الضربات الإسرائيلية ضد قادة حماس في الأيام الأخيرة لم تستهدف القادة العسكريين الرئيسيين
المسؤولون الذين قُتلوا منذ استئناف الحرب لم يقودوا القوات التي تقاتل ضد الجيش الإسرائيلي، بل كانوا يعملون على إحكام قبضة الحركة على سكان غزة؛ محمد السنوار وأمثاله يختبئون تحت الأرض

في الساعات الأولى من استئناف إسرائيل المفاجئ لحملتها العسكرية ضد حماس في غزة في وقت مبكر من يوم 18 مارس، قتل الجيش الإسرائيلي العديد من كبار مسؤولي حماس في سلسلة من الغارات الجوية. وبينما كان بعضهم معروفين لسكان غزة، إلا أنهم كانوا غير مألوفين إلى حد كبير لمن هم خارج المنطقة. وهناك سبب لذلك: فهم لم يقودوا قوات الحركة التي تقاتل ضد إسرائيل، بل كانوا مسؤولين عن الحفاظ على قبضة حماس على غزة وسكانها.
أحد أهم الشخصيات التي قُتلت كان محمود أبو وطفة مدير وزارة الداخلية في حماس، وهي الجهاز البيروقراطي المسؤول عن منع تحدي سكان غزة لحكم حماس. الوزارة تشرف على قوات الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن الداخلي التابعة لحماس. وقبل أيام من اغتياله، شوهد أبو وطفة وهو يقوم بدوريات في شوارع غزة برفقة ضباط شرطة حماس.
كما تم تصفية بهجت أبو سلطان، رئيس جهاز الأمن الداخلي في حماس. وخلافا لقوات حماس العسكرية، يركز هذا الجهاز الأمني في المقام الأول على السكان الفلسطينيين، وليس على إسرائيل. فهو يعتقل ويستجوب وحتى يعدم الأفراد الذين تعتبرهم حماس تهديدًا – سواء كانوا متعاونين مزعومين مع إسرائيل أو شخصيات تستهدفها حماس لإظهار سلطة الحركة، مثل التجار في غزة المتهمين بالتلاعب بالأسعار. وخلال فترة وقف إطلاق النار، ظهرت لقطات مصورة لهؤلاء التجار وهم يتعرضون لإطلاق النار من قبل مجموعات مسلحة ورد إنها من قوات الأمن التابعة لحماس.
وشغل محمد الجماصي، وهو أحد الذين تمت تصفيتهم الأسبوع الماضي، دورًا مختلفًا بعض الشيء. ففي حين أعلنت حماس رسميًا أنه كان مجرد عضو في مكتبها السياسي، إلا أن الجيش الإسرائيلي وبعض المصادر الإعلامية العربية قالت أنه رئيس لجنة الطوارئ التابعة لحماس. وكانت هذه الهيئة مسؤولة عن ضمان استمرار حكم حماس خلال الحرب، والتنسيق مع قادة البلديات، وإدارة توزيع المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة.
ولا تزال أدوار العديد من أعضاء حماس الآخرين الذين قُتلوا في الموجة الأولى من الغارات الإسرائيلية غير واضحة. ومن بين هؤلاء ياسر حرب، وهو عضو آخر في المكتب السياسي لحماس؛ وأحمد الحتة، الذي كان يشرف على وزارة العدل التي تديرها حماس في غزة؛ وعصام الدعاليس، رئيس مكتب العمل الحكومي لحماس، وبالتالي رئيس وزراء غزة. وجميعهم كانوا يشغلون مناصب رفيعة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت مسؤولياتهم قد تغيرت خلال الحرب أو ما إذا كانوا قد حافظوا على مستوى نفوذهم السابق.
أعلنت حماس يوم الأحد مقتل صلاح البردويل في غارة في ذلك اليوم، وهو شخصية بارزة في جناحها السياسي الذي كان يجري مقابلات إعلامية في الماضي لكنه لم يكن نشطًا علنًا منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. ولا يزال دوره في الحرب غير واضح.
وعلى الرغم من أن عدد المسؤولين رفيعي المستوى الذين قُتلوا في غارات الجيش الإسرائيلي كان صغيراً نسبياً حتى الآن، إلا أنه يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات.
فجميع الذين تمت تصفيتهم كانوا مرتبطين بالحكم الداخلي لحماس في غزة. ويمكن أن يؤدي مقتلهم إلى إضعاف قبضة حماس على السكان، ولكن في غياب سلطة حكم بديلة، من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى انهيار حكم حماس. والنتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون زيادة الفوضى بين المدنيين.
وقد تباطأت وتيرة الاغتيالات. فقد كانت هناك فجوة لعدة أيام بين الضربات الأولى والضربات الأخيرة، مما قد يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يستصعب تحديد مواقع كبار قادة حماس وتصفيتهم. والجدير بالذكر أنه قبل دخول وقف إطلاق النار المنقضي الآن حيز التنفيذ في 19 يناير، كان الجيش الإسرائيلي قد قال لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن “الحرب في غزة في حالة ركود” وأنه لم يبقى الكثير من الأهداف المهمة التي يمكن ضربها.
ولا تضم قائمة الأشخاص الذين تم الإعلان عن تصفيتهم أي من كبار قادة الجناح العسكري لحماس، وهو الجناح الذي يشن الحرب ويحتجز رهائن إسرائيليين. وتشير التقارير المستندة إلى مصادر إسرائيلية إلى أن قيادة حماس العسكرية استغلت وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم قواتها.
ويمكن الافتراض أن إسرائيل تحاول استهداف شخصيات عسكرية رفيعة المستوى، دون نجاح على ما يبدو.
وقد وردت تقارير من غزة تشير إلى مقتل عائلة محمد شبانة، قائد لواء رفح في حماس، على الأرجح في إطار محاولة إسرائيلية لاغتياله. ولكن يبدو أنه نجا من الهجوم.

وكان القادة العسكريون الرئيسيون، بمن فيهم شبانة ومحمد السنوار – الذي يُعتقد أنه يقود عمليات حماس في غزة بعد أن قتلت إسرائيل شقيقه، العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر، يحيى السنوار قبل خمسة أشهر – قد اختبأوا تحت الأرض قبل الغارات الإسرائيلية الأولى. وعلى الرغم من أن توقيت الهجوم الإسرائيلي في وقت مبكر من يوم الثلاثاء كان مفاجئًا، إلا أن وقف إطلاق النار كان قد بدأ ينهار بالفعل، مما سمح لحماس بتوقع تصعيد محتمل.
عنصر المفاجأة ساعد إسرائيل في استئناف القتال. لكن عنصر المفاجأة تلاشى في غضون ساعات يوم الثلاثاء. ومن الصعب الآن أن نرى كيف ستنجح إسرائيل في القضاء على المزيد من كبار قادة حماس العسكريين و”المدنيين” في المستقبل القريب، ما لم يقترفوا أخطاء.