إسرائيل في حالة حرب - اليوم 644

بحث

أعمال النهب وحوادث إطلاق النار تؤكد وجود مخاطر جديدة تواجه سكان غزة في سبيلهم للنجدة والمساعدات

استئناف المساعدات يجلب معه حمولة من المشاكل القاتلة، حيث تكافح الأطراف المتنافسة لتوفير الغذاء بأمان لسكان غزة وسط خليط من الجنود والعصابات المسلحة وحماس المتشبثة بالسلطة

أشخاص يحملون صناديق إغاثة وزعتها "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل في مركز لتوزيع المساعدات في وسط قطاع غزة في 29 مايو 2025. (Eyad BABA / AFP)
أشخاص يحملون صناديق إغاثة وزعتها "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل في مركز لتوزيع المساعدات في وسط قطاع غزة في 29 مايو 2025. (Eyad BABA / AFP)

قال مسؤولون إسرائيليون إن مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات الأخرى دخلت القطاع منذ أن بدأت اسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى القطاع الشهر الماضي بعد توقف دام 11 أسبوعا.

وقد ذهبت بعض المساعدات إلى مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي منظمة جديدة مثيرة للجدل تدير أربعة مراكز مخصصة لتوزيع المساعدات حيث يتم تسليم صناديق المساعدات للأفراد.

وفي الوقت نفسه، استمرت المساعدات في التدفق عبر الآلية السابقة التي تنسقها الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، والتي تتولى اللوجستيات والتوزيع على المستودعات والمرافق في جميع أنحاء القطاع. ورغم أن هذه الآلية تتمتع بشرعية دولية، تقول إسرائيل إنها تجعل إمدادات المساعدات عرضة للاستيلاء عليها من قبل حركة حماس، التي تشن إسرائيل عليها حربا.

بعد حصار استمر من 2 مارس إلى 19 مايو، تظهر الآن لقطات إعادة تزويد المستودعات الإنسانية بالمؤن وتوزيع المساعدات. لكن الأسبوعين الماضيين شهدا أيضا ارتفاعا حادا في البلاغات عن عمليات نهب، سواء العفوية أو المنظمة، فضلا عن اشتباكات عنيفة بين عناصر حماس والقوات الإسرائيلية بالقرب من مواقع المساعدات.

وفي حين اتهمت حماس وآخرون إسرائيل بإطلاق النار وقتل الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدات، أشار البعض إلى حماس والعصابات المحلية في غزة باعتبارها المسؤولة عن أعمال العنف المحيطة بالمساعدات.

وفقا لمايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز “ديان” بجامعة تل أبيب، يبدو أن وحدة تابعة لحماس تُعرف باسم ”سهم“ تتخذ إجراءات وحشية ضد المشتبه في أنهم لصوص.

وقال ميلشتاين لـ”تايمز أوف إسرائيل“ عن “سهم”: ”كل من أتحدث معهم في غزة يتحدثون عنهم. إنهم يعدمون الناس على اليمين وعلى اليسار“. وأضاف أن الوحدة كُلفت بـ”فرض النظام“ في غزة.

صبي يحمل صندوق إمدادات إغاثة من مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) في وسط قطاع غزة، 29 مايو 2025. (Eyad BABA / AFP)

تنشر قناة على “تلغرام” مرتبطة بالوحدة بانتظام تقارير ولقطات من العمليات ضد المجرمين والمتعاونين المزعومين. وتُظهر التحديثات اليومية أفرادا في غزة “يجري التعامل معهم” من قبل آليات حماس، أي الضرب أو القتل، بسبب تورطهم في سرقة المساعدات، وفقا للتقارير.

يوم الثلاثاء، أفادت القناة أن وحدة “سهم” أعدمت سبعة غزيين بتهمة السرقة والتعاون مع إسرائيل.

على الرغم من الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف، والتي قُتل فيها آلاف المقاتلين، قال ميلشتاين إن حماس لا تزال ”اللاعب الوحيد المهيمن في غزة الذي يواصل فرض النظام“.

