إحدى الناجيات من هجوم حماس: لم يكن هناك سلاح جو ولا جنود، كنا بمفردنا
سكان من نتيف هعسراه يروون أنهم اختبأوا في غرف آمنة لمدة 12 ساعة وحاولوا مواساة أطفالهم بينما انتشر المسلحون في الموشاف وقاموا بإعدام السكان
داخل أراضي فندق يقع في تلال القدس خرج مئات الأشخاص للاستلقاء تحت أشعة الشمس.
تراقب الأمهات أطفالهن عن كثب وهم يركضون بين قلاع القفز والزلاقات القابلة للنفخ، ويشارك الأطفال الأكبر سنا في ورشة عمل لتنسيق الزهور، ويجلس الرجال والنساء كبار السن محاولين استيعاب ما حدث.
لكن هذا الهدوء خادع. جميع المقيمين في فندق “يعاريم” في معاليه هحميشاه في الوقت الحالي هم من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من منطقة غلاف غزة، والذين تعرضوا هذا الأسبوع لصدمة لا يمكن تصورها. فبعد أن فروا من أهوال الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل يوم السبت، ما زالوا يحاولون استيعاب مواجهتهم مع المسلحين الذين قتلوا المئات في الهجوم.
إحصل على تايمز أوف إسرائيل ألنشرة أليومية على بريدك الخاص ولا تفوت المقالات الحصرية آلتسجيل مجانا!
معظم الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى الفندق هم من نتيف هعسراة أو كيبوتس زيكيم. من بين القتلى ما لا يقل عن 20 من سكان نتيف هعسراه.
في حديثهم مع المراسل، أعرب الكثيرون عن نفس المشاعر: الدهشة المطلقة من أن مثل هذا الهجوم يمكن أن ينفذه أعداء إسرائيل؛ تحطم الشعور بالأمان الشخصي؛ وغضب شديد على الحكومة.
وفي الوقت نفسه، أعرب بعض الأشخاص الذين تم إجلاؤهم – ولكن ليس جميعهم – عن تصميمهم على العودة إلى ديارهم وإعادة بناء ما تم تدميره.
يقول غلين إيلون، وهو من سكان نتيف هعسراه منذ فترة طويلة: “أشعر بالغضب وأشعر [بالرغبة في الانتقام]”.
يقع الموشاف على بعد مئات الأمتار فقط من الحدود الشمالية لغزة، وهو أقرب تجمع مدني إلى القطاع الفلسطيني.
ويؤكد إيلون: “أنا لست مرعوبا، ولست خائفا، ولا أشعر بعصبية شديدة، لكن لو كانت لدي القوة لمارستها بهذين الشعورين”.
تمكن إيلون (82 عاما) وزوجته، وابنه الأصغر وزوجة ابنه، وثلاثة أحفاد صغار من الفرار عندما اقتحم مسلحو حماس البلدة وشرعوا في قتل أي شخص يمكن أن تقع أيديهم عليه – كما فعلوا في العديد من البلدات والتجمعات السكنية الأخرى في المنطقة.
بعض المسلحين الذين تسللوا إلى نتيف هعسراه على الأقل وصلوا على متن طائرات شراعية آلية. أحدهم هبط وراء منزل إيلون، وآخر خلف منزل ابنه الأكبر على بعض بضعة منازل.
وروى إيلون: “لقد فقد أحد جيراني ولديه اثنين في الهجوم. اختبأ جيراننا المسنين في غرفتهم الآمنة، وعندما لم يتمكن [المهاجمون] من الدخول، قاموا بتجميع الإطارات على المنزل وأحرقوه وهم بداخله”.
“كانت أم شابة في الحمام وعندما رآها الإرهابيون ألقوا قنبلة يدوية وقتلوها… لقد نزلوا في الطريق بين منزلي ومنزل الجار المجاور، وساروا مسافة 100 متر على الطريق وبدأوا في إطلاق النار على أي شخص يمكنهم العثور عليه”.
ويضيف: “لماذا فعلوا ذلك وتركونا وشأننا، لا أعلم، ربما هناك سبب ما وراء تفكيره بنا”، في إشارة غير مباشرة إلى الله.
