إسرائيل تسحب دبلوماسييها من تركيا لإعادة تقييم العلاقات في أعقاب تصريحات أردوغان ضد “جرائم الحرب” الإسرائيلية
الرئيس التركي يصعّد من حدة لهجته ويقول لمئات الآلاف خلال مظاهرة في اسطنبول إن الغرب هو المتهم الرئيسي في "المذبحة" التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة
أعلنت إسرائيل يوم السبت عن سحب دبلوماسييها من تركيا لـ”إعادة تقييم العلاقات” بعد أن واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهاجمة اسرائيل بسبب نشاطها العسكري في قطاع غزة.
وجاء في بيان صادر عن وزير الخارجية إيلي كوهين “في ضوء اللهجة المتصاعدة من تركيا، أصدرت تعليمات بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا من أجل إعادة تقييم العلاقات بين إسرائيل وتركيا”.
وجاء إعلان كوهين في الوقت الذي قال فيه أردوغان أمام حشود مناصرة للفلسطينيين في اسطنبول يوم السبت إن بلاده تستعد للإعلان عن إسرائيل “مجرمة حرب” بسبب أنشطتها في غزة.
في خطابه أمام مئات الآلاف من الأشخاص الذين شاركوا في المظاهرة، حمّل أردوغان أيضا الدول الغربية مسؤولية القتلى في غزة لفشلها في وقف الهجمات الإسرائيلية.
وقال أردوغان: “يا إسرائيل، سنعلنك مجرمة حرب أمام العالم. نحن نقوم باستعداداتنا وسنعلن إسرائيل أمام العالم مجرمة حرب”.
وصعّد أردوغان، الذي جددت حكومته مؤخرا علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل، من حدة انتقاداته بشكل كبير لإسرائيل. في وقت سابق من هذا الأسبوع، أكد أن حركة حماس ليست منظمة إرهابية ولكنها مجموعة تحرير من “المجاهدين” الذين يقاتلون من أجل أرضهم وشعبهم.
Istanbul, Turkey.
Thousands rally in solidarity with the Palestinian people in Gaza. pic.twitter.com/4LBJ2IJKHf— TIMES OF GAZA (@Timesofgaza) October 28, 2023
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي من المقرر أن يتولى منصب وزير الخارجية العام المقبل، إن أردوغان “كشف وجهه الحقيقي” في المسيرة.
وكتب كاتس على منصة X: “رجل الإخوان المسلمين يدعم إرهاب حماس وداعش. وحتى كوفيته لن تغطي العار”.
وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة غلعاد إردان: “الثعبان سيظل ثعبانا”.
ونقلت إذاعة الجيش عن إردان قوله: “حاول [أردوغان] تحسين صورته، لكنه يبقى معاديا للسامية”.
ولوح المشاركون في المسيرة بالأعلام التركية والفلسطينية. وشارك في المظاهرة، الموسيقار يوسف إسلام، المعروف سابقا باسم كات ستيفنز.
وخلال التجمع، وصف أردوغان القوى الغربية بأنها “المذنب الرئيسي وراء المذبحة” التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة.
وأضاف: “بالطبع لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن أين العدالة في هذه الحالة؟”
واتهم القوى الغربية “بذرف الدموع” على مقتل مدنيين في أوكرانيا وغض الطرف عن مقتل مدنيين فلسطينيين في غزة.
وقال: “نحن ضد كل ازدواجية في المعايير وضد كل هذا النفاق”.
واتهم حلفاء إسرائيل بخلق “أجواء حرب صليبية” تؤلب المسيحيين ضد المسلمين.
وقال أردوغان: “استمعوا إلى دعوتنا للحوار. لا أحد يخسر من السلام العادل”.
ولقد اتخذ الرئيس التركي موقفا أكثر حذرا في الأيام الأولى بعد أن شن مسلحو حماس هجوما مباغتا في 7 أكتوبر، قتلوا خلاله أكثر من 1400 شخص في جنوب إسرائيل، معظمهم من المدنيين، واحتجزوا أكثر من 230 رهينة. لكنه أصبح أكثر صخبا مع تزايد أعداد القتلى المعلن عنها في غزة نتيجة الرد العسكري الإسرائيلي.
