المحكمة العليا تمهل الحكومة ستة أيام لتقديم أجوبة بشأن الأزمة الإنسانية في غزة
منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان تطالب بمعرفة سبب عدم فتح المزيد من المعابر الحدودية، وسبب قيام إسرائيل بمنع استخدام ميناء أشدود لتقديم المساعدات
أمرت محكمة العدل العليا الدولة يوم الخميس بتقديم إجابات في غضون ستة أيام على أسئلة رئيسية بشأن سياسات الحكومة لتقديم المساعدات لقطاع غزة، والتي أثيرت خلال جلسة في المحكمة ناقشت الوضع الإنساني المتردي في القطاع.
جاء أمر المحكمة بتقديم إجابات أكثر اكتمالا لهذه القضايا بعد أن أثيرت أسئلة صعبة خلال جلسة يوم الخميس بشأن الالتماس الذي قدمته منظمة “جيشاه – مسلك” غير الحكومية لحقوق الإنسان والعديد من المنظمات الأخرى، مطالبة المحكمة بإجبار الحكومة على زيادة إمدادات المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة المدنيين في غزة وسط الحرب المستمرة منذ أشهر هناك.
وتساءلت محامية الملتمسين بالتحديد عن سبب عدم فتح معابر حدودية إضافية، وخاصة لتزويد شمال غزة بالإمدادات؛ وعن سبب عدم استخدام ميناء أشدود لتزويد غزة بالإمدادات؛ ولماذا لا يتم توريد الإمدادات من إسرائيل والضفة الغربية.
كما أشارت إلى مزاعم أثارتها الأمم المتحدة في شهر فبراير بأن السلطات الإسرائيلية رفضت منح تصاريح لـ 51٪ من البعثات التي نظمتها منظمات انسانية لايصال المساعدات إلى شمال غزة، معتبرة أن هذا كان سببا رئيسيا للأزمة الإنسانية، على الرغم من حقيقة أن إسرائيل لم تفرض قيودا على مرور المساعدات عبر الحدود.
وبدا أن القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا عوزي فوغلمان كان مصغيا لمقدمي الالتماس، وأقر بالطبيعة الخطيرة للأزمة الإنسانية وأصر على ضرورة قيام الدولة بتقديم إجابات.
وشدد محامي الدولة، كما فعلت الحكومة لأشهر، على أنه لا يوجد حد لكمية المساعدات التي يمكن أن تدخل غزة، لكن محامية “جيشاه” اعترضت على هذا الادعاء مؤكدة على أن القيود اللوجستية التي تفرضها الحكومة داخل القطاع أدت إلى نقص حاد في الغذاء والإمدادات الانسانية، خاصة في شمال غزة.
ومنحت المحكمة الدولة مهلة حتى 10 أبريل لتقديم ملف تكميلي للإجابة على بعض الأسئلة الرئيسية التي أثيرت في الالتماس والجلسة.
أعلنت إسرائيل الحرب على حركة حماس في غزة بعد أن قامت الحركة بتنفيذ هجوم قتلت خلاله حوالي 1200 إسرائيلي واحتجزا 253 آخرين كرهائن.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 32 ألف فلسطيني في القطاع قُتلوا في القتال حتى الآن، وهو عدد لم يتم التحقق منه، والذي تقول إسرائيل إنه يشمل حوالي 13 ألف مقاتل . كما أصيب في المعارك عشرات الآلاف.
وتقول الأمم المتحدة إن حوالي 346 ألف طفل معرضون بشدة لخطر سوء التغذية في غزة، في حين وجدت منظمة “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” في مارس أن المجاعة “متوقعة ووشيكة في محافظتي شمال غزة وغزة”. اعترضت إسرائيل على هذه الاستنتاجات، مشيرة إلى افتقارها إلى بيانات دقيقة.
تم تقديم الالتماس من قبل منظمة “جيشاه-مسلك” بالتعاون مع “هموكيد: مركز الدفاع عن الفرد”، وأطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل، ومركز عدالة، وطلبت هذه المنظمات في التماسها من المحكمة أن تأمر الحكومة “بزيادة كبيرة في حجم المساعدات المقدمة إلى غزة، بما في ذلك عن طريق فتح المعابر البرية بين غزة وإسرائيل، وتوفير جميع احتياجات السكان المدنيين بما يتماشى مع التزامات إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة”.
ويؤكد الملتمسون على أن السياسة الإسرائيلية تشكل “انتهاكا صارخا” للقانون الدولي وتنتهك التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية في يناير ومارس والتي تقضي بأن تضمن إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى القطاع الذي مزقته الحرب.
وقالت المحامية أوسنات ليبشيتش كوهين التي تمثل منظمة “جيشاه” في المحكمة إن “إسرائيل تنتهك القانون الدولي وتؤدي إلى تدهور الوضع الانساني في غزة وفي انتشار المجاعة والعطش والمرض”.
وقالت ليبشيتس كوهين، مستشهدة بالعديد من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، إن النظام الصحي انهار، وأن آلاف المرضى والجرحى لا يحصلون على العلاج اللازم، وأشارت إلى تقارير عن إجراء عمليات بتر للأطراف دون تخدير.
