الجيش الإسرائيلي يستعد بموجب قرار الحكومة لحرب قصيرة ودامية في لبنان
بالأمس أنهى جميع قادة الكتائب النظامية والاحتياطية ورشة عمل للتحضير لتحرك محتمل في لبنان؛ "حرب لبنان القادمة، عندما تندلع، ستكون أقصر مما نظن، خاصة بسبب الجانب المتعلق بالشرعية الدولية"
من المؤكد أن الأيام القليلة الماضية على الحدود مع لبنان يمكن وصفها بأنها متوترة ومليئة بالنيران. إن الجانبين، إسرائيل وحزب الله، يعملان وفق سُلم ـ وكل طرف يحاول ألا يصعد عاليا أكثر من اللازم. وفي الوقت نفسه، يحاول كل جانب أن يكون أعلى من الآخر.
هذه هي، بشكل أو بآخر، نظرية التناظر التي تبلورت في الشمال في الأشهر الخمسة الماضية. ولا تنعكس هذه الصيغة في النيران فحسب، بل في الواقع على الأرض أيضا.
وكما هي الحال مع “المنطقة الأمنية” التي تشكلت في الأراضي الإسرائيلية، مع إخلاء نحو 80 ألف مواطن من الجليل، فإن الصورة مشابهة في الأراضي اللبنانية – ولكن بأعداد أكبر. وفقا للتقديرات الإسرائيلية، تجاوز عدد اللاجئين اللبنانيين هذا الأسبوع عتبة 120 ألفا.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
في قرى معينة في جنوب لبنان، حيث توجد معلومات استخباراتية عن تمركز حزب الله، تكون سياسة إطلاق النار التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي صارمة تماما: تتم مهاجمة أي شخص يتم تحديده على أنه مشتبه به. عملية الاغتيال في منطقة هار دوف يوم الأربعاء كانت غير مألوفة مقارنة بما رأيناه حتى الآن، سواء في نطاقها أو من حيث هوية القتلى.
الحديث يدور عن فلسطينيين نشطاء في منظمة إسلامية سنية متطرفة من منطقة صور-صيدا، وعملية اغتيالهم كانت بعيدة جدا عن منطقة نشاطهم الاعتيادية في الشريط الساحلي اللبناني. اختار النشطاء منطقة هار دوف كما يبدو لأنه لا يوجد بها سياج ولأن اختراق الأراضي الإسرائيلية من هناك سهل نسبيا.
هناك ظاهرة مثيرة للاهتمام وهي أن حزب الله، طوال فترة الصراع في الأشهر الأخيرة، يرسل فقط منظمات فلسطينية ولا يرسل عناصره لتنفيذ محاولات التسلل، والسبب هو أن المنظمة لا تريد أن تظهر في موقف المعتدي وإنما في موقف المدافع، في هذه المرحلة من القتال على الأقل.
في البيان الرسمي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي صدر مباشرة بعد القضاء على الخلية الفلسطينية تم التشديد على أن عملية الاغتيال كانت بمثابة منع هجوم وشيك. من غير المستبعد أن تكون إسرائيل قد تعقبت منذ بعض الوقت هذه الخلية، التي تم القضاء عليها في موقع قريب جدا من الحدود.
سارع حزب الله إلى الرد، ووصف عملية الاغتيال بأنها “مذبحة ضد مدنيين”، وبعد ذلك مباشرة أطلق 30 صاروخا باتجاه كريات شمونة وأصبع الجليل. أحد الصواريخ سقط في مصنع للورق، مما أسفر عن مقتل زاهر بشارة (25 عاما)، من سكان قرية عين قينيا في الجولان.
في يوم المعركة كان وزير الدفاع يوآف غالانت في طريق عودته من زيارة في الولايات المتحدة، حيث التقى هناك مع المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكستين، من بين آخرين. رغم النتائج الصعبة للقتال يوم الأربعاء، لا تزال إسرائيل متمسكة بمنح هوكستين حبل دبلوماسي طويل. “النقطة الأرخميدية” الإسرائيلية لم تتغير (في الوقت الحالي): غزة أولا وكل شيء آخر سينتظر لوقت آخر، عندما تنضج الظروف.