شاحنات مساعدات إنسانية عند معبر كيرم شالوم، على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع قطاع غزة، 29 مايو 2025. (Flash90)

وقال ميلشتاين ”إن [حماس] محطمة ومحدودة، وهي مجرد ظل باهت لما كانت عليه في 7 أكتوبر 2023 – ولكن دعونا لا نخطئ، فهي لم تختف أو تتلاشى، ولا حتى من قلوب الناس. لا أرى العلامات الكلاسيكية في الشرق الأوسط على انهيار النظام. لا يوجد استسلام جماعي لحماس، ولا رايات بيضاء، ولا أعضاء حماس يُطاردون في الشوارع. هناك احتجاجات، وهناك عصابات، لكن كلما تحققت من الوضع، لا أرى أي مؤشرات على أن شيئا مختلفا جذريا على وشك الحدوث”.

انتشار النهب

تم توثيق العديد من حوادث النهب على نطاق واسع في جميع أنحاء القطاع منذ استئناف إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. في بعض الحالات، يبدو أن النهابين هم أفراد يائسون من سكان غزة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي في غزة وثقت أيضا عمليات نهب منظمة طوال الحرب، غالبا ما نفذتها عصابات، بعضها لديها سجلات جنائية.

في 25 مايو، تم تصوير عشرات من سكان غزة وهم يقتربون من شاحنة تحمل مساعدات إنسانية في وسط مدينة غزة. سُمع صوت إطلاق نار وتفرق الحشد، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان النهب قد وقع في نهاية المطاف.

يُعتقد أن الطلقات النارية أطلقتها حماس أو قوة أمنية محلية أخرى؛ لا يحمي الجيش الإسرائيلي قوافل المساعدات داخل غزة، بل تقتصر حمايته على التواجد بالقرب من مناطق التوزيع المحددة التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية.

كبير المحللين في مركز موشيه ديان، الدكتور ميخائيل ميلشتاين. (Courtesy)

بعد أيام، أظهرت لقطات مصورة التقطت خلال ساعات الليل بين 27 و28 مايو عشرات من سكان غزة وهم ينهبون شاحنة مساعدات إنسانية وصلت إلى منطقة السوق في النصيرات بوسط غزة. وأفادت التقارير أن الشاحنة كانت في الأصل موجهة إلى الشمال لتسليم إمدادات إلى المنظمات الإنسانية التي كانت ستشرف على توزيعها بشكل منظم.

في 28 مايو، انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مئات الأشخاص ينهبون مستودعا كبيرا يحتوي على ما يبدو أنه إمدادات إنسانية، بما في ذلك أكياس من الدقيق.

على الرغم من أن وسائل الإعلام المناهضة لحماس زعمت أن المستودع تابع للحركة، ووصفته بأنه دليل على الغضب الشعبي ضد حكام غزة، إلا أن برنامج الأغذية العالمي – وهو منظمة تابعة للأمم المتحدة – أوضح في نهاية المطاف أن اللقطات تظهر مستودعا تابعا له في دير البلح. وأكد البرنامج مقتل شخصين خلال أعمال النهب، لكنه لم يكشف عن ملابسات وفاتهما.

فلسطينيون نازحون ينقلون أكياس المساعدات الغذائية بعد اقتحام مستودع برنامج الأغذية العالمي في دير البلح بوسط قطاع غزة في 28 مايو 2025. (Eyad BABA / AFP)

ونفت حركة حماس، التي اتهمتها بعض التقارير بإطلاق النار على اللصوص، إطلاق النار على المدنيين.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت حماس قد لعبت أي دور في أعمال النهب أو كانت مسؤولة عن تأمين المستودعات المنهوبة.

في 1 يونيو، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات صورتها طائرة مسيرة تظهر مسلحين من غزة يطلقون النار على أشخاص يحاولون التقاط مواد إغاثة في خان يونس، متهما حماس بمحاولة منع وصول المساعدات إلى سكان غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي: ”حماس منظمة إرهابية وحشية وقاتلة تقوم بتجويع سكان غزة. وهي تبذل كل ما في وسعها لتخريب عملية توزيع المواد الغذائية في غزة“.

بحسب منسق أعمال الحكومة في الأراضي، الوحدة في وزارة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات إلى غزة، دخلت أكثر من 1100 شاحنة محملة بالمواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية إلى القطاع عبر معبر كيرم شالوم منذ 19 مايو، بما في ذلك 157 شاحنة يوم الثلاثاء.

