السعودية تستضيف مؤتمرا وزاريا لتعزيز الموقف العربي الموحد بشأن غزة ما بعد الحرب
تسعى الدول الخمس المشاركة إلى زيادة الضغط لوقف إطلاق النار من خلال الاستفادة من استعدادها للمساهمة في إحياء غزة ودمج إسرائيل في المنطقة إذا تم المضي قدما في مسار نحو إنشاء دولة فلسطينية
تستضيف المملكة السعودية قمة لوزراء خارجية خمس دول في المنطقة يوم الخميس من أجل تعزيز موقف عربي موحد بشأن الحرب في غزة بالإضافة إلى مبادرات سياسية عندما ينتهي القتال، حسبما كشف دبلوماسيان عربيان كبيران لـ”تايمز أوف إسرائيل”.
ومن المقرر أن يناقش الوزراء العرب الجهود المبذولة لتوسيع الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، والاستفادة من استعدادهم للمشاركة في إعادة تأهيل القطاع بعد الحرب بالإضافة إلى زيادة دمج إسرائيل في المنطقة، بشرط موافقة إسرائيل على اتخاذ خطوات لإنشاء مسار لا رجعة فيه نحو دولة فلسطينية في نهاية المطاف، بحسب الدبلوماسييّن.
ويعد هذا التجمع أحدث مثال على الجبهة الموحدة التي يبنيها شركاء إسرائيل العرب وحلفاؤها المحتملون، وهي الجبهة التي تتزايد خلافاتها مع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي تريد أن تستمر الحرب لأشهر أطول حتى يتم تأمين “النصر الكامل”. ومن ناحية أخرى، فإن تجمع الدول العربية بقيادة السعودية يعرض على إسرائيل شراكة يمكن استخدامها لمحاربة إيران بشكل أكثر فعالية، وهو ما يسعى إليه نتنياهو منذ فترة طويلة.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وسيحضر اللقاء – الذي لم يتم الإعلان عنه بعد – أيضا حسين الشيخ، أحد كبار مساعدي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؛ وقال الدبلوماسيان إن الرياض تواصل توسيع تعاونها مع السلطة الفلسطينية في رام الله، مما يخفف المخاوف من أن السعودية ستتخلى عن القضية الفلسطينية بينما تعمل على تعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية.
وسينضم إلى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والشيخ وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر، بحسب الدبلوماسيين.
وتأتي القمة في أعقاب عدة اجتماعات سرية نظمتها الرياض خلال الشهر الماضي لكبار مسؤولي الأمن القومي من السعودية والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية.
ركزت تلك الاجتماعات على المسائل الأمنية، مثل ما إذا كانت الدول العربية مستعدة لتقديم قوات للمساعدة في تأمين غزة بعد الحرب. وقال أحد الدبلوماسييّن لتايمز أوف إسرائيل إن المشاركين أعربوا عن استعدادهم للتعاون مع مثل هذا المسعى لفترة مؤقتة إذا طلبت السلطة الفلسطينية ذلك علنا – بدلا من إسرائيل – وإذا كان جزءا من مبادرة أوسع نطاقا ومحددة زمنيا تهدف في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية.
سيكون لاجتماع الخميس تركيز أقل على مسألة الأمن، وبدلا من ذلك سيدور أكثر حول قضايا مثل إصلاح السلطة الفلسطينية بشكل كبير بحيث تكون أكثر ملاءمة للعودة إلى حكم غزة، وتنسيق الخطوات التي ترغب الدول في اتخاذها لتعزيز العلاقات مع إسرائيل، وتحديدا السعودية، التي تجري محادثات مع إدارة بايدن حول تطبيع العلاقات مع القدس.
تجدر الإشارة إلى أن السعودية اختارت توسيع نطاق المشاركين إلى ما هو أبعد من الدول التي انضمت في وقت سابق إلى الاجتماعات التي ركزت على مسائل الأمن، وأضافت قطر والإمارات.
وفي حين يتم استبعاد قطر في كثير من الأحيان من مثل هذه التحالفات نظرا لدعمها لحكومات إسلامية متشددة، فإن قرار ضم الدوحة هو اعتراف بنفوذها على حماس، والذي تقدر الدول المشاركة أنه ضروري للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، حسبما قال أحد الدبلوماسييّن العربييّن الكبيريّن، الذي سلط الضوء على كيفية استضافة قطر لقادة حماس السياسيين في الخارج.
وأوضح الدبلوماسي أن الدول العربية المشاركة في اجتماع الخميس لا ترغب في أن يتم ضم حماس إلى القيادة السياسية في غزة بعد الحرب، لكنها تعتقد أن الحركة ستتمكن من البقاء بشكل ما وأن هناك حاجة إلى مستوى من إذعانها من أجل المضي قدما بنجاح في عملية إعادة إعمار غزة.
