القوات الإسرائيلية تتوغل بشكل أعمق في وسط وجنوب قطاع غزة وسط غارات جوية
السكان الفلسطينيون يفيدون بقصف جوي ومدفعي عنيف؛ الجيش الإسرائيلي يعلن قتله لعشرات المسلحين في غارات ومعارك بالأسلحة النارية، ومداهمته مقر المخابرات التابع لحماس في خان يونس
توغلت الدبابات الإسرائيلية بشكل أعمق في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة ليل الجمعة والسبت تحت نيران جوية ومدفعية كثيفة، مواصلة العملية البرية في الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس.
وتركز القتال في وقت متأخر من ليل الجمعة وصباح السبت في البريج والنصيرات والمغازي وسط غزة وخانيونس جنوب القطاع، بدعم من غارات جوية مكثفة.
وقال مسؤل صحي في حماس إن الغارات أسفرت عن مقتل 100 فلسطيني وإصابة 150 آخرين في وسط قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية. أرقام الحركة لا تفرق في تقاريرها بين المدنيين والمقاتلين.
وفي مستشفى ناصر في خان يونس، وهو أكبر وأهم منشأة طبية في جنوب القطاع، أظهرت صور الهلال الأحمر المنشورة على الإنترنت سيارات الإسعاف تعمل وسط الشوارع المدمرة، وتنقل أطفالا مصابين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قوات من لواء المدرعات السابع تقدم أكثر في جنوب غزة، وقام بمداهمة مواقع لحركة حماس في هان يونس، بما في ذلك مقر شعبة المخابرات التابعة للحركة في المدينة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن مقر المخابرات كان مسؤولا عن جميع الأنشطة الاستخباراتية لحماس في منطقة خان يونس، مضيفا أنه عثر أيضا على مركز قيادة تابع لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في نفس المجمع.
وفقا للجيش الإسرائيلي فإن القوات عثرت على مواد استخباراتية “قيمة للغاية” في المواقع.
في هذه الأثناء، داهمت قوات من لواء “غفعاتي” عدة مواقع أخرى لحماس في جنوب غزة، وقتلت مقاتلين فلسطينيين في العملية بنيران قناصة وقصف بالدبابات، حسبما قال الجيش الإسرائيلي.
وقال أيضا أن قوات غفعاتي وجهت أيضا عدة غارات جوية على مسلحين من حماس في المنطقة، إلى جانب بنى تحتية أخرى تابعة للحركة.
قبل قيام القوات بمناورة أعمق في خان يونس، قال الجيش الإسرائيلي إن الفرقة 98 وسلاح الجو نفذا حوالي 50 غارة على أهداف في المنطقة، بما في ذلك الأنفاق والبنية التحتية الأخرى التي تستخدمها حماس لمهاجمة القوات.
وأفاد فلسطينيون بقصف عنيف من الدبابات الإسرائيلية ومن الجو في خان يونس بجنوب القطاع ليلا. كما نفذت طائرات سلسلة من الغارات الجوية في مخين النصيرات بوسط غزة، بحسب مسعفين وصحفيين فلسطينيين.
معارك طاحنة
تقصف القوات الإسرائيلية خان يونس تمهيدا لتحقيق تقدم متوقع في المدينة الكبيرة بجنوب القطاع، التي تم الاستيلاء على مساحات منها في أوائل ديسمبر.
في وقت سابق، قال الجيش الإسرائيلي إنه قتل عشرات المسلحين يوم الجمعة في سلسلة من الضربات والمعارك في أنحاء القطاع.
وقال الجيش إن عدة معارك وقعت في مدينة غزة، حيث قضت القوات من اللواء المدرع الاحتياطي 14 بالقضاء على عشرات الإرهابيين بدعم من سلاح الجوي. وأضاف أن القوات على الأرض ساعدت في توجيه الضربات الجوية بينما قدمت السفن البحرية قوة نيران إضافية من البحر.
وجاء هذا التحديث وسط تقارير في وسائل الإعلام العبرية، التي لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي، عن انخفاض في حدة القتال في غزة في الأيام الأخيرة. ويحاول الوسطاء المصريون والقطريون تأمين إطار لهدنة جديدة، رغم أن الجانبين لا يبدو أنهما قريبان من التوصل إلى اتفاق.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته في مدينة غزة حددت أربع خلايا مسلحين يوم الجمعة، مما أدى إلى شن غارات جوية أسفرت عن مقتل 15 مسلحا في غضون ثلاث ساعات. وقُتل مسلحون آخرون في اشتباكات مع القوات، بحسب الجيش الإسرائيلي، الذي وصف المعارك بـ”الكثيفة”.
