هجوم حماس في 7 أكتوبر دفع إسرائيل إلى الحرب وجلب معه أكبر تهديد أمني لإسرائيل منذ نصف قرن.
في الوقت نفسه، أطلق هجوم 7 أكتوبر العنان لرد فعل عنيف في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين، الذين يتعرضون لهجمات عنيفة ومضايقات من قبل المستوطنين المتطرفين ووحدات الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلي والتي تم تشكيلها خصيصا لتوفير المزيد من الأمن للمستوطنات الإسرائيلية.
ووفقا لمجموعات ناشطة مثل “بتسيلم” و”سلام الآن”، اللتين تعارضان الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية، فضلا عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن هذه الموجة من المضايقات دفعت مئات الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الريفية المستضعفة إلى ترك منازلهم وقراهم.
وفقا لمنظمة “بتسيلم”، نزح حوالي 963 فلسطينيا من 16 تجمعا في الضفة الغربية نتيجة الهجمات منذ 7 أكتوبر.
وقد سجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أرقاما أعلى للفلسطينيين النازحين، ويقول إن 1149 شخصا من 15 تجمعا رعويا قد نزحوا بسبب عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي.
في زيارة قام بها مؤخرا إلى تلال جنوب الخليل، تحدث “تايمز أوف إسرائيل” مع العديد من السكان الفلسطينيين حول الهجمات وقام بزيارة إحدى القرى التي تحولت إلى قرية مهجورة.
حوادث المضايقات آخذة بالازدياد. يوم الأحد، وصل جنديا احتياط إسرائيليان ملثمان ومسلحان إلى قرية التوانة في تلال الخليل الجنوبية في مركبة لا تحمل لوحات ترخيص، وحاولا إزالة العلم الفلسطيني من مبنى إحدى المدارس.
بعد نشر مقطع فيديو للحادثة على وسائل التواصل الاجتماعي، تم طرد جنديي الاحتياط من الجيش الإسرائيلي.
وقد وقعت العديد من الحوادث الأخرى التي تم الإبلاغ عنها هذا الأسبوع وحده، بما في ذلك اتلاف مركبات زراعية في قرية وادي التيران وتدمير توربينة الرياح في وادي اجحيش.
وقُتل سبعة فلسطينيين على يد مستوطنين متطرفين، رغم أن ملابسات بعض هذه الحوادث غير واضحة ولم يكن بالامكان تحديد ما إذا كان هؤلاء الأفراد قد قُتلوا بنيران المستوطنين أو بنيران قوات الأمن الإسرائيلية.
بحسب منظمة “يش دين”، وهي مجموعة أخرى تعارض السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فقد وقع أكثر من 185 هجوما للمستوطنين ضد الفلسطينيين في أكثر من 84 بلدة وقرية حول المنطقة منذ 7 أكتوبر.
وقعت إحدى هذه الحوادث في قرية سوسيا الفلسطينية في تلال جنوب الخليل في 28 أكتوبر.
متحدثا لـ”تايمز أوف إسرائيل” في سوسيا، روى أحمد جبر نواجعة، وهو راع ومن سكان القرية، كيف تعرض للضرب من قبل رجال مسلحين وملثمين بزي عسكري إسرائيلي الذين هددوا بقتله إذا لم يترك أرضه.
وقال نواجعة إنه كان ينام في عربة زراعية في أرضه مع زوجته وابنتيه خشية من عنف المستوطنين واحتمال إحراق منازلهم وهم بداخلها.
وقال نواجعة لتايمز أوف إسرائيل من خلال مترجم: “لقد استيقظنا على صرخات عالية، ورأينا أسلحة موجهة نحونا”.
وروى أن الرجال كانوا مسلحين ببنادق هجومية من طراز M-16، ويعتقد أنهم مستوطنون ارتدوا زيا عسكريا إسرائيليا.
استدعى هؤلاء الرجال جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي إلى مكان الحادث، الذين فحصوا هوية نواجعة ثم طلبوا من المجموعة الأولى من الرجال مغادرة المكان.
لكن في وقت لاحق من تلك الليلة، في حوالي الساعة الرابعة صباحا، عاد الرجال الذين يعتقد نواجعة أنهم مستوطنون من كتيبة دفاع إقليمية احتياطية تم إنشاؤها حديثا، وقاموا بسحبه من العربة، واعتدوا عليه بالركلات والضرب، وهددوه بقتله إذا لم يقم بهدم جميع المباني الموجودة على أرضه ومغادرة الموقع.