وأقر الدبلوماسي أن هذه التوقعات مرفوضة تماما من قبل نتنياهو، الذي قال الأربعاء إن الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها إسرائيل من تعزيز علاقاتها مع جيرانها العرب هي النجاح في مهمتها المتمثلة في هزيمة حماس بشكل كامل. وأشار رئيس الوزراء إلى أن أي شيء أقل من ذلك سيسمح بإحياء الحركة وإظهار مستوى من الضعف يمكن استغلاله بعد أن نفذت حماس هجوما اسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي في 7 أكتوبر واحتجزت 253 آخرين كرهائن.
وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس، وشنت هجوما عسكريا واسعا في غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 27,300 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة. ولا يمكن التحقق من هذا العدد بشكل مستقل، وهو يشمل حوالي 10 آلاف من مقاتلي حماس، الذين تقول إسرائيل إنها قتلتهم في المعركة، وهي تقول أيضا إنها قتلت حوالي 1000 مسلح داخل إسرائيل في 7 أكتوبر.
ولكن بعد مرور أربعة أشهر على الحرب، بدأت المناطق في شمال غزة التي تمكن الجيش الإسرائيلي من تطهيرها من مقاتلي حماس في مرحلة مبكرة من الحرب تشهد عودة ظهور ناشطي الحركة في الأيام الأخيرة، مما يسلط الضوء على المهمة الصعبة التي تواجهها إسرائيل في هزيمة الحركة، لا سيما دون تعاون من حلفائها العرب في ملء الفراغ بقوة أكثر اعتدالا.
وبغض النظر عن ذلك، فإن قدرا كبيرا من نجاح المبادرة العربية يتوقف على الصفقة التي تحاول قطر ومصر والولايات المتحدة التوسط فيها بين إسرائيل وحماس والتي من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الـ 136 المتبقين مقابل هدنة طويلة.
وتهدف الولايات المتحدة إلى استغلال فترة التوقف للتفاوض على وقف إطلاق نار أكثر استدامة وتعزيز مبادراتها الإقليمية. مع ذلك، واجهت المحادثات بشأن الرهائن عقبة أخرى يوم الثلاثاء بعد أن استجابت حماس لإطار العمل الذي اقترحه الوسطاء بشروط أشارت كل من إسرائيل والولايات المتحدة إلى أنها غير واردة. رغم ذلك، قال بلينكن يوم الأربعاء إنه لا يزال هناك مجال أمام الجانبين للمضي قدما.
الرؤية التي تسعى الدول العربية إلى تعزيزها في اجتماع الخميس تحظى بدعم إدارة بايدن منذ أشهر، وطرحها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مرة أخرى على الإسرائيليين خلال زيارته إلى تل أبيب يوم الأربعاء.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحفي بعد لقاءاته مع قادة إسرائيليين: “بالإمكان رؤية المسار للمضي قدما بالنسبة لإسرائيل وللمنطقة بأكملها من خلال الاندماج والتطبيع وضمانات أمنية [لإسرائيل]، ومع مسار نحو دولة فلسطينية. هذا يغير المعادلة تماما والمستقبل نحو الأفضل للإسرائيليين وللعرب وللفلسطينيين، وبذلك يعزل مجموعات مثل حماس، ويعزل دولا مثل إيران، التي ترغب بمستقبل مختلف تماما”.
وأضاف: “سيكون الأمر متروكا للإسرائيليين ليقرروا ما الذي يريدونه… كل ما يمكننا فعله هو طرح الاحتمالات الموجودة… البديل في الوقت الحالي يبدو مثل حلقة مفرغة من العنف والدمار واليأس. نحن نعلم أين يكمن المسار الأفضل، ولكنني لا أقلل بأي شكل من الأشكال من شأن القرارت الصعبة التي ينبغي اتخاذها من قبل جميع المعنيين بسلوك هذا المسار”.
في حين أن نتنياهو جعل من التطبيع مع السعودية أحد أهم البنود على أجندته عند عودته إلى رئاسة الوزراء في ديسمبر 2022، فقد رفض فكرة أن يكون ذلك مشروطا بإنشاء مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية.
وشدد رئيس الوزراء على ضرورة أن تحتفظ إسرائيل بسيطرتها الأمنية على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن، الأمر الذي من شأنه أن يترك أي دولة فلسطينية يمكن إنشاؤها في تلك المساحة دون سيادة كاملة. ولقد قبل عباس وغيره من مسؤولي السلطة الفلسطينية منذ فترة طويلة بأن تكون دولتهم المستقبلية منزوعة السلاح، لذلك قد لا يكون هناك بالضرورة تناقض في هذه المسألة.
ومع ذلك، فإن التركيبة الحالية لائتلاف نتنياهو تشمل عناصر يمينية متطرفة أكثر عداء للفلسطينيين منه، والتي تضغط من أجل التهجير الجماعي لسكان غزة وحل السلطة الفلسطينية. مصمما على الحفاظ على حكومته، فإن رئيس الوزراء يتجنب عقد نقاشات تتعلق باستراتيجية ما بعد الحرب ناهيك عن الموافقة على تنازلات من شأنها تعزيز السيادة الفلسطينية.
