الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في ليبيا يغذيها الغضب من القادة غير المنتخبين الذين يتشبثون بالسلطة
بحث
تحليل

الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في ليبيا يغذيها الغضب من القادة غير المنتخبين الذين يتشبثون بالسلطة

على الرغم من أن إسرائيل لا تحظى بالتأكيد بشعبية كبيرة، إلا أن المواطنين لديهم ما يدعو للقلق أكثر من التطبيع، الذي ينظر إليه على أنه خدعة تستخدمها النخب لكسب الدعم الغربي مع تجنب الانتخابات

ليبيون يحرقون الإطارات أثناء احتجاجهم في طرابلس في 28 أغسطس 2023، بعد ورود أنباء عن اجتماع عقد مؤخرا بين وزيرة خارجية البلاد ونظيرها الإسرائيلي.(Mahmud Turkia/AFP)
ليبيون يحرقون الإطارات أثناء احتجاجهم في طرابلس في 28 أغسطس 2023، بعد ورود أنباء عن اجتماع عقد مؤخرا بين وزيرة خارجية البلاد ونظيرها الإسرائيلي.(Mahmud Turkia/AFP)

لردود الفعل الغاضبة في الشارع الليبي على أنباء الاجتماع بين وزيري خارجية إسرائيل وليبيا علاقة بالغضب من القادة السياسيين أكثر من ارتباطها بالكراهية لإسرائيل.

يقول أنس الغوماتي، مؤسس ومدير “معهد صادق” في طرابلس: “هذا رد على الإحباط الذي يشعر به الليبيون الذين يتم إخفاء الحقيقة عنهم، وعلى هذا النوع من سياسات الظل واللقاءات السرية”، وأضاف “الأمر هو: هل ستدعمون حكومة أخرى غير منتخبة وستمنع الانتخابات مقابل اعتراف ليبيا بإسرائيل أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟”

وكان من المقرر في البداية إجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا في عام 2018، ثم في عام 2021، ولكن تم تأجيلها منذ ذلك الحين إلى أجل غير مسمى. ولم يتمكن المجلسان التشريعيان المتنافسان في البلاد في طبرق وطرابلس من التوصل إلى اتفاق دائم بشأن الانتخابات، ويبدو أن رئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد الدبيبة مصمم على البقاء في السلطة بغض النظر.

وأجريت آخر انتخابات عام 2014، وكانت نتائجها محل خلاف.

يوم الأحد، أعلن وزير الخارجية أيلي كوهين أنه التقى بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش في إيطاليا في الأسبوع الماضي، في أول لقاء رسمي يجمع كبار الدبلوماسيين في البلدين.

وبعد ساعات، أوقف الدبيبة المنقوش، التي فرت إلى تركيا، عن العمل. واندلعت مظاهرات عنيفة، وإن كانت محدودة، حيث هاجم المتظاهرون مبان حكومية وأحرقوا الأعلام الإسرائيلية.

وقال الغوماتي “أعتقد أن هذه قضية داخلية أكثر من كونها أي شيء آخر؛ للأمر علاقة ضئيلة بإسرائيل والفلسطينيين”.

وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش تتحدث خلال مؤتمر صحفي مع نظيرها التركي في وزارة الخارجية التركية في أنقرة، 13 فبراير، 2023. (Adem Altan/AFP)

في عام 2022، قام متظاهرون بحرق جزء من مجلس النواب في طبرق تعبيرا عن غضبهم عن انقطاع التيار الكهربائي والجمود السياسي.

وأوضح الغوماتي أن “هناك سلوكا ثابتا عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يتم بها التعامل معهم من قبل النخب السياسية الليبية. هذه النخب لا تتمتع بشعبية”.

جوشوا كراسنا، مدير مركز سياسات الطاقة الناشئة في الشرق الأوسط، يوافقه الرأي ويقول إن “هذه حكومة لا تتمع بقدر كبير من الشرعية الدولية، ونصف البلاد لا يحبها والنصف الآخر لا يثق بها”.

“هذه حكومة لم يتم انتخابها وليست تمثيلية حقا”.

خليفة حفتر (الثالث على اليسار) يغادر بعد مؤتمر دولي حول ليبيا في قصر الإليزيه، في باريس، فرنسا في 29 مايو، 2018. (AP Photo/Francois Mori)

وفي الوقت نفسه، قال الغوماتي إن هناك صلة ب”اتفاقيات إبراهيم” التي وقعتها إسرائيل مع الشركاء العرب.

