إسرائيل تحارب فيسبوك وتتهمه بـ’تمكين الإرهاب’، ولكن مشاريع قوانين جديدة قد تخطأ الهدف
إسرائيل تقول بأن التحريض الفلسطيني على شبكة الإنترنت يؤدي إلى هجمات وتنتقد مواقع التواصل الإجتماعي بعدم العمل بجدية على وقف التحريض، لكن خبراء قانونيين يصفون مشاريع القوانين الجديدة ب’خرقاء’ و’مخيفة’

في أعقاب الهجمات التي ضربت باريس في عام 2015، عندما طغت الألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء على صور الحسابات على موقع “فيسبوك” في الغرب تضامنا مع فرنسا، كان عملاق مواقع التواصل الإجتماعي يقوم بعملية تنظيف ضخمة.
بطلب من الحكومة الفرنسية، التي اعتمدت على قانون يحمي كرامة الإنسان، قام موقع التواصل الإجتماعي بإزالة 32,000 تدوينة تضمنت صورة معينة مرتبطة بالمذبحة.
كانت هذه أكبر كمبية من “المحتوى المقيد” التي يقوم بها بلد وفقا لتقرير “فيسبوك” الذي يصدر مرتين في العام حول طلبات حكومات بالتدخل، قبل الهند – التي منعت 14,971 تدوينة في يوليو-ديسمبر من عام 2015 بإدعاء أنها تشكل “خطاب كراهية ومعاداة للدين قد يتسبب باضطرابات وتنافر داخل الهند” وتركيا، التي طلبت إزالة 2,078 تدوينة خلال الفترة نفسها بسبب “مجموعة واسعة من الجرائم من بينها إنتهاك الحقوق الشخصية والخصوصية وتشويه صورة أتاتورك”، الرئيس الأول لتركيا الحديثة.
يقول موقع التواصل الإجتماعي في مبادئه التوجيهية، “عندما تعتقد الحكومة بأن شيئا ما على شبكة الإنترنت ينتهك قوانينها، بإمكانها الإتصال بشركات مثل فيسبوك وأن تطلب منها تقييد الوصول إلى هذا المحتوى. عندما نحصل على طلب كهذا، يتم التدقيق فيه لتحديد ما إذا كان المحتوى المحدد ينتهك بالفعل القوانين المحلية. إذا حددنا بأنه يفعل ذلك، نجعله غير متوفر في البلد أو الإقليم المعني”.
بسبب غضبها من رفض “فيسبوك” إزالة كل المواد التي تطلب حذفها، قررت إسرائيل الإنضمام إلى السرب، مع تقديم تشريعات تسمح للمحكمة بإصدار أمر يجبر “فيسبوك” على حذف تدوينات تدعو للعنف.
لكن خبراء قانونيين يحذرون من أن عملاق التواصل الإجتماعي لن يتقيد بالضرورة بهذه الأوامر وبالقوانين المحلية، وربما حتى قد يقرر صرف النظر عن السوق الإسرائيلية؛ وهم يرون أيضا بأن التشريع “أخرق” ويتطلب عملية قانونية طويلة لإزالة المحتوي وبأن لدى إسرائيل أصلا قوانين لمكافحة التحريض على شبكة الإنترنت لكنها نادرا ما تقوم بفرضها.
أكثر من ذلك، إجبار الشركة العالمية على مشاركة المعلومات مع دول يخلق سابقة خطيرة و”مخيفة”، كما تحذر د. تهيلا شفارتز ألتشولر، باحثة متخصصة في وسائل الإعلام في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.
في الوقت نفسه، تزعم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن التعرض للتحريض على شبكة الإنترنت أثبت بأنه يؤدي مباشرة إلى العنف، ويشكل خطرا حقيقيا وملموسا على حياة الأبرياء. في غضون ذلك، يقوم نشطاء بشكل مستقل بممارسة ضغوط على الشركة لإجبارها على اعتماد معايير أكثر صرامة ضد التحريض.
تقول نيتسانا درشان-ليتنر، من مركز القانون الإسرائيلي، الذي يمثل عائلات ضحايا هجمات في دعوى جماعية ضد “فيسبوك” تطالبها بفدع تعويضات بقيمة مليارد دولار، “بإمكانهم تحصين أنفسهم في أبراجهم العاجية في بالو ألتو في الوقت الذي تسفك فيه دماء اليهود هنا”، وتضيف إن على الشركة “تحمل المسؤولية لتحييد هذا التحريض. لديها الأدوات للقيام بذلك وهي ملزمة بفعل ذلك”.
