إسرائيل في حالة حرب - اليوم 424

بحث
تحليل

الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل تحبط بايدن، ونتنياهو أيضا يشكل عقبة أمام رؤيته

حزبا "الصهيونية المتدينة" و"عوتسما يهوديت" هما مصدر المخاوف الرئيسي لواشنطن، لكن دعوة الزعيم الأمريكي للتغيير في الحكومة الإسرائيلية تتجاهل أجندة نتنياهو الخاصة

الرئيس الأمريكي جو بايدن (يسار) يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الحرب بين إسرائيل وحماس، في تل أبيب، إسرائيل، 18 أكتوبر، 2023. (Miriam Alster/Pool Photo via AP)
الرئيس الأمريكي جو بايدن (يسار) يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة الحرب بين إسرائيل وحماس، في تل أبيب، إسرائيل، 18 أكتوبر، 2023. (Miriam Alster/Pool Photo via AP)

التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء بشأن الصعوبات الدبلوماسية الناجمة عن مشاركة حزبين قوميين متطرفين في الحكومة الإسرائيلية ما هي إلا آخر مؤشر على احباطه المتزايد من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

متحدثا في حدث لجمع التبرعات لحملته الانتخابية، قال بايدن إن نتنياهو بنفسه يحتاج إلى “أن يتغير” وأن حلفاءه في الائتلاف “يجعلون من الصعب عليه التحرك” بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأشار أيضا إلى أن خطاب وسياسات رئيس الوزراء وائتلافه ضد السلطة الفلسطينية من شأنها أن تحبط الجهود المبذولة لتحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع.

الحقيقة هي أن نتنياهو معوق سياسيا، ومحاصر في الإئتلاف الحكومي بحلفائه من حزبي “الصهيونية المتدينة” و”عوتسما يهوديت” من اليمين، وأرقام استطلاعات رأي كارثية التي تشير إلى هلاكه السياسي المرجح في حال إجراء انتخابات جديدة.

الحساب بسيط ولا يمكن إنكاره: إذا وافق نتنياهو على إلحاح بايدن وتخلص من الأحزاب اليمينية المتطرفة لصالح ضم حزب “يش عتيد” إلى جانب حزب “الوحدة الوطنية”، الذي انضم مؤقتا إلى ائتلافه، إلى حكومته فإن فترة ولايته كرئيس للوزراء ستنتهي نهاية مفاجئة في اليوم الذي تنتهي فيه الحرب ضد حماس.

زعيم المعارضة يائير لبيد – الذي قال إنه على استعداد للانضمام لحكومة طورائ بدون أحزاب اليمين المتطرف – سينسحب من الائتلاف فور انتهاء الحرب إذا انضم. وحزب “الوحدة الوطنية” بزعامة بيني غانتس سينسحب من الحكومة أيضا، مما سيؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة. سيكون من المستحيل في هذه المرحلة أن يعود نتنياهو إلى المتطرفين الذين تخلى عنهم.

ومن شبه المؤكد أن يخسر رئيس الوزراء، على الرغم من كل ما يتمتع به من مكر سياسي، الانتخابات اللاحقة وأن يجد أن مسيرته الطويلة قد انتهت بشكل مخز بينما يواجه محاكمة فساد دون أن يتمتع بالغلاف الوقائي الذي يوفره له منصب رئيس الوزراء.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى اليسار، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر صحفي حول البناء المخطط لخط سكة حديد جديد من مدينة كريات شمونة الشمالية إلى مدينة إيلات، في القدس، 30 يوليو، 2023. (Chaim Goldberg/Flash90)

يقول المنتقدون إن مستقبل نتنياهو السياسي يجب أن يكون آخر شيء يوجه عملية صنع القرار في أعقاب أسوأ كارثة منفردة في تاريخ إسرائيل. ولكن على افتراض أن مثل هذه الاعتبارات تلعب دورا، فإن نتنياهو ببساطة لا يستطيع الاستغناء عن حزب “الصهيونية المتدينة” الذي يتزعمه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أو حزب “عوتسما يهوديت” الذي يتزعمه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

وهذا يتركه مثقلا بالسياسات المتشددة التي يروج لها الحزبان.

ضرائب السلطة الفلسطينية والعمال الفلسطينيون؛ تطرف المستوطنين

إحدى القضايا هي اعتراض سموتريتش الصارم على تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية.

وقد ركز وزير المالية في معارضته على رفض السلطة الفلسطينية إدانة هجوم حماس في 7 أكتوبر، وكذلك الرواتب التي تدفعها للأسرى الأمنيين وعائلات القتلى من منفذي الهجمات – وهما نقطتان من المرجح أن تعتبرها قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي معقولة. لكن معارضته لتحويل أموال الضرائب لا يمكن فصلها عن رغبته المعلنة في تفكيك السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية بأكملها.

