الخلافات بين بايدن ونتنياهو هي مؤشر سيء، لكن دعم إسرائيل لا يزال قائما
مسؤولون أمريكيون يقرون بأن الرئيس الأمريكي فقد صبره مع رئيس الحكومة الإسرائيلي ولكنهم يؤكدون على أن العلاقات "تتجاوز أي رئيس وزراء"، وإن عرض الخلافات في العلن لن يكون مفيدا
لقد قيل الكثير عن ابتعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن الظاهر عن إسرائيل، مع دخول الحرب في غزة شهرها الخامس دون نهاية في الأفق.
تم تأطير هذه القطيعة على أنها كانت مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، حيث سرب العديد من المسؤولين إلى وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأسبوع الماضي أن بايدن وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في جلسات خاصة بالـ“وغد” وبأنه”رجل سيء“.
إلى جانب الشتائم، كانت هناك خطوات أكثر واقعية اتخذها الرئيس الأمريكي والتي تبدو وكأنها تختلف عن نهج “عناق الدب” الذي استخدمه في بداية الصراع وخلاله غزة الذي استمر 11 يوما في عام 2021، عندما فاز بقلوب الإسرائيليين باحتضانه العلني لهم، بينما سعى سرا إلى دفع اسرائيل نحو مسار الحرب المفضل لدى واشنطن.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
في الأسبوع الماضي، أصدر بايدن مذكرة تحدد شروطا جديدة للمساعدات العسكرية الأمريكية، والتي أقر البيت الأبيض بأنها صيغت بالتشاور مع المشرعين في الكونغرس الذين دعوا إلى تقييد المساعدات لإسرائيل.
قبل ثمانية أيام، وقّع بايدن على أمر تنفيذي يفرض عقوبات هي الأولى من نوعها على مرتكبي أعمال عنف من المستوطنين، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغلاق النظام المالي الأمريكي أمام الحركة الاستيطانية بالكامل بالإضافة إلى تعريض مسؤولين لعقوبات مالية.
ولقد نفد صبر الرئيس بالفعل مع نتنياهو، معتقدا منذ أشهر أن رئيس الوزراء مستعد للمماطلة في الحرب بسبب اعتبارات سياسية ضيقة، حسبما قال مسؤولان أمريكيان اثنان كبيران لـ”تايمز أوف إسرائيل” هذا الأسبوع. وأضافا أن هذا الغضب تفاقم بسبب قيام رئيس الوزراء بإحباط التخطيط الأمريكي لفترة ما بعد الحرب لإعادة إعمار غزة ولتعزيز التحالف العربي الإسرائيلي لمحاربة إيران، حتى مع رفض نتنياهو طرح بديل قابل للتطبيق من جانبه.
ومع ذلك، أقر المسؤولان أيضا بأن تحولا استراتيجيا في علاقات الإدارة مع إسرائيل لا يلوح في الأفق حاليا، سواء كان ذلك في شكل حجب المساعدات الأمنية لإسرائيل أو الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي للسماح لتمرير مشروع قرار ضد إسرائيل.
وقال أحد المسؤوليّن الأمريكييّن الكبيريّن: “يدرك الرئيس أن العلاقة تتجاوز أي رئيس وزراء وأن السماح للعلاقة بالانهيار لن يكون في نهاية المطاف في مصلحة الأمن القومي الأمريكي”.
وأشار المسؤول الأمريكي الثاني إلى أن بايدن دخل منصبه وهو يحث مساعديه على تجنب أنواع المشاحنات العامة التي ميزت علاقات إسرائيل مع إدارة أوباما، وأضاف أن الرئيس “لا يزال يعتقد” أن الإفراط في إثارة الخلافات في العلن لن يكون فعالا مع نتنياهو.
وردد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ بعض الأقوال التي عبّر بها المسؤولان الأمريكيان اللذان سعيا إلى التقليل من أهمية فكرة انهيار العلاقات.
وقال هرتسوغ لهيئة البث الإسرائيلية “كان” يوم الأربعاء: “أقترح ألا [نعرض الوضع الحالي] كمستوى تاريخي من التوترات أو نوع من الأزمة. هناك حوار دبلوماسي يومي بيننا وبين الإدارة حيث تدعم الإدارة بشكل أساسي هدف حرب إسرائيل المتمثل في هزيمة حماس”.
وتابع السفير قائلا: “في الوقت نفسه، يحافظ [بايدن] على حوار نقدي معنا يتضمن عددا لا بأس به من الأسئلة حول كيفية إدارة الحرب والاتجاه الذي نسير فيه. أنا لا أتوقع نهاية المساعدات [الأمريكية]، ولا أتوقع أن تحاول الولايات المتحدة فرض وقف لإطلاق النار علينا في غزة. أريد أن أحذر من كل هذه التوقعات القاتمة”.
