إسرائيل تكثف ضرباتها على رفح بينما تحذر الولايات المتحدة من أن هجوما كبيرا سيكون بمثابة “كارثة”
مصر تكرر مخاوفها من أن الحملة الإسرائيلية في مدينة غزة الواقعة في أقصى جنوب غزة قد تؤدي إلى نزوح جماعي للفلسطينيين من القطاع؛ ضابط يقول إن قوات حماس في خان يونس دُمرت إلى حد كبير
كثفت القوات الإسرائيلية غاراتها الجوية على رفح يوم الخميس، بعد أن تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوسيع الهجوم العسكري إلى المدينة في أقصى جنوب غزة، حيث يتجمع أكثر من مليون فلسطيني وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس.
وجاءت الغارات في الوقت الذي واصلت فيه القوات الإسرائيلية عملياتها في خان يونس، شمال رفح، حيث قال ضابط إن قوات حماس في المدينة دُمرت إلى حد كبير حتى مع بقاء زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار طليقا على الرغم من الجهود المكثفة للوصول إليه.
وقصفت طائرات إسرائيلية أجزاء من رفح صباح الخميس، حسبما قال السكان، مما أسفر عن مقتل 11 فلسطينيا على الأقل في ضربات على منازل، وهو رقم لم يتسن التأكد منه. كما قصفت دبابات بعض المناطق في شرق رفح، مما زاد من مخاوف السكان من هجوم بري وشيك.
وفي واشنطن، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرات شديدة اللهجة من قيام إسرائيل بتوسيع نطاق هجومها على المدينة، محذرة من عواقب كارثية ما لم يتم أخذ المدنيين الذين يحتمون بالمدينة في الاعتبار.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، إن الولايات المتحدة “لم تر بعد أي دليل على التخطيط الجاد لمثل هذه العملية”، مضيفا: “إجراء مثل هذه العملية الآن دون تخطيط ومع قليل من التفكير في منطقة” أوى إليها مليون شخص “سيكون بمثابة كارثة”.
وأصدر البيت الأبيض تحذيرا مماثلا.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحفيين “إن أي عملية عسكرية كبيرة في رفح في هذا الوقت، وفي ظل هذه الظروف، مع أكثر من مليون – وربما أكثر من مليون ونصف – فلسطيني يلتمسون اللجوء ويبحثون عن ملجأ في رفح دون إيلاء الاعتبار الواجب لسلامتهم ستكون بمثابة كارثة، ونحن لا ندعم ذلك”.
وقال نتنياهو يوم الأربعاء إنه أمر القوات “بالاستعداد للعمل” في رفح، بعد رفض “مطالب حماس المتوهمة” في محادثات بشأن صفقة رهائن. من بين شروط حماس كان الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وإنهاء القتال، وهي شروط غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل لأنها ستترك الحركة دون مساس كحاكم للقطاع بعد الحرب، التي اندلعت بعد الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر.
وقال مسؤول إسرائيلي لـ”تايمز أوف إسرائيل” إن القدس لن تتقدم باقتراح مضاد لما وصفه أيضا بمطالب حماس “المتوهمة”، بل تسعى للضغط على قطر، عبر الولايات المتحدة، لممارسة الضغط على حماس لتخفيف شروطها.
وواصلت الولايات المتحدة، إلى جانب الوسيطين مصر وقطر، الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن على أن يكون مصحوبا بهدنة، مع وصول وفد من حماس إلى القاهرة لإجراء المفاوضات. ولقد ضغطت مصر على إسرائيل لإرسال ممثلين لها أيضا، لكن القدس رفضت القيام بذلك، وفقا لأخبار القناة 12.
وحذرت منظمات الإغاثة الدولية من أن أي عملية كبيرة في رفح ستؤدي إلى تفاقم ما تقول إنه كارثة إنسانية بالفعل في غزة.
وتقول إسرائيل إنها تتخذ خطوات لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين وتتهم مسلحي حماس بالاختباء بين المدنيين، بما في ذلك في ملاجئ المدارس وفي المستشفيات، مما يؤدي إلى مقتل المزيد من المدنيين. وقد نفت حماس ذلك.
