العملية التي بدأها أبو مازن في جنين ستحدد إلى حد كبير مستقبل السلطة الفلسطينية
لقد أدركوا في السلطة الفلسطينية أن مشهد الشاحنات الصغيرة وبنادق الكلاشينكوف التي غادرت إدلب ودخلت دمشق يمكن أن ينعكس بشكل خطير على الوضع في الضفة الغربية؛ أمر أبو مازن شخصيا بحملة واسعة النطاق ضد "عصابات الشباب التي استولت على مخيم جنين"، وتجري هناك منذ عشرة أيام عملية مكثفة تضع صمود السلطة الفلسطينية أمام اختبار وجودي
يشهد مخيم جنين منذ أكثر من أسبوعين عملية مكثفة مصحوبة بإطلاق نار وعبوات ناسفة. لكن هذه المرة أمام المسلحين الذين يطلقون على أنفسهم اسم “كتائب جنين”، تقف قوات النخبة التابعة للسلطة الفلسطينية التي تقاتل مجموعة شباب التي فرضت سيطرتها على المنطقة في العقد الأخير.
من الجانب الإسرائيلي، تتم مراقبة هذه العملية المستمرة منذ عشرة أيام عن كثب، وهي تشبه في كثير من النواحي عمليات الجيش الإسرائيلي: الدخول بمركبات مدرعة، والاستيلاء على مواقع السيطرة، ونشر القناصين وعمليات تمشيط من منزل إلى منزل.
“هذه المرة أبو مازن يلعب لعبة كل شيء أو لا شيء”، حسبما قال مصدر أمني إسرائيلي. “لا يعني ذلك أنه موجود على مشارف مخيم اللاجئين فحسب، بل إنه يسيطر على بعض الأحياء هناك. لقد شكل سابقة بالفعل. والسؤال الآن هو ما إذا كان سينجح”.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
بدأ كل ذلك عندما نفذت قوات الأمن الفلسطينية عملية اعتقال في المخيم قبل عشرة أيام. ردا على ذلك، نزل المسلحون إلى مركز الشرطة في المدينة وسرقوا مركتبين تابعتين للسلطة الفلسطينية. بعد ساعات تم تصويرهم في أزقة المخيم وهم يرفعون أعلام حماس والجهاد الإسلامي.
وقد أمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) شخصيا بتنفيذ العملية الواسعة، التي تعمقت وازدادت كثافتها بعد سقوط النظام في سوريا. أدركت السلطة الفلسطينية أن مشهد سيارات التندر وبنادق الكلاشينكوف التي خرجت من إدلب ودخلت دمشق بعد أيام يمكن أن ينعكس بشكل خطير على الوضع في الضفة الغربية.
حالما طوقت القوات المخيم، أدرك المسلحون أن شيئا مختلفا يحدث هذه المرة بالنسبة للسلطة، وطلبوا بدء مفاوضات لإنهاء الحادثة. السلطة رفضت الاقتراح وبدأت بمداهمة المخيم.
“بلا شك، هذا اختبار مهم لأبو مازن”، حسبما قال المقدم (احتياط) ألون أفيتار، وهو خبير في الشأن الفلسطيني ومستشار سابق للشؤون الفلسطينية لمنسق العمليات في المناطق، مضيفا: “لن أذهب إلى حد وصف ما يحدث بأنه استراتيجي، لكنه غير عادي”.
وأضاف: “السؤال الرئيسي لأبو مازن ليس فقط مدى نجاح العملية التي بدأها، بل ما إذا كانت ستستمر في مناطق أخرى من الضفة الغربية، مثل طولكرم وطوباس”.
ليس من قبيل الصدفة أن يتم ذكر مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية في هذا السياق. في بعضها أعلن المسلحون بالفعل أنهم يستعدون لدخول قوات السلطة الفلسطينية، وهذا بلا شك يشكل تحديا لأبو مازن الذي يسير هنا على جليد رقيق. يوم الإثنين، نشر باراك رافيد على موقع “واللا” الإخباري أن بعض قادة أجهزة الأمن عارضوا العملية المكثفة في مخيم جنين، وأن أبو مازن هدد بإقالتهم.
