التسريبات إلى الصحافة ليست محور تحقيق الشاباك الجديد
قيام موظف في جهاز الأمن العام المزعوم بتسريب معلومات سرية إلى وزير مقرّب من رئيس الوزراء يجعل من القضية الأخيرة امتدادًا لنمط خطير

لفهم السياق الأوسع للمخالفات التي يُزعم أن الموظف في جهاز الشاباك المعروف بالحرف “أ” ارتكبها، والذي تم اعتقاله الأسبوع الماضي بشبهة نقل وثائق سرية من حواسيب جهاز الأمن، يكفي النظر إلى فضيحة الوثائق الأمنية الأخيرة في مكتب رئيس الوزراء. ولهذا السبب، لا يُعد مصطلح “تسريب” وصفا مناسبا لما هو في صلب هذه القضية.
بداية، الحقائق: قاضية محكمة اللد المركزية ميخال باراك-نِفو رفضت يوم الثلاثاء الاستئناف الذي تقدم به موظف الشاباك ضد قرار تمديد اعتقاله، وأمرت ببقائه رهن الحبس حتى يوم الأربعاء، حين سيمثل مجددا أمام المحكمة.
في الوقت ذاته، تم تقليص نطاق أمر حظر النشر الشامل المفروض على القضية، ليُصبح بالإمكان الآن نشر جميع التفاصيل المعروفة، باستثناء اسم المعتقل ومعلومات عن هويته.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
بحسب قرار المحكمة، قام المشتبه به، وهو جندي احتياط في الشاباك، بتمرير معلومات ووثائق إلى وزير الشتات عميحاي شيكلي، وإلى صحفي القناة 12 عميت سيغال، والصحفية شيريت أفيتان كوهين من صحيفة “يسرائيل هيوم” — وربما إلى أشخاص آخرين أيضًا.
وتتعلق هذه المواد بتحقيق داخلي أجراه الشاباك بشأن الاشتباه في تغلغل عناصر من التيار الكاهاني في الشرطة الإسرائيلية، وكذلك بمراجعة الشاباك لأحداث 7 أكتوبر.
ووفقا للمعلومات المتوفرة، فقد اعترف المشتبه به بالأفعال المنسوبة إليه، وشرح أنه تصرّف بدافع أيديولوجي، معتقدًا أنه يخدم المصلحة العامة. وهذا الدافع يكشف عن القضية الأوسع التي تتكشف أمام أعيننا، إلى ما هو أبعد من وقائع القانون الجنائي الجافة.

قبل نحو 15 عاما، وُجهت إلى عانات كام، وهي شابة أنهت خدمتها العسكرية مؤخرا آنذاك، تهم بارتكاب “تجسس خطير” و”حيازة غير قانونية لمعلومات سرية” بموجب قانون العقوبات، بعدما أخرجت مئات الوثائق السرية من مكتب قائد المنطقة الوسطى في الجيش، حيث كانت تخدم، وسلّمتها إلى الصحفي أوري بلاو من صحيفة “هآرتس”.
وقد طرحت قضية كام أيضا تساؤلا حول مدى ملاءمة وصف الفعل بأنه “تسريب”، وتصويره في إطار “تسريبات من مسؤولين حكوميين إلى الصحافة”.
رغم الإجماع على أن تسليم معلومات سرية يُعد مخالفة جنائية أو تأديبية، فإن التسريبات إلى الصحافة تُعتبر في الديمقراطيات الليبرالية ظاهرة إيجابية، إذ إنها تُمكّن الصحافة من أداء دورها الحيوي كـ”حارس” للنظام الديمقراطي، من خلال نشر معلومات لا تكون بالضرورة مريحة لأصحاب السلطة.
لو اقتصر تركيز قضية الشاباك الحالية على تسريب مواد إلى الصحفيين، لكان بالإمكان تقييمها من خلال المبادئ التي أرساها قرار المحكمة العليا عام 1987 برئاسة القاضي مئير شمغار، في قضية تتعلق بحماية مصادر الصحفيين.
وكتب شمغار حينها، “العملية الديمقراطية تعتمد على القدرة على إجراء نقاش علني حول القضايا المطروحة على الأجندة الوطنية، وتبادل الآراء بشأنها بحرية. تلعب وسائل الإعلام دورًا بالغ الأهمية في عملية التوضيح والنقاش هذه. إنها تمكّن من نشر معلومات ذات مغزى في جميع مجالات الحياة. حرص الصحفيين على حماية مصادرهم نابع من رغبتهم في صون حرية الصحافة، التي تشمل أيضًا الحق في جمع المعلومات”.
ومع ذلك، فإن المحكمة والنيابة العامة لم تتعاملا مع مخالفات قضية عانات كام باعتبارها مجرد تسريبات. بل تم التعامل معها — ومع بلاو الذي احتفظ بوثائق أمنية شديدة الحساسية على حاسوبه لفترة طويلة — من منظور أمني، ولهذا تم تطبيق هذه البنود المحددة من قانون العقوبات.
وفي فضيحة الوثائق الأمنية الأحدث في مكتب رئيس الوزراء، قام الضابط في الجيش آري روزنفلد بتسريب وثائق سرية إلى إيلي فيلدشتاين، الذي كان حينها مستشارًا إعلاميًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد قام فيلدشتاين لاحقًا بتسريب مواد من إحدى تلك الوثائق إلى صحيفة “بيلد” الألمانية.