وسارع إلى القول، رغم هذه الأفكار، أنه لم يعد متدينا، وفقد إيمانه عندما قُتل أحد أبنائه في حادث قبل 30 عاما أثناء اختبار سلاح مدفعي.
ابنه مدفون في نتيف هعسراه وهو يقوم بزيارة قبره مرة في الأسبوع.
ركض إيلون وعائلته أولا إلى غرفتهم الآمنة عندما بدأت حماس هجومها بوابل مكثف من الصواريخ في حوالي الساعة السادسة من صباح يوم السبت، ولم يعرف خلال الساعتين الأوليين من الهجوم أن المسلحين قد تسللوا إلى الأراضي الإسرائيلية، لأنه لم يكن هناك أي كهرباء أو اتصال بالإنترنت في معظم الوقت.
وفي إحدى المراحل، خرجت زوجة إيلون لإعداد الإفطار لأحفاده الذين تبلغ أعمارهم 12 و8 و5 أعوام.
يروي إيلون عن اللحظة التي أدركوا فيها وضعهم المزري: “ثم سمعناهم يطلقون النار من بنادق الكلاشينكوف، وسمعناهم يطلقون النار في الشارع المجاور لنا”.
“عائلتي شعرت بالرعب.. ابني كان يرتجف كورقة شجر، لم أتمكن من حمايته، ولم أتمكن من حماية أحفادي”.
بعد قضاء حوالي 12 ساعة في غرفتهم الآمنة وبعد أن هدأت أصوات إطلاق النار في نتيف هعسراه، تلقى السكان أخيرا رسائل من مركز الأمن في الموشاف مفادها أنه من الممكن المغادرة. ركب إيلون وعائلته سياراتهم حوالي الساعة السادسة مساء وفروا من المكان.
مثل إيلون، قضى ليئات ودافيد بن شيمول حوالي 12 ساعة في غرفتهما الآمنة حيث سمعا أصوات الحرب من حولهما.
عندما انطلقت صفارات الإنذار لأول مرة، قفزا من السرير وهرعا إلى الغرفة الآمنة مع اثنين من أولادهما الثلاثة، شيرا (14 عاما) وأريئل (10 أعوام) (الثالثة نوغا، 18 عاما، تواجدت خارج البلاد).
وعلى الرغم من أنهم معتادون على إطلاق الصواريخ وصفارات الإنذار، إلا أن وابل الصواريخ الهائل صباح يوم السبت أعطى شعورا بأن شيئا مختلفا يحدث. ثم حوالي الساعة العاشرة صباحا، بدأوا بسماع أصوات إطلاق النار.
يقول دافيد: “لم نفهم ما كان يحدث، انقطعت الكهرباء، ولم يكن هناك إنترنت، والشيء الوحيد الذي عرفناه هو أنه طُلب منا البقاء في الغرف الآمنة بعد التقاط إشارة للهاتف المحمول لبضع لحظات حوالي الساعة الثامنة صباحا”.
وبعد ساعة، حيث كانت معلوماتهم الوحيدة خلالها هي الأصوات التي يسمعونها من الخارج، تلقوا مكالمة هاتفية من ابن عم دافيد، وهو عضو في فريق الدفاع المدني في المجتمع المحلي.
تقول ليئات: “قال إنه أصيب برصاصة في ساقه، وأن هناك إرهابيين في جميع أنحاء الموشاف، ويجب علينا أن نغلق على أنفسنا والبقاء في المنزل… عندها أدركنا أننا بمفردنا. لم يكن هناك سلاح جو ولا جنود، بمفردنا”.
“كانت الأصوات في الخارج عالية جدا، وكان الأمر جنونيا. أصيب ابننا بنوبة ذعر، وكان يرتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه. بدأت ابنتنا بالصلاة وتلاوة المزامير”، كما روت.
وتقول: “كان الأطفال مرعوبين ويرتجفون، وكان لديهم الكثير من الأسئلة، وكانوا قلقين بشأن أصدقائهم، وسألوا عما سيحدث إذا جاء الإرهابيون إلى منزلنا”.
