القاضي باراك: حكم محكمة العدل الدولية يستند إلى أدلة قليلة؛ قاضية أوغندية: الدعوى القضائية “محاولة يائسة”
القاضيان يصدران رأيين مختلفين لما توصلت إليه المحكمة بأن هناك "معقولية" لمخاوف جنوب إفريقيا بشأن ارتكاب أعمال إبادة جماعية؛ باراك: بريتوريا سعت خطأ إلى نسب جريمة قابيل إلى هابيل
أصدر القاضي الإسرائيلي أهارون باراك، الذي كان عضوا في هيئة محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية في غزة، رأيه المخالف يوم الجمعة لمعظم قرارات المحكمة في القضية، بما في ذلك دعوة المحكمة لإسرائيل باتخاذ اجراءات احترازية لمنع جريمة إبادة جماعية في غزة.
وكان باراك، إلى جانب القاضية الأوغندية جوليا سيبوتندي، واحدا من قاضيين فقط عارضا تأكيد المحكمة على أن بعض أفعال إسرائيل في الحرب ضد حماس قد تشكل انتهاكا لاتفاقية منع الابادة الجماعية وأمرها لإسرائيل بضمان عدم حدوث ذلك.
وصوت باراك لصالح إجراءين مدرجين في القرارا: مطالبة إسرائيل ببذل “كل ما في وسعها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعام على ارتكاب إبادة جماعية فيما يتعلق بأعضاء المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة”، والأمر “باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية القاسية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”.
وقال قرار المحكمة، الذي تم اتخاذه بأغلبية 15 مقابل 2، إن هناك “معقولية” لادعاءات جنوب إفريقيا بأن الفلسطينيين بحاجة إلى الحماية من الإبادة الجماعية. بحسب القرار فإن تصريحات عديدة وتحريضية أدلى بها بعض المسؤولين الإسرائيليين الكبار، والتي يمكن تفسيرها على أنها تأييد لتعمد إيذاء المدنيين، أعطت معقولية لادعاءات جنوب إفريقيا بأن لإسرائيل نية بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينين في غزة في الصراع الحالي.
ومع ذلك، لم تتخذ المحكمة الإجراء الذي كانت ترغب فيه جنوب إفريقيا بشدة وتخشاه إسرائيل – وهو الأمر بوقف فوري لإطلاق النار من جانب واحد والذي كان من شأنه أن يحبط المجهود الحربي ويشير إلى أن المحكمة تعتقد أن الإبادة الجماعية تحدث بشكل فعلي.
في رأيه المنفصل، انتقد باراك جنوب إفريقيا لتركيزها على إسرائيل بدلا من حماس لتنفيذ الأخيرة هجوم 7 أكتوبر الذي أشعل فتيل الحرب في غزة، وقال إن الدولة الإفريقية “سعت خطأ إلى نسب جريمة قابيل إلى هابيل”.
وأشار أيضا إلى تجربته كناج من المحرقة النازية (الهولوكوست).
وكتب باراك إن “الإبادة الجماعية أكثر من مجرد كلمة بالنسبة لي؛ إنها تمثل تدميرا متعمدا وسلوكا انسانيا في أسوأ حالاته… إنه أخطر اتهام محتمل ويتشابك بعمق مع تجربتي الحياتية الشخصية”.
وقال رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية المتقاعد إن “فكرة أن إسرائيل متهمة الآن بارتكاب جريمة إبادة جماعية صعبة للغاية عليّ شخصيا، باعتباري ناجيا من إبادة جماعية وعلى إدراك تام بالتزام إسرائيل بسيادة القانون”.
وقد أشاد باراك بالتزام إسرائيل وانصياعها للقانون الدولي خلال عملياتها العسكرية وقال إن أساس مراجعة تصرفات إسرائيل في غزة هو القانون الإنساني الدولي، وليس اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وقال إن المحكمة قبلت التأكيد على أنه وجود معقولية بأن الفلسطينين بحاجة إلى الحماية من أعمال إبادة جماعية بالاستناد على “أدلة قليلة”.
وزعم باراك إنه لا يوجد أساس واقعي لمثل هذا الاستنتاج، الذي يستند كما يبدو على حصيلة القتلى المرتفعة والتصريحات التحريضية التي أدلى بها بعض المسؤولين الإسرائيليين.
وقال: “أنا لا أتفق بشدة مع نهج المحكمة فيما يتعلق بالمعقولية، وعلى وجه الخصوص لا اتفق مع مسألة النية”، مشيرا إلى الجهود العديدة التي بذلتها إسرائيل لحماية المدنيين.
في حين أنه “استخدام بعض المسؤولين الإسرائيليين للغة غير لائقة ومهينة هو أمر مقلق”، وفي حين أنه “سيتعين التحقيق في ذلك من قبل السلطات الإسرائيلية المختصة… فإن الاستنتاج بأن هناك نية لارتكاب إبادة جماعية من هذه التصريحات، التي تم الإدلاء بها في أعقاب الهجمات الرهيبة ضد السكان الإسرائيليين، هو أمر غير معقول”.
