليهودية المسيحية ضد البربرية”.

بالنسبة لآذان الفرنسيين، في بلد يضم نسبة كبيرة جدا من المسلمين (10%)، وقبل أيام قليلة من انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث من المتوقع أن يحقق حزب لوبان انتصارا كبيرا، فإن هذا كان بمثابة إصبع في العين.

ويعد حزب “الاتحاد الوطني” الذي تتزعمه لوبان، والذي يدعو إلى معارضة الهجرة، أكبر وأقوى معارضة لإيمانويل ماكرون في فرنسا هذه الأيام. وتشير محادثات أجراها موقع “زمان يسرائيل” العبري التابع لتايمز أوف اسرائيل إلى دبلوماسيين غربيين اعتبروا ملاحظات نتنياهو نداء مباشر للجمهور الفرنسي اليميني المحافظ في محاولة للتأثير عليهم قبل التصويت للبرلمان الأوروبي في غضون أيام قليلة.

“لقد استخدم صيغ السياسيين اليمينيين المتطرفين. فرنسا ليست أمريكا، لا يأت أحد للبث ويتدخل في سياساتهم الداخلية. لا يظهر رئيس فرنسا أو رئيس وزراء فرنسا أبدًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية ويدفعون بسياساتهم”، أوضح أشخاص مطلعون على ردود الفعل في فرنسا على تلك المقابلة.

ويوم بعد مقابلة نتنياهو، أعلنت الحكومة الفرنسية قرار منع إسرائيل من المشاركة في معرض الأسلحة “يوروستوري”. وتلقت حوالي 70 شركة دفاع إسرائيلية الرسالة المفاجئة عبر “سيبات” (قسم الصادرات الدفاعية في وزارة الدفاع).

وسمعوا أن هناك توترات في الخلفية، لكنهم كانوا مقتنعين بأن محادثة هاتفية بين وزير الدفاع ونظيره الفرنسي ستحل المشلكة. في الواقع، الحديث الذي دار بين الإسرائيليين والفرنسيين حول إلغاء المشاركة كان معروفاً حتى قبل المقابلة.

وكانت هناك عدة أسباب لإلغاء المشاركة الإسرائيلية في المعرض، منها على سبيل المثال عدم استجابة إسرائيل للطلبات الفرنسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والمعارضة الفرنسية للعملية في رفح، وعدم الاستعداد لمناقشة خطة لليوم التالي في غزة. ولكن المقابلة وجهت الضربة القاضية، وجملة نتنياهو المذكورة أعلاه، رغم أنها قد تبدو غير استثنائية، ليست الجزء الوحيد من المقابلة الذي أثار غضب قصر الإليزيه.

بالمناسبة، أثناء المقابلة كانت هناك مظاهرة لآلاف الأشخاص أمام مكاتب قناة TF1. الأجواء عاصفة في فرنسا فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، وإلغاء المشاركة في المعرض ليس الأداة الوحيدة المتاحة والتي يفكر الفرنسيون في استخدامها ضد إسرائيل.

فلقد فرضوا عقوبات شخصية على 28 مستوطنا متطرفا لم يتم التعامل معهم من قبل السلطات الإسرائيلية، ويجرون هذه الأيام نقاشا داخليا حول عواقب فرض عقوبات شخصية ضد الوزيرين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

وشملت الدرر الأخرى التي أثارت غضب الفرنسيين في تلك المقابلة الإشارة إلى قصف فرنسا حفل زفاف مدني بطائرة مسيّرة في مالي في عام 2021. وزعم الجيشان الفرنسي والمالي، اللذان تعاونا في الحرب ضد تنظيم القاعدة، أنه كان هجومًا إرهابيًا. لكن الأمم المتحدة لم تقبل هذا الموقف وذكرت أن مدنيين أبرياء أصيبوا هناك.

واختار نتنياهو ذكر هذا الحدث عندما سُئل عن مقتل 35 مواطنا من غزة في رفح في 26 مايو، قائلا “لقد قتل الفرنسيون أيضًا أشخاصًا عن طريق الخطأ في حفل زفاف في مالي، لكنهم لا يصفون الرئيس إيمانويل ماكرون بالقاتل”.

موقع غارة جوية إسرائيلية في محيط مخيم للنازحين في رفح، 27 مايو، 2024. (AP Photo/Jehad Alshrafi)

وفي جزء آخر من المقابلة، سأل المحاور داريوس روشفان نتنياهو عن “القصف البساطي” (استخدام عدد كبير من القنابل غير الدقيقة في نفس الوقت)، فأجاب “نحن لا ننفذ قصفا بساطيا كما ما فعله الحلفاء في دريسدن، إنه يشبه إلى حد كبير ما حدث في نورماندي قبل الغزو”. ورد المحاور على ذكره لنورماندي “الفرق هو أن هذه ليست أراضيكم”.

ميل نتنياهو إلى المقارنات التاريخية ـ بما في ذلك مقارنة مناقشات لاهاي بالاضطهاد الفرنسي لدريفوس ـ ملائما لنقاش في المدرسة الثانوية، ولكن عندما يتم نطق هذه الكلمات في إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، فالنتيجة تكون غير دبلوماسية بشكل قاطع.

وتفاقم الغضي في الحكومة الفرنسية: ما العلاقة بين قصف الحلفاء في دريسدن والحملة التي تشنها إسرائيل حاليا في غزة، تساءلوا.

شركات الأسلحة

النتيجة الخطيرة للمقابلة هي إلحاق ضرر كبير بشركات الدفاع الإسرائيلية. ومن الحديث مع مسؤولين كبار في قطاع الدفاع الإسرائيلي، يبدو أن الشركات الصغيرة ستتحمل الجزء الأكبر من الضرر.