وبسبب الصراع، نزح أكثر من نصف سكان القطاع إلى رفح، على الحدود المغلقة في معظمها مع مصر، والتي تعد أيضا نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية. وحذرت مصر من أن أي عملية برية هناك أو نزوح جماعي عبر الحدود من شأنه أن يقوض معاهدة السلام التي وقّعتها مع إسرائيل منذ أربعة عقود.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية المصرية يوم الخميس إن القاهرة تشعر بالقلق إزاء احتمال قيام سكان غزة بمحاولة كبيرة للفرار عبر الحدود عندما يقوم الجيش الإسرائيلي بتوسيع عملياته في رفح.
في مقابلة مع قناة “الغد” الإخبارية المصرية، قال أحمد أبو زيد إن مصر ترى أن الوضع في منطقة رفح جنوب قطاع غزة “لا يطاق وكارثي”.
وقال أبو زيد “إن استمرار الضربات الإسرائيلية على المناطق المكتظة بالسكان سيخلق واقعا غير قابل للعيش. سيناريو النزوح الجماعي وارد. الموقف المصري في هذا الشأن كان واضحا وصريحا للغاية: نحن ضد هذه السياسة ولن نسمح بها”.
وأظهرت الصور التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة أن مصر تقوم على ما يبدو بتحصين دفاعاتها على الحدود بأسلاك شائكة وجدران إضافية.
بحسب مسؤول إسرائيلي، أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن قلقه بشأن توسيع إسرائيل للقتال في مدينة رفح بجنوب غزة خلال محادثات مع نتنياهو وكابينت الحرب في اليوم السابق.
وأكد المسؤول على أنه “لن تكون هناك مساومة” بشأن الإطاحة بحماس عسكريا وسياسيا، وهو ما يعني العمل في رفح.
وقال مسؤول إسرائيلي ثان لـ”تايمز أوف إسرائيل” يوم الخميس إن العملية في رفح لن تكون هجوما واسعا تقوم به فرقة كاملة مثل العملية الحالية في خان يونس، وإنما سيتم تنظيمها من خلال عمليات مستهدفة محددة.
وفي خان يونس، قال ضابط عسكري كبير إن القوات تعمل على “تقشير” البنية التحتية لحماس.
وقال الضابط لوكالة “رويترز” إن العملية في خان يونس لتدمير حماس واستعادة أي رهائن قد يكونون محتجزين هناك ستستمر “سواء استغرق الأمر ساعتين أو يومين أو أسبوعين أو شهرين – أو حتى أكثر”.
وقال الضابط لرويترز شريطة عدم الكشف عن هويته إن القوات الإسرائيلية قتلت 2000 مسلح وأصابت 4000 وأسرت “مئات” آخرين. وأضاف أن ذلك دمر إلى حد كبير كتيبة خان يونس التابعة لحماس، والتي كانت قوتها قبل الحرب خمس كتائب.
ولم يتسن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل. ونادرا ما تنشر حماس تفاصيل بشأن انتشار قواتها أو خسائرها.
وقال الضابط: “كان لواء خان يونس هو أقوى كتيبة تمتلكها حماس، وكان قائدها مهيمنا للغاية. نحن نقوم بتقشيرها، طبقة بعد طبقة”.
وأضاف أن هجمات المسلحين الفلسطينيين أصبحت متفرقة بشكل متزايد، مما يشير إلى فقدان التحكم والسيطرة. وتقول حماس إن الكمائن التي تنصبها ما زالت تتسبب في سقوط ضحايا إسرائيليين.
خان يونس هي مسقط رأس زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، العقل المدبر لعملية القتل والاختطاف التي وقعت في 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل والتي أشعلت فتيل الحرب.
وقال الضابط: “أعتقد بما لا يدع مجالا للشك أنه موجود في خان يونس – إلى جانب بعض قادة حماس المتبقين”.