يوم السبت، قالت وزارة الصحة في غزة إن إسرائيل قتلت 7703 فلسطينيا بينهم أكثر من 3500 طفل. ولم يتسن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل ولم تقدم الحركة أرقاما عن القتلى من المقاتلين. وتقول إسرائيل إن حوالي 1500 مسلح فلسطيني قُتلوا في هجوم 7 أكتوبر.
وكان أردوغان قال يوم الأربعاء إن حماس ليست منظمة إرهابية، بل أنهم “مجاهدون” يدافعون عن وطنهم.
وقال أردوغان، متحدثا أمام تجمع لحزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه في البرلمان، إن إسرائيل “يمكن أن تنظر إلى حماس كمنظمة إرهابية، إلى جانب الغرب. الغرب مدين لكم بالكثير. لكن تركيا لا تدين لكم بأي شيء”.
وقال وسط تصفيق حار: “حماس ليست منظمة إرهابية، إنها مجموعة من المجاهدين الذين يدافعون عن أراضيهم”.
في أعقاب ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليئور حيات إن “إسرائيل ترفض بشدة التصريحات القاسية للرئيس التركي بشأن منظمة حماس الإرهابية”.
وأضاف حيات أن حماس “منظمة إرهابية أسوأ من داعش”، وأنه “حتى محاولة الرئيس التركي الدفاع عن المنظمة الإرهابية وكلماته التحريضية لن تغير من الفظائع التي شهدها العالم أجمع والحقيقة التي لا لبس فيها: حماس = داعش”.
تقول إسرائيل إنها تقصف أهدافا إرهابية في القطاع كجزء من حملتها ضد حماس منذ 7 أكتوبر.
ولم يدين أردوغان رسميا الهجمات التي ارتكبتها حماس ضد الإسرائيليين.
وأعاد خطاب أردوغان في أنقرة إلى الأذهان تصريحات أدلى بها في السنوات الأخيرة دفاعا عن حماس.
في عام 2018 كتب في تغريدة كـ”تذكير” لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن “حماس ليس منظمة إرهابية والفلسطينيون ليسوا إرهابيين”، مضيفا “إنها حركة مقاومة تدافع عن الوطن الفلسطيني ضد قوة محتلة”.
ولم يتردد أرودغان في وصف حزب العمال الكردستاني (PKK)، بالإرهابيين، وأمر الجيش بتنفيذ عمليات ضد المنظمة. في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن أردوغان عن “عمليات جوية مكثفة” ضد حزب العمال الكردستاني في أعقاب تفجير انتحاري في أنقرة، متعهدا “بأن نظهر للإرهابيين أننا قادرون على تدميرهم في أي مكان وفي أي لحظة”.
كما وصف نتنياهو حزب العمال الكردستاني بأنه “منظمة إرهابية”.
وقال أردوغان لمنتدى حزب العدالة والتنمية يوم الأربعاء أنه سيلغي خططه لزيارة إسرائيل بسبب حربها “غير الإنسانية”.
وقال أردوغان: “كان لدينا مشروع لزيارة إسرائيل، لكنه ألغي، لن نذهب”.
في غضون ذلك، اتهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، متحدثا من قطر، إسرائيل بارتكاب “جريمة ضد الإنسانية” في حملتها على غزة.
وقال، وهو يقف إلى جانب وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن “استهداف إخواننا الفلسطينيين من الأطفال والمرضى وكبار السن، حتى في المدارس والمستشفيات والمساجد، جريمة ضد الإنسانية”.
وينتقد أردوغان إسرائيل منذ أن بدأت حملتها العسكرية ضد حماس في أعقاب مجازر 7 أكتوبر.
في الأسبوع الماضي، دعا أردوغان إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكرية.