شمال مدينة غزة، في بيت لاهيا، ، هدمت قوات الاحتياط في اللواء 551 مبنيين قال الجيش الإسرائيلي إن حماس تستخدمهما. وعثرت القوات على كميات كبيرة من المعدات العسكرية في المباني، بما في ذلك المتفجرات والأسلحة.
في غضون ذلك، حدد جنود وحدة جمع المعلومات القتالية 414 التابعة لفيلق حرس الحدود، مجموعة من المسلحين في الشجاعية شمال قطاع غزة، كان أحدهم يحمل قاذفة آر بي جي. وقامت طائرة بالقضاء على المجموعة في ضربة ساعدت القوات الموجودة على الأرض في توجيهها.
يوم الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته عثرت على شقة استُخدمت كمخبأ تابعة لزعيم حماس يحيى السنوار في شمال غزة وهدمتها بالإضافة إلى شبكة أنفاق كبيرة تحتها.
ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه يقترب من السنوار منذ أسابيع، لكن زعيم الحركة يواصل تفادي القبض عليه، مما يحرم إسرائيل من النصر العملياتي الرافع للمعنويات الذي تسعى إليه بشدة منذ بدء الحرب قبل ثلاثة أشهر.
وتم تحديد موقع المخبأ يوم الجمعة على مشارف مدينة غزة من قبل لواء المدرعات الاحتياطي الرابع عشر. تم التحقيق فيه لاحقا من قبل وحدة الهندسة القتالية “يهالوم”، التي عثرت على فتحة نفق يبلغ عمقها حوالي 20 مترا، حيث تم تدميرها مع المخبأ. وتؤدي الفتحة إلى نفق طوله 218 مترا وله عدة فروع، بحسب الجيش الإسرائيلي.
واحتوت الممرات تحت الأرض على كهرباء، وأنظمة تنقية هواء، وأنابيب مياه، وغرف راحة وصلاة، وغيرها من المعدات التي تهدف إلى السماح لكبار أعضاء حماس بالبقاء مختبئين لفترات طويلة.
يوم الإثنين، أصدر السنوار أول بيان علني له منذ 7 اكتوبر، أعرب فيه عن تحديه لإسرائيل وقام بتضخيم إنجازات حركته في الحرب بشكل صارخ.
السنوار متهم بالإشراف على الاستعدادات والتخطيط لهجوم 7 أكتوبر، الذي تسلل خلاله آلاف المسلحين بقيادة حماس إلى إسرائيل من البر والجو والبحر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واختطاف حوالي 240 آخرين.
ردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس في غزة وإنهاء حكمها المستمر منذ 16 عاما، وشنت حملة جوية تبعتها عملية برية.
سكان غزة “منهكون”
أعلنت وزارة الصحة التي تديرها حركة حماس في غزة يوم الجمعة أن 21,507 فلسطينيا على الأقل قُتلوا منذ اندلاع الحرب مع إسرائيل قبل حوالي 12 أسبوعا، من بينهم 187 خلال الـ 24 ساعة الماضية. وأضاف بيان للوزارة أن 55,915 آخرين أصيبوا في غزة خلال القتال.
ولا يمكن التحقق من الأرقام الصادرة عن حماس بشكل مستقل، ويُعتقد أنها تشمل مدنيين وأعضاء في حماس قتلوا في غزة، بما في ذلك نتيجة فشل في إطلاق الصواريخ من قبل الفصائل الفلسطينية.
وتقول إسرائيل إنها تبذل جهودا لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين بيتما تقاتل حركة متمركزة بين السكان المدنيين. ولطالما اتُهمت الفصائل الفلسطينية في غزة باستخدام الفلسطينيين في القطاع كدروع بشرية، والعمل من مواقع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، التي من المفترض أن تكون محمية.
وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، قُتل حوالي 8500 مسلح في غزة منذ بداية الحرب.
يوم الجمعة كرر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوته إلى “وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية”، في حين حذرت منظمة الصحة العالمية من التهديد المتزايد لانتشار الأمراض المعدية بين سكان غزة.
ومع استمرار الحرب، يعاني الفلسطينيون في غزة من واقع تملأه المشقة وعدم اليقين.