جناح صناعة الطيران الإسرائيلية في معرض “يوروساتوري” في باريس، 13 يونيو 2022 (Emmanuel DUNAND / AFP)

لن تتضرر شركات رافائيل وإلبيت وصناعة الطيران كثيرا من إلغاء مشاركتهم في المعرض الفرنسي. جميع الشركات السبعين التي خططت للذهاب إلى باريس في يونيو، قد دفعت بالفعل مبالغ كبيرة لبناء أجنحتها في المعرض، وقد أرسلت بالفعل أنظمتها الأمنية على متن رحلات خاصة. هذه الأموال لن تعود.

علاوة على ذلك، لا يتم شراء الأسلحة هذه الأيام في المعرض، ومن يريد شراء المنتجات الإسرائيلية يفعل ذلك بطرق أخرى. ولكن في الوقت نفسه، تعد فرنسا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم (بعد الولايات المتحدة)، وقد تجاوزت روسيا في العامين الماضيين.

حقيقة أن ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم يمنع الشركات الإسرائيلية من المشاركة في معرض للأسلحة يبعث برسالة قوية إلى الدول الأخرى والمعارض الأخرى والعلاقات التجارية الأخرى. وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات الأسلحة الرائدة في إسرائيل لـ”زمان يسرائيل” “لقد حولونا إلى جزيرة البرص. من دوري آخر نزلنا إلى دوري البرص”.

وسبب آخر لإلغاء الفرنسيين المشاركة الإسرائيلية هو المظاهرات المتوقعة في منطقة المعرض والانتقادات في البرلمان الفرنسي – بما في ذلك عضو البرلمان التي ادعت قبل أيام أن إسرائيل تجري تجارب أسلحة على سكان غزة.

متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين في باريس، فرنسا، 11 مايو 2024 (Anna KURTH / AFP)

وقال مصدر دبلوماسي لإسرائيل “منذ سبعة أشهر، يقول الفرنسيون للإسرائيليين إن عليهم إدخال المساعدات الإنسانية، وأن عليهم أن يأخذوا في الاعتبار حياة المدنيين، وأنه من المستحيل الاستمرار دون خطة لليوم التالي، وأنه لا يمكن شن حرب لا نهاية لها – ولا أحد في إسرائيل مستعد للاستماع ولا الرد”.

“لقد سئم الفرنسيون. إحدى أدواتهم هي إلغاء المشاركة في المعرض. وهناك أدوات أخرى يفكرون فيها لإيصال الرسالة إلى إسرائيل”.

العلاقات التجارية المتبادلة بين إسرائيل وفرنسا في مجال الأسلحة ليست كبيرة في الواقع. باعت فرنسا في العقد الماضي أسلحة لإسرائيل تبلغ قيمتها نحو 225 مليون دولار، أي أنها ليست صفقات أسلحة كبيرة.

والصادرات الإسرائيلية إلى فرنسا أيضًا لا تذكر، لأن فرنسا تصر على إنتاجها محليا، بغض النظر عن إسرائيل. إنهم يحاولون إبقاء صناعة الأسلحة الفرنسية داخلية. وفي هذا الصدد، تعتبر الصناعات العسكرية الإسرائيلية منافسًا تجاريًا لفرنسا.

مسيّرة من طراز هيرمس (Ofer Zidon/Flash90)

وفي بداية حرب 7 أكتوبر، باعت فرنسا لإسرائيل مكونات لاستخدامها في صناعة الأسلحة الرشاشة. وقال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورني في ذلك الوقت إن الأمر يتعلق ببيع قطع غيار بموجب ترخيص لصفقة تم الانتهاء منها بالفعل.

واحتج نشطاء المقاطعة الفرنسيون قبل بضع سنوات ضد شركة الأسلحة الفرنسية “تاليس” لأن بعض مكونات الشركة استخدمت لتجميع محرك طائرة هيرمس 450 المسيّرة التي تصنعها شركة إلبيت، وهي مسيّرة استخدمتها إسرائيل في عملية “الجرف الصامد” في غزة.

وفي السنوات التي تلت تلك المظاهرات، اتخذت وزارة الدفاع الفرنسية قرارًا بعدم الاستمرار في توريد المنتج المذكور لشركة إلبيت ولإسرائيل.

وقال دانييل شك، الذي كان سفير إسرائيل لدى فرنسا، لزمان يسرائيل أنه لا يعتقد إن قطاع الأسلحة الإسرائيلي سيتضرر بشكل كبير من القرار الفرنسي. “العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والجيش الفرنسي والشركات الفرنسية أكبر من هذا القرار. القطاع الدفاعي العسكري أقل عرضة للتقلبات في العلاقات”.

دانييل شك سفير إسرائيل السابق لدى فرنسا (FRED DUFOUR / AFP)

“أعتقد أن قرارهم بإلغاء المشاركة الإسرائيلية هو لدغة لإسرائيل، لكنه لن يضر بالقطاع الإسرائيلي. أعتقد أنهم واجهوا أيضًا الكثير من الصداع فيما يتعلق بأمن الجناح الإسرائيلي والمظاهرات ضد المعرض، وهذا كان الاعتبار الرئيسي. فيما يتعلق بالرسالة التي يوصلها الفرنسيون إلى الدول الأخرى، أعتقد أن ذلك لا يهمهم. وعلى أي حال، صفقات الأسلحة لا تعتمد على الحضور في المعارض”.

اقرأ المزيد عن