الجيش الإسرائيلي يمنع نشطاء يسار من القيام بجولة في الخليل بينما ينظم اليمين مظاهرة ضدهم
متظاهرون من منظمة "إم ترتسو" يرددون عبارة "يا للعار" ضد نشطاء في منظمة "كسر الصمت"؛ المواجهات تأتي بعد أسبوع من مواجهة حظيت بتغطية كبيرة بين نشطاء وجنود
الخليل، الضفة الغربية – مُنع حوالي 300 ناشط يساري من القيام بجولة في الخليل يوم الجمعة بعد أن احتشد نشطاء يمين لمواجهتهم، مما دفع الجيش إلى الإعلان عن المنطقة التي احتشدت فيها المجموعتان “منطقة عسكرية مغلقة” والفصل بين الطرفين.
جاءت المواجهة بعد أسبوع من اشتباك حظي بتغطية إعلامية كبيرة بين جنود ونشطاء يسار، قام خلالها جندي بضرب أحد الناشطين وهدد آخر أمام الكاميرا بأن الحكومة اليمينية القادمة ستضع حدا لأنشطة المجموعة.
يوم الجمعة، وصل نشطاء يسار في حافلات استأجرتها منظمة “كسر الصمت”، وهي منظمة غير حكومية تنظم جولات في القسم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية في الخليل. يقود الجولات جنود سابقون في الجيش الإسرائيلي الذين يسعون لفضح ما يزعمون أنها انتهاكات يرتكبها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ضد الفلسطينيين المحليين.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
وتوافد العشرات من المتظاهرين من منظمة “إم ترتسو” اليمينية لمواجهتهم، مما دفع الجيش إلى إعلان المنطقة في محيط موقف سيارات وصل نشطاء اليسار إليه على متن حافلات من مدن إسرائيلية مختلفة “منطقة عسكرية مغلقة” .
وردد متظاهرو “إم ترتسو”، الذين حمل بعضهم مكبرات الصوت، عبارات مثل “عار عليكم”، “أناركيون”، “ماركسيون”، و”يلا، عودوا إلى البيت” باتجاه نشطاء اليسار بالقرب من الحرم الإبراهيمي، الذي يُعد بؤرة للتوتر في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
لم يتمكن الطرفان من الاقتراب بما يكفي من بعضهما إلى درجة كان من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع صدامات.
وقال الجيش في بيان “في ضوء الوضع [يوم الجمعة]، تقرر إعلان منطقة عسكرية مغلقة في عدة أماكن في مدينة الخليل لمنع الاشتباكات هناك”.
الإعلان عن المنطقة المغلقة منع منظمة “كسر الصمت” من القيام بأنشطتها المعتادة: جولات بالحافلات حول 20% من الخليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والجزء الوحيد من المدينة الذي يُسمح للمواطنين الإسرائيليين بالتواجد فيه.
بدلا من الجولات، انقسم نشطاء اليسار إلى مجموعات صغيرة، شكلت كل منها دائرة حول مرشد أطلعهم على صور من الخليل. أوظهرت إحدى الصور “شارع الشهداء” الخالي من الناس، الذي كان شارعا تجاريا فلسطيني مكتظا قبل أن يتم إغلاقه إلى حد كبير أمام الفلسطينيين من خلال عملية تدريجية بدأت بعد وقت قصير من قيام اليهودي اليميني المتطرف باروخ غولدشتاين بقتل 29 من المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي.
يستخدم الجيش التفسير نفسه لإغلاق شارع الشهداء كما فعل لمنع نشطاء اليسار من الخروج من موقف السيارات يوم الجمعة، لمنع الاضطرابات والعنف.
يقوم الجيش بممارسة شائعة تتمثل في فرض طوق حول المناطق التي قد تتحول التوترات فيها إلى اشتباكات. في حين أن التطويق ظاهريا يحمي كلا الجانبين، يزعم منتقدو الإجراء أن المناطق العسكرية المغلقة تُفرض بشكل شبه دائم على الفلسطينيين ومؤيديهم.
وجاءت مظاهرات يوم الجمعة أيضا بعد أسبوعين من حوادث مسجلة بالفيديو حيث قام يهود بمهاجمة فلسطينيين خلال مراسم دينية.
يقول النشطاء إن الجولات التي يقومون بها ومقاطع الفيديو التي يصورونها تكشف عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، الذي يصفه بعضهم بأنه نظام فصل عنصري (أبارتهايد). واجهت منظمة “كسر الصمت” انتقادات من اليمين في السنوات الأخيرة بسبب قيامها بجمع ونشر شهادات مجهولة المصدر في الغالب عن سوء معاملة الجيش الإسرائيلي المزعوم للفلسطينيين.
ويقول النقاد إن الجولات والتصوير يشكلون مصدر إزعاج للجنود في الوقت الذي يقومون فيه بحماية المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يعيش حوالي 1000 مستوطن في H2، وهي منطقة في الخليل التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، في جيرة مضطربة مع نحو 35 ألف فلسطيني. وبالتالي، فإن الخليل هي المدينة الوحيدة في الضفة الغربية حيث يعيش المستوطنون اليهود والفلسطينيون جنبا إلى جنب. يتم نشر وجود عسكري إسرائيلي كبير هناك لمنع الأعمال العدائية – بين اليهود والفلسطينيين، وبشكل أقل، بين اليهود على طرفي النقيض من الطيف السياسي.