وقال في بيان: “من الواضح أنه لا يمكن ضمان الأمن بقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. أكرر دعوتنا للحكومة الإسرائيلية إلى عدم توسيع نطاق هجماتها ضد المدنيين والوقف الفوري لعملياتها التي تكاد ترقى إلى إبادة جماعية”.
وشكل دفاع أردوغان عن حماس والاتهامات ضد إسرائيل ضغطا شديدا على جهود تحسين العلاقات خلال العام ونصف العام الماضيين بعد سنوات من العداء.
كانت إسرائيل حليفا إقليميا قديما لتركيا قبل وصول أردوغان إلى السلطة، لكن العلاقات انهارت بعد عملية كوماندوز إسرائيلية عام 2010 على متن سفينة “مافي مرمرة” التي كانت متجهة إلى غزة، وكانت جزءا من “أسطول الحرية” الذي حاول كسر الحصار عن القطاع، وخلفت 10 نشطاء أتراك قتلى خلال اشتباك مع الجنود الإسرائيليين على متن السفينة.
وتبادل نتنياهو وأردوغان الإهانات مرارا في السنوات التالية، بما في ذلك الاتهامات المتبادلة بالإبادة الجماعية. وفي يوليو 2014، اتهم أردوغان الدولة اليهودية بـ”إبقاء روح هتلر حية” خلال الحرب مع غزة.
وشهدت العلاقات في وقت لاحق تحسنا معتدلا، لكن البلدين سحبا سفيريهما في عام 2018 وسط أعمال عنف في غزة ونقل إدارة ترامب سفارتها إلى القدس.
في مواجهة العزلة الدبلوماسية المتشددة والمشاكل الاقتصادية، بدأ أردوغان في إظهار انفتاح علني تجاه التقارب في ديسمبر 2020. وفي أغسطس من العام الماضي، أعلنت إسرائيل وتركيا عن التجديد الكامل للعلاقات الدبلوماسية.
وفي أواخر سبتمبر، التقى أردوغان مع نتنياهو في نيويورك في أول لقاء معروف بينهما وناقش الاثنان بحماسة سبل التعاون. واستضاف أردوغان الرئيس يتسحاق هرتسوغ في مارس الماضي في أنقرة – في أول زيارة إسرائيلية رفيعة المستوى منذ عام 2008 – والتقى وزير الخارجية كوهين بالزعيم التركي في فبراير، كما التقى رئيس الوزراء حينذاك يائير لابيد مع أردوغان في نيويورك على هامش الجمعية العامة العام الماضي.
في الوقت نفسه، تحافظ تركيا على علاقات عميقة مع حماس. وكان أردوغان على اتصال وثيق بقيادة حماس منذ بداية الحرب، وسمح للحركة بالعمل من مكتب في إسطنبول لأكثر من عقد من الزمن، وأصر على أن بلاده تستضيف الجناح السياسي للحركة فقط. لكن في عام 2020، قدمت إسرائيل للمخابرات التركية أدلة على أن أعضاء في الجناح العسكري لحركة حماس يعملون في المكتب، تحت إشراف صالح العاروري المقيم في بيروت.
ومن هذا المكتب، يُزعم أن حماس خططت لهجماتها ضد إسرائيل وابتكرت طرقا لتحويل الأموال إلى نشطاء الحركة في الضفة الغربية.
في مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية في الأسبوع الماضي، قال رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، خالد مشعل، المقيم في قطر إنه يكّن “احتراما كبيرا لتركيا” مضيفا أنه “ينبغي على تركيا أن تقول [لإسرائيل] ’توقفي’”، وفقا لما ذكره موقع “المونيتور”. وقد التقى الزعيم السابق للحركة مرارا مع أردوغان على مر السنين، وفي خطاب أمام أعضاء حزب أردوغان في عام 2014، قال إنه يأمل في “تحرير فلسطين والقدس” معهم.
أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن غالبية المواطنين الأتراك يريدون أن يظل أردوغان محايدا أو أن يتوسط في الحرب.