القادة المسلمون يدينون “الجرائم” الإسرائيلية؛ إيران: الحل هو فلسطين من النهر إلى البحر
لكن نتائج القمة تسلط الضوء أيضا على الانقسامات الإقليمية بشأن الرد على الحرب، حيث استخدمت بعض الدول حق النقض ضد اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد القدس
رفض قادة الدول العربية والإسلامية يوم السبت توصيف حرب إسرائيل “الانتقامية” في غزة بأنها تأتي “دفاعا عن النفس”، مطالبين مجلس الأمن الدوليّ بقرار” حاسم ملزم يفرض وقف العدوان” الإسرائيلي في غزة، خلال قمة مشتركة لزعماء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض.
كما أكدوا مطالبتهم بالتوصل إلى “حل شامل” يضمن وحدة غزة والضفة الغربية “أرضا لدولة فلسطينية”، على ما جاء في البيان الختامي المشترك الذي أطلعت عليه وكالة فرانس برس.
ويأتي الاجتماع الطارئ للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بعد مرور أكثر من شهر على الحرب في غزة، التي اندلعت في أعقاب الهجوم الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل، والذي قتل فيه مسلحون فلسطينيون حوالي 1200 شخص واحتجزوا أكثر من 240 رهينة.
وأدى الهجوم الجوي والبري الذي شنته إسرائيل لاحقا واستهدف البنية التحتية لحماس إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص، وفقا لوزارة الصحة في غزة. ولا يمكن التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل ويُعتقد أنه يشمل مسلحين في الفصائل الفلسطينية ومدنيين قُتلوا بسبب أخطاء في إطلاق الصواريخ الفلسطينية.
وتقول إسرائيل إنها عازمة على تدمير حماس وتتهم الحركة باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
جاء في البيان الختامي المشترك أنّ القمة “ترفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة”.
وطالب القادة المشاركون “مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية”.
وأكدوا “رفض أي طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والتأكيد على أن أي مقاربة مستقبلية لغزة يجب ان تكون في سياق العمل على حل شامل يضمن وحدة غزة والضفة الغربية أرضا للدولة الفلسطينية”.
وجاء في الإعلان النهائي أيضا “مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال”.
كما دعوا إلى “كسر الحصار على غزة وفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري”.
وخلال مؤتمر صحافي مقتضب، اشاد الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط بـ”قوة” الموقف المدعوم من 57 دولة عربية وإسلامية.
وقال “هذا قرار جيد جدا .. ربع عضوية الامم المتحدة تقول لسياسات إسرائيل واميركا لا”.
وقالت المحللة المصرية في مركز الاهرام للدراسات السياسية بالقاهرة رابحة سيف علام: “هناك حالة من الاصطفاف المبدئي لكن هناك معسكرات مختلفة داخل العالم العربي وهي اختلافات لا يمكن محوها بين يوم وليلة”.
وقالت إن القمة خرجت بـ”بيان جيد جدا وواقعي بالنظر لمعادلات القوة الراهنة”، من حيث التأكيد على الحل من خلال “إحياء السلام الشامل واعلان الدولة الفلسطينية وملاحقة قادة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية”.
لكن القمة عجزت عن اتخاذ قرارات مباشرة ضد إسرائيل مثل طرد السفراء او قطع النفط لتعكس الغضب الشعبي الكبير في العالمين العربي والإسلامي تجاه استمرار الحرب الدامية.
وقالت سيف علام: “لا احد كان يتوقع فعلياً المساومة بورقة الغاز والنفط المصدر للغرب، هذه الورقة تم استخدامها مرة في 1973 كمفاجأة ومن ثم تم التأكد من إبطال استخدامها مرة اخرى”.
“حرب إبادة”
في كلمته الافتتاحية، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن بلاده “تؤكد تحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني”.
“نحن على يقين بأن السبيل الوحيد لتأمين الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان”.
أما الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي يقوم بأول زيارة إلى السعودية منذ توصل البلدين إلى اتفاق تقارب في مارس، فقد دعا الدول الإسلامية إلى تصنيف الجيش الإسرائيلي “منظمة إرهابية”.
بدوره، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن ما يتعرض له الفلسطينيون هو “حرب إبادة”.
وأضاف أن “شعبنا يتعرض إلى حرب إبادة على يد آلة الحرب الإسرائيلية التي انتهكت الحرمات وتخطت الخطوط الحمراء في غزة”.
واستنكر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي معاناة سكان غزة من “ممارسات لاإنسانية تعود بنا إلى العصور الوسطى”.
وحذر من توسع نطاق الحرب “مهما كانت محاولات ضبط النفس فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها.. بين ليلة وضحاها”.
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: “لا يجوز الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار بل علينا اتخاذ خطوات رادعة لوقف جريمة الحرب المتواصلة بحيث تظهر أيضا ثقل ووزن الدول الإسلامية”.