ومع ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها لم تتمكن من استلام معظم الشاحنات المتجهة إلى المستودعات الإنسانية التي تدعمها بسبب عدم أمان الطرق ومشاكل الوصول، حيث لم يتم استلام سوى 200 شحنة من المعبر حتى 27 مايو.

عشرات من سكان غزة ينهبون شاحنة مساعدات في خان يونس، 31 مايو 2025. (Screenshot: Twitter, clause 27a)

واتهم جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، إسرائيل بمحاولة عرقلة إيصال المساعدات.

وقال للصحفيين: ”نواجه تحديات في جمع البضائع من معبر كيرم شالوم بسبب انعدام الأمن، والتأخير الطويل في الحصول على التصاريح اللازمة، وتخصيص طرق نقل غير مناسبة، ومواجهة يأس الحشود ونهبهم – كل ذلك نتيجة للقيود التي فرضتها السلطات الإسرائيلية“، مضيفا “لا يوجد حل لوجستي لقرار سياسي يهدف إلى عرقلة المساعدات”.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة لـ ”تايمز أوف إسرائيل“ إن المنظمة تتجنب استخدام قوات أمن مسلحة لحراسة الشحنات، وتعتمد بدلا من ذلك على التنسيق مع ممثلي المجتمع المحلي للحد من النهب من قبل سكان غزة. لكن هذه التكتيكات تصبح أقل فعالية مع تزايد اليأس.

تحالف مع عصابات

تحدث مسؤولون في المجال الإنساني في الماضي عن العمل مع زعماء العشائر المحلية لتأمين شحنات المساعدات عبر المناطق الخاضعة لسيطرتهم الاسمية، وأفادت تقارير أن إسرائيل فكرت أيضا في اتخاذ إجراءات مماثلة.

ورغم أن التفاصيل غير واضحة، يبدو أن بعض الترتيبات قد تشمل عمليات دفع إتاوات للحماية مع عمليات النهب، حيث يتم دفع أموال لعصابات مسلحة من النهابين مقابل إبعاد نهابين آخرين.

في الأسابيع الأخيرة، تكاثرت التقارير عن جماعة مسلحة تعرف باسم “أبو شباب”، تتألف من أفراد عائلة واحدة، وتعمل بالقرب من كيرم شالوم (كرم أبو سالم) في منطقة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية. وتظهر لقطات نُشرت على الإنترنت، بما في ذلك من قبل زعيم العشيرة ياسر أبو شباب، أفراد العصابة يرتدون زيا عسكريا عليه العلم الفلسطيني وكلمة ”آلية مكافحة الإرهاب“.

أعضاء مسلحون من عشيرة أبو شباب يرتدون الزي الرسمي في منطقة رفح، مايو 2025. (Screenshot: Twitter, clause 27a)

وقال ميلشتاين: ”قصة أبو شباب هي التي تخيفني أكثر من غيرها. من الواضح جليا أن إسرائيل إما تدعم هذه العصابة أو تتسامح معها، وهذا يعكس أسوأ أنماط السلوك الإسرائيلي في الماضي في العالم العربي – إبرام صفقات مع مجرمين مشبوهين، تماما كما حدث في الثمانينيات عندما دعمت إسرائيل الكتائب المسيحية في لبنان ضد [منظمة التحرير الفلسطينية]“.

وأضاف ”كل من أتحدث إليه في غزة يقول إن عشيرة أبو شباب هم تجار مخدرات ولصوص. قبل أن يصبحوا وكلاء لإسرائيل، كانوا ينهبون قوافل المساعدات“.

رفضت إسرائيل الرد على الأسئلة المتعلقة بأي علاقة مزعومة مع أبو شباب، على الرغم من أن للطرفين كما يبدو عدو مشترك وهو حماس.

في 30 مايو، نشرت حماس مقطع فيديو رسميا يظهر مجموعة من الرجال المسلحين والملثمين يعملون خارج مبنى قبل أن يتم تفجيره. زعمت حماس أن المجموعة التي تظهر في الفيديو كانت تعمل مع الجيش الإسرائيلي لتفتيش المباني قبل دخول القوات الإسرائيلية، دون تحديد ما إذا كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين.

ومع ذلك، تشير المقارنات عبر الإنترنت مع صور سابقة لعصابة أبو شباب إلى أنها نفس المجموعة، مما يدل على أن حماس تعتبر العصابة تهديدا لها.