وقال إن المحكمة “فشلت في تقديم وصف كامل للوضع الذي تطور في غزة” منذ 7 أكتوبر وإن حماس قد ’تعهدت بتكرار حادثة 7 أكتوبر مرارا’. وبالتالي فإنها تشكل تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل، وهو الأمر الذي يجب على إسرائيل صده”.
مع الإشارة إلى أن “دولة إسرائيل مثلت أمام هذه المحكمة في الوقت الذي يتعامل فيه قادتها وجنودها وأطفالها مع الهزة والصدمة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر” وبينما “ارتعدت أمة بأكملها، وفي غمضة عين فقدت أبسط أحساس لها بالأمان، فإن السياق المباشر الذي تم فيه تقديم دعوى جنوب إفريقيا إلى المحكمة كان ينبغي أن يلعب دورا أكثر مركزية في تعليل المحكمة”.
وأضاف باراك أنه “من المشكوك فيه أن تكون جنوب إفريقيا قد طرحت هذا النزاع بحسن نية”، مشيرا إلى أنه عندما أعربت جنوب إفريقيا عن مخاوفها الأولية، “ردت إسرائيل بعرض الدخول في مشاورات في أقرب فرصة ممكنة. جنوب إفريقيا، بدلا من قبول هذا العرض، الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى محادثات دبلوماسية مثمرة، قررت رفع دعوى ضد إسرائيل أمام هذه المحكمة”.
وقال أنه من “المفاجئ” أن المحكمة لاحظت الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل للتخفيف من الظروف الانسانية الصعبة في غزة، “لكنها بعد ذلك فشلت تماما في استخلاص استنتاجات من هذه التصريحات عند فحص وجود النوايا”. وأضاف أن “الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المحكمة لم تعتبر أيا من هذه الإجراءات والتصريحات كافية لاستبعاد وجود نية معقولة لارتكاب إبادة جماعية”.
وقالت القاضية سيبوتيندي، في معارضتها، إن “جنوب إفريقيا لم تثبت، حتى على أساس ظاهري، أن الأفعال التي يُزعم أن إسرائيل ارتكبتها والتي يشكو منها المدعي، قد ارتُكبت بنية الإبادة الجماعية اللازمة، وأنه نتيجة لذلك، فهي قادرة على الوقوع ضمن نطاق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية”.
وأضافت أن “مقدمة الدعوى لم تثبت أن الحقوق التي تؤكدها والتي تسعى إلى حمايتها من خلال الإشارة إلى تدابير مؤقتة هي حقوق معقولة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.
وقال سيبوتيندي إن الفشل في التوصل إلى حل سياسي للصراع “قد يدفعهم في بعض الأحيان إلى اللجوء إلى الاحتجاج بمعاهدات مثل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، في محاولة يائسة لفرض قضية ما في سياق مثل هذه المعاهدة، من أجل تعزيز تسويتها القضائية… من وجهة نظري فإن القضية الحالية تقع ضمن هذه الفئة”.
وقالت إن المراجعة الدقيقة لسياسة الحرب الإسرائيلية “تظهر غياب نية الإبادة الجماعية”، رغم أنها شددت على أن إسرائيل ملزمة بالقانون الدولي في إدارتها للحرب.
وتابعت قائلة: “للأسف، فإن حجم المعاناة والموت الذي يعيشه قطاع غزة لا يتفاقم بسبب نية الإبادة الجماعية، بل بسبب عدة عوامل، بما في ذلك تكتيكات منظمة حماس نفسها التي غالبا ما تنطوي على تواجد قواتها بين السكان المدنيين والمنشآت المدنية، مما يجعلهم عرضة لهجوم عسكري مشروع”.
أما بالنسبة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين استخدموا لغة تحريضية، أو أدلوا بتعليقات يُنظر إليها على أنها تقلل من أهمية الحاجة إلى حماية المدنيين، فقالت سيبوتيندي إنه إذا أخذنا السياق في الاعتبار، فإن “الغالبية العظمى من التصريحات أشارت إلى تدمير حماس وليس الشعب الفلسطيني”، وبالتالي فإن “بعض التصريحات المارقة الصادرة عن مسؤولين غير مكلفين بمتابعة العمليات العسكرية الإسرائيلية تعرضت لانتقادات شديدة من قبل الحكومة الإسرائيلية نفسها”؛ و”الأهم من ذلك هو أن سياسة الحرب الرسمية للحكومة الإسرائيلية، كما قٌدمت إلى المحكمة، لا تحتوي على أي مؤشرات على نية الإبادة الجماعية”.
ساهم في هذا التقرير جيريمي شارون.