الفلسطينيون في المنطقة مقيدون في حركتهم ويقولون إنهم يتعرضون للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، لكن المستوطنين يدعون إن هذه الإجراءات ضرورية للأمن في مدينة انتُخب فيها رئيس البلدية تيسير أبو سنينة إلى حد كبير من خلال التباهي بمشاركته في هجوم في عام 1980 قُتل فيه ستة يهود.
وتكهن البعض من مجموعة “كسر الصمت” أن منظمة “إم ترتسو” ظهرت يوم الجمعة حتى يعلن الجيش عن المنطقة منطقة عسكرية مغلقة ويقوم بمنع جولات المجموعة.
ويقول أمير زيف، المنسق في منظمة “كسر الصمت”، أنه لا يستطيع التكهن بدوافع “إم ترتسو”، مضيفا أنه “لهم الحق في الاحتجاج، تماما كما يحق لنا القيام بجولاتنا. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية وهذا شيء عظيم”.
لكنه ادعى أن “للجيش الإسرائيلي علاقة وثيقة مع الحركة الاستيطانية واليمين الإسرائيلي. الجيش الإسرائيلي هو أداة للحكومة، وهذا هو الجيش بطبيعته. هو بحاجة إلى الحصول على سياسته من موقع ما، وغالبا ما تأتي سياسته من الأحزاب اليمينية المؤيدة للمستوطنين”.
كثيرا ما دخل الجيش في مواجهات مع مستوطنين من اليمين المتطرف، لكنه أيضا وقف وقفة المتفرج بينما قام مستوطنون بمهاجمة فلسطينيين أو مضايقتهم.
وقال المتحدث باسم منظمة “إم ترتسو”، متان بوكر، إن “الغالبية العظمى من الإسرائيليين” ترى بالجيش جزءا أساسيا من الدولة اليهودية وفوق السياسة، وزعم أن أعضاء منظمته وصلوا إلى الخليل لإظهار الدعم للجنود وتوزيع الحلوى عليهم.
وقال: “عندما تكون جنديا تكون مضطرا للوقف على رجليك لساعات، سواء تحت المطر أو تحت أشعة الشمس، وأنت تحمي كلا من اليهود والعرب. إنها مهمة شبه مستحيلة”.
وأضاف بوكر أنه يرى أن الجنود انقادوا لردود فعل في ظل هذه الظروف العصيبة بالفعل من قبل نشطاء يسار يحملون الكاميرات.
سجل نشطاء في منظمة “كسر الصمت” الجندي في المواجهة التي وقعت في الأسبوع الماضي وهو يهدد ويتوعد “أيها اليساريين، سأعيد ترتيب وجوهكم” و”بن غفير سيضفي بعض النظام في هذا المكان”.
تلقى عضو الكنيست إيتمار بن غفير، زعيم حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف، وعودا بتولي حقيبة الأمن القومي المنشأة حديثا في المفاوضات الائتلافية مع رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو. وإذا تم تعيين بن غفير، وهو بنفسه مستوطن، في هذا المنصب، فسيكون له دور كبير في تشكيل السياسة الأمنية في أجزاء من الضفة الغربية تحت الحكم العسكري الإسرائيلي.
ولقد منعت محكمة عسكرية إسرائيلية الناشط الفلسطيني عيسى عمرو، الذي قام بتصوير المواجهة بين الجنود ونشطاء اليسار، من العودة إلى حيه في الخليل لمدة ستة أيام عقابا له على “عرقلة تحقيق الشرطة”.
وقال عمرو أنه عندما استدعته الشرطة لمشاركة مقاطع فيديو عن المواجهة مع الجندي، سلمهم جهاز USB بدلا من هاتفه، الذي تركه في المنزل، وأضاف أنه خلال 15 عاما من مشاركة مقاطع الفيديو مع الشرطة، لم تعترض من قبل على تسليمها المواد على جهاز USB.
خاطب عمرو نشطاء اليسار في موقف السيارات يوم الجمعة وحظي بالتصفيق عندما سلم “رسالة” للاسرائيليين مفادها أن “صمتكم عن الاحتلال والفصل العنصري خلق بن غفير”. بعد ذلك، تم اعتقال عمرو لمدة ساعة ونصف من قبل عناصر شرطة متخفين، وفقا لـ”كسر الصمت”. أمر المحكمة العسكرية الذي منعه من دخول حيه حظر عليه أيضا التواصل لمدة شهر مع الأشخاص الذين ساعدوه في تصوير مقاطع الفيديو.
في مظاهرات يوم الجمعة، قالت المتظاهرة عيدن سيسون (24 عاما)، وهي من ولاية فلوريدا الأمريكية ولقد هاجرت إلى إسرائيل للخدمة في الجيش الإسرائيلي، إن منظمات اليسار تشكل تهديدا على أمن إسرائيل من خلال قيامها “بنشر الكراهية والأكاذيب عندما يكون للجيش الإسرائيلي عملا مهما عليه القيام به”.