جاءت بعض هذه التوقعات في الأسبوع الماضي على الأرجح عندما أشار بايدن إلى رد إسرائيل على هجوم حماس في 7 أكتوبر بأنه “مبالغ فيه”.
ومع ذلك، لغة الخطاب القاسية ليست بالجديدة. في شهر نوفمبر الماضي، وصف بايدن حملة القصف الإسرائيلية بأنها “عشوائية”، لكن هذا لم يمنع إدارته من الاستمرار في دعم إسرائيل بشكل أساسي ومعارضة وقف إطلاق النار.
ويبدو أن هناك اختبارا آخر للإدارة في المستقبل القريب، حيث تسعى الجزائر إلى تقديم مشروع قرار آخر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار. لكن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد ونائبها روبرت وود أشارا إلى أن واشنطن ستعارض هذا الإجراء، بحجة أنه سيقوض الجهود الجارية في القاهرة لتأمين اتفاق بين إسرائيل وحماس بشأن هدنة ممتدة وإطلاق سراح الرهائن.
سياسات الهوية
رفض مسؤول ثالث كبير في الإدارة في إحاطة للصحفيين يوم الأحد ما يعتبره محاولات من قبل الكثيرين في وسائل الإعلام للتركيز بشكل مفرط على الديناميكية بين الزعيمين.
وأشار المسؤول إلى أن هدف نتنياهو الشامل في الحرب، المتمثل في تفكيك حماس والحاجة إلى العمل عسكريا في آخر معقل متبقي للحركة في مدينة رفح بجنوب غزة، يتقاسمه كابينت الحرب بأكمله، وأغلبية الجمهور الإسرائيلي وكذلك إدارة بايدن، على الرغم من أن الولايات المتحدة واضحة بشأن الحاجة إلى حماية المدنيين الفلسطينيين في الوقت نفسه.
وقال: “من حيث الشخصيات [المعنية]… أعتقد أن هذه طريقة مبسطة جدا لتحليل الوضع العام”.
لكن الأمر ليس مجرد إطار يتم استغلاله في وسائل الإعلام. قد لجأ عدد متزايد من المشرعين التقدميين إلى وصف العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي للقضاء على حماس بأنها “حرب نتنياهو”، على الرغم من أنها تحظى بدعم نسبة ساحقة من الإسرائيليين.
يبدو أن هذا الخيار متجذر في إدراك أن شعبية نتنياهو في الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها، مما يجعل من المفيد سياسيا بالنسبة للمشرعين إظهار أن معارضتهم هي لنتنياهو بالتحديد، وليس لإسرائيل، التي يُنظر إليها بصورة أكثر ايجابية خلال الحرب.
وبدا أن هذه الاستراتيجية أتت ثمارها عندما تم تطبيقها على الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي وصفتها إدارة بايدن بأنها “حرب بوتين”.
لكن المسؤول الأمريكي الأول أقر بأن تطبيق مثل هذا الإطار على الحرب بين إسرائيل وحماس “هو أمر تبسيطي بعض الشيء”، مضيفا أنه يتم الدفع به كما يبدو من قبل الكثيرين “الذين يظنون أن الولايات المتحدة لديها هذه العصا السحرية التي يمكننا التلويح بها لإنهاء الأزمة، بغض النظر عما تقوله أو تفعله إسرائيل وحماس”.
وأشار المسؤول إلى المؤتمرات الصحفية اليومية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، حيث يهاجم المراسلون الإدارة لعدم قيامها ظاهريا ببذل المزيد من الجهد للضغط على إسرائيل في أسئلة ملغومة الواحد تلو الآخر.
وقال المسؤول الأمريكي الكبير: “لدينا نفوذ يمكننا استخدامه، وقد رأيتمونا نستخدم جزرات لم نستخدمها من قبل، لكن علينا أيضا أن نكون استراتيجيين وأن نحاول حل الخلافات خلف الكواليس قدر الإمكان”.
وأقر المسؤول بأن الأصوات داخل الإدارة التي تدعو إلى اتباع نهج أكثر حزما آخذة في التزايد، حتى لو لم تكن هذه الأصوات “حاسمة”.
هذه الأصوات تكتسب زخما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ومع سعي بايدن للحفاظ على الدعم بين التقدميين الغاضبين من دعمه لإسرائيل في حربها ضد حماس.
تعتقد تلك الأصوات الأكثر انتقادا في الإدارة أن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد من الرصيد السياسي الذي جمعه بايدن مع الإسرائيليين بفضل دعمه المكثف للدولة اليهودية في بداية الحرب من خلال تجاوز نتنياهو وتوجيه نداء مباشر أكثر للجمهور الإسرائيلي بشأن خططه لما بعد الحرب، حسبما قال المسؤول الأمريكي.
وأضاف: “لكن من المحتمل أن يتطلب الأمر قطيعة جوهرية في العلاقة حتى تحدث مثل هذه الخطوات الدراماتيكية”.