’العالم العربي لن يسارع إلى دعم الحرب الدبلوماسية الخاطفة لإسرائيل’، ونتنياهو يدرك ذلك
خبير في الشؤون السعودية، غريغوري غوز، يقول بأن محاولات القدس بعرض احتمال تطبيع الدول العربية للعلاقات مع إسرائيل أولا ومن ثم ممارسة الضغوط على رام الله مصيرها الفشل، وليس سوى محاولة لكسب بعض الوقت
الإشادة بعلاقات إسرائيل التي لا تزال سرية والمتزايدة رغم ذلك مع الدول العربية أصبحت نقطة حديث اعتيادية في خطب بنيامين نتنياهو. يدرك العرب بأن العالم يتغير وبأن إسرائيل لم تعد عدوهم، كما يزعم رئيس الوزراء بشكل روتيني، وعلى الرغم من أن هذه الإتصالات لا تزال سرية فقد تصبح حافزا للدفع إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
الحكمة الشائعة كانت تقول بأنه بمجرد أن يقوم الإسرائيليون بحل صراعهم مع الفلسطينيين، سيكون بإمكانهم صنع السلام مع العالم العربي بأسره. “هذا بلا شك صحيح دائما”، كما قال نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، “ولكن يزداد إعتقادي أكثر وأكثر بأن هذه العملية يمكن أن تتحرك أيضا بالاتجاه المعاكس؛ بأن التطبيع أو تعزيز العلاقات مع العالم العربي يمكن أن يساعدنا في الدفع بسلام أكثر واقعية وأكثر توازنا ويحظى بدعم أكبر بيننا وبين الفلسطينيين”.
المشكلة الوحيدة مع هذه الإستراتيجية بأنها لن تنجح، ونتنياهو يدرك بأنها لن تنجح. هذا على الأقل ما قاله خبير بارز في شؤون العالم العربي لتايمز أوف إسرائيل مؤخرا.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
غريغوري غوز، أحد أبرز الخبراء في العالم في الشؤون السعودية ودول الخليج، قال إن “السعوديين سينتظروا الفلسطينيين”، وأضاف: “من المستبعد جدا رؤية الأردنيين والمصريين أو السعوديين يتوجهون لأبو مازن [رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس] ويقولون له: ’عليك أن تخفض من سقف توقعاتك بشأن ما الذي ستحصل عليه من الإسرائيليين والتوصل إلى اتفاق معهم لأننا بحاجة إلى التعاون الإسرائيلي إزاء سوريا وحزب الله وإيران. ببساط لا أرى ذلك يحدث”.
ينبغي على نتنياهو أن يكون مدركا بأن إستراتيجيته لن تنجح بالطريقة التي يتصورها علنا، كما يظن غوز. بدلا من ذلك، يصرح رئيس الوزراء بأنه ينتظر من الدول العربية ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية في محاولة لكسب الوقت في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة. “لديه الأمريكيون الذين يقولون له بإنتظام، ’لماذا لا تقوم بالمزيد إزاء العملية السلمية؟’ فيكون رده، ’حسنا، نظريتي هي أننا سنتعامل مع الدول العربية أولا’”.
للأمانة، الإدعاء بأن العالم العربي أشار إلى استعداده للتقرب من إسرائيل، إلى حد ما، ليس تماما بلا أساس.
في يونيو 2015، ظهر المستشار السابق للحكومة السعودية أنور عشقي في حدث مع دوري غولد، وقال قبل دخول غولد في منصبه الحالي كمدير عام لوزارة الخارجية الإسرائيلية. في مايو 2016، ناقش المستشار الأمني السابق لبينيامين نتنياهو، يعكوف عميدرور، مسائل إقليمية مع الأمير السعودي تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الإستخبارات السعودي، في حدث إستضافه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
هذه الأحداث تدل بلا شك على دفء في العلاقات، ولكن اللقاءات بين شخصيات لم تكن تشغل مناصب حكومية في ذلك الوقت “أقصى ما سنراه”، كما يقول غوز. “من الصعب علي تصور مسؤول سعودي يلتقي علنا مع مسؤول إسرائيلي. من شأن ذلك أن يشكل تغييرا حقيقيا. ولا أرى السعوديين يرون حاجة لذلك. ما الذي سيجنوه من ذلك؟ إذا كان هناك تعاون في مسائل ذات اهتمام مشترك يجري وراء الكواليس أصلا، فلماذا القيام بشيء علني لن يعود عليك بأي فائدة وسيتسبب لك بالمشاكل فقط؟”
طالما أنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية، فمن غير المرجح بدرجة كبير بأن تقوم دول الخليج إضفاء طابع رسمي على علاقاتها مع إسرائيل، كما يرى غوز، الذي يرأس قسم العلاقات الدولية في كلية بوش للحكم والخدمات العامة في جامعة “تكساس أيه اند إم”.
وشدد على أن “هناك حاجز حقيقي امام أي نوع من العلاقات الدبلوماسية الرسمية”، وتابع بالقول: “هناك ما يكفي من الإلتزام بالقضية الفلسطينية، سواء في صفوف النخب السعودية او في صفوف الرأي العام السعودي، وفي غياب نوع ما من التسوية الإسرائيلية-الفلسطينية، أشك في أننا سنرى السعوديين يقومون بفتح سفارة في إسرائيل”.