وطالبت حماس، في بيان صادر في غزة، الدول المشاركة في القمة بـ”طرد كل سفراء الاحتلال” وتشكيل “هيئة قانونية عربية إسلامية” من أجل ملاحقة “مجرمي الحرب الإسرائيليين قتلة الأطفال والنساء والمدنيين”. كما طالبت بإنشاء “صندوق من أجل إعادة إعمار قطاع غزة” بأسرع وقت ممكن.
وندد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بما اعتبره “ازدواجية المعايير” في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الحرب بين اسرائيل وحركة حماس في غزة.
وقال بن فرحان في مؤتمر صحافي أعقب القمة العربية والإسلامية: “إننا نشاهد ونراقب إزدواجية المعايير، وإننا نقيم بناء على ذلك مصداقية منظومات العمل الدولي، فإن لم يكن هناك إلتزام يلزم الجميع بهذه الأسس فمن الصعب أن نتحدث بهذه الأسس كأسس جامعة”.
قمة بدلا من قمتين
ترفض إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة حتى الآن المطالبات بوقف إطلاق النار، وهو موقف كان موضع انتقادات شديدة خلال قمة السبت.
وأطلقت منظمات إغاثة دولية مناشدات عاجلة للتوصل لوقف إطلاق نار في غزة مع نفاد إمدادات الماء والغذاء والدواء وتعرض أقسام في المستشفيات التي ما زالت تعمل للقصف، وفق الهلال الأحمر الفلسطيني وأطباء.
وكان من المفترض أن تعقد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قمتين منفصلتين، غير أن وزارة الخارجية السعودية أعلنت باكرا السبت عقد “قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية” بشكل استثنائي السبت.
وأبلغ دبلوماسيان عربيان وكالة فرانس برس أن قرار الدمج جاء بعد عجز مندوبي دول الجامعة العربية عن التوصل لاتفاق حول بيان ختامي.
واقترحت بعض الدول، من بينها الجزائر ولبنان، مشروع قرار يتضمن تهديدا بقطع امدادات النفط عن اسرائيل وحلفائها الغربيين وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التي تقيمها بعض الدول العربية مع اسرائيل، بحسب الدبلوماسيين.
لكن ثلاث دول عربية، من بينها الامارات والبحرين اللتان طبعتا علاقاتهما مع اسرائيل في 2020، رفضت المقترح.
رئيسي في الرياض
دعا رئيسي كذلك في كلمته أمام القادة العرب والمسلمين إلى “تسليح الفلسطينيين” في حال “استمرت الهجمات” في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وقال رئيسي للقمة إن الحل الوحيد للصراع هو إقامة دولة فلسطينية من “النهر إلى البحر” – مما يعني القضاء على دولة إسرائيل.
وأضاف: “نريد أن نتخذ قرارا تاريخيا وحاسما بشأن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية. إن قتل المدنيين وقصف المستشفيات من مظاهر الجرائم الإسرائيلية في غزة. اليوم، يجب على الجميع أن يقرروا إلى أي جانب يقفون”.
كما دعا إلى فرض عقوبات ومقاطعة إسرائيل في مجال الطاقة، وتوجيه اتهامات ضد إسرائيل والولايات المتحدة في لاهاي، والى ارسال مفتشين دوليين إلى المنشآت النووية الإسرائيلية.
وهذه هي الزيارة الأولى لرئيس إيراني للسعودية منذ زيارة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد لحضور قمة لمنظمة التعاون الإسلامي أيضا في آب/أغسطس 2012.
وذكرت وسائل إعلام رسمية سعودية على منصة اكس أنه بالإضافة إلى الكلمة التي ألقاها أمام القمة، عقد رئيسي اجتماعا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وتدعم إيران حماس وحزب الله اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن، ما يضعها في صلب المخاوف من احتمال توسع الحرب لتشمل دولا أخرى.
وأدى الصراع إلى اشتعال مواجهات يومية عبر الحدود بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، كما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن إطلاق “صواريخ بالستية” على جنوب إسرائيل.
ويقول محللون إن السعودية تشعر بأنها معرضة لهجمات محتملة بسبب علاقاتها الوثيقة مع واشنطن وحقيقة أنها كانت تدرس تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل اندلاع الحرب.
وقالت كيم غطاس، مؤلفة كتاب عن الخصومة الإيرانية السعودية، خلال حلقة نقاش نظمها معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن “السعوديين يأملون أن تمنح حقيقة أنهم لم يطبّعوا بعد، وحقيقة وجود قناة لهم للإيرانيين، بعض الحماية”.
وأضافت: “الإيرانيون يأملون في أن تمنحهم حقيقة أنهم على اتصال مع السعوديين وحفاظهم على تلك القناة بعض الحماية أيضا”.