وفقا لميلشتاين، قتلت حماس في السابق 20 فردا من العشيرة في إطار حملتها ضد اللصوص.

وقال: ”حماس ستدمرهم، حتى لو كان ذلك صعبا“.

مصيدة موت

في محاولة لمنع وصول المساعدات إلى حماس، دعمت إسرائيل والولايات المتحدة آلية جديدة لتوزيع المساعدات على سكان غزة في مواقع تديرها مؤسسة غزة الإنسانية.

ورفضت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى التعاون مع الآلية الجديدة، بدعوى إنها لا تمتثل للمبادئ الإنسانية بتحويل المساعدات إلى أداة للحملة العسكرية الإسرائيلية وإجبار سكان غزة على قطع مسافات طويلة عبر خطوط الجيش الإسرائيلي للوصول إلى المساعدات، مما يعرضهم للخطر.

وفي الأيام الأخيرة، تجددت هذه المخاوف بعد سلسلة من حوادث إطلاق النار المميتة خارج أحد مواقع توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في رفح، بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي النار على فلسطينيين اقتربوا من القوات بعد أن انحرفوا عن مسار محدد مسبقا للوصول إلى أحد مواقع توزيع المساعدات في رفح.

فلسطينيون يكافحون للحصول على طعام متبرع به في مطبخ مجتمعي في خان يونس، جنوب قطاع غزة، 2 يونيو 2025. (AP Photo/Abdel Kareem Hana)

زعمت السلطات الصحية التابعة لحركة حماس أن 61 شخصا قُتلوا ومئات آخرين أصيبوا في حوادث إطلاق نار أيام الأحد والاثنين والثلاثاء. ولم يتم التحقق من هذه الأرقام، واتهم الجيش الإسرائيلي الحركة بتضخيمها.

ووصفت مؤسسة غزة الإنسانية، التي يكتنفها الجدل، التقارير التي أفادت بوقوع إطلاق نار وأعمال عنف أخرى في مواقع توزيع المساعدات بأنها جزء من حملة دعائية لحماس تهدف إلى تشويه سمعة العملية، في رسالة رددتها إسرائيل والولايات المتحدة.

ومع ذلك، أغلقت المؤسسة مواقعها ليوم واحد يوم الأربعاء لوضع تدابير مع الجيش الإسرائيلي لتعزيز الأمن ومنع وقوع إطلاق نار في المستقبل.

وقال ميلشتاين: ”هناك العديد من الجوانب المقلقة في آلية المساعدات الجديدة هذه. كل شيء غامض — لا نعرف كم يتم توزيعه، أو ما هي النسبة المئوية من إجمالي المساعدات“.

أشخاص يحملون صناديق إغاثة وزعتها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل في مركز لتوزيع المساعدات في وسط قطاع غزة في 29 مايو 2025. (Eyad BABA / AFP)

بشكل عام، فإن نهب شاحنات المساعدات والمشاكل مع مؤسسة غزة الإنسانية تسلط الضوء على التعقيدات والمخاطر التي تحيط بتسليم المساعدات في غزة التي مزقتها الحرب، حيث أن الادعاءات المتداخلة من قبل الجيش الإسرائيلي وحماس والمنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة تخلق صورة غامضة عن المسؤولية والواقع على الأرض.

وجادل ميلشتاين بأن حماس تمكنت من استغلال هذا الغموض لخلق صورة سائدة عن سكان غزة الذين يضطرون إلى المخاطرة بحياتهم لمجرد الحصول على الطعام، مع إلقاء اللوم على إسرائيل، بغض النظر عما إذا كان ذلك يعكس الواقع أم لا.

وأعرب عن استيائه قائلا: ”منذ يوم الأحد، أصبح سرد حماس عن ’مذبحة المساعدات‘ هو السرد السائد على الصعيد العالمي، وليس فقط بين الفلسطينيين. حتى أن المفوض العام للأونروا وصف مراكز توزيع المساعدات بأنها ’مصيدة موت‘. وهذا يؤثر في نهاية المطاف على الوضع على الأرض، ويؤثر على دافع سكان غزة للتوجه إلى مواقع التوزيع“.

اقرأ المزيد عن