بدلا من ذلك، في غياب تقدم ملموس في عملية السلام، ستبقى العلاقات العربية-الإسرائيلية محددة لغرض معين، وفقا لغوز. “سيتم تحديدها من خلال مصالح محددة للغاية وليس عن طريق فهم وعلاقة أوسع”، كما قال.
صعود إيران الشيعية هو الذي ساهم في الأساس في التقارب بين العالم السني وإسرائيل. يُعتقد أن اسرائيل ودول الخليج يتبادلون معلومات إستخباراتية ويتعاونون في مجالات أخرى متعلقة بالأمن في محاولة لإحباط أطماع طهران في الهيمنة على المنطقة.
العرب يكتفون بذلك، كما يقول غوز.
وقال لتايمز أوف إسرائيل مؤخرا على هامش مؤتمر حول السعودية والخليج و”المشهد الإقليمي الجديد” في جامعة بار إيلان، “لا يوجد جانب إيجابي بالنسبة للقيادة السعودية من حيث السياسة الداخلية في أن تكون هناك علاقات علنية مع إسرائيل”، وتابع بالقول: “المواد المناهضة لإسرائيل تظهر بشكل جيد للغاية، محليا، في السعودية”.
لكنه قال أيضا بأن التداعيات من وجود علاقات بين الرياض وإسرائيل قد لا تكون بالحدة التي كان من الممكن أن تكون عليها في سنوات الستين أو السبعين، عندما كانت المسألة الفلسطينية بارزة أكثر في الفكر العربي. بروز الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني انخفض في جزء كبير من العالم العربي، الذي يركز اليوم على الصراعات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان ويرى إيران على أي حال بأنها العدو الرئيسي. “ولكن حتى مع ذلك، لن تحظى بتقدير لتصرفك بلطف مع الإسرائيليين من حيث الرأي العام الخاص بك”.
تأكيد بعض المراقبين الإسرائيليين بأن المواطنين العرب العاديين في الخليج لا يهتمون بالفلسطينيين ليس صحيحا بالضرورة، كما يقول جون جينكينز، دبلوماسي بريطاني سابق الذي يرأس حاليا المعهد الدولي لدراسات الشرق الأوسط الإستراتيجية.
ويقول جينكينز، الذي يقيم في البحرين، “في الشارع، مسألة فلسطين برمتها تبقى قضية قوية ومشحونة عاطفية. أرى ذلك طوال الوقت”، وأضاف قائلا: “هذا جزء كبير من ما يمنع القادة بالخروج بذلك [علاقاتهم مع إسرائيل] إلى العلن”.
ليس أن كل العرب مشغولون بإستمرار بالفلسطينيين، كما قال جينكينز، الذي شغل منصب القنصل العام البريطاني في القدس والسفير لدى السعودية وليبيا وسوريا والإمارات. في الواقع، “جزء كبير منهم يرون بذلك أمرا مزعجا يتمنون اختفاءه”، ولكن، إذا قامت حكوماتهم بإضفاء طابع رسمي على علاقاتها مع إسرائيل قد يؤدي ذلك إلى غضب عام، كما قال.
علاوة على ذلك، علاقات أكثر علنية مع القدس سيتم إستغلالها ضد الدول العربية السنية من قبل خصومهم في المنطقة، لا سيما إيران وتنظيمات إرهابية مثل تنظيم “داعش”، كما يقول جينكينز. إن الإعتراف بشراكة مع إسرائيل قد يتم تصويره على أن القادة العرب قاموا ببيع أشقائهم العرب وسيسمح لطهران بتقديم نفسها على أنها الحامي الوحيد الباقي للقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى في القدس. وقال جينكينز “كل ما يمكن لهؤلاء الأشخاص إستخدامه سيقومون بإستخدامه. الأمر بهذه البساطة”.
بالتالي، ستظل العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وراء الأضواء حتى تقوم اسرائيل بإتخاذ خطوات حقيقية باتجاه اتفاق سلام مع الفلسطينيين، بحسب جينكينز. القادة العرب الذين يستفيدون، تحت الطاولة، من التعاون في مجالي الأمن والإستخبارات لا يوجد لديهم أي سبب يدفعهم للمخاطرة محليا من خلال إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهم مع الدولة اليهودية، كما قال.
غوز، الباحث من جامعة “تكساس إيه أند إم”، يقول بأن القادة العرب لا يرون بالضرورة في علاقة مفتوحة مع إسرائيل تهديدا كبيرا على إستقرار أنظمتهم في الداخل. فبعد كل شيء، السعودية في تحالف منذ فترة طويلة مع الولايات المتحدة، رافضة الإنتقادات الحادة من دول عربية أخرى.
لكن ما يمنع البلدان العربية من الإعتراف بعلاقاتها هو حقيقة أنها لن تجني أي شيء من ذلك. فهي تحصل على ما تريده من إسرائيل من خلال قنوات سرية وبالتالي لا ترى أن هناك سبب لجعل هذه العلاقة علنية، كما يقول غوز.
بما أن الدول العربية ترى في أن للتعاون مع إسرائيل قيمة كبيرة كما يبدو، هل بإمكان إسرائيل أن تشترط إستمرار التعاون بالإعتراف الرسمي بهذه العلاقات؟
رد غوز على هذا السؤال كان أن “الخطر في هذا الإصرار قد يكون إغلاق القناة، على الأقل مؤقتا”، وتابع قائلا: “سيكون هناك ما يكفي من الأشخاص في النظام السعودي الذين سيقولون، ’حسنا، إذا كانوا لا يريدون التحدث معنا، فليذهبوا إلى الجحيم”.