الأمطار وتواجد الشرطة المتزايد ساعدا على الحد من العنف في القدس الشرقية
التكتيكات المعدلة التي استعملتها الشرطة نجحت في تخفيف التوتر والكثافة في الإحتجاجات الفلسطينية مما ادى الى استنتاج البعض انه لا يوجد انتفاضة في الأفق

في قلب القدس لم يعد هناك جدار، ولم تعد المدينة معزولة. صهاريجها ليست جافة؛ وسوقها لم يعد فارغا. هناك الكثير من الزوار في الحرم القدسي، ومع ذلك فإن القدس، على عكس رؤيا الشاعرة نعومي شيمر عام 1967، غير مضائة بألف شمس وشمس، ولا تتمايل كذلك على نسيم معطر برائحة الصنوبر.
في أواخر 2014، يطالب سكانها بالراحة – من احتجاجات عنيفة وصغيرة من قبل شبان فلسطينين، ومن أعمال إنتقامية، ومن هجمات ذات دوافع دينية، وجرائم “دفع الثمن” – ومن ما يعتبره الكثيرون من عرب القدس الشرقية بأنها سياسة نهب لتوزيع الحكومة والبلدية للمواد في الجزء الشرقي من المدينة.
مع ذلك، فإن قوات الأمن التي تم نشرها للحد من الإضطرابات مقتنعة بأمرين: بأنه لا توجد هناك انتفاضة، وأن ما سيطر على العاصمة في الأسابيع الأخيرة انطفأ تقريبا.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
تقول شرطة حرس الحدود، الدرك أصحاب الزي الأخضر والذين يقومون بحصة الأسد من عمل الشرطة على مستوى الغطاء الوقائي في العاصمة، بأن الإجراءات الأمنية التي تم وضعها – بمساعدة الأجواء الرطبة الغير معتادة لبداية الشتاء – عملت على إخماد العنف واستعادة الهدوء إلى المدينة.
إندلعت التوترات العربية-اليهودية، التي تطارد المدينة لسنوات، في الرابع من يوليو بعد وقت قصير من قيام يهود إسرائيليين بقتل محمد أبو خضير، فتى عربي مسلم، في إنتقام عشوائي على جريمة إختطاف وقتل الفتية الإسرائيليين الثلاثة، غيل-عاد شاعر وإيال يفراح ونفتالي فرنكل، قبل أسابيع من ذلك. وبدأ العنف خلال الأيام المشتعلة من عملية “الجرف الصامد” في غزة وإنتشر حول وداخل مدينة القدس، التي بدأت بالشعور بأنها تقف على حافة إنقسام هذا الخريف مع الحرم القدسي البؤرة الدينية لهذا الصراع.
في رحلة عرضتها شرطة حرس الحدود في الجزء الشرقي من المدينة، كانت المحطة الأولى في وقت متأخر من المساء في الوقت الذي نزلت فيه أمطار خفيفة على المدينة. خارج حي جبل المكبر – حيث خرج عدد من منفذي االهجمات التي إستهدفت مدنيين في الأسابيع الأخيرة وكذلك، وهو أمر آخر تجدر الإشارة إليه، طواقم طبية عربية مثل دكتور عبد خلايلة، طبيب جراح، الذي قدم العلاج لعدد من المصابين في الهجوم – 3 عناصر من شرطة حرس الحدود، وضعت على صدروهم بقنابل حارقة، وقفوا إلى جانب مكعبات إسمنتيه زُينت بشريط أحمر للشرطة.
راقبت القوات المركبات العابرة من وإلى القرية، التي يسكن فيها الكثير من الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين.
إقترب من الحاجز شاب عربي يرتدي قميصا رماديا مع قبعة ويحمل حقيبة صغيرة.
سأله أحد الشرطيين عن بعد 15 ياردة: “كيف حالك؟”
رد عليه الشاب: “باروخ هشم”، مستخدما الكلمات العبرية لعبارة “الحمد لله” بالعربية.
“ماذا في الحقيبة” سأل أحد الشرطيين، في الوقت الذي واصل فيه الشاب تقدمه.
فقال الشاب: “ملابس”، واضعا الحقيبة بجانبهم وفاتحا السحّاب. “أنا أعمل في فندق”.
نظر الشرطيون في الحقيبة فتشووها ولوحوا له سامحين له بمواصلة طريقه. قال أحدهم، وهو عنصر إحتياط غير مخول بالحديث مع الصحافة، أن عناصر شرطة من وحدته قامت بمصادرة سكاكين وأسلحة محتملة أخرى في الأيام الأخيرة وأن الهدف الرئيسي من وجودهم هو ليس إيقاف منفذي هجمات محتملين – هناك الكثير من الطرق المؤدية إلى داخل وخارج الحي – ولكن لوضع ضغط على السكان، “حتى يدركوا أنه عندما تهدأ الأمور سنغادر” [تحديث: حتى يوم الإثنين، وسط حال من الهدوء النسبي، تمت إزالة الكثير من حواجز الطريق].