في هذا الأسبوع فقط، أفادت تقارير أن نتنياهو سحب تصويتا في المجلس الوزاري الأمني المصغر على تحويل الأموال لأنه لم يكن لديه الأغلبية للفوز بالتصويت، ويرجع ذلك جزئيا إلى معارضة وزير ماليته.

كما عارض سموتريتش السماح بدخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية مجددا إلى إسرائيل، كما فعل أكثر من 150 ألف عامل يوميا قبل 7 أكتوبر.

وبحسب التقارير، أيد الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) ومجلس الأمن القومي هذه الخطوة، جزئيا للمساعدة في تجنب الضائقة الاقتصادية في الضفة الغربية، والتي يخشون أنها قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة العنف.

لكن نتنياهو سحب التصويت على هذا القرار أيضا، على الرغم من دعمه لهذه السياسة بنفسه، ومرة أخرى لأنه لم يتمتع بالأغلبية في المجلس الوزاري الأمني المصغر.

من الأرشيف: عمال فلسطينيون يعبرون إلى إسرائيل عند حاجز ترقوميا بالقرب من مدينة كريات غات الجنوبية، 14 نوفمبر، 2019. (HAZEM BADER / AFP)

مسألة السماح بدخول الوقود إلى غزة خلال الحرب هي مسألة أخرى حارب فيها سموتريتش وبن غفير نتنياهو، على الرغم من أنه في هذه الحالة بشكل أقل فعالية بسبب الضغوط الأمريكية الشديدة للسماح بدخول مثل هذه الشحنات لتجنب كارثة إنسانية.

مصدر آخر للاحتكاك، هو المشكلة المستمرة المتمثلة في عنف المستوطنين في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين، وخاصة في المناطق التي تتمتع فيها إسرائيل بالسيطرة الأمنية والمدنية الكاملة. وقد تم تسجيل مئات حوادث التخريب والعنف والمضايقات منذ 7 أكتوبر في عشرات البلدات والقرى الفلسطينية، حيث تم تدمير ممتلكات فلسطينية، وتهديد حياة أشخاص، ووقعت عمليات ضرب وإطلاق نار وحتى قتل.

على الرغم من موجة العنف واقتلاع أكثر من ألف فلسطيني من منازلهم نتيجة لذلك، لم يتم توجيه تهم لأي شخص. ولقد أدان بايدن بنفسه العنف وقال إنه يجب أن يتوقف، ولكن التقارير شبه اليومية بشأن وقوع حوادث ومضايقات مستمرة.

وزعم تقرير للقناة 12 أن بن غفير، الذي تتمتع وزارته بسلطة على الشرطة، ضغط على الشرطة في الضفة الغربية لعدم اتخاذ إجراءات ضد الجرائم القومية التي يرتكبها مواطنون إسرائيليون في المنطقة. ونقل التقرير عن ضباط في الشاباك قولهم إن مسؤولين كبارا في الشرطة أبلغوهم بأوامر بن غفير. ونفت الشرطة هذا الادعاء.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يسار) يرحب بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في الكنيست، 23 مايو، 2023. (Gil Cohen-Magen/AFP)

ولكن على الرغم من أن حسابات نتنياهو السياسية أثقلته بهذه المشاكل، فإنه ليس شريكا بالإكراه في ما قد يكون مصدر الاحتكاك الرئيسي مع إدارة بايدن في الوقت الحالي: مسألة الحكم المستقبلي لقطاع غزة.

من سيحكم غزة

فيما يتعلق بهذه القضية، أصر نتنياهو مرارا خلال الشهر الماضي على أن إسرائيل لن تسمح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على القطاع الساحلي بعد الحرب.

لكن الأمر استغرق من نتنياهو نحو شهر للبدء ببث هذه الرسائل بعد 7 أكتوبر، وسبق ذلك تصريح لسموتريتش في مقابلة مع القناة 12 في 4 نوفمبر بأن “قطاع [غزة] سيكون تحت السيطرة العملياتية لجيش الدفاع لسنوات… سنكون هناك، وسنحكم هناك وسنحافظ على الأمن”.

وفي 7 نوفمبر، قال وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يُعد حليفا رئيسيا لنتنياهو، لقناة “سكاي نيوز”: “أعتقد أن الفلسطينيين هم من سيحكم غزة”، وبينما قال ديرمر إنه لا يعرف من سيكون هؤلاء الفلسطينيين على وجه التحديد، إلا أنه لم يقل أنهم لن يكونوا السلطة الفلسطينية.