الإقتراحات
في الأشهر التسعة من الهجمات الفلسطينية والتي قُتل فيها أكثر من 35 إسرائيلي، تبين في كثير من الأحيان أن منفذي هجمات تصرفوا بأسلوب “الذئب وحيد” وقاموا بنشر إشادة بمنفذي هجمات سابقين على حساباتهم في موقع التواصل الإجتماعي. الكثيرون منهم نعوا أقارب قُتلوا خلال مهاجمتهم لإسرائيليين، وتخللت مشاركاتهم أيضا تدوينات تشيد بـ”الشهادة” أو تتوق لها.
وزير الأمن العام غلعاد إردان – الذي قال يوم السبت بأن “فيسبوك” هي “وحش” يتيح الإرهاب، وادعى أن يدي مؤسسها مارك زوكربيرغ ملطخة بدماء هاليل أريئيل البالغة (13 عاما) – ووزيرة العدل يعملان على الدفع بمشروع قانون يسمح للحكومة بطلب الحصول على أمر محكمة لإجبار موقع التواصل الإجتماعي على إزالة محتوى معين بالإستناد على توصيات للشرطة. تم الإعلان عن الإقتراح فورا بعد اجتماع شاكيد وإردان مع مسؤولين في “فيسبوك” في الكنيست قبل أسبوعين، وسيتم تقديمه بشكل رسمي في الأسابيع القادمة.
بشكل منفصل، تقدمت عضو الكنيست رفيتال سويد بمشروع قانون يفرض غرامة مالية بقيمة 300,000 شيكل (77,000 دولار) ضد “فيسبوك” على كل تدوينة تشمل تحريضا لا يقوم موقع التواصل الإجتماعي بإزالتها على الفور. مشروع القانون الذي طرحته سويد – ووقع عليه نواب من الإئتلاف والمعارضة – يضع المسؤولية على “فيسبوك” في تعقب التدوينات وإزالتها، وهو إجراء تقول الشركة إنها لا تقوم به، حيث أنها تعتمد على مستخدميها للإبلاغ عن تدوينات إشكالية.
في دفاعه عن التشريع، يقول إردان إن لدول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا قوانين مماثلة يجري العمل بها، و”فيسبوك” تتقيد بها. مع ذلك، بحسب متحدث بإسم الوزير، وافقت “فيسبوك” مؤخرا على إزالة 23 من أصل 74 صفحة لفتت إسرائيل انتباهها إليها بدعوى نشر التحريض الفلسطيني. وقال المتحدث لتايمز أوف إسرائيل “سياسة إزالة [المحتوى] لديهم صارمة جدا جدا والمعايير الموضوعة صعبة للغاية”.
“فيسبوك” لا تعترف أيضا بسلطة إسرائيل في الضفة الغربية، كما قال المتحدث. “أكثر من ذلك، إذا كتب أحدهم شيئا إشكاليا وهو يعيش في يهودا والسامر، فهم [فيسبوك] يرفضون التعاون معنا ويقولون بأن ذلك خارج إسرائيل وبالتالي لا يمكنهم التعاون معنا”، كما قال. “فيسبوك” رفضت التعليق على هذه المزاعم.
وأضاف المتحدث، عندما تتوجه وحدة الجرائم الإلكترونية في الشرطة إلى “فيسبوك” في طلبات طارئة لإزالة تدوينات، يضطر عناصر الشرطة إلى التواصل مع مكاتب الشركة في ايرلندا، على الرغم من أن للشركة حضور كبير في إسرائيل. وحتى أن عملية إزالة تحريض بالغ الخطورة “قد يستغرق بضع ساعات أو أكثر، ونحن لا نملك وقتا لذلك – نحن بحاجة للرد بشكل فوري”.
في حديث مع القناة الإسرائيلية الثانية يوم الثلاثاء، تحدثت شاكيد بلهجة أكثر تصالحية، وقالت إن القانون سيُطبق فقط في حالات “متطرفة”. وأشارت إلى أن تنسيق “فيسبوك” مع إسرائيل جيد وبشكل عام تقوم الشركة بإزالة 50% من التدوينات التي تطلب إسرائيل إزالتها.
وفقا لمعطيات “فيسبوك”، قامت الشركة بتزويد إسرائيل بكمية من المعلومات في 59.52% من أصل الطلبات ال294 التي تقدمت بها بين يوليو وديسمبر من عام 2015، وقامت بتقييد 236 تدوينة في هذه الفترة. من يناير وحتى يوليو 2015، تمت الموافقة بشكل جزئي على الأقل على 63.22% من طلبات الـ -174 التي تقدمت بها إسرائيل، وتقييد 195 محتوى منشور. معطيات الإمتثال لطلبات الحكومة مشابهة لتلك التي في فرنسا وألمانيا، ولكنها أقل من التي في تركيا، حيث أن 80% من الطلبات في عام 2015 قوبلت بقدر من الإلتزام من قبل الشركة.