وروت أنه خلال خدمتها العسكرية، سمعت نشطاء يسار وهم يصفونها بـ”النازية” و”الإرهابية” وإنه كان من الصعب عليها الحفاظ على هدوئها في مثل هذه الأوقات.
في موقف السيارات، عّرف أورن، وهو شاب عشريني فضل عدم ذكر اسم عائلته، عن نفسه على أنه مواطن إسرائيلي رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي ويعتبر نفسه “غير صهيوني”.
وقال أورن مؤكدا أنه “على المستوى المادي، حدثت بالتأكيد أشياء أسوأ من الصهيونية للشعب اليهودي، ولكن على المستوى المفاهيمي فإن الصهيونية هي أسوأ ما حدث لليهودية”، وراى أن الصهيونية تجبر اليهود على ارتكاب نفس نوع العنف، الذي كان موجها ضدهم تاريخيا، ضد الفلسطينيين.
وقف رجلان أكبر سنا، أحدهما أمريكي ولد في العام الذي سبق تأسيس إسرائيل، والآخر إسرائيلي وُلد في العام الذي تلا أقامة الدولة، على جانبي الحاجز الذي وضعه الجيش وعبّرا لـ”تايمز أوف إسرائيل” عن وجهتي نظر معاكستين بشأن الوضع في الضفة الغربية.
وقال حانوخ روبل، وهو من مواليد بروكلين ووُلد في عام 1947، إن أي شخص “يدعم الإرهاب” أو “يدعو إلى تدمير الدولة اليهودية” يجب أن يتم ترحيله من الأراضي المقدسة، بما في ذلك من المراكز السكانية الفلسطينية مثل رام الله وجنين.
وقال روبل، الذي صوت لحزب “الليكود” في الانتخابات الأخيرة، إن العداء تجاه إسرائيل، وليس العرق، يجب أن يكون هو المعيار الوحيد للطرد وأنه لا ينبغي إعفاء المواطنين اليهود من اليسار المتشدد من هذه السياسة. وأضاف أن الوقت علمه أن “أكبر ظلم في العالم هو الظلم ضد اليهودي”.
على الجانب الآخر، انضم يهوشوع فرنكل، البالغ من العمر 73 عاما، والذي وصل إلى البلاد من تشيكوسلوفاكيا بعد عام من ولادته، إلى منظمة “كسر الصمت” في عدة جولات. نجت والدته من معسكر “أوشفيتز” ثم فرت مع عائلتها من تشيكوسلوفاكيا في عام 1950 بسبب اضطهاد الحزب الشيوعي الحاكم لليهود في البلاد.
قاتل فرنكل في حرب “الأيام الستة” عام 1967، وقال إن انتصار إسرائيل، بعد التهديد الوجودي الذي واجهته من جيرانها العرب ، بدا وكأنه “خلاص بطولي”. مع ذلك، كان يأمل في انسحاب إسرائيلي من المناطق التي استولت عليها إسرائيل في الحرب، سواء عن قناعة أخلاقية أو لأسباب عملية.
وقال: “اعتقدت أنه من المحتم أن يقاوم الفلسطينيون الوجود الإسرائيلي”.
واضاف فرنكل، الذي كتب عن تاريخ الخليل، “لليهود بالتأكيد ارتباط بقصة الخليل، لكن هذا لا يبرر الوجود العسكري، مع وجود جندي واحد لكل مستوطن”.
على الرغم من التحول نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، يقول أمير زيف إنه “متفائل”.
وقال “لو لم أكن متفائلا، لم أكن لأفعل ما أفعله. المزيد والمزيد من الناس يأتون لرؤية الخليل بأعينهم. لدينا معركة للمشاركة فيها ونحن بحاجة إلى تغيير الكثير من العقول. سيستغرق ذلك وقتا لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية”.
تصاعدت التوترات في الضفة الغربية في العام الأخير، حيث بدأ الجيش عملية كبيرة تركزت في الغالب على شمال الضفة الغربية للتعامل مع سلسلة من الهجمات الفلسطينية التي خلفت 31 قتيلا في إسرائيل والضفة الغربية منذ بداية العام. تقع الخليل في الجزء الجنوبي من المنطقة.
وأسفرت العملية عن اعتقال أكثر من 2500 فلسطيني في مداهمات ليلية شبه يومية، لكنها خلفت أيضا أكثر من 150 قتيلا فلسطينيا، الكثيرون منهم خلال تنفيذهم لهجمات أو في مواجهات مع القوات الإسرائيلية.
يوم الجمعة ازدادت التوترات بعد أن أصيب شرطي حرس حدود إسرائيلي بجروح بعد أن قام فلسطيني بطعنه في بلدة حوارة بشمال الضفة الغربية، قبل أن يُقتل منفذ الهجوم بنيران القوات الإسرائيلية، بحسب الشرطة ومسعفين.