واتهم العديد من المعلقين نتنياهو بممارسة الألاعيب السياسية بشأن هذه القضية، معتبرين أنه من خلال مهاجمة السلطة الفلسطينية يمكنه، في الانتخابات التي ستأتي بالتأكيد بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب مع حماس، أن يفصل بينه وبين خصمه الرئيسي غانتس – الذي سيجد صعوبة أكبر في التنصل من السلطة الفلسطينية، حتى لو رفض القيادة المستمرة لرئيسها محمود عباس منذ فترة طويلة.

نتنياهو قام حتى بمهاجمة اتفاق أوسلو، قائلا إن عملية السلام التي نتجت عنه كانت مسؤولة عن عدد كبير من القتلى يساوى عدد ضحايا مذابح 7 أكتوبر، وهي طريقة أخرى لحشد الدعم في قاعدة ناخبيه وتمييز نفسه عن خصمه السياسي الأكثر حمائية الذي يدعم إنشاء “كيان” فلسطيني.

وبالفعل، انتقدت إدارة بايدن هذه الاستراتيجية السياسية.

في وقت سابق من الأسبوع ذكر “تايمز أوف إسرائيل” إن مسؤوليّن أمريكييّن قالا إنهما يعتقدان أن تصريحات نتنياهو العلنية ضد السلطة الفلسطينية أظهرت أن رئيس الوزراء دخل في “وضعية حملة انتخابية”.

الرئيس الأمريكي جو بايدن في تل أبيب، 18 أكتوبر، 2023. (Brendan Smialowski / AFP)

لكن في هذا الصدد، فإن المزاج والشعور العام في إسرائيل يؤيدان موقف نتنياهو ويعارضان موقف بايدن، حتى لو كان رئيس الوزراء يستخدم القضية لكسب نقاط سياسية.

كما أظهر استطلاع للرأي أجراه مؤخرا المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن أغلبية من اليهود الإسرائيليين، 52% مقابل 35%، لا يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تسعى إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك يعني عدم تلقي الدعم الأمريكي خلال فترة الحرب الحالية.

التصور العام للسلطة الفلسطينية هو أنها كيان فاسد وغير كفؤ يدفع رواتب للأسرى الأمنيين على هجمات نفذوها ضد إسرائيليين، ولم تكن لزعيمها القدرة على إدانة الفظائع التي ارتكبت في السابع من أكتوبر.

إن إحباط بايدن من حكومة نتنياهو، كما عبّر عنه في تصريحاته يوم الثلاثاء، هو أنه يرى أن خطاب رئيس الوزراء حول الحكم المستقبلي في غزة والعداء العميق لحكومته تجاه الدولة الفلسطينية هما عقبتان رئيسيتان أمام رؤيته الكبرى للتطبيع الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية الرئيسية، بما في ذلك السعودية.

تحدث الرئيس الأمريكي ذلك المساء عن خطط لربط المنطقة مع خط سكة حديد عابر للشرق الأوسط، وأشار ضمنا إلى أن هذه الرؤية لن تكون ممكنة إلا إذا كان هناك أفق سياسي للتطلعات الوطنية الفلسطينية.

رؤية بايدن؛ واقع إسرائيل

لكن رؤية بايدن تصطدم هنا ليس فقط بصخور المتطرفين في حكومة نتنياهو، بل أيضا في الواقع السياسي في إسرائيل، التي أصبحت حتى قبل 7 أكتوبر متشككة للغاية في فكرة الدولة الفلسطينية.

وبالعودة إلى الماضي القديم للحملة الانتخابية لانتخابات نوفمبر 2022، حتى غانتس قال إنه لا توجد فرصة للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين في المستقبل القريب.

الوزير بيني غانتس يحضر مؤتمرا صحفيا في وزارة الدفاع في تل أبيب، 22 نوفمبر، 2023. (Chaim Goldberg/Flash90)

قد يشعر بايدن بالإحباط الشديد تجاه نتنياهو وشركائه السياسيين المتطرفين، كما أن رغبته في أن يقوم رئيس الوزراء على الأقل بإخراج هؤلاء المتطرفين من ائتلافه لتعزيز الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل أمر منطقي على العديد من المستويات.

ولكن إذا كان بايدن يعتقد أن هناك أي احتمال لاستجابة نتنياهو لهذا الطلب، فإنه قد أساء فهم الرجل الذي يتعامل معه، على الرغم مما يقوله مرارا عن علاقته الطويلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وبالمثل، إذا كان الرئيس الأمريكي يعتقد أن هناك أي شهية أو دعم في إسرائيل في الوقت الحالي لتعزيز قدر أكبر من الحكم الذاتي والاستقلال للفلسطينيين، فإنه قد أساء فهم روح العصر السياسي في البلاد في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر.

وبغض النظر عمن قد ينضم إلى الحكومة بأي طريقة كانت، فمن غير المرجح أن يرى بايدن الكثير من الدعم لهذه الفكرة في الوقت الحالي.

اقرأ المزيد عن