’خرقاء’ و’مخيفة’، لكن هل هي ضرورية؟
في الأسبوع القادم، ستتقدم درشان-ليتنر بدعوى جماعية ضد “فيسبوك” نيابة عن عدد من عائلات الإسرائيليين الذين قُتلوا في هجمات منذ أكتوبر. ولكن حتى في الوقت الذي تقول فيه بأن إسرائيل “لا تملك خيارا” سوى الدفع بتشريعات ضد “فيسبوك”، لكنها تقر بوضوح بالمشاكل الكامنة في الإقتراحات الحالية.
القانون المقترح يلزم الشرطة بالتوجه إلى النائب العام مع المحتوى المسيء. إذا خلص النائب العام إلى أن المحتوى يرقى إلى التحريض، سيكون بإمكان الشرطة التوجه إلى المحاكم لإصدار أمر قضائي في حالات طوارئ.
هذا “أخرق”، كما تقول درشان-ليتنر، حيث أنه يتطلب عملية قانونية مطولة .
وقالت: “من جهة، لا خيار هناك، لأن هذا التحريض يؤدي حقا إلى القتل. وينبغي حقا التعامل مع هذا التحريض، وينبغي حقا إزالته. وإذا لم تؤتي المحادثات حتى الآن بثمارها، فمن الممكن أنه لا يوجد هناك خيار آخر [سوى] فرض ذلك من خلال قانون. ولكنني لا أعلم إلى أي مدى ستوافق ’فيسبوك’ على التعاون مع سلطات فرض القانون في إسرائيل”.
على الرغم من أن لشركة “فيسبوك” مصالح تجارية في إسرائيل، لكن السوق الإسرائيلي صغير نسبيا، كما تقول. “لا يوجد هناك خيار. لا أعلم أذا كانت ’فيسبوك’ ستوافق على مواصلة العمل في إسرائيل نتيجة للتشريع”.
شفارتز ألتشولر تؤكد على أن التشريع “إشكالي للغاية” وغير قابل للتطبيق. هل يمكن لإسرائيل من ناحية قانونية إجبار ’فيسبوك’ على إزالة تدوينات بالكامل؟ “بالتأكيد لا”، كما تقول. “فيسبوك” لا تتبنى القوانين المحلية، بحسب أقوالها، ولكنها تقوم بإزالة محتوى بشكل إختياري بالإستناد على علاقتها بالسلطات السياسية.
بحسب شفارتز ألتشولر توجد لإسرائيل قوانين تسمح بملاحقة التحريض على مواقع التواصل الإجتماعي، ولكنها نادرا ما تختار القيام بذلك. بالتالي فإن إسرائيل هي ايضا مذنبة في فشلها في خلق “رادع” على شبكة الإنترنت.
مشروع قانون إردان وشاكيد “يخيفني”، كما تقول، حيث أن من شأنه تهديد الخصوصية وحرية التعبير. “مفارقة الخصوصية” هي أن الأفراد يعتمدون على شركات جمع معلومات عالمية للبقاء منفصلين عن الدول. من شأن مشروع القانون المقترح تعزيز التقاطع بين هذه الشركات والدول – وكمثال أشارت إلى العرض الجوي الذي قام به سلاح الجو الإسرائيلي مؤخرا على شرف “غوغل” – وهذا “يخيفني لأن خصوصيتنا تعتمد على ذلك”.
“سيكون من السيء للغاية إذا عملت ’فيسبوك’ في خدمة دولة إسرائيل”.
من المسؤول؟
في إعقاب الإتهامات الحادة التي وجهها إردان لشركة “فيسبوك”، يرى بعض المراقبين الإسرائيليين أن وزير الأمن العام يضع اللوم على موقع التواصل الإجتماعي لصرف الأنظار بعيدا عن فشل أجهزة الأمن الإسرائيلية في تحديد مواقع منفذي الهجمات الذين يقومون بنشر تدوينات على الإنتنرت قبل خروجهم لتنفيذ عملية.
النائبة في الكنيست شيلي يحيموفيتش (المعسكر الصهيوني) قالت خلال نهاية الأسبوع “وضع اللوم على ’فيسبوك’ (أو أي موقع تواصل إجتماعي) في الإرهاب الدموي شبيه بتحميل اختراع الكتابة المسؤولية لأن بإمكان الإرهابيين نقل رسائل مكتوبة، والإدعاء أن إختراع النار مكن القبائل العنيفة من حرق أعدائها. الهاتف. التلفزيون. الكهرباء… اختراع العجلة (فهم يصلون في مركبات)!”.