ومثل صفقة التطبيع السعودية، فإن نوع المشاركة في إعادة بناء غزة التي ستكون الدول العربية مستعدة لتقديمها هو أمر طالما رغب فيه نتنياهو ولكن يبدو الآن أنه على استعداد لرفضه، نظرا للظروف التي يتم بموجبها تقديم هذه المساعدة.
ويأتي اجتماع الخميس في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الدفع بمبادرة مماثلة مع شركائها في الشرق الأوسط تهدف إلى توحيد المنطقة حول سياسة موحدة لإدارة غزة بعد الحرب بين إسرائيل وحماس.
تعمل الولايات المتحدة على تطوير “مجموعة اتصال” مع الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا، والتي تأمل واشنطن أن تسمح بطرح الأفكار وتقديمها في منتدى واحد، حسبما قال مسؤول في إدارة بايدن ودبلوماسي عربي كبير لـ”تايمز أوف إسرائيل” الأسبوع الماضي.
وتم تكليف كل دولة باختيار ممثل لها في مجموعة الاتصال، وستكون مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف هي المندوبة الأمريكية، بحسب المسؤول في الإدارة. ومن المتوقع أن يبدأ المنتدى بعقد الاجتماعات، التي ستكون افتراضية إلى حد كبير، في الشهر المقبل.
تصدرت جهود التطبيع السعودية عناوين الأخبار مرة أخرى يوم الأربعاء بعد أن أصدرت الرياض بيانا شديد اللهجة يوم الثلاثاء يرفض ما زعم أنه اقتراح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي بأن المملكة الخليجية مستعدة لإقامة علاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة ودون إحراز تقدم نحو دولة فلسطينية.
سُئل كيربي خلال مؤتمر صحفي في وقت سابق من اليوم عما إذا كان تأمين صفقة الرهائن واتفاق التطبيع السعودي جزءا من نفس الجهد الأمريكي. ورد كيربي بأنهما مسارين مختلفين، وأشار إلى أن الولايات المتحدة أجرت محادثات “إيجابية” مع الرياض حول هذه المسألة قبل 7 أكتوبر وبعده.
وقد أقر المسؤولون السعوديون علنا باستعدادهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى بعد 7 أكتوبر، لكنهم أكدوا – كما فعل بلينكن – على أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق حتى يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة وأنه ينبغي أن يشمل إنشاء مسار لا رجعة فيه نحو الدولة الفلسطينية.
إما لأن الفصل الذي قام به كيربي بين محادثات الرهائن ومفاوضات التطبيع يمكن أن يُفهم على أنه يعني أن الرياض ستكون مستعدة لإقامة علاقات قبل التوصل إلى هدنة، أو لأن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي كان متفائلا بشكل مفرط في وصفه للمحادثات، فإن وزارة الخارجية السعودية قررت انتقاده.
وجاء في البيان: “المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأمريكية أنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 م والقدس الشرقية عاصمتها، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة”.
في حين ابتعد المسؤولون السعوديون في الأشهر الأخيرة عن موقفهم الذي طالما تمسكوا به بأن تنفيذ حل الدولتين بالكامل هو شرط مسبق للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنهم لم يحددوا بعد نوع الخطوات المؤقتة التي سيقبلونها مقابل اتفاق مع إسرائيل، واكتفوا بتصريحات تتعلق بتحسين معيشة الفلسطينيين أو خلق مسار نحو إقامة دولة فلسطينية.
ويبدو أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل عام 1967 هو الشرط الأكثر تفصيلا الذي عرضته الرياض في الأشهر الأخيرة. في حين أن نتنياهو يرفض حل الدولتين بشكل شبه كامل وفي حين أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين ستعارض إطار عمل يستند إلى حدود ما قبل عام 1967، فقد امتنع البيان السعودي بشكل خاص عن المطالبة بأن تكون إسرائيل هي من تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ووضع بدلا من ذلك المسؤولية على أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وصدر البيان بعد يوم واحد فقط من لقاء بلينكن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، في إشارة محتملة إلى أن اللقاء لم يجر بشكل جيد.
ومع ذلك، فمن خلال توجيه طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى أعضاء مجلس الأمن، مثل الولايات المتحدة، وليس إلى إسرائيل، يمكن النظر إلى الرياض على أنها تقدم لواشنطن طريقة للالتفاف على رفض حكومة نتنياهو لحل الدولتين.
كما جاء ذلك بعد أقل من أسبوع من إعلان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن حكومته تدرس الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. وبعد أيام، أفاد موقع “أكسيوس” الإخباري أن الولايات المتحدة تدرس نفس الخطوة بعد أن رفضتها لفترة طويلة على أساس أن هذه الخطوة يجب أن تأتي بعد موافقة إسرائيل والفلسطينيين على حل الدولتين.
ولم تستجب السفارة السعودية في واشنطن على طلب للتعليق على هذا التقرير.