وقال المسؤول الأمني الإسرائيلي: “كل دول المنطقة والمنظمات الإرهابية تنظر إلى جنين. إذا لم يتمكن أبو مازن من التغلب على 50 مسلحا في جنين، سيكون هناك من سيقول دعونا نقوم بانقلاب. الوضع خطير الآن”.
الخوف الإسرائيلي ليس من انهيار السلطة فحسب، وإنما من عملية استعراضية تقوم بها إحدى الجماعات من خلال السيطرة على رمز من رموز الحكم التابعة للسلطة – وهو حدث يمكن أن تكون له دوائر تأثير خطيرة للغاية. وليس عبثا أن تصف السلطة الفلسطينية المسلحين بأنهم “وكلاء إيران وداعش”، وكل ذلك بهدف تبرير عملية يتم فيها استخدام أسلحة نارية ضد مدنيين فلسطينيين.
من الصعب فصل هذه العملية النادرة عن الأحداث الإقليمية والسقوط السريع للنظام في سوريا. هناك أوجه تشابه في كثير من النواحي بين وضع السلطة الفلسطينية ونظام الأسد.
يدور الحديث عن هيئة تحكم منذ ثلاثة عقود دون انتخابات وفاسدة ولا تتمتع بشرعية لدى السكان. من وجهة نظر الجيل الشاب في المخيمات، فإن السلطة الفلسطينية ليست عنوانا شرعيا ومن هناك تكمن خطورة انعكاس ما يحدث في سوريا.
ولكن من ناحية أخرى، يلاحظون في إسرائيل أيضا القلق الكبير في الضفة الغربية من مشاهد غزة ولبنان. تتأرجح الأجواء بين هذين القطبين – كراهية للسلطة الفلسطينية والخوف من تدهور يؤدي إلى عملية عسكرية إسرائيلية.
يقول العميد (احتياط) أورن أفمان، قائد لواء جنين في لواء “كفير” سابقا وقائد كتيبة في عملية “الدرع الواقي”: “الجيل الذي نشأ في المناطق هو جيل لا يتذكر الدرع الواقي. بالنسبة لهم، إنها مثل الحرب العالمية الثانية”.
ويضيف: “يبدو لي أن ما تفعله السلطة الفلسطينية الآن غير كاف وبعد فوات الأوان. لقد فقدوا المنطقة خلال السنوات التي لم يعملوا فيها. هناك شك كبير فيما إذا كانوا سينجحون الآن، لذا فمن الأفضل أن نثق فقط في الجيش الإسرائيلي”.
تنفي إسرائيل أن تكون أجهزتها الأمنية قد قدمت أي مساعدة للسلطة الفلسطينية، ولكن يمكن الافتراض بدرجة عالية من الاحتمال أن هذه التحركات تم تنسيقها مسبقا. بحسب ما نشره رافيد في “واللا”، فإن الأمريكيين كانوا منخرطين في العملية – بما في ذلك الخطط التفصيلية التي تم تقديمها لهم ومتطلبات التسليح التي تتطلب موافقة إسرائيلية.
في الوقت الحالي، لا يوجد رد أو تأكيد من الجانب الإسرائيلي على طلبات التسليح، لكن من الواضح تماما مدى التعقيد السياسي الذي يواجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بالنسبة إلى بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، فإن نقل الأسلحة إلى السلطة الفلسطينية هو خط أحمر ساطع – أكثر حتى من الافراج عن الأموال.
إذا تم تمرير طلب إمدادات بالفعل عبر الأمريكيين، فسيتعين على نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيذعن لواشنطن ويمنح السلطة الفلسطينية جرعة الطاقة هذه في حالتها الهشة، أو ما إذا كان سيتجاهلها لأسباب سياسية والمخاطرة بتقويض آخر للسلطة وربما حتى انهيارها.
البعض يرى في ذلك سيناريو مرعب، والبعض الآخر يرى به حلما يتحقق.