لكن شفارتز ألتشولر ترى بأن خوارزمية “فيسبوك”، التي تسلط الضوء على محتوى “جاذب”، تساهم بطبيعتها في “تطرف الخطاب”.
القول إن “المنصة محايدة أو غير سياسية هو ببساطة غير صحيح”. فالخوارزمية “تشجع كثيرا الإشادة بالإرهاب”، كما تقول، مشيرة إلى روبوت “مايكروسوفت-تويتر” الذي سرعان ما تم إستخدامه لنشر مشاعر مؤيدة للنازيين الجدد فور إطلاقه على موقع التواصل الإجتماعي.
وتعتقد شفارتزر ألتشولر بإن عنف “الذئب الوحيد” الذي يجتاح إسرائيل يتمتع ب”ريح خلفية” من خوارزمية “فيسبوك”.
لا يعني ذلك أن الباحثة تنظر إلى “فيسبوك” بصورة سلبية. كما هو الحال مع أي أداة جديدة، هناك دائما فترة تجريبية لا يمكن تجنبها.
“أقول دائما لطلابي: في الجيل الذي تم فيه اكتشاف النار، سار الكثير من الناس مع حروق في أيديهم”.
لكن فشل “فيسبوك” في إزالة تدوينات تدعو إلى العنف ضد الإسرائليين واليهود قد يندرج تحت فئة مختلفة، بحسب نشطاء.”معايير المجتمع” الخاصة بـ”فيسبوك” تنص على عدم السماح بأن يكون هناك تواجد لمجموعات إرهابية على الموقع. “نقوم أيضا بإزالة محتوى يعبر عن دعم لمجموعات منخرطة في السلوك العنيف أو الجنائي المذكور أعلاه. دعم قادة هذه المنظمات أو الإشادة بهم أو التغاضي عن أنشطتهم العنيفة غير مسموح”.
لكن إسرائيل ونشطاء مؤيدين لها يدعون منذ مدة طويلة بأن “فيسبوك” لا تقوم بما فيه الكفاية للرد على شكاوى ضد تدوينات مسيئة.
بحسب درشان-ليتنر، هناك “عشرات الآلاف” من التدوينات التي تحث صراحة على طعن يهود إسرائيليين لم يتم إزالتها على الرغم من طلبات متكررة. شفارتز ألتشولر، بالإعتماد على شهادات، توافق على أن سياسة إزالة التدوينات في “فيسبوك” “غير متسقة”، ولكنها لا تعزو ذلك إلى خبث من جهة الشركة، بل إلى جهل ثقافي لموظفي “فيسبوك” المكلفين بإزالة التدوينات.
أين فيسبوك؟
توفر “فيسبوك” قدرا من الشفافية – وإن لم يكن بدرجة كبيرة – في تقاريرها حول الطلبات التي تتقدم بها الحكومات. أية تفاصيل حول تعاملات الشركة مع الحكومات، بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية، غير متوفرة إلى حد كبير.
تعاقدت “فيسبوك” في لندن مع جوردانا كاتلر، مستشارة سابقة لرئيس الوزراء بينيامين نتنياهو وكبيرة المستشارين السابقة في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، للعمل في منصب وضع سياسات في الشركة. التعيين لاقى إشادة من إردان، لكن المتحدث بإسمه قال بأن كاتلر لا تمثل دولة إسرائيل في منصبها الجديد. كاتلر، التي لم تبدأ بعد العمل في منصبها الجديد، رفضت طلبا لإجراء مقابلة معها عبر ممثل العلاقات العامة في “فيسبوك”.
ورفض أيضا مسؤولون في “فيسبوك إسرائيل” طلب إجراء مقابلة ورفضوا التعليق بشكل رسمي على التفاصيل المتعلقة بعلاقات الشركة مع الحكومة. الشركة أصدرت بيانا رسميا جاء فيه:
“نحن نعمل بانتظام مع مؤسسات السلامة وصناع القرار حول العالم، بما في ذلك في إسرائيل، للتأكد من أن الأشخاص يعرفون كيفية جعل الإستخدام آمنا على فيسبوك. لا مجال هناك لمحتوى يدعو إلى العنف والتهديدات المباشرة وخطابات الإرهاب أو الكراهية على منصتنا. لدينا مجموعة من معايير المجتمع المصممة لمساعدة الأشخاص على فهم ما هو مسموح على فيسبوك، وندعو الأشخاص إلى إستخدام إمكانية الإبلاغ الخاصة بنا في حال وجدوا محتوى يعتقدون بأنه ينتهك قواعدنا، حتى يكون بمقدورنا دراسة كل حالة واتخاذ إجراءات سريعة. لدينا حوار منتظم مع الحكومة حول هذه المسائل”.