وأوضح الغوماتي أن فكرة التطبيع “تستخدمها طرابلس الآن على أمل أن يتم دعم [قيادة الدبيبة]، وأعتقد أن هذا هو نفس السبب الذي دفع صدام حفتر لتقديم العرض الذي قدمه في نوفمبر، لأنه يمنع الانتخابات في ليبيا، ولقد سئم الليبيون ”.

الغوماتي كان يشير إلى نجل أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، الذي ورد أنه زار إسرائيل في نوفمبر 2021 لعقد اجتماع سري مع مسؤولين إسرائيليين عرض فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مقابل الدعم الإسرائيلي، بحسب صحيفة “هآرتس”.

وبحسب التقرير، حمل حفتر رسالة من والده يطلب فيها “مساعدة عسكرية ودبلوماسية” إسرائيلية مقابل تعهده بإقامة عملية تطبيع بين ليبيا وإسرائيل على غرار “اتفاقيات إبراهيم” الذي طبعت اسرائيل بموجبها العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

وقال الغوماتي إن الدبيبة وحفتر الأب يعتقدان أن الحصول على الدعم الدولي هو مفتاح البقاء في السلطة. وتُعد إيطاليا، التي استضافت اجتماع كوهين-المنقوش الأسبوع الماضي، أساسية للدعم داخل الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن واشنطن تجعل دعمها مشروطا بالتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل.

رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة، يحضر احتفالا للشباب في مدينة الزاوية، على بعد 30 كيلومترا غرب طرابلس، ليبيا، 13 أكتوبر، 2022. (AP Photo/Yousef Murad)

لكن الليبيين يريدون من قادتهم التركيز على توفير الخدمات الأساسية وترتيب انتخابات ديمقراطية، بحسب الغوماتي.

وتساءل الغوماتي “لماذا يهتم أي شخص في ليبيا باتفاقيات إبراهيم الآن عندما لم يتم إجراء انتخابات منذ عقد من الزمن؟ إنهم يحصلون على بعض الخدمات قيد التشغيل، لكنهم لا يحصلون على جميع الخدمات قيد التشغيل. وتعاني الطبقة الوسطى من صعوبات اقتصادية هائلة، حيث يتم تدميرها بسبب انخفاض قيمة الدينار الليبي. هذا أمر يكاد لا يكون في قلوب أو عقول الليبيين أو في قائمة أولوياتهم”.

وحقيقة أن القيادة تسعى إلى إقامة علاقات محتملة مع إسرائيل “تُظهر تنافرا هائلا بين ما ينبغي أن تكون عليه الأولوية والخطاب العامين مقابل ما يفعله السياسيون الليبيون فعليا”.

وقال كراسنا إن ديناميكية التطبيع في الدول المنقسمة مثل ليبيا تختلف بشكل ملحوظ عن تلك الموجودة في الدول المتماسكة في الخليج.

وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف راشد الزياني، يتحدث إلى الصحفيين في المنامة، 4 ديسمبر، 2022. (Lazar Berman/Times of Israel)

“في الإمارات العربية المتحدة والبحرين – وإذا حدث ذلك، في المملكة العربية السعودية – فهذه دول استبدادية ذات هيكل حكومي كامل وقوي للغاية حيث عندما يتخذ القادة قرارا، يحدث ذلك. لكن فيما يتعلق بليبيا، كما هو الحال مع السودان بالمناسبة، فالأمر ليس كذلك”، كما يرى كروسنا.

وأضاف “لذلك عندما يسمع الرأي العام أن حكومة، لا يعتقد بالضرورة أنها حكومة شعبية، ولا يتعقدون بالضرورة أنها حكومة تمثيلية، تقوم بمثل هذه الأمور وتفعلها سرا فإن الأمر يبدو سيئا”.

علاقات قديمة

وعلى الرغم من أن القيادة السياسية الليبية في كلا المعسكرين استخدمت المنقوش ككبش فداء، إلا أنهم يتحدثون مع إسرائيل منذ سنوات.

في يناير من العام الماضي، التقى الدبيبة في الأردن بمدير جهاز الموساد دافيد برنياع، بحسب تقارير إعلامية سعودية وليبية.

في يونيو 2020، أجرت صحيفة “مكور ريشون” مقابلة مع مسؤول كبير في حكومة حفتر التي تتخذ من شرق البلاد مقرا لها، ودعا المسؤول في المقابلة إلى الدعم من إسرائيل.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يسار الصورة) ورئيس الموساد دافيد برنياع في حفل رفع كأس النخب بمناسبة عيد الفصح اليهودي، 4 أبريل، 2023. (Kobi Gideon / GPO)

وقال نائب رئيس الوزراء عبد السلام البري لمكور ريشون “لم نكن ولن نكون أعداء قط، ونحن نأمل في دعمكم. الظروف فقط هي ما يفرقنا حتى هذه اللحظة”.