وروى نواجعة “عندما وضع البندقية على رقبتي شعرت بالرعب. ظننت أنه سيطلق النار عليه، واعتقدت أن هذه هي النهاية. كان قلبي ينبض بجنون”.
وقال إن ابنته سارة تقيأت بينما أصيبت ابنته الأخرى سوار بنزيف في الأنف بسبب التوتر والخوف أثناء الواقعة.
وأضاف نواجعة إن مثل هذه الهجمات العنيفة والخطيرة هي تطور جديد منذ 7 أكتوبر، وإنه يشعر بالقلق إزاء وقوع المزيد من مثل هذه الحوادث.
وقال: “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. ليس لدينا أي بديل”.
قدمت محامية سكان سوسيا شكوى إلى الشرطة عبر نظام الشكاوى عبر الإنترنت، لكنه لم يتلق أي رد من الشرطة بعد.
ولم يستجب قسم المتحدث باسم الشرطة لطلبات للحصول على تعليق.
وقالت وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنها ليست على دراية بهذا الحادثة ولا يمكنها التعليق.
في حادثة سابقة وقع في 16 أكتوبر، تم تدمير ثلاثة خزانات مياه يستخدمها سكان سوسيا كوسيلة لتخزين المياه عمدا على يد رجل، يُعتقد أنه من سكان بؤرة استيطانية غير قانونية مجاورة، كان يقود جرارا، برفقة رجال مسلحين يرتدون زي عسكريا إسرائيليا، بعضهم كان ملثما بأقنعة سوداء.
بحسب ناصر نواجعة، وهو أيضا من سكان سوسيا، فإن الصهاريج تعرضت لأضرار بالغة وهي غير صالحة للاستخدام حاليا بسبب كمية الركام التي دفعها الجرار داخلها.
[1] BREAKING: 2.5 hours ago a bulldozer demolished 3 water cisterns and 2 water tanks in the Palestinian village of Susya in the South Hebron Hills. In addition to uprooting many trees and sealing up one of the caves of the community.
THREAD pic.twitter.com/EbkzgZEC5G
— Yehuda Shaul (@YehudaShaul) October 16, 2023
تقول الدكتورة قمر مشرقي أسعد، محامية سكان سوسيا والمديرة المشاركة لمنظمة “حقل: دفاعا عن حقوق الإنسان”، إنها اتصلت بمكاتب مكتب التنسيق المحلي التابع للإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع خلال الحادثة في محاولة لإيقاف عملية الهدم، لكن دون جدوى.
وتقع سوسيا في المنطقة (C) بالضفة الغربية حيث تتمتع إسرائيل بسيطرة أمنية ومدنية كاملة، وهي غير متصلة بنظام إمدادات المياه الإسرائيلي الرئيسي ويتعين على السكان إيجاد طرق أخرى للحصول على المياه.
وقالت الإدارة المدنية ردا على استفسار حول الحادثة إنه لم تكن هناك أوامر هدم ضد الصهاريج، لكنها لم تتمكن من التعليق على تصرفات الرجال المتورطين في الحادثة.
بعد تقديم طلب للحصول على تعليق، أقرت وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنه لم يكن هناك أمر قانوني لتدمير الصهاريج.
وقال الجيش الإسرائيلي إن “قوات الجيش الإسرائيلي التي جاءت إلى سوسيا لتنفيذ عملية هندسية في المسكن في ’سوسيا’ في 16 أكتوبر تجاوزت حدود العمليات التي تم تحديدها بسبب غياب التنسيق”.
وتابع البيان أن “الادعاءات المتعلقة بأضرار في الممتلكات معروفة لدينا”، مضيفا أنه “سيتم التحقيق في الحادثة وتطبيق الدروس لمنع وقوع حوادث مماثلة”.
ولم تستجب وحدة المتحدث باسم الشرطة على طلب للتعليق.
وتقع سوسيا إلى حد كبير على أراض فلسطينية خاصة، لكن سكانها لم يحصلوا قط على تصاريح بناء لمختلف المباني التي بنيت في الموقع. ولا تمنح الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع مطلقا مثل هذه التصاريح للفلسطينيين في المنطقة C، لذلك فإن البناء غير القانوني في القطاع الفلسطيني شائع جدا.
تعيش في سوسيا 35 عائلة التي تضم حوالي 350 نسمة، وللقرية تاريخ مضطرب مثلها مثل العديد من القرى الفلسطينية في المنطقة.