في قضية روزنفلد-فيلدشتاين، لم تكن تهمة “الإفشاء خرقا للواجب” — التي تتعلق بالتسريبات العادية غير الأمنية — هي التهمة المركزية. بل تمحورت لائحة الاتهام حول نقل معلومات سرية ونقل معلومات بنية الإضرار بأمن الدولة.
وهذه بالضبط هي الشبهات الأساسية في قضية موظف الشاباك الحالية. فالتسريب إلى الصحفيين سيغال وأفيتان كوهين هو بالطبع مخالفة جنائية — تتفاقم خطورتها لأنها تتعلق بوثائق سرية تابعة للشاباك. ومع ذلك، لو كانت القضية تقتصر على ذلك، لكان بالإمكان النظر إلى أفعال المشتبه به ضمن إطار التسريبات المعتادة.
لكن الموظف في الشاباك لم يسرّب فقط للصحفيين — بل سلّم المعلومات مباشرة إلى وزير شؤون الشتات عميحاي شيكلي، في لقاء شخصي. ومن هذه الزاوية، يجب النظر إلى أفعاله على أنها قد تهدف إلى تقويض تحقيقات وعمليات داخلية يُجريها الشاباك.
وقد تم التأكيد على أن أي إجراء تحقيقي لم يُتخذ ضد صحفيين، مثل التنصت، ولم يُطلب من أي صحفي تقديم شهادة.

تمامًا كما يُتهم روزنفلد بأنه استخرج وثائق من أنظمة معلومات الأمن في الجيش (مهابام) ومررها مباشرة إلى مسؤول في مكتب رئيس الوزراء — فيلدشتاين — متجاوزًا التسلسل القيادي وفي انتهاكًا لجميع البروتوكولات الخاصة بالتعامل مع المواد السرية، كذلك فعل موظف الشاباك في القضية الحالية، حيث نقل وثائق من حواسيب الشاباك مباشرة إلى وزير مقرّب من رئيس الوزراء، ويتماشى مع مصالحه السياسية.
وعلى عكس فيلدشتاين، لم يتم استجواب شيكلي نفسه في القضية الحالية — على ما يبدو لأنه لا توجد مؤشرات على أنه استخدم المعلومات التي تلقاها. ومع ذلك، إذا كانت المعلومات أو الوثائق التي تسلمها مصنفة على أنها سرية، ولم يكن له حق مشروع في الوصول إليها، فإن أي استخدام لها كان سيجعل منه طرفًا في الجريمة، تمامًا كما حدث مع فيلدشتاين. لذا، فإن حقيقة عدم اعتبار شيكلي مشتبهًا به تشير إلى عدم وجود شبهات معقولة بأنه تصرف بناءً على تلك المعلومات.
التعبئة الفورية للوزراء وأعضاء الائتلاف دفاعًا عن موظف الشاباك، وهجماتهم القاسية على رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية غالي بهاراف-ميارا، تعزز الانطباع بأن المشتبه به تصرف بدوافع سياسية — لتعطيل عمل الجهاز.

وهذا يكشف عن ظاهرتين خطيرتين:
أولًا، تدخل السياسيين في تحقيقات جارية، وهو ما أعادت المحكمة العليا التأكيد على عدم قانونيته مؤخرًا في حكمها بشأن تعديل قانون الشرطة. حتى رئيس لجنة الدستور في الكنيست، النائب سيمحا روتمان سارع إلى الانضمام إلى الحملة، معلنًا عن جلسة خاصة للجنة لمناقشة هذه الادعاءات — في انتهاك صارخ للقواعد التي تحظر التدخل السياسي في تحقيقات جنائية محددة.
وثانيًا، هجمات السياسيون الشرسة على رونين بار تكشف الدافع الحقيقي وراء العملية بأكملها، إذا كان هناك شك متبقٍ. يتضح أن مقربين من رئيس الوزراء — سواء كانوا مستشارين مثل يوناتان أوريخ وإيلي فيلدشتاين، أو وزيرًا مثل عميحاي شيكلي — قد أنشأوا على ما يبدو شبكة مصادر داخل أجهزة الدولة الهرمية، بهدف تحريف عمل المؤسسات الوطنية لخدمة نتنياهو، وليس المصلحة العامة.
الملك قبل المملكة: هذه العواقب الحقيقية والأوسع لمحاولات الحكومة تدمير ما تبقى من مقومات الدولة الإسرائيلية داخل مؤسساتها الوطنية.
يوفال يوعاز، المحلل القانوني لموقع “زمان إسرائيل” العبري التابع لتايمز أوف إسرائيل، حيث نُشرت هذه المقالة لأول مرة