“الظروف لا تسمح بالحياة”: المماطلة القضائية تعمق الأزمة في قطاع غزة
لم تبت محكمة العدل العليا بعد في التماس عاجل للحصول على مساعدات إنسانية لغزة، بعد مرور ثمانية أشهر على تقديمه؛ منظمات الإغاثة تحذر من مجاعة جماعية في شمال قطاع غزة، وانتشار الأمراض، وانهيار خدمات الصحة والصرف الصحي وتدهور الوضع الاقتصادي، ونقص حاد في أماكن إيواء النازحين وخاصة لفصل الشتاء
واصلت منظمات الإغاثة التحذير من تدهور خطير في الوضع الإنساني في قطاع غزة، وخاصة في شماله. وبينما تجري إسرائيل اتصالات لتوفير أمن خارجي لإدخال المساعدات، وعلى خلفية مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فإن التقارير الأخيرة تصف الأوضاع في القطاع بأنها مستحيلة للوجود الإنساني، مع عواقب مباشرة على فرص بقاء المختطفين على قيد الحياة.
وصف نتنياهو المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا بأنها “معارضة لنا”، لكنها ادعت في الواقع عدم وجود صلاحية في إصدار مذكرتي الاعتقال الدوليتين – واعتمدت على مبدأ التكامل، الذي بموجبه يحق لدولة لديها نظام قانوني مستقل أن تحقق بشكل مستقل في الادعاءات المتعلقة بتعطيل إمدادات الاحتياجات الأساسية، وقطع الكهرباء وتقليص كميات الوقود، مما أثر على توفر المياه والحصول على الرعاية الطبية في قطاع غزة.
وبالفعل، لا يزال هناك التماس معلق في المحكمة العليا منذ ثمانية أشهر يطالب إسرائيل بالسماح بمرور وزيادة شحنات المساعدات والمعدات والفرق الإنسانية.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
ووصف الالتماس الذي تقدمت به “غيشاه-مسلك” ومنظمات أخرى بأنه عاجل، لكن لم يتم اتخاذ قرار بشأنه بعد، بحجة انتظار توضيح الحقائق في ظل الظروف الميدانية المتغيرة. عقدت ظهر يوم الأحد جلسة أخرى أمام القضاة يتسحاق عميت ونوعام سولبرغ ودافيد مينتس، الذي تم تعيينه بدلا من القاضي عوزي فوغلمان الذي تقاعد.
خطر مجاعة جماعية
أقرت اسرائيل بأنها منعت دخول مساعدات لشمال قطاع غزة في شهر أكتوبر، لكن منسق أعمال الحكومة في المناطق عرض معطيات تبدو في ظاهر الأمر مثيرة للإعجاب بشأن الإمدادات التي دخلت منذ اندلاع الحرب: دخل 1.1 مليون طن من المساعدات في 57 ألف شاحنة، بشكل رئيسي عبر المعابر البرية وكذلك عن طريق الإنزال الجوي أو البحري. وبحسب إسرائيل فإن ذلك أنهى التزاماتها وتقع المسؤولية الآن على عاتق حماس التي لا تزال تسيطر على القطاع.
من ناحية أخرى، يدعي الملتمسون أن اسرائيل يجب أن تضمن الحد الأدنى من الحماية للسكان ضد الكارثة الإنسانية والقتال – ويحذرون من عبور عتبة المجاعة في شمال قطاع غزة، حيث لا يزال هناك حوالي 75 ألف شخص.
وفي بيان تكميلي تم تقديمه في نهاية الأسبوع، استشهد الملتمسون بتقارير تصف كيف أن القيود التي تفرضها إسرائيل تعطل أنشطة منظمات الإغاثة وبعواقبها الخطيرة على السكان، الذين يتجمعون الآن في خُمس أراضي قطاع غزة، الذي تحول إلى مدن مدمرة ويواجه خطر المجاعة الجماعية. وفيما يلي بعض ما ورد:
في تحديث أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منذ بضعة أيام، ذكر أن وضع الأمن الغذائي في قطاع غزة مستمر في التدهور كل يوم. لم يتلق أكثر من مليون شخص، خاصة في وسط وجنوب القطاع، طرودا غذائية منذ شهر يوليو أو حتى قبل ذلك. في الشمال لا توجد مطابخ ومخابز – 138 مطبخا لا تزال مفتوحة في القطاع تنتج 330 ألف وجبة يوميا ولكنها مهددة بالإغلاق بسبب نقص الإمدادات.
لم يدخل غاز الطهي إلى قطاع غزة منذ بداية الحرب، والحطب على وشك النفاد. ونتيجة لذلك، يضطر السكان إلى حرق النفايات لأغراض الطهي أو البحث عن الحطب في المناطق الخطرة. ومنذ أكتوبر، لم يحصل سوى وفدين إنسانيين على إذن بالدخول إلى شمال قطاع غزة، وحتى ذلك في ظل قيود صارمة.