هذا لا يعني أن إسرائيل لا تستعد للقتال على الجبهة الشمالية. في الأمس أنهى جميع قادة الكتائب في الجيش الإسرائيلي – النظامي والاحتياط – ورشة عمل تعليمية نظمتها الفرقة 36 استعدادا لتحرك محتمل في لبنان. الفرقة، التي عملت لأكثر من ثلاثة أشهر في غزة، عرضت دروس القتال في القطاع من منظار مخطط القتال اللبناني.
من وجهة نظر الجيش الإسرائيلي، فإن الوضع اليوم في جنوب لبنان من حيث انتشار قوات حزب الله يختلف اختلافا جوهريا عما كان عليه في 7 أكتوبر. “من الناحية العملية، لسنا بعيدين عن القرار 1701 من حيث تواجد حزب الله”، على حد قول مسؤولي أمني. “لقد تراجعت المنظمة إلى الوراء كثيرا، مع جميع قوات رضوان التي انتشرت على طول الحدود في السنة الأخيرة، وبالتالي فإن خطر الاقتحام انخفض بشكل كبير”.
ومن هنا يُطرح السؤال: هل أصبحت الظروف مهيأة لإعادة السكان إلى البلدات التي تم إخلاؤها؟ إذ أن خطر اقتحام الحدود كان هو السبب للإخلاء السريع في بداية الحرب. في هذا الشأن يجب توجيه السؤال إلى المستوى السياسي: فهو من يجب أن يقرر الآن. في الوقت الحالي لم يتغير الخط الإسرائيلي: : فالعودة إلى البلدات لا تُحدد في الوقت الحالي إلا بموجب اتفاقية بضمانة دولية، سواء بعد الحرب أو قبلها.
وقال مصدر إسرائيلي لـ”زمان يسرائيل”، التابع لـ”تايمز أوف إسرائيل” باللغة العبرية، إن “حرب لبنان الثانية، عندما تندلع، ستكون أقصر مما نظن، خاصة بسبب الجانب المتعلق بالشرعية الدولية”، مضيفا “إن الاهتمام الدولي بالدولة اللبنانية يختلف عن الاهتمام الذي تحظى به حماس في قطاع غزة. في لبنان تنخرط دول غربية وهيئات دولية كثيرة، وبالتالي فإن الوقت الذي سيُمنح لإسرائيل في الحرب أمام حزب الله في لبنان لن يكون شبيها بالوقت الذي مُنح لها في قطاع غزة”.
معنى ذلك أنه يتعين على إسرائيل تجهيز خطة عمل فتاكة، تحقق الإنجاز المطلوب في وقت قصير جدا. في إسرائيل لا يتحدثون عن جداول زمنية واضحة في هذا السياق، وإن كان من الواضح أن المعركة ستستغرق بضعة أسابيع وليس أكثر.
هناك في الجيش الإسرائيلي من يقدم موقفا متفائلا بشأن هذه المسألة على المستوى السياسي، ومن المرجح أن يدرسوا الأمر بعناية خشية الانزلاق إلى معركة طويلة، كما حدث في حرب لبنان الثانية. وإذا حدث ذلك فإن قوة الردع الإسرائيلية ستتلقى ضربة قاسية.
عدا ذلك، في الساحة اللبنانية يجب الأخذ في عين الاعتبار حجم النيران، تلك التي ستتلقاها إسرائيل وتلك التي ستسقط على لبنان. إن كثافة القتال العالية، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ والقذائف، لن تسمح بأي وضع آخر غير اتخاذ القرار في أسرع وقت ممكن.
وفي هذا الشأن، لا تزال إسرائيل تجد صعوبة في الإجابة على السؤال، متى ستجتاز القدس الروبيكون – المتمثل في عدم الإضرار بدولة لبنان، بل بحزب الله فقط – وهو ما تحرص على عدم اجتيازه في الأشهر الخمسة الأخيرة.
إن التمسك بمبدأ عدم المساس بالدولة اللبنانية يعني حربا أطول وخطر الإنزلاق في منحدر سيلحق ضررا بالغا باستعراض القوة الإسرائيلية وتجديد قوة ردعها في المنطقة.