منذ عام 1985، تم هدم العديد من مباني سوسيا على أيدي موظفي إنفاذ القانون في الإدارة المدنية، وتم إصدار أوامر هدم ضد المباني الحالية في القرية منذ عام 2015 على الأقل، وهي أوامر أيدتها محكمة العدل العليا.
ومع ذلك، لم يتم تنفيذ عمليات الهدم بسبب الضغوط الدولية القوية ضد إسرائيل، بما في ذلك من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتصف المنظمات المؤيدة للاستيطان، مثل “ريغافيم”، سكان سوسيا بأنهم “مستقطنون” وتقول إنه تاريخيا لم تكن هناك تجمعات سكانية فلسطينية دائمة في المنطقة.
وتزعم ريغافيم إن بناء القرى الفلسطينية في تلال جنوب الخليل هو جزء من خطة أوسع تعتمدها السلطة الفلسطينية للسيطرة على المنطقة C، التي تشكل نحو 60% من الضفة الغربية.
فرق في الخدمة
أحد المخاوف الرئيسية التي أشارت إليها منظمات مثل بتسيلم وسلام الآن وغيرهما فيما يتعلق بالعنف ضد الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر، هو تشكيل الجيش الإسرائيلي لستة كتائب دفاعية إقليمية تطوعية للمساعدة في حماية مستوطنات الضفة الغربية.
في أعقاب المجازر التي ارتكبتها حماس في جنوب إسرائيل، تم استدعاء العديد من أعضاء فرق الأمن المدنية التي توفر الحماية للمستوطنات من قبل الجيش للقيام بعمليات في غزة أو على الحدود الشمالية مع لبنان.
وللتعويض عن هذه الخسارة في القوى العاملة الأمنية، أنشأ الجيش الإسرائيلي كتائب دفاعية إقليمية احتياطية جديدة تضم متطوعين مؤهلين من المستوطنات نفسها بالإضافة إلى رجال من داخل إسرائيل الذين خضعوا سابقا لتدريبات الجيش الإسرائيلي.
وقال الناشطون إن هذا الوضع أدى إلى طمس الخط الفاصل بين المستوطنين والجيش، ومكّن المستوطنين المتطرفين من استخدام وضعهم العسكري لمضايقة الفلسطينيين ومهاجمتهم.
وقال يهودا شاؤول، المدير المشارك في معهد الأبحاث الحمائمي “أوفيك”: “هناك مستوطنون عنيفون، الذين كانوا قبل شهرين أو ثلاثة يضربون ويهاجمون ويضايقون التجمعات الفلسطينية بهدف طردهم من أراضيهم. الآن تم تجنيدهم في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهم يرتدون الزي العسكري ويحملون الأسلحة، ويتمتعون بالسلطة الكاملة كجنود، وهم يفعلون الشيء نفسه”.
وأضاف “بهذه الطريقة نصل إلى الواقع اليوم، حيث لا يوجد لدى الفلسطينيين أي حاجز بينهم بين المستوطنين العنيفين، ويعمل المستوطنون مع إفلات من العقاب أكثر من المعتاد”.
يظن أحمد نواجعة على وجه التحديد أن أفرادا من الكتيبة الدفاعية الإقليمية في لواء يهودا بالضفة الغربية التي تم تشكيلها حديثا، وتغطي منطقة تلال جنوب الخليل، هم الذين هاجموه في ليلة 28 أكتوبر.
الأفراد المسؤولون عن التوغل غير القانوني يوم الأحد في التوانة، على الطريق من سوسيا، كانوا أيضا من كتيبة يهودا.
لطالما كانت منطقة تلال جنوب الخليل معقلا للنشاط الاستيطاني المتطرف، ولطالما كانت التجمعات السكانية الفلسطينية المحلية عرضة للمضايقات.
كان صلاح أبو عواد (28 عاما) يقيم في تجمع ودادي التحتا الذي لا يبعد عن سوسيا. ولكن في أعقاب سلسلة من الهجمات العنيفة والمضايقات، على يد مستوطنين محليين كما يبدو، قرر سكان ودادي التحتا العشرين ترك القرية في 16 يوليو من هذا العام.
وقال أبو عواد إنه أخذ قطيعه إلى حربة السيميا القريبة، ولكن بعد تعرضه للمضايقات انتقل هناك إلى تجمع قريب آخر وهو خربة الرظيم .