كما أن قوافل المساعدات التي تدخل من معبر كيرم شالوم (كرم أبو سالم) في الجنوب تتعرض للنهب العنيف على يد الفلسطينيين. وهكذا، على سبيل المثال، في 16 نوفمبر، فقدت 97 شاحنة واضطر السائقون إلى تفريغ المساعدات تحت تهديد السلاح. يقلل البالغون من استهلاك الطعام ليتركوا شيئا للأطفال، وارتفع سعر كيس الدقيق بوزن 25 كيلوغراما عشرة أضعاف ليصل إلى 400 شيكل.
وتستمر الأمراض المعدية في الانتشار في جميع أنحاء القطاع، حيث يصاب تسعة من كل عشرة أطفال بالمرض، وتعاني ربع النساء من مشاكل جلدية وأمراض أخرى. ولا تحصل حوالي 155 ألف امرأة حامل ومرضعة على الرعاية الطبية اللازمة قبل الولادة أو بعدها. ولقد حذرت منظمة الصحة العالمية من 11 ألف حالة إصابة بالتهاب الجهاز التنفسي، إلى جانب ارتفاع حاد في حالات اليرقان والإسهال الدموي.
محاصرون تحت الأنقاض
قبل أسبوع تقريبا، سمحت إسرائيل لخمسة من أصل عشرة وفود مساعدات بالدخول إلى مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، لكن لم يُسمح للوفود بتفريغ المواد الغذائية عند الحاجز العسكري أو إدخالها إلى المجمع. ومنذ إغلاق معبر رفح في شهر مايو، تم إجلاء 321 مريضا فقط من القطاع.
لا يحصل معظم سكان شمال قطاع غزة على المياه النظيفة. وتم إغلاق الآبار القليلة التي كانت لا تزال تعمل، ورُفضت طلبات جلب الوقود لتشغيل مرافق الصرف الصحي. إن عدم تصريف البرك الحيوية وتنظيف النفايات يعرض العديد من النازحين لخطر الفيضانات مع اقتراب فصل الشتاء.
في مؤتمر صحفي قبل حوالي أسبوعين، اتهمت منسقة الأمم المتحدة للمساعدات، جويس ميسويا، إسرائيل بارتكاب فظائع في قطاع غزة، وتساءلت عن الاحتياطات التي تم اتخاذها، عندما تضرر أو دمر 70٪ من المساكن في القطاع، وانقطعت إمدادات السلع والخدمات، وشددت ميسويا على أن العديد من العائلات في شمال قطاع غزة محاصرة تحت الأنقاض، لكن نقص الوقود يمنع الفرق من الوصول إليها ومساعدتها.
وأفادت لجنة مراجعة المجاعة (FRC) أن هناك حاجة إلى استجابة عاجلة وسريعة في غضون أيام، ودعت إلى جلب الإمدادات والمعدات إلى الملاجئ الشتوية على الفور. وحذرت اللجنة من أن “الكارثة المتوقعة في غياب الرد لن تقارن بالفظائع التي حدثت في القطاع منذ 7 أكتوبر”.
محكمة العدل العليا في انتظار التطورات
هذه ليست سوى بعض جوانب الكارثة التي تحدث في قطاع غزة، والتي تظل إلى حد كبير خارج حجاب جهل الجمهور الإسرائيلي، ولكنها تحظى بتغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الدولية – بل إنها كانت الدافع وراء تحرك المحكمة في لاهاي. تحاول إسرائيل من جهتها صياغة خطة لتأمين المساعدات، قد يتم تنفيذها خلال شهر ونصف تقريبا، رهنا بموافقة مجلس الوزراء، وستبدأ بشكل تجريبي في شمال قطاع غزة.
وكانت آخر خطة كبرى لإدخال المساعدات قد تحطمت على أمواج شاطئ غزة مع تفكيك الرصيف الأمريكي العائم الصيف الماضي، الذي تم بناؤه بكلفة 230 مليون دولار، في حين يستمر الوضع في التدهور وإسرائيل التي لم تعلن عن غزة أرضا محتلة، تتخلى عن مسؤوليتها في ضمان وصول المساعدات للسكان المحاصرين والنازحين.
يطالب الملتمسون المحكمة العليا بإلزام الدولة باستنفاد كافة الوسائل للاستجابة لمطالب منظمات الإغاثة والسماح لها بمزاولة مهامها مع ضمان وصول المساعدات وفقا للالتزامات المفروضة عليها كطرف محارب وكقوة احتلال.
وقال الملتمسون إن “إسرائيل ليست طرفا في القتال فحسب وإنما قوة احتلال في قطاع غزة، وبالتالي يجب عليها الوفاء بجميع الالتزامات المنطبقة عليها بموجب قوانين الاحتلال”، ويصعب عليهم فهم سبب استمرار المحكمة في المماطلة بحجة انتظار توضيح الصورة التي تصبح مرعبة وصادمة يوما بعد يوم.