علموا لاحقا أن المسلحين فتحوا النار على السكان في منزل على بعد بابين منهم فقط. وبأعجوبة، لم يحاولوا أبدا دخول منزلهم.
في كثير من الأحيان، كانت إشارة هاتف دافيد وليئات المحمول تعود وكانا يتلقيان رسائل من السكان المصابين والمذعورين على مجموعة الواتساب في الموشاف. وترك بعض الأشخاص رسائل صوتية تفيد أنهم يسمعون المسلحين في منازلهم ويطلبون المساعدة. تقول ليئات إنها عندما ردت على الرسائل ولم تتلق أي رد، “علمنا أنهم قُتلوا”.
وقالت امرأة مسنة تعيش في مكان قريب إنها أصيبت وكانت تنزف، لكن لم يتمكن أحد من الوصول إليها لمساعدتها. وقال الزوجان إنه تم إنقاذها في النهاية ونجت.
وفي وقت ما خلال النهار، وسط المذبحة الذي دارت في الخارج، أرسل دافيد رسالة صوتية إلى ابنته نوغا، التي تتطوع حاليا مع الوكالة اليهودية في سان فرانسيسكو، يخبرها فيها أنهم بخير.
يقول باكيا وهو يرتجف: “أردتها أن تكون هادئة إذا رأت أو سمعت ما يحدث قبل أن نتمكن من التحدث، حتى لو اضطررت إلى الكذب، لم أكن أريدها أن تقلق”.
عندما تلقوا أخيرا إشعارات بأنه من الممكن المغادرة، أسرع الزوجان مع ولديهما وألقيا ببعض الملابس والمتعلقات في السيارة. وفي طريقهم للخروج، رأوا جثثا ملقاة على الأرض، إلا أنها كانت مغطاة بالبطانيات من قبل عاملي الطوارئ والإنقاذ، وكانت رائحة المباني المحترقة كثيفة في الهواء.
يقول دافيد: “نحن نتألم. لا يمكن تصور كيف حدث ذلك. كيف سنعيد بناء الموشاف بعد ما حدث؟”
لكن الزوجين يصران على أنهما سيعودان وسيعيدان بناء الموشاف.
وتقول ليئات: “لن نعود فحسب، بل سنعود ونبني بشكل أقوى. جميع الأطفال من الموشاف يقولون إنهم يريدون المساهمة والمساعدة والعمل، وأنهم يريدون الذهاب إلى الجيش والقتال”.
وينتقد إيلون بشدة الحكومة بسبب الفشل الذي مكن حماس من تنفيذ هجومها غير المسبوق.
ويقول: “أنا غاضب لأن لا أحد يتحمل المسؤولية، غاضب لأن شيئا كهذا يمكن أن يحدث، غاضب لأن الحكومة لم تكن على دراية بما يحدث”.
وتساءل: “أين كانت قواتنا الأمنية المتبجحة، أين كان الجنود، أين كان الجيش في الساعات السبع الأولى؟”
“كان الناس يصرخون طلبا للمساعدة، لكن لم تكن هناك دبابات ولا مركبات عسكرية ولا جنود”.
على الرغم من أنه من مؤيدي اليمين، إلا أن إيلون يشعر بخيبة أمل شديدة تجاه القيادة الحالية.
ويقول: “ليس لدينا حكومة. بدلا من ذلك لدينا أشخاص يسعون لإلقاء اللوم على الآخرين. لو كان رئيس الوزراء رجلا لكان قدم استقالته وقال ’لقد خذلت البلاد، وخذلت الشعب، وخذلت الجميع، سأترك منصبي’ – وهو يجر خلفه ذيل الفشل”.
ويضيف أنه غير متأكد من إمكانية العودة إلى نتيف هعسراه بسبب قربها من غزة. لكن على افتراض أن ذلك ممكن، فإن قراره واضح.
ويتعهد قائلا: “هل سأترك بلدتي وابني مدفون هناك؟ أقوم بزيارته كل أسبوع. لن أذهب إلى أي مكان. هل تعود إلى البيت؟ إنها بيتنا، إلى أين سنذهب؟”