بحسب منظمة بتسيلم، قام مستوطنون متطرفون بتخريب ممتلكات في خربة الرظيم ومضايقة سكانها العشرين في خمس مناسبات في الفترة من 9 إلى 19 أكتوبر، مما دفع العائلتين اللتين كانتا تمثلان معا سكان القرية إلى مغادرة للموقع بالكامل في 21 أكتوبر.
وقال أبو عواد برباطة جأش “نعيش في ودادي التحتا منذ اجيال… ليس لدي كلمات لوصف ما أشعر به. ليس شعورا رائعا أن تستمر في التنقل”. يقيم أبو عواد في الوقت الحالي في تجمع صغير آخر في المنطقة.
خربة زنوتة هي قرية أخرى تم إخلاء سكانها منذ 7 أكتوبر. كانت القرية موطنا لحوالي 27 عائلة ويبلغ عدد سكانها حوالي 250 شخصا، لكنها مثل خربة الرظيم وسوسيا وقرى أخرى، واجهت هجمات ومضايقات مستمرة من قبل المستوطنين المتطرفين.
بين 12 و27 أكتوبر، بحسب بتسيلم، وقعت عدة حوادث اعتداء وتدمير للممتلكات، بما في ذلك للألواح الشمسية وخزانات المياه الحيوية لبقاء القرية، وضد سكانها، بما في ذلك حادثة زُعم أنه تم خلالها إلقاء قنبلة صوتية على السكان.
ويُزعم أيضا أنه تم خلال هذه الفترة تهديد السكان بالعنف إذا لم يغادروا القرية، على غرار التهديدات التي تم توجيهها إلى أحمد نواجعة في سوسيا.
قرر سكان خربة زنوتة في نهاية المطاف مغادرة القرية نتيجة لذلك، وقاموا بجمع وإزالة جميع الممتلكات التي يمكنهم أخذها معهم في 28 أكتوبر.
زار تايمز أوف إسرائيل القرية المهجورة ووجد الموقع بأكمله مهجورا. وكان السكان السابقون قد أزالوا الصفائح المعدنية التي يتم استخدامها لبناء أسقف المباني في هذه القرى بسبب عدم وجود تراخيص بناء، بالإضافة إلى كل ما يمكن أخذه.
وتعرضت مدرسة في خربة زنوتة بناها قسم الحماية المدنية والمساعدات الإنسانية التابع للاتحاد الأوروبي للتخريب، وتناثرت القمامة والحطام في أنحاء مجمعها الصغير.
حلقت مروحية رباعية مسيرة في سماء المنطقة أثناء الزيارة وهبطت على ارتفاع بضعة أمتار فقط فوق رأس هذا المراسل أثناء قيامه بجولة في الموقع.
ويقول الناشطون إن طائرات مسيرة تُستخدم بشكل متزايد لمضايقة الفلسطينيين وقطعانهم في المنطقة، إلا أنه كان المستحيل تحديد من قام بتشغيل هذا الجهاز بالتحديد.
وقالت حركة “السلام الآن” في تقرير صدر في 10 نوفمبر إن “الحرب في غزة خلقت واقعا جديدا حيث يعتمد النظام الأمني في الضفة الغربية بشكل متزايد على المستوطنين في إطار الأنشطة العملياتية، ويصبح أكثر اعتمادا عليهم”.
“يستفيد المستوطنون الأيديولوجيون والعنيفون من الحرب لإجبار الجيش على تحقيق أهدافهم الخاصة المتمثلة في الطرد وإلحاق الأذى بالفلسطينيين، وحتى التدخل في أنشطة الجيش الإسرائيلي” من أجل “تعزيز سيطرتهم على المنطقة C”.
وقال أندريا دي دومينيكو، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعليقا على ذلك، إن تزايد العنف ضد الفلسطينيين، والقيود المفروضة على حريتهم في الحركة، “مثير للقلق”.
وقال دومينيكو: “إن ذلك يؤدي إلى نزوح عائلات ومجتمعات بأكملها، ويولد احتياجات إنسانية. إن المجتمع الإنساني يدعمهم، ولكن مساعدتنا لن تكون ضرورية إذا تم احترام حقوقهم الأساسية. المستوطنات غير قانونية، ويجب حماية الفلسطينيين ومحاسبة من ينتهكون حقوق الإنسان”.
ولم يستجب مكتب وزير الدفاع يوآف غالانت ومكتب وزير المالية بتسلئيل سموتريش، الذي يشغل أيضا منصب وزير إضافي في وزارة الدفاع مسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية، لطلبات للحصول على تعليق.