على بعد بضعة المئات من الياردات، على شارع “مئير نكار” – طريق يوصل بين حي “أرمون هنتسيف” اليهودي وجبل المكبر حيث أصبح اسمه شارع “أبو ربيعة” – وقف وزير الأمن العام يتسحاق أهرونوفيتش مع وزير المالية يائير لابيد مع مجموعة من عناصر شرطة حرس الحدود وأكدوا للجمهور، أمام عدد قليل من الكاميرات، أنه سيتم إستعادة الهدوء.
وقال لابيد أن الحكومة ستقوم بـ”‘تخاذ الخطوات” الضرورية لضمان الأمن؛ وأضاف أهرونوفيتش أن أي شخص يدعم الإرهاب “عليه أن يعرف أنه سيدفع الثمن”.
وتحدثت تقارير عن أن الثمن سيشمل سحب مكانة الإقامة لهؤلاء المدانين بتقديم المساعدة في الهجمات؛ احتجاز من يقوم بإلقاء الحجارة حتى نهاية الإجراءات القانونية بحقه؛ وقف مدفوعات الضمان الإجتماعي؛ سحب رخصة القيادة لمدة 10 سنوات لأولئك الذين يقومون بإلقاء حجارة؛ هدم منازل منفذي الهجمات في غضون 24 ساعة بعد وقوع الهجوم؛ الدفن السري لمن يقوم بتنفيذ هجمات؛ ومن بين إجراءات أخرى ممكنة، ترحيل أفراد عائلة عبروا عن دعمهم لأنشطة أقربائهم الإرهابية إلى غزة.
هذا على المستوى الحكومي. على الأرض، عملت الشرطة، وبنجاح، على وضح حد للإضطرابات في أحياء القدس الشرقية، وقامت بتغيير نشر قواتها وكذلك بعض تكتيكاتها لمحاولة الحد مما يسمى هجمات “إرهابية شعبية” هزت المدينة.
رافقت أفيعاد كيتافي، شرطي حرس الحدودالمسؤول عن جبل المكبر وصور باهر، وهما حيان عربيان جنوب المدينة، في رحلة على طول خط التماس في المدينة حيث قال لي، بينما كان يقود المركبة عبر أحياء عربية بالكاد رآها من قبل بعد 20 عاما من العيش في هذه المدينة، أن القدس بعيدة “سنوات ضوئية” عن انتفاضة أو “أي شيء مماثل لها”.

بدلا من ذلك، كما يقول، كانت هناك ظاهرتين منفصلتين: مظاهرات غضب – “دائما في الأماكن ذاتها، ودائما في نفس الوقت”، من قبل أعداد قليلة من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم من “9 إلى 19 عاما، كحد أقصى” – وتصاعد الهجمات ضد المواطنين الإسرائيليين.
في حي العيساوية شمال شرق القدس، الحي الأول الذي توقفنا فيه، قال أنه قبل عدة أسابيع كنا مضطرين إلى تخطيط دخول الشرطة إلى الحي: “كنا بحاجة إلى خراطيم المياه، وكان يتم إلقاء الحجارة علينا”.
منذ ذلك الوقت قامت الشرطة بزيادة عدد قواتها بثلاث أضعاف في العاصمة. وساهم ما يقارب 1,000 شرطي حرس حدود إضافي، إلى جانب وحدات سرية، و-320 كاميرا في البلدة القديمة لوحدها، و-4 بالونات مراقبة، إلى تخفيض عدد المظاهرات بنسبة 30% في الأسابيع الأخيرة و”أهم من ذلك” التخفيف من شدة الإحتجاجات. إذا كانت المظاهرة في السابق تستمر لمدة 4 ساعات وشملت عشرات الألعاب النارية التي تم إطلاقها على عناصر الشرطة – والتي تُعتبر بأنها قاتلة عن بعد 50 قدما – فاليوم، كما يقول، تتسم الكثير من الإحتجاجات بعدد قليل من الحجارة وتنتهي خلال دقائق قليلة.
خلال قيادته للمركبة في العيساوية مشيرا إلى المسافة بين القرية ومساكن الطلبة في الجامعة العبرية – حوالي 300 ياردة – قال أن عناصر الشرطة متواجدة بين الجمهور، وفي الشوارع الرئيسية، “وفي كل الأزقة وعلى أسطح [المباني]”.
هذه الإجراءات الهجومية، من ضمنها إعتقالات ليلية “في كل ليلة”، مكنت الحصول على معلومات إستخباراتية وأبقت مستوى العنف منخفضا في الجزء الشرقي من المدينة.