قبل ستة أشهر، قال وزير خارجية حفتر، عبد الهادي الحويج لصحيفة “معاريف” العبرية إن ليبيا يمكن أن تعترف بإسرائيل إذا تم حل القضية الفلسطينية.

وقال: “نحن دولة عضو في جامعة الدول العربية وملتزمون بقراراتها وقرارات الأمم المتحدة، وندعم حقوق الشعوب، بما في ذلك حقوق الشعب الفلسطيني. لكننا ندعم السلام الإقليمي ونعارض الإرهاب ونحاربه في ليبيا أيضا”.

وتشهد ليبيا اضطرابات منذ عام 2011 عندما أطاحت حرب أهلية بالديكتاتور معمر القذافي الذي حكم البلاد لفترة طويلة وقُتل لاحقا. وانقسمت البلاد منذ ذلك الحين بين إدارات متنافسة في الشرق والغرب، تدعم كل منها جماعات مسلحة وحكومات أجنبية. وتجري حاليا جهود تدعمها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة دائمة.

القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني الليبية في 18 أبريل 2019، بعد سيطرتها على منطقة العزيزية، الواقعة على بعد حوالي 40 كيلومترا جنوب العاصمة الليبية طرابلس، عقب اشتباكات عنيفة مع القوات الموالية لخليفة حفتر. (Mahmud TURKIA / AFP)

وبحسب التقارير، فإن إسرائيل من بين الداعمين لنظام حفتر، ولكن بدرجة أقل من شركائها الإقليميين مصر والإمارات والسعودية.

في عام 2020 أفادت صحيفة “العربي الجديد” أن الإمارات أرسلت خمس منصات إطلاق صواريخ إسرائيلية إلى قوات حفتر. وبحسب الصحيفة التي يقع مقرها في لندن، فقد أرسلت الإمارات في السابق طائرات مسيرة وبنادق ومعدات رؤية ليلية إسرائيلية إلى الجيش الوطني الليبي.

ويُزعم أن إسرائيل قامت أيضا بتدريب قوات حفتر على القتال في المناطق الحضرية.

خلال فترة وجوده في السلطة، دعا القذافي إلى تدمير إسرائيل وقام بتمويل العديد من الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك منظمة “أيلول الأسود”، التي نفذت مذبحة عام 1972 ضد الرياضيين الإسرائيليين في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ. وفي وقت لاحق من حياته، دفع من أجل تشكيل دولة إسرائيلية-فلسطينية مشتركة، والتي أطلق عليها اسم “إسراطين” في مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2009.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (على اليسار)، يحيي الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي لدى وصوله إلى قصر الإليزيه، في باريس، 10 ديسمبر 2007. (Francois Mori/AP)

لكن خلال الثورة التي أدت إلى سقوطه في عام 2011، ورد أن القذافي طلب مساعدة إسرائيل لوقف الغارات الجوية التي يشنها التحالف الغربي على بلاده.

وجاء مبعوث من دولة ثالثة لم يتم تحديدها إلى القدس في ذلك الوقت لطلب المساعدة الدبلوماسية نيابة عن القذافي، وفقا لإذاعة الجيش. وقال التقرير إن الزعيم الليبي أراد من إسرائيل استخدام علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا لوقف الحملة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي استهدفت، بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قوات النظام أثناء قتالها ضد المتمردين.

وقال التقرير إن المسؤولين الإسرائيليين أجروا تقييما سريعا وقرروا عدم التحرك.

يرى الغوماتي أن التاريخ الطويل للمسؤولين الليبيين من مختلف الأطياف الذين يسعون للحصول على مساعدة إسرائيل يجعل مصير المنقوش أكثر إحباطا: “جميعهم يلقون باللوم على المنقوش، وأن المسألة تدور حول اجتماع بين المنقوش وكوهين، في حين أن الواقع هو أن الاجتماع كان جزءا من شبكة من الاجتماعات والعلاقات المختلفة التي تجري منذ عدة سنوات”.

وأضاف أنه على الرغم من الضرر الذي حدث هذا الأسبوع، فإن لدى الجانبين مصلحة في إبقاء القنوات مفتوحة. لكن التطبيع في المستقبل المنظور هو أمر مستبعد.

وقال الغوماتي إن “العلاقات لا تزال قائمة وستظل كذلك في الظلال. هذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة لفكرة التطبيع. ليس من الطبيعي التحدث في الظلال. الأمر الطبيعي هو أن يكون ذلك علنيا، والتحدث عن هذه الأمور”.

اقرأ المزيد عن