وقالت أم لؤي أبو خاطر (49 عاما) التي نزحت من خان يونس بسبب القتال إلى مخيم موقت للاجئين في رفح لوكالة “فرنس برس”: “كفانا من هذه الحرب! نحن منهكون تماما. ننزح باستمرار من مكان إلى آخر وسط البرد”.
وقال أحمد الباز (33 عاما) وهو فلسطيني من غزة نزح إلى رفح “2023 هي أسوأ سنة في حياتي. كانت سنة دمار وخراب. عشنا مأساة لم يعرفها حتى أجدادنا”، وأضاف “نريد فقط أن تنتهي الحرب، ونبدأ العام الجديد في الوطن، مع إعلان وقف إطلاق النار”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن نصف المباني في غزة تعرضت لأضرار أو دُمرت في الحرب، وهو رقم يمثل أيضًا ما يقرب من 70 بالمائة من المنازل. واستشهد التقرير بتحليل صور أقمار اصطناعية للقطاع وطرق استشعار عن بعد أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن المباني المتضررة تشمل المصانع ودور الصلاة والمدارس ومراكز التسوق والفنادق. وقالت إسرائيل إن العديد من المدارس والمساجد والمباني الأخرى تعرضت للقصف بعد استخدامها لأغراض عسكرية وكقواعد لعمليات الجماعات المسلحة في غزة.
وأضافت وول ستريت جورنال أن ثمانية فقط من مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى يمكنها استقبال المرضى، وأن معظم البنية التحتية الأساسية بما في ذلك المياه والكهرباء والاتصالات قد تم هدمها.
وقال روبرت باب، وهو أستاذ علوم سياسية في جامعة شيكاغو وكتب عن تاريخ القصف الجوي للصحيفة إن “الكلمة ’غزة’ سوف تُسجل في التاريخ مع دريسدن ومدن شهيرة أخرى تعرضت للقصف”.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن 81 شاحنة فقط تحمل مساعدات إنسانية دخلت غزة عبر معبري كيرم شالوم (كرم أبو سالم) الإسرائيلي ورفح المصري يوم الجمعة.
تم إغلاق معبر كيرم شالوم لمدة ثلاثة أيام حتى اليوم بسبب ما يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إنها حوادث أمنية، بما في ذلك غارة جوية بطائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي، والاستيلاء على المساعدات من قبل السكان المحليين اليائسين، وعمليات نقل الأسرى والمصابين غير المعلنة وغير المنسقة من إسرائيل.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان له إن “حجم المساعدات لا يزال غير كاف على الإطلاق”.
وتصر إسرائيل على أنها تقوم بتفتيش مئات الشاحنات كل يوم وأن سبب عدم دخول المساعدات الانسانية بشكل كاف هو فشل وسطاء الأمم المتحدة في مواكبة الوتيرة. وقالت الأمم المتحدة إن توصيل المساعدات الجماعية أمر مستحيل وسط العمليات الجوية والبرية للجيش الإسرائيلي في غزة.
أعادت إسرائيل فتح معبر كيرم شالوم في 17 ديسمبر لدخول المساعدات إلى غزة مباشرة من إسرائيل للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لم تؤد إلى الزيادة المرغوبة في تقديم المساعدات.
ودخلت 200 شاحنة إلى غزة كل يوم خلال هدنة الشهر الماضي التي استمرت أسبوعا. ولم يقترب الرقم اليومي من هذا الرقم منذ ذلك الحين. قبل الحرب والأزمة الإنسانية الهائلة التي أثارتها، كان ما يقرب من 500 شاحنة من المساعدات تدخل غزة كل يوم.
وأفاد موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي وموقع “واينت” الإسرائيلي، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين لم يذكر اسمائهم، أن وسطاء قطريين أبلغوا إسرائيل أن حماس مستعدة لاستئناف المحادثات بشأن إطلاق سراح رهائن جدد مقابل وقف إطلاق النار. وذكرت وكالة “فرانس برس” أن وفدا من حماس وصل إلى القاهرة يوم الجمعة لبحث خطة مصرية تقترح وقف إطلاق نار قابل للتجديد.
وعلنا، قالت حماس إنها لن تفكر في أي وقف لإطلاق النار قبل أن تعلن إسرائيل انتهاء حملتها العسكرية في غزة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للقدس.