وأضافت: “العديد من المرضى والجرحى يفقدون حياتهم بسبب عدم وجود ما يكفي من الأدوية والمعدات والطواقم الطبية (…) نحن لا نتحدث عن تسونامي أو زلزال، إننا نتحدث عن حرب من صنع يد الانسان”.
عندما سألها فوغلمان والقاضي نوعم سولبيرغ عن مصداقية المعطيات الصادرة من غزة، أقرت ليبشيتس كوهين بوجود إشكالية في الحصول على معطيات ذات مصداقية، لكنها أكدت على أن بعض المعلومات تأتي من وكالات إغاثة تعمل على الأرض، من ضمنهما اليونيسف ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، من بين آخرين.
وأشارت بشكل خاص إلى تقرير اليونيسف الصادر في أوائل مارس عقب مهمة ميدانية إلى مستشفيات الشفاء والعودة وكمال عدوان، والذي ذكر أنه “تم الإبلاغ عن مستويات مؤلمة من سوء التغذية ووفيات الأطفال بسبب الجوع”.
كما أشارت ليبشيتس كوهين أيضا إلى عدة حوادث في غزة قُتل فيها مدنيون أثناء الجهود المبذولة لتوزيع الغذاء، بما في ذلك حادثة وقعت في فبراير، عندما توفي عشرات الأشخاص في تدافع أثناء تجمهرهم حول شاحنات المساعدات، بالإضافة إلى عدة حوادث غرق بينما سعى الناس إلى الوصول إلى الإمدادات الملقاة جوا والتي سقطت في البحر.
وقالت إن هذه المشاهد تعكس مدى يأس الناس في الحصول على الغذاء في غزة.
وأقر المحامي يوناتان بيرمان، ممثل الدولة، بسوء الوضع الإنساني في القطاع الساحلي، وخاصة في شمال غزة، لكنه أصر على أن إسرائيل لم تفرض قيودا على توريد السلع الإنسانية.
وقال بيرمان: “نحن لا نشكك في حقيقة أنه نتيجة الحرب في غزة هناك معاناة كبيرة للسكان المدنيين في غزة. هذا لأن المنظمات الإرهابية تعمل وسط المراكز السكانية في غزة، وتستخدم الدروع البشرية، وتستخدم المباني المدنية في الأنشطة الإرهابية”.
لكن ليبشيتس كوهين تحدته في عدة مسائل، وطالبت بمعرفة سبب فتح معبر 96 القريب من كيبوتس بئيري مؤخرا، ولماذا مرت عبره 60 شاحنة فقط.
وطالبت أيضا بمعرفة سبب قيام الحكومة الإسرائيلية بمنع استخدام ميناء أشدود لتزويد المساعدات الإنسانية لغزة، واختارت بدلا من ذلك ميناء بورسعيد في مصر، الذي يبعد أكثر من 200 كيلومتر عن غزة، في حين أن أشدود تبعد حوالي 37 كيلومترا فقط.
وتساءلت عن سبب منع إسرائيل للقطاع الخاص في غزة من جلب المواد الغذائية من إسرائيل، حيث أن 91٪ من البضائع التي كانت تدخل غزة من معبر كيرم شالوم (كرم أبو سالم) قبل 7 أكتوبر دخلت عبر القطاع الخاص في غزة من إسرائيل والضفة الغربية.
وقال فوغلمان بشكل صريح إن هذه الأسئلة تحتاج إلى معالجة مناسبة من قبل الدولة.
وقال القائم بأعمال رئيس المحكمة: “شمال غزة هو المكان الذي فيه الوضع الإنساني هو الأكثر خطورة، وبالتالي هناك أهمية لسماع التوضيحات [عن سبب نقص المساعدات في تلك المنطقة]”.
وأشارت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق التابعة لوزارة الدفاع إلى أن 400 شاحنة من الإمدادات الإنسانية وصلت إلى شمال غزة في شهر مارس، إلا أن ليبشيتس كوهين أشارت إلى أن منظمة الصحة العالمية قالت إن هناك حاجة إلى دخول 300 شاحنة يوميا لمعالجة الأزمة الإنسانية الحالية.
وقال بيرمان: “نحن نقوم بالتنسيق اليومي مع منظمات الإغاثة الدولية لتحديد مكان الاحتياجات وما يجب تسليمه وحجمه”.
وأضاف أن استخدام معبر 96 هو مسألة “أكثر تعقيدا من الناحية الأمنية” من استخدام المعابر الأخرى، وقال للمحكمة إنه لا يمكنه التوسع في هذه القضية إلا خلف أبواب مغلقة.
كما قال إنه سيعالج القضايا المتعلقة بتزويد المساعدات من أشدود في مذكرة تكميلية إلى المحكمة، بالإضافة إلى القيود المفروضة على القطاع الخاص في غزة الذي يعمل على استيراد الإمدادات من إسرائيل والضفة الغربية.
وفي قرارها بعد الجلسة، طلبت المحكمة العليا من الحكومة تحديد حجم المساعدات اللازمة لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة؛ ومعرفة ماهية العقبات التي تحد من تقديم المساعدات الإنسانية؛ وما تنوي الحكومة القيام به لزيادة دخول المساعدات وايصالها.