يوم الخميس، أفادت هيئة البث الإسرائيلية “كان” أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يعتقدون أن السنوار منفصل عن سلسلة القيادة في حماس منذ عدة أسابيع ولم يشارك في وضع الإطار النهائي لاقتراح صفقة الرهائن التي طرحتها حماس على مصر وقطر. وفقا للتقرير، تقدّر إسرائيل أن السنوار لم يتلق تحديثات حول الإطار الذي توصلت إليه إسرائيل في باريس، والذي تم تقديمه بعد ذلك إلى مفاوضي حماس.
واقتراح حماس، الذي جاء ردا على الخطوط العريضة التي أرسلها الأسبوع الماضي وسطاء قطريون ومصريون وبدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، تضمن بندا نصه: “مرهون بموافقة قيادة حماس في غزة”.
يوم الخميس، كرر وزير الدفاع يوآف غالانت تقييمه بأن السنوار “هارب” وكشف عن مزيد من التفاصيل حول وثائق تم العثور عليها ومواد أخرى تقول إسرائيل إنها تظهر روابط حماس المباشرة وتنسيقها مع إيران.
بحسب غالانت، من بين الأشياء التي عثرت عليها القوات كانت مظاريف مليئة بالنقود أرسلتها إيران، بما في ذلك المدفوعات مباشرة إلى السنوار.
وقال غالانت أثناء قيامه بجولة في قاعدة للاستخبارات العسكرية: “هناك دليل واضح على الأموال التي تم تحويلها ومتى وصلت وإلى من تم تحويلها. وطبعا ما نراه هو أن يحيى السنوار يهتم بنفسه أولا وقبل كل شيء”.
وأضاف وزير الدفاع وهو يحمل المظروف داخل حافظة بلاستيكية: “من بين ملايين الدولارات، يذهب مليون إلى [السنوار]. ومن بين عشرات الملايين، يضع ما يحتاجه في جيبه. خذ على سبيل المثال هذا المظروف المخصص ليحيى السنوار وعائلته – يحتوي على أموال نقدية – عشرين ألف دولار”.
“حماس تحارب وتمارس الإرهاب، بينما يحيى السنوار يحتفل مع عائلته. هذا سينتهي. يحيى السنوار تحول من زعيم منظمة إرهابية إلى هارب”.
يُعتقد أن 132 رهينة اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر ما زالوا في غزة – وليسوا جميعهم على قيد الحياة – بعد إطلاق سراح 105 مدنيين من أسر حماس خلال هدنة استمرت أسبوعا في أواخر نوفمبر. وتم إطلاق سراح أربع رهائن قبل ذلك، وأنقذت القوات واحدة منهم.
كما تم انتشال جثث ثماني رهائن وقتل الجيش ثلاث رهائن عن طريق الخطأ. وتحتجز حماس أيضا مدنييّن إسرائيلييّن، هما أفيرا منغيستو وهشام السيد، اللذين يُعتقد أنهما على قيد الحياة بعد دخولهما القطاع بمحض إرادتهما في عامي 2014 و2015، إلى جانب جثتي الجنديين الإسرائيليين أورون شاؤول وهدار غولدين اللذين قُتلا عام 2014.
يوم الإثنين، أكد الجيش الإسرائيلي أن ما لا يقل عن 31 من الرهائن المحتجزين في غزة لم يعودوا على قيد الحياة، بما في ذلك شاؤول وغولدين. وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن هناك مخاوف من مقتل 20 آخرين، لكن الجيش لم يؤكد ذلك.
أطلقت إسرائيل حملتها العقابية ضد حماس بعد أن قادت الحركة هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص في إسرائيل، واختطاف 253 آخرين إلى غزة.
وقُتل أكثر من 27,800 فلسطيني في غزة، بحسب وزارة الصحة التي تديرها حماس. ولا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، ويُعتقد أنها تشمل الوفيات الناجمة عن فشل الجماعات المسلحة في غزة في إطلاق صواريخ، كما أن الأرقام لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. وتقول إسرائيل إنها قتلت 10 آلاف من مقاتلي حماس في غزة، بالإضافة إلى 1000 مسلح في إسرائيل في 7 أكتوبر.
ساهم في هذا التقرير لازار بيرمان