على تلة تطل على مخيم شعفاط للاجئين، الذي يقع وراء الجدار الفاصل ولكن داخل منطقة صلاحيات بلدية القدس، ظهر الوجه المقلق الآخر من الإضطرابات. أشار كيتافي إلى منزل إبراهيم العكاري، الرجل الذي قام بدهس وقتل ضابط حرس الحدود جدعان أسعد في بداية شهر نوفمبر.
من الصعب منع هجمات كتلك التي قُتل فيها زميله أسعد، كما قال، حيث أن قرار تحويل مركبة إلى سلاح هو ليس بالضرورة قرار مع سبق الإصرار. لذلك، حاولت الشرطة حماية مناطق حساسة، كما قال، وقامت بنشر عناصر إضافية في نقاط مركزية ونقاط احتكاك.
وعملت أجهزة الشرطة والشاباك، اللتان تتشاركان في تغطية المعلومات الإستخباراتية في القدس الشرقية، “بشكل جاد” على مراقبة الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الإجتماعي والمنتديات الإلكترونية أملا في تحديد منفذي هجمات محتملين، كما قال. من جهته، نشر جهاز الشاباك على موقعه، على رأس قائمة “وظائف مطلوبة جدا” وظيفة “إستخراج البيانات” – وهي وظيفة تتطلب تحدث العربية بطلاقة، ومن المفضل أن يكون هناك أيضا خلفية في الإستخبارات على شبكة الإنترنت. قام العكاري، على سبيل المثال، باستخدام الفيسبوك، قبل أسبوع واحد من تنفيذه الهجوم، للإشادة بمعتز حجازي، الذي حاول قتل ناشط اليمين يهودا غليك في 29 أكتوبر.

في الطور، بجانب مستشفى “أغوستا فيكتوريا” وجبل الزيتون، أشار كيتافي إلى دورية مشاة للشرطة وطاقم من مستخدمي البلدية يقومون بسد حفر. وتحدث عن الواجبات والحقوق قائلا أنه “في السراء والضراء، هم جزء منا”.
وأكد على ان التواجد المكثف للشرطة إدى إلى قيام والد قبل أسبوعين بالإتصال بالشرطة لتحذيرها من أن ابنه قد يكون يخطط للقيام بهجوم قائلا، “تعاولوا وخذوه الآن”، وهذا ما فعلته الشرطة.
وأخيرا، عند العودة إلى القاعدة، بالقرب من فرقة لعناصر شرطة تقوم بارتداء زي جزئي لمكافحة الشغب وتضع أحزمة كتف حملت فيها رصاصا مطاطيا، كرر كيتافي تأكيده على أن موجة العنف آخذة بالإنحسار. وعن السؤال ما إذا كانت الشرطة في طريقها إلى إخماد موجة العنف هذه، قال كيتافي، “لقد نجحنا بالفعل”
توافقة القيادات المحلية الرأي بحذر. يقول باسم عيد، ناشط في حقوق الإنسان ومن سكان حي بيت حنينا العربي شمال شرق القدس، أنه لا يوجد في الأفق “أي شيء شبيه بإنتفاضة”.
وقال أن الإحتجاجات على نطاق صغير في الشوراع وغير منظمة وتخلو من الأيديولوجية والقوة من خلال إدراك الفلسطينيين أن العنف “لا يأتي بشيء”، كما قال.
وأضاف أن أصدقاؤه، وهم آباء لفتيان ما قبل جيل المراهقة، يمنعون وبشكل روتيني أبناءهم من الخروج من المنزل بعد الساعة الخامسة عصرا، مشيرا إلى أن بعض السكان، مهما كان مدى عدم تحمسهم لدولة إسرائيل الصهيونية، سعداء برؤية شرطة نظامية في الشوراع أخيرا، لفرض القانون والنظام الغائبين.
ولكن هدم المنازل المخطط له، كما يقول، يزيد من المخاوف حول مدى متانة هذا الهدوء.
على الجانب الآخر من المدينة، بالقرب من جبل المكبر، يقول القيادي المحلي يهودا بن يوسف، رئيس المراكز الجماهيرية في أرمون هنتسيف، أنه يرغب في رؤية تهج مزدوج فيه تقوم “يد بالضرب بقوة” ضد الإرهاب بينما تقوم اليد الأخرى “بتوفير كل البنية التحتية الممكنة”.
معلقا على زيادة عدد قوات الشرطة، يقول أن السكان يشعرون بأمان أكثر في الحي الموجود على خط التماس وأن “الأمور بدأت تهدأ”.
ولكنه أضاف أن “الحياة متقلبة. أي شيء